الدكتور عبد الفتاح الفاتحي اجرت الصويرة نيوز حوارا مع الدكتور عبد الفتاح الفاتحي(1) الخبير الاستراتيجي في الشؤون المغاربية وقضايا الصحراء تناول فيه الوضع السياسي في منطقة المغرب العربي بعد الانقلاب العسكري الذي شهدته دولة “مالي”. اضافة الى تنامي نفوذ الطوارق المطالبين بالاستقلال وكيف يمكن للمغرب لعب ورقة الطوارق للضغط على الجزائر في علاقتها مع البوليساريو. وفيما يلي النص الكامل للحوار الصحفي (2): سؤال: بعد الانقلاب الذي عرفته دولة مالي في الآونة الأخيرة وصعود العسكر إلى سدة الحكم والتوثرات الداخلية التي تعرفها البلاد كيف سيؤثر هذا الانقلاب في الوضع داخل جنوب دول المغرب العربي سيما المتعلق بنفوذ القاعدة في المغرب الإسلامي؟. بداية يجب التأكيد أن هذا الانقلاب يعد نتاج عودة مسلحين إلى منطقة الساحل بعد انهار نظام القدافي الذي استأجرهم أعضاء ضمن كتائبه، وكان رجوعهم مرفقا بترسانة كبيرة من الأسلحة كما كانوا على جانب عظيم من التدريب على القتال، ضمن ذلك السياق تقوت جماعة الطوارق، فسارعت إلى تنفيذ عمليات عسكرية ضد مواقع الجيش المالي النظامي. وطبيعي أن لا يلقى انقلاب العسكريين في مالي أي دعم، مادام يوفر فرصا كبيرة لتقوية تنظيم القاعدة في بلاد المغرب بمنطقة الساحل الإفريقي، بل ويوفر لها تغطية لإخفاء الأسلحة المحصل عليها من كتائب القدافي، وهو الأمر الذي يثير قلق الجزائر التي تعد أول ضحية لحالة اللاستقرار في منطقة الساحل، وهي بذلك تشترك الرؤية مع مختلف الدول المغاربية للعمل المشترك من أجل استبعاد كل المقومات التي تمكنها تنظيم القاعدة من التغلغل أكثر في المنطقة. وإذا كانت الجزائر قد استبعدت المغرب بادعاء أنه غير منفتح جغرافيا على منطقة الصحراء لأن فضاءه الصحراوي منطقة دولية متنازعة عليها أو بالأحرى اعتبارها “أرض محتلة”، واكتفت بتشكيل قوة عسكرية مشتركة مع موريتانيا ومالي والنيجر، إلا أنها اليوم وبعد انهيار ذلك التنسيق العسكري، فإنها مجبرة على التنسيق مع الدول المغاربية في إطار استراتيجية مشتركة. سؤال: من المسائل الخطيرة التي سيأتي بها الصراع الداخلي في مالي تنامي نفوذ الطوارق المطالبين بالاستقلال كيف ترون العلاقات بين السلطة في الجزائر وطوارق الجزائر في حالة استقلال طوارق مالي؟. أعتقد أن الجزائر ستعاني كثيرا مع طوارقها، بعد أن يتقوا بطوارق مالي سياسيا. ولذلك فإني لا أرجح أن تسمح الجزائر بتواصل التفوق السياسي والعسكري للطوارق في المنطقة، تحت مبررات مكافحة الإرهاب. وهي بذلك ستكون مضطرة للتعاون مع العسكريين في بامكو، وإن لا تزال تكرر دعوته بعودة الشرعية الدستورية في مالي، ودعوتها للجيش بالعودة إلى ثكناتهم. ولذلك أتصور أن الجزائر ستتخلى عن لهجتها الدبلوماسية الحادة تجاه العسكريين في مالي لتميل إلى خيار التهدئة على أمل التعاون معهم لحل الأزمة مع الطوارق، لا سيما وأن الجزائر ظلت تمثل الوسيط الوحيد لحل خلافات القوى المسلحة المالية مع حكومة باماكو. وهي بذلك تتمكن من إحجام المطالب الانفصالية، حيث تعي الجزائر أنها ليست بمنأى عن مطالب مشابهة داخليا، ومنها استعادة القبائل لفورة مطالبها بالاستقلال. وخاصة بعد عقد تحالف سياسي بين الأمازيغ والطوارق الذي يعتبرون أنفسهم من نفس العرق وأن لهم الكثير من القواسم المشتركة. وهو ما قد يحول الجزائر نفسها إلى مسرح للتطاحن من أجل الاستقلال. وإذ تقدر الجزائر هذه التحديات جيدا، فإن ذلك ما جعلها تبقى حبل التنسيق الأمني والعسكري قويا مع نظام الحكم المخلوع، وهو ما كان يجسد سعي الجزائر إلى تصريف المشكلة الطوارقية على حساب مالي، ولعل طمعها هذا هو ما يجعلها تكرر بين الفينة الأخرى الدعوة إلى استعادة الشرعية الدستورية لنظام الحكم في مالي. ومعلوم أن الجزائر ترتبط بمالي في سياق برامج عسكرية منها الاشتراك في إنشاء قاعدة عسكرية مشتركة بتمنراست إلى جانب موريتانيا والنيجر والجزائر لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب. ويقرأ هذا الإصرار على التدخل في القضايا الداخلية المالية، محاولة لفرض نوع من الوصاية السياسية والعسكرية على الجزائر وذاك هو أساس الخلاف السياسي بين البلدين، حيث كانت الجزائر تحتج على مالي كلما سمحت للجيوش الأجنبية بمطاردة الإرهابيين بالساحل، وبالمقابل ظلت تغدق عليها الكثير من الأموال كمساعدات. وكانت عملية إطلاق مالي لسراح أربعة إرهابيين من بينهم جزائري بعد اتفاق مع فرنسا لتحرير رهائن من يد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أحد أسباب الغضب الجزائري على مالي، وهو ما يفسر رغبة الجزائر في الاستفراد بالقرار السياسي المالي واستبعاد فرنسا عن محيط الحكم في المالي. واستمرت الجزائر في رغبتها لاحتواء نظام الحكم في مالي فاختلفت مع مالي في تطور جديد للموقف الجزائري. ففي الوقت الذي تعتبر فيه مالي كل الحركات المسلحة ضد جنودها بأنهم إرهابيين، عادت الجزائر لتتراجع عن مواقفها، حيث نفي وزير خارجيتها مراد مدلسي صفة الإرهاب عن حركة “الطوارق” التي تقاتل الحكومة المالية. سؤال: هل ستؤثر الصراعات الداخلية داخل دولة مالي على المغرب؟. لا أتوقع حدوث أي تأثير على الموقف المغربي الدبلوماسي لا من حيث قضية الصحراء ولا من حيث الوضع الدبلوماسي المغربي على المستوى الإفريقي، ولا سيما العلاقات المغربية المالية. ذلك لأن المغرب يتوفر على العديد من عناصر الدعم لموقفه في مالي باستماراته والتواجد القوي لمؤسساته المالية والمصرفية، فضلا إلى تنسيقه الاقتصادي مع الشركات الفرنسية في مالي. ولذلك يمكن القول بأن نظام العسكر المالي لا يمكنه تبني مواقف سياسية ضد المغرب، ولا سيما ما يتعلق بأطروحة الجزائر -(حاضنة جبهة البوليساريو)- لكثير من النقط الخلافية بينهما، منها السعي الجزائري إلى تصريف مشاكل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والطوارق على حساب مالي، فضلا على أن مالي كانت دواما على خلاف مع جبهة البوليساريو بسبب استباحة عناصر الأخيرة للتراب المالي في أكثر من مناسبة. يمكن توقع الموقف المغربي الموافق للتوجهات الدولية من الانقلاب العسكري، ستمكنه في فترة قادمة من فرض المزيد من الضغط على العسكريين الماليين تقديم الكثير من التنازلات للتخفيف من حجم الضغط الدولي الكبير عليه، وخاصة بعد أن أوقفت المؤسسات المالية المانحة لمساعداتها الموجهة إلى مالي. ولذلك فالمفروض عليهم الإبقاء على الاستثمارات المغربية في مالي نشطة لأنها ترتبط بقطاعات حيوية. إن الموقف المغرب من الانقلاب العسكري في مالي، وهو يتوافق مع موقف اللاعبين الكبار في المنطقة الإفريقية وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا، فضلا لتأثير استثماراته الاقتصادية المهمة في قطاعات حيوية بمالي كالاتصالات والمصاريف سيمكنه من فرض ضغط على العسكريين الماليين لتقديم تنازلات سياسية واقتصادية حيال المغرب، ومنها موقفهم من قضية الصحراء. سؤال: وهل سيؤثر الوضع الجديد في مالي على مسالة فتح الحدود البرية بين كل من المغرب والجزائر؟. إن الجزائر وأمام هذا التحديات السياسية وضياعها لخيط الارتباط السياسي والاقتصادي مع مالي، سيفرض عليها ترتيب طبيعة علاقاتها مع الجار المغربي، بعدما لحل العديد من التحديات الاقتصادية الداخلية، في وقت تتفهم فيه بأن التركيز أولوياتها على دول الساحل، بل جد مكلف ومرهق ماليا وعسكريا وسياسيا واقتصادية. ولذلك فإن أي تقييم للفاعل السياسي والاقتصادي الجزائري لأولويات ترتيب برامج التنمية الحدودية سيختار هذه المرة الحدود المغربية الجزائرية، لأن لها عائدات اقتصادية هامة. وتجدر الإشارة إلى الاهتمام الجزائري بدول منطقة الساحل الإفريقي قد كلفها الكثير من الإمكانيات المادية والعسكرية، لسعيها الإنفراد بدول هذه المنطقة الضعيفة اقتصاديا وعسكريا. وقد كلف مشروع الجزائر تأسيس قوة عسكرية مشتركة من دون الدول المغاربية الكثير من الأموال غالبيتها من ميزانية الدولة الجزائرية دون أن تحقق أي نتيجة. إن الجزائر اليوم، وهي قد تورطت كثيرا في تحديات المنطقة بعد انتشار السلاح الليبي وشيوعه على العديد من الفاعلين في المنطقة من طوارق وتنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات، تستوعب المضاعفات الأمنية الخطيرة لذلك على الحدود والوضع السياسي الداخلي لها. ولا سيما بعد أن تتمكن اضطرابات الأزواد وحراك الطوارق للانفصال، وانقسام الجيش المالي القاعدة من استثمار الوضع لإعادة ترتيب الجماعات نفسها والتغلغل أكثر في المنطقة وداخل العمق الجزائر حيث يوجد جماعات طوارقية وأمازيغية قبايلية تطالب بالاستقلال. سؤال: في حالة استقلال طوارق مالي هل يمكن للمغرب اللعب على هذه الورقة واشهارها في وجه الجزائر وذلك بخلق دولة للطوارق شمال مالي للضغط على الجزائر في ملف الصحراء المغربية؟. من الصعوبة بمكان قياس حالة الطوارق وحالة قضية الصحراء التي ترفل في الأمن والاستقرار بعدما حصنها المغرب تحت سيادته عن بؤر التوثر السائدة في منطقة ساحل الصحراء، وهي نقطة قوة جديدة يتفاوض بها المغرب دوليا، والمتعلقة بقدرة على تجنيب المنطقة من التوثرات الأمنية كما هو الحال في منطقة الساحل، في حين لم تستطع الجزائر تحقيق ذلك. فشلها في القضاء على الإرهاب، واحتواء الجماعات السياسية الانفصالية عبر مشاريع سياسية وتنموية في المنطقة، يقوي وجهة نظر المغرب على السياسية الإقليمية والإفريقية كتجربة واعدة لتدبير خلافات المنطقة، حتى أن أصواتا من الجزائر باتت تدعو الطوارق إلى القبول بالحكم الذاتي الموسع وفق ما اقترحه المغرب لحل النزاع في الصحراء. ومعلوم أيضا أن المسألة الطوارقية ظلت محط تأثيرات المنطقة غير المستقرة، وعلى الرغم من ذلك فلم تكن لهم من مطالب أكثر من المطالبة بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية في مناطقهم، على الرغم من توظيف القدافي لهم لضبط التوازن الإقليمي لدى دول الساحل والصحراء، ولا سيما التجاذبات مع الجزائر، وحينما تبين ضعف الدولة المركزية المالية. سؤال: بعد الاستفتاء الذي جرى في جنوب السودان والذي تم بموجبه استقلال دولة جنوب السودان ارتكب المغرب خطأ جسيما عندما لم يعترف بالدولة المستقلة وقد قامت هذه الأخيرة بالاعتراف بما يسمى جبهة البوليساريو. هل يتعين على المغرب ربح الرهان والاعتراف بالسلطة الجديدة في مالي حتى لا يقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه مع دولة جنوب السودان؟. لقد أشارت كل القرائن أن دولة جنوب السودان التي تلقت الكثير من الأموال من معمر القدافي الذي ساعدها على الاستقلال وهو ما عبر عنه السودان في كثير من المناسبات الرسمية الدولية، ولما كان المغرب مقتنعا بأن هذه الدولة الجديدة ستعترف بالجمهورية الصحراوية طبقا لتوصيات القدافي المنشئ لها وداعم كل الحركات الانفصالية في العالم، لم يتورط المغرب في الإسراع بالاعتراف بهذه الدولة. وبناء عليه لا يمكننا وصف موقف الدبلوماسية المغربية حينها بالخطأ، بل على العكس من ذلك، لأنه لم يكن أن يقبل مأساة الاعتراف بدولة انفصلت عن دولة وطنية كبيرة كالسودان من جهة، وبقبل باعتراف هذه الدولة الجديدة بالجمهورية الوهمية للبوليساريو. ومهما يكن فإن اعتراف دولة فاقدة لأي تأثير في العلاقات الدولية أن تؤثر على الموقف التفاوضي للمملكة المغربية بشأن النزاع في الصحراء، فضلا على أن المغرب يواصل تعميق علاقاته بهذه الدولة الفتية التزاما بالخيارات الأممية التي اعترفت بها. إذ قام المغرب ببعث وزير الدولة لتمثيل الملك في احتفالات إعلان قيام دولة جنوب السودان، في سياق توجه جديد يتجاوز سياسة الكرسي الفارغ التي أثرت على الموقف المغربي لفترة طويلة، ولذلك لم تقطع علاقاتها مع نظام جنوب السودان في جوبا بسبب علاقاته مع البوليزاريو. سؤال: تعرف العلاقة بين المغرب والسنغال نموا مطردا في عهد الرئيس المنتهية ولايته عبد الله واد الذي كان من بين الداعمين للمغرب على جميع المستويات حتى الرياضية منها – نذكر سفره مع البعثة المغربية لمساندة ترشيح المغرب لاحتضان كاس العالم الذي نظمته جنوب افريقيا- الآن وقد أفرزت الانتخابات السنغالية رئيسا جديدا هل تعتقدون بان الرئيس الجديد سيبقى متمسكا بنفس درجة العلاقة بين المغرب والسنغال؟. لا أتوقع حصول تغييرات في طبيعة العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية بين حكومة الرباط وحكومة داكار، لاعتبارات موضوعية منها أن السنغال يرتبط مع المغرب بالعديد من الروابط الاقتصادية والسياسية والدينية، فضلا عن مسار طويل من العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين البلدين تاريخيا وخاصة في عهد حكم الرئيس السنغالي عبد الله واد المنتهية ولايته، وهي كلها قضايا عميقة لا يمكن أن تسمح بتغيير موقف السنغال تجاه حليفاها التاريخي المغرب. هذا من جهة ومن جهة أخرى، فلأن هناك ارتباطات جد عميقة بين الشعبين المغربي والسنغالي على المستوى الديني بحكم الانتماء إلى الزاوية التيجانية، فضلا عن علاقات اقتصادية قوية، وتواصل العلاقات التعليمية والتكوينية، حيث تخرج العديد من الكوادر والأطر السنغالية من الجامعات والمعاهد المغربية. كما تجدر الإشارة إلى الرئيس السنغالي الجديد تشبع بايديولوجية الحزب الديمقراطي إلى جانب الرئيس عبد الله واد، ولا سيما حينما عمل وزيرا أولا معه، ومديرا لحملته الانتخابية سنة 2007، قبل أن يؤسس حزبه الجديد “التحالف من أجل الجمهورية”. سؤال: ستعرف موريتانيا في الأيام القليلة المقبلة انتخابات رئاسية يظهر من خلال اشتداد ساعد المعارضة فيها وتشبث الرئيس عبد العزيز ببقائه في السلطة أن المستقبل ضبابي جدا في هذا البلد الجار. هل تعتقدون أن الانتقال الديموقراطي للسلطة في السينغال سيؤثر إيجابا على الانتخابات الموريتانية؟ أم أن لكل دولة خصوصيتها؟. الحق أن سياق الانتخابات التي جرت في السينغال تختلف كثيرا عن نظيرتها الموريتانية لاعتبارات عديدة، منها أن الممارسة الديموقراطية في السنغال قد تطورت في ظل ما توفر لها من أمن واستقرار سياسي، وبعد تحصين حدود البلاد من مخاطر الإرهاب. وهو ما مكنها من مواصلة التقدم والرقي في مناخ سياسي ديموقراطي. الأمر ذاته لم يتم في موريتانيا بفعل الانقلابات العسكرية وتهديدات تنظيم القاعدة لمصالح البلاد بين الفينة والأخرى، وكلها معطيات حاسمة في توقع معالم الانتخابات الرئاسية المقبلة. وعليه فإن مسار التدافع الديموقراطي في موريتانيا من الناحية الفعلية يبقى هشا خلافا لما تم في السينغال، هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن الرئيس الموريتاني لا تزال أمامه ولاية جديدة، وقد حشد مؤخرا العديد من الموريتانيين لإعلان عن حجم التأييد الشعبي له، وفي ذلك أكثر من دلالة على أنه الرئيس الأبرز خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة. إلا أن ذلك لا يمنع من أن تقود المعارضة الموريتانية حراكا سياسيا قويا ضد حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز. سؤال:بصفة عامة تعرف المنطقة المغاربية عدة تحولات جذرية في إطار ما بات يصطلح عليه بالربيع العربي، هل تعتقدون أن هذا الربيع سيكون خريفا على ما يسمى جبهة البوليساريو؟. إن التحولات السياسية على المستوى الإقليمي والإفريقي؛ والتي تمت بفعل الربيع العربي، وذهبت بنظام معمر القدافي، لتبين جريان الكثير من المياه الراكضة تحت جسر العلاقات المغاربية من جهة والعلاقات الإفريقية من جهة ثانية. والأكيد أن إقبار معمر القدافي ليؤكد حتمية اضمحلال واختفاء جبهة البوليساريو لأنها بكل بساطة قد فقدت في سياق الظروف الجديدة أوكسجين الحياة الرئيسي لها والذي كان يوفرها لها القذافي الذي ظل مصدر مالها وعتادها العسكري، بل هو الذي وفر لها غطاء سياسيا، ومنحها رفقة الجزائروجنوب إفريقيا وعدد من الدول الإفريقية الديكتاتورية من عضوية منظمة الوحدة الإفريقية. سؤال: تم اعتقال رئيس المخابرات الليبية عبد الله السنوسي بموريتانيا، ورفضت تسليمه إلى ليبيا على الرغم من وجود اتفاقية تسليم المجرمين فيما بين دول الاتحاد المغاربي، لماذا إذن؟. في الحقيقة يثير أمر تمنع السلطات الموريتانية تسليم رئيس المخابرات الليبية السابق عبد الله السنوسي الكثير من الاستفهام من الناحية المبدئية. غير أن التدقيق في الأمر يؤكد أن الأمر ليس بذات السهولة التي نتوقعها. ذلك لكون الجهات المطالبة به قد تعددت بين ليبيا وفرنسا وبريطانيا والمحكمة الدولية، ولكون هذه المطالب لها دفوعاته القانونية القوية، فضلا عن أحقية ما يسمى السيادة الموريتانية. ولذلك فإن موريتانيا تجد نفسها اليوم في حرج شديد بشأن احترام مسطرة التسليم للسلطات الليبية بالاستناد على الاتفاقية المغاربية القاضية بتبادل تسليم المجرمين، إلا أن أمر اعتقال السنوسي ترتبط بالكثير من الاعتبارات الدولية التي يصعب تجاوزها. ذات الصعوبات التي لم يرد المغرب أن يعيش فصولها، حينما رفض اعتقال السنوسي على ترابه، وهو ما يجعل أمر فك لغز عدم اتخاذ السلطات الموريتانية لأي قرار حول مستقبل اعتقال عبد الله السنوسي، مفضلة الالتزام بالصمت حيال الاتفاقية الإقليمية المغاربية حول تبادل المجرمين. والعمل على المزيد من التريث إلى أن يهدأ شارعها حيث أن المعارضة الموريتانية تعتبر أن هذا الملف أحد أسباب تعبئة الجماهير الموريتانية للإطاحة بمحمد ولد عبد العزيز. وهي بذلك أيضا تفسح المجال أمام الجهات المطالبة بعبد الله السنوسي إلى حين الاتفاق على مخرج مقبول لهما ولموريتانيا، إضافة إلى حاجة موريتانيا إلى مزيد من الوقت لاستكمال التحقيقات الأمنية مع السنوسي، الذي يلقب بخزانة أسرار القدافي.
(1) الدكتور عبد الفتاح الفاتحي كاتب وصحفي. محلل سياسي مختص بالنزاع حول الصحراء المغربية (2) اجرت الحوار الاستاذة رشيدة بلعيد اعلامية بالصويرة نيوز