عرفت فرنسا في نهاية أسبوع وبداية آخر أحداث عنصرية خطيرة طالت مقبرة إسلامية في مدينة ستراسبورغ (شمال فرنسا) وأخرى يهودية في مدينة ليون بالجنوب الشرقي للبلاد، وتمثلت في تدنيس 15 من قبور المسلمين و60 من قبور اليهود بعلامات ورموز نازية تعبر عن حقد وكراهية وتصاعد النازية. وقد باشرت مصالح الأمن تحريات للوصول إلى الجناة، ورصد أحد المجالس الجهوية الفرنسية مكافأة مالية لمن يساعد في ذلك. نادت أصوات بفرنسا بداية الأسبوع الجاري بتطبيق قانون فرنسي يقضي بمكافأة مالية تخصصها العدالة والشرطة لكل من قدم معلومات عن المجرمين في جريمة تدنيس 15 قبر من قبور المسلمين في ستراسبورغ ليلة الخميس الجمعة الماضية، وهكذا قرر المجلس الجهوي لجهة الألزاس (شمال شرق فرنسا) تقديم مكافأة لكل من يساعد على تحديد هوية الأشخاص الذين قاموا بالجريمة العنصرية، وتتراوح قيمته ما بين 15 ألف و18 ألف أورو لمحاربة ظاهرة تدنيس المقابر، وهو ما يعد تفعيلا للمادة الثالثة من قانون 9 مارس 2004 الذي يقضي بمنح مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات تساعد على القبض على مرتكبي الجرائم. ولم تمر سوى بضعة أيام ليرتكب فعل عنصري آخر في مدينة ليون، حيث تعرض مساء أول أمس الإثنين 60 قبرا في مقبرة يهودية في مدينة ليون إلى التدنيس بكتابة رموز نازية عليها، وقد ألقى القبض على رجلين شوهدا على مقربة من المقبرة ووضعا تحت الحراسة النظرية للتحقيق معهما، ولم توجه لحد الآن إليهما تهم. وهو الفعل الذي قوبل باستنكار فوري داخل فرنسا، حيث أدانه الوزير الأول جون بيير رافاران، ووصفه نائب رئيس مجلس المؤسسات اليهودية بفرنسا بالفعل الخسيس والمشين، معلنا بأن تجمعا سينظم نهاية الأسبوع الجاري احتجاجا على الجريمة. وقد استهدف العنصريون في الحادثة الأولى قبور مسلمين شاركوا في الحرب العالمية الثانية، إذ اكتشف في الليلة المذكورة خمسة عشر قبرا لمسلمين موشومة بعلامات عنصرية عبارة عن صلبان معكوفة، وعلامات مكتوبة بمداد بني، وكان ذلك بمقبرة عسكرية بكرونبورغ (ضاحية مدينة ستراسبورغ) التي يرقد فيها 5483 جنديا مسلما أغلبهم مغاربة حاربوا في الحربيين العالميتين من أجل حرية فرنسا. وليست هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها قبور جنود مسلمين في منطقة الألزاس شرقي فرنسا، إذ استهدف نازيون جدد خمسين قبرا لجنود مسلمين في المقبرة نفسها في يونيو الماضي، وحطموا شواهد سبعة منها. وذكرت مصادر صحفية فرنسية متعددة نقلت الخبر أن العلامات المكتوبة على القبور، وعبارة HVE JUNIOR تدل على منفذيها النازيون الجدد، وهو شعار مجموعة عنصرية فككت منذ 1993 بسبب علاقاتها بمنظمات النازية الجديدة الأوروبية، وخاصة في ألمانيا. وقد عبر الوزير المنتدب المكلف بشؤون قدماء المحاربين عن سخطه على هذا الشكل من أشكال الكراهية، قائلا لا يمكن تحمل ما وقع، خاصة وأنه يمس جنودا قدموا أغلى التضحيات للدفاع عن حرية فرنسا، وأبدى الوزير مشاعر تضامنه مع المسلمين وجمعيات قدماء المحاربين، كما أدانت وزارة الداخلية الحادث بشدة في بلاغ لها على لسان الوزير دومينيك دو فيليبان الذي أوضح بأن وسائل أمنية ستستعمل من أجل تحديد هوية المجرمين ومتابعتهم قضائيا. وعبر نائب رئيس المجلس الجهوي بمنطقة الألزاس وإمام مسجد ستراسبوغ عبد الله بوصوف عن استيائه من الحادث، مناشدا السلطات الفرنسية اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من ظاهرة العداء للمسلمين، أو ما أصبح يعرف ب الإسلاموفيبيا، كما دعا بوصوف الرئيس الفرنسي جاك شيراك والوزير الأول إلى العمل من أجل وضع حد لما يتعرض له المسلمون في فرنسا، مضيفا أن الأمر لا يقتضي إدانة عابرة فقط، وإنما فعلا ملموسا لأن الحادثة ليست معزولة أو نادرة، بل إن الأمر مدبر مع سبق الإصرار والترصد ضد الجالية المسلمة في فرنسا. يذكر أن حوادث مماثلة كثيرة وقعت طيلة السنة الجارية استهدفت مواقع إسلامية، سواء بقيام جهات مجهولة بعمليات تخريب وتدنيس لمقابر أو بكتابة عبارات فيها عنصرية على مساجد، ففي بداية أبريل 2004 دنس عدد من العنصريين مقابر مسلمين في المقبرة العسكرية ب كرونومبورج، حيث رسموا على 4 منها صلبانًا معقوفة، كما تعرض مسجد السلطان أيوب بمنطقة مينو باستراسبورغ في أبريل 2004 لاعتداءات عنصرية، إذ كتب مجهولون على واجهته عبارة الموت للعرب، ويجدر ذكره هنا الأحداث الإجرامية ضد المسلمين، والمغاربة ضمنهم، في جزيرة كورسيكا الفرنسية التي طالبهم بعض أهلها بالرحيل فورا. عبد الغني بلوط/محمد بنكاسم