إن المتتبع للشأن العام التعليمي ببلدنا كثيرا ما يندهش أمام غياب الشروط الملائمة لأجرأة مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وقد يصاب بالإحباط وخيبة الأمل جراء ما يلامسه من مظاهر التردي والانكسار السيكولوجي، وما يلاحظه من استشراء بعض الأمراض التي أنهكت جسد هذا القطاع الحيوي الهام الذي أشرف علي الانهيار التام نتيجة انعدام الإرادة القوية والعزيمة الصادقة اللتين من شأنهما التعجيل بتوفير الآليات الناجعة والكفيلة باستنهاض الهمم لتجاوز المعضلة واستئصال الداء...فأمام كل هذا الزخم من العوائق التي تحول دون تطورنا وتقدمنا بتنا نعتقد جازمين أن رحم الوطن في كنف هذه العشوائية السائدة، أصيب هو الآخر بالعقم ولم يعد بالإمكان إيجاد الكفاءات القادرة على تذليل الصعاب وركوب صهوة تحديات العصر الكبرى لكسب الرهان ومعانقة المستقبل الزاهر.. والأدهى والأمر من هذا كله هو أنه كلما انتهت مرحلة وزير ما وتنفسنا على إثرها الصعداء أملا في قدوم بديل عنه يكون في مستوى تطلعاتنا وتحقيق أهدافنا المنشودة إلا وسرعان ما نكتشف حجم بؤسنا حين يعكس لنا الواقع الملموس حقيقة غباوتنا لسبب بسيط جدا هو أن سر خطئنا الذي لم نتمكن حتي الآن من تصحيحه يكمن أساسا في كوننا لم نستخلص العبرة من الحكمة الشهيرة: >ليس في القنافذ أملس<. بالإضافة إلى ما سلف ذكره، فإن ما يحز في النفس ويدمي القلب هو أن حمى الارتجال ترتفع درجة حرارتها مباشرة مع قدوم وزير جديد، ويا ليت الأمر يتوقف عند هذا الحد وإنما يستمر مفعول الحمى يلازمه كظله إلى حين نهاية مهمته أو إقالته منها. ويكفينا هنا التطرق بعجالة إلى تلك الضجة العارمة التي أحدثتها المذكرة المتعلقة بالترقي بالاختيار برسم سنة 2002، إذ كيف يعقل أن ترد مثل هذه المذكرة على مؤسسات تعليمية بعد ظهيرة يوم 24 12 2002، تطالب من خلالها نيابة وزارة التربية الوطنية والشباب، رجال التعليم المتوفرين على الشروط النظامية المطلوبة في هذا الشأن، بتعبئة بطاقات الترشيح مرفوقة بقرارات التسمية في الدرجة وقرارات التوظيف، والعمل على إرجاع الملفات كاملة إلى مصلحة الموارد البشرية والشؤون الإدارية والمالية قبل 25 12 2002؟! ذلك أن العديد من المؤسسات عرفت ارتباكا صارخا انعكست آثاره السلبية على السير العام للدراسة بعد أن اضطر البعض إلى ترك قسمه أو مكتبه والعودة إلى بيته على وجه السرعة بحثا عن وثائقه فيما اكتفى البعض الآخر بالتوجه رأسا إلى إدارة المؤسسة علها تزوده بالنسخ المتوفرة لديها في ملفه الإداري والخروج لاستنساخها في الوقت الذي لبث فيه التلاميذ حائرين لا يعرفون دواعي هذا الاستنفار المباغت!! ترى ألم يدرك المسؤولون بعد أن شريحة واسعة من العاملين في حقل التعليم لم تعد تتوصل بوثائقها الإدارية والضرورية منذ أمد بعيد؟ ألم يخطر ببالهم يوما أن المدد التي يحددونها لإنجاز مثل هذه العمليات الدقيقة والمصيرية غير كافية ليس فحسب للأساتذة في تهييء ملفاتهم التي يعلقون عليها كل آمالهم وأحلامهم بل وللمديرين أيضا، وهم المطالبون بالتأكد من صحة المعلومات الواردة في البطاقات مقارنة مع الوثائق الإدارية وبالحرص على أن تجسد النقط الممنوحة من طرفهم مبدأ الكفاءة الاستحقاق..؟ثم كيف يمكن، والحالة هذه التعامل مع أولئك الذين يوجدون في رخص المرض أثناء هذه العملية؟.. لقد حان الوقت ليتحمل الجميع مسؤوليته كل في دائرة اختصاصه، وأن تتكاثف الجهود لإيقاف هذا السيل الجارف من الارتجال الي يوشك على تدميرنا، ولم يعد هناك من مجال لاستمرار حلقات مسلسل سوء التدبير والتسيير الذي بات يقض مضاجعنا، فكفانا استفزازا واستياء بعد أن لم يتبق في الصدر مقدار حبة من خردل من التحمل ودعونا نتطلع بعين من الرضى والتفاؤل إلى انبلاج فجر جديد...فما زضيق العيش والعمل لولا فسحة الأمل! اسماعيل الحلوتي/ البيضاء