قامت جل فروع حركة التوحيد والإصلاح هذه السنة بتنظيم مبادرات وفعاليات قرآنية بشكل مكثف وغير مسبوق من الأمسيات والمسابقات والدروس والندوات والأبواب المفتوحة والخيام والسهرات وغير ذلك من الإبداعات المتميزة، احتفاء بالقرآن الكريم وبأهله، وتذكيرا بقراءته وحفظه وتجويده والاستماع إليه والأنس به، ودعوة إلى الاسترشاد به والتمسك بنهجه القويم. هذه الفعاليات الرمضانية القرآنية وما صاحبها من تنافس، وكذا ما ميزها من حسن التنظيم والإبداع في الأشكال، تستحق فعلا كل ثناء وتنويه وتقدير، وتُحْمَدُ لكل من ساهم فيها من قريب أو بعيد، ذلك أنها ساهمت في إطلاق دينامية جديدة مقدرة ومعتبرة في عمل الفروع بمختلف الجهات والمناطق، وهو الأمر الذي يمكن الوقوف عليه وتفسيره من خلال ثلاثة عناصر: الأول هو الانخراط في توجه المرحلة: ذلك أن هذه الفعاليات إنما جسدت انخراطا عمليا للفروع في تنزيل توجه الحركة خلال هذه المرحلة، والذي صادق عليه الجمع العام الوطني الرابع ، والمتمثل في الإسهام في ترشيد التدين وتعزيز سمو المرجعية الإسلامية، وهي فعاليات بقدر ما تبين من الأهمية والمكانة التي يحظى بها الاعتناء بالقرآن وأهله في مشروع الحركة الذي يهدف إلى الإسهام في إقامة الدين وإصلاح المجتمع، ويسعى لإعداد وإخراج الإنسان الصالح المصلح، بقدر ما تؤكد القناعة بأن ارتباط الناس بالقرآن الكريم يساهم في ترشيد التدين وترسيخ اعتزاز الأمة بمرجعيتها وهويتها في معركة تدافع القيم، ويقوي حصانة الأمة ومناعتها من كل تطرف وتشدد، أو تفسخ وانحلال، ومن كل إفراط أو تفريط، باعتباره ارتباطا بالمصدر الأول والمنبع الصافي. الثاني هو تنزيل مبدأ اللامركزية: ذلك أن هذه الفعاليات جسدت تجليا عمليا لنهج اللامركزية، الذي تبنته الحركة كخيار تنظيمي، حيث جاءت بمبادرات محلية خالصة، وبرمجة محلية انطلقت من الفروع، مجسدة بذلك نموذجا ناجحا للانتقال إلى التنظيم اللامركزي، وأحد ثمار تأسيس مكاتب تنفيذية جهوية وتوسيع صلاحيات مكاتب الجهات والمناطق، واعتماد سياسة التعاقد بين المركز والجهات وبين الجهات والمناطق، فتحولت الفروع إلى مؤسسات وهيئات لإنتاج البرامج والمبادرات عوض أن تكون فقط هيئات للتنفيذ. الثالث هو اعتماد مبدأ الانفتاح: ذلك أن هذه الفعاليات جسدت تنزيلا عمليا لمبدأ الانفتاح والتعاون مع الغير على الخير، سواء من حيث التنظيم حيث تم تنظيم كثير منها بتنسيق بين الحركة وجمعيات وهيئات أخرى تم الانفتاح عليها، أو من حيث لجان التحكيم التي تم الانفتاح من خلالها على قراء ومتخصصين في المجال من خارج الحركة ، أو من حيث المتسابقين حيث كانت المسابقات مفتوحة في وجه العموم، أو من حيث الجمهور المتابع حيث تم تنظيمها في فضاءات عامة. إذا كان الاحتفاء بالقرآن الكريم وأهله في رمضان من ميزات هذا الشهر بما هو شهر القرآن بامتياز، والشهر الذي اختاره الله تعالى من بين شهور السنة كلها لتنزيله، (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) ، حيث تقبل فيه مختلف الهيئات على تكريمه وتكريم أهله وحفظته وحملته وقرائه، إلا أن هذه الكثافة غير المسبوقة التي تعاطت بها فروع حركة التوحيد والإصلاح مع هذه الفعاليات هذه السنة تستوجب منا أن نشكر الله تعالى على هذه النعمة وأن نحدث بها، خاصة وأنها جسدت انخراطا في توجه المرحلة وتنزيلا لمبدأ اللامركزية واعتمادا لمبدأ الانفتاح والتعاون مع الغير على الخير، لذلك فإن المطلوب بعد رمضان هو أن يستمر هذا النفس في باقي الشهور التي تبقى مجالا للتربية القرآنية والتنشئة على مبادئ القرآن ومنهجه وهديه، والدعوة إلى الارتباط به حفظا وتعليما ومدارسة.