لعل أبرز ما يميز جهة الجنوب أنها استطاعت أن تذهب بعيدا في مجال تنزيل رؤية الحركة ومشاريعها الدعوية وذلك من خلال إعطاء كمضمون علمي لخيارات الحركة التنظيمية سواء على مستوى تمثل اللامركزية أو التعاقد، هذا ما يركز عليه الأستاذ محمد سالم بايشي، إذ ساهم مبدأ التعاقد في تحقيق هدفين استراتيجيين، يتعلق الأول بإحداث التكامل بين المركز والجهات، وتخفيف الأعباء والمهام على القيادة المركزية حتى تتفرغ للقضايا الاستراتيجية الكبرى، ويتعلق بتمكين الجهات من إحداث وتخريج كوادر ميدانية قادرة على تحمل المسؤولية وتنزيل رؤية الحركة ومشروعها الرسالي في الواقع سواء من خلال عملها الدعوي العام أو من خلال انفتاحها على المؤسسات الشريكة في عملها المدني. كيف تقيمون أداء المكتب التنفيذي الجهوي الذي ترأسونه ؟ يمكن النظر لأداء المكتب التنفيذي بجهة الجنوب من زاويتين تتمثل الأولى في طريقة العمل المتسمة بالتعاون والتكامل بين أعضائه وانبناء أعماله على المشاركة الفعلية للجميع في اتخاذ القرارات وتقديم المبادرات، وذلك في ضوء التوجهات العامة لحركة التوحيد والإصلاح . وفي انسجام تام مع مقتضيات برنامج التعاقد الذي يجمعنا بالمكتب التنفيذي الوطني كل موسم دعوي .وهو ما أتاح لنا مجالا واسعا للعمل اللامركزي المراعي لخصوصيات الجهة وأولويات العمل الدعوي والتربوي بها. أما الزاوية الثانية فتتمثل في الأعمال التي تم إنجازها خلال المرحلة الحالية سواء بمبادرة من مكتب الجهة أو بالتعاون مع الهيئات الشريكة ومؤسسات المجتمع وأهل العلم والدعوة جهويا ووطنيا . فعلى مستوى العمل التربوي تم التركيز على الارتقاء بجانب التزكية في صفوف أبناء الحركة والراغبين في الاستفادة من برامجها التربوية . وعلى مستوى الوظيفة الدعوية تم التركيز على المنهج الوسطي في الدعوة وتربية الشباب على امتلاك الخطاب الايجابي المعتدل اعتمادا على مقاربات أثبتت جدارتها. أما في مجال التكوين فقد تم التركيز على تأهيل فوج من الشباب عبر تمكينهم من المهارات القيادية التي تؤهلهم للمساهمة في عمل الحركة وتطوير أدائها مما يضمن تجديد القيادات وإتاحة الفرص الريادية أمام فئة الشباب.هذا بالإضافة إلى الخدمات التربوية والدعوية والاجتماعية التي قدمتها الحركة في مختلف مناطق الجهة . كيف تقيمون استفادة الجهة التي تشرفون عليها من خيارت الحركة التنظيمية خلال المرحلة، وشكل خاص مسألة اللامركزية والتعاقد؟ يمكن تناول هذه النقطة من جانبين مهمين أولهما اعتماد التخطيط الاستراتيجي في عمل الحركة، والثاني مبدأ التعاقد بين المكتب التنفيذي المركزي والجهات، وكلا الخيارين كانت له انعكاسات إيجابية على العمل الدعوي . فاعتماد مخطط استراتيجي يضع الخطوط الكبرى لعمل الحركة وييسر اشتقاق البرامج المرحلية والسنوية مع مراعاة التطورات والمستجدات أتاح وضوحا في الرؤية،وحسما في خيارات الحركة الكبرى وحدد الإطار العملي لتنزيل رؤية ورسالة الحركة. فأصبحت الهيئات القيادية للحركة مركزيا وجهويا تشتغل في إطار منهجي واضح، وتلمس المكتسبات وتقيمها لا بمعيار الإنجاز الآني و السنوي فحسب، ولكن في سيرورة تنزيل المخطط الاستراتيجي المذكور .وهذا المنهج حقق تراكما في أداء الحركة و ضمن أن تكون مخرجات مرحلة معينة مدخلات لمرحلة جديدة . أما الجانب التنظيمي الثاني فهو اعتماد مبدإ التعاقد بين القيادة المركزية، والمكاتب التنفيذية الجهوية . فقد أنشأ هذا المبدأ تكاملا بين المركز والجهات، وخفف الأعباء على القيادة المركزية لتركز جهودها على التوجهات الكبرى، وتساهم في التعريف بالحركة وخياراتها على المستوى الداخلي والخارجي . وفي الوقت ذاته أتاح هامشا كبيرا أمام المكاتب التنفيذية الجهوية لتنزيل برامج الحركة وفق خصوصيات كل جهة .حيث تجد الهدف الواحد يتم إنجازه بمقاربات مختلفة حسب كل جهة ..إن مبدأ التعاقد قد حدد إطارا واضحا لتحملات المركز وتحملات الجهات،فضمن بذلك الحد اللازم لإنجاز المخططات والبرامج . وأتاح هامشا كبيرا لمبادرات الجهات واجتهاداتها . كما أتاح لها الاستثمار الأمثل لمواردها البشرية بدل الاعتماد الكلي على المركز .فنشأت بذلك قيادات جهوية ضخت الفاعلية في دماء الحركة وحققت تفاعلا بشكل أفضل مع المحيط القريب جهويا ومحليا . هل لكم أن تحدثوننا عن نماذج من هذه المبادرات المتعلقة بتاهيل الموارد البشرية والانفتاح على المحيط؟ بخصوص تأهيل الموارد البشرية تشكلت لدينا قناعة راسخة في الجهة تتمثل في ضرورة إيجاد توازن بين أنشطة الحركة ومستلزمات تنفيذها من الأطر المؤهلة التي تمتلك الكفايات القيادية والدعوية اللازمة لأداء دورها بفاعلية . فعملنا في المكتب التنفيذي الجهوي على إعداد برامج تكوينية لفائدة الشباب أذكر منها نموذجين شهد لهما بالنجاح : النموذج الأول يتعلق بمشروع تأهيل وتخريج القيادات الذي استمر لمدة سنتين لفائدة عشرين شابا تم ترشيحهم من مختلف مناطق الجهة بناء على الرغبة والاستعداد، وتلقوا تكوينات نظرية وتطبيقية، وأنجزوا أعمالا وبحوثا ميدانية .وعينوا بعد ذلك لممارسة مهام في هيئات جهوية ومنطقية . وقد حضر رئيس الحركة حفل تخرجهم ونوه بتجربتهم. والنموذج الثاني هو برنامج الدعوة عبر النظير، الذي استوحى فكرته من مقاربة التكوين بالنظير في أوساط الشباب . ويقوم البرنامج على أساس جعل الشاب داعيا في صفوف نظرائه الشباب، وهي الفكرة المعتمدة من قبل الأممالمتحدة مثلا في بعض البرامج المستهدفة للشباب. وقد استهدف البرنامج تفعيل العمل الدعوي وسط الشباب، وإعداد دعاة شباب نظراء يتميزون بالقدرة التواصلية والتمكن من الخطاب الدعوي الايجابي المعتدل، مع فهم نفسيات نظرائهم واستثمار ذلك في التوعية بالقيم الإسلامية وتحفيز الشباب على تجاوز الثقافة السلبية نحو المشاركة الايجابية، واستشعار المسؤولية تجاه المحيط والمجتمع والأمة .وقد حقق هذا البرنامج نجاحا مهما، وكان له دور فاعل في تنشيط الحركة الدعوية في الوسط التلاميذي، وأسست أندية ومراكز خاصة به في كثير من المناطق. أما فيما يتعلق بالانفتاح على المحيط ،فثمة مبادرات كثيرة أغلبها تم على مستوى المناطق عرف الناس بالحركة وأتاح أمامهم خدماتها التربوية والدعوية وفتح المجال لتعاونهم معها . وقد تم هذا الانفتاح عبر مسارين، أحدهما هم عموم الناس تمثل في الحملات الدعوية والخيام التعريفية بالحركة وأنشطتها، ويمكن التمثيل له بملتقيات الأسر التي نظمت لفائدة الأسر تثبيتا لدورها الديني والاجتماعي، وتحقيقا للتعارف الاجتماعي (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)، وتأهيلا للأسر أيضا على القيام بواجبها وذلك بالتكوين في المواضيع والقضايا الأسرية العامة، مع تبادل التجارب بين المشاركين في مجال التربية والتدبير الأسري.وقد تم تنظم هذه الملتقيات في فضاءات عامة وكانت بتاطير من متخصصين في مجالات الأسرة والتربية والتنمية البشرية... أما المسار الثاني المتعلق بانفتاح الحركة على المحيط، فتمثل في الانفتاح على محيط الحقل الديني المتخصص عن طريق تنظيم الملتقيات الجهوية الدعوية.فجهة الجنوب فضلا على المؤسسات الدينية الرسمية والمجالس العلمية تزخر بالكفاءات والمؤسسات الدعوية العلمية ذات الصلة الوثيقة بمجال الدعوة والتربية كالمدارس العلمية العتيقة، والكفاءات الجامعية،وهؤلاء نتقاطع معهم الانشغالات والاهتمامات والتحديات، وهو ما جعلنا نفكر في الانفتاح المستمر عليهم، والتعاون معهم . ومن بين الأنشطة المنجزة بهذا الصدد الملتقيات الربيعية على سبيل المثال . وهي ملتقيات علمية دعوية مفتوحة تستدعى له نخبة من العلماء والجامعيين والباحثين والأئمة والدعاة على صعيد الجهة، في حدود 60 مشاركا. يتناولون من خلال أشغال يوم دراسي كامل موضوعا من المواضيع الهامة ذات الصلة بالدعوة والعمل الإسلامي عامة في ارتباط بالمجال الجغرافي الاجتماعي للجهة. وقد نظم الملتقى الأول يوم 26 أبريل 2009 بالمركب الثقافي الدشيرة الجهادية في موضوع ( تحولات القيم في سوس). تناول فيه المشاركون بالدرس والتحليل هذه التحولات، وسبل تثبيت الايجابي منها وآليات التخفيف من السلبي . كما نظم الملتقى الثاني بالمعهد المتخصص في التكنولوجيا التطبيقية الفندقية والسياحية بأكادير. يوم 11 أبريل ,2010 تحت عنوان:(جهود إشاعة التدين لدى أهل سوس والصحراء).تعريفا بهذه الجهود وكيفية استثمارها. وتستهدف هذه الملتقيات تحقيق أرضية للتعاون والتكامل بين الجميع للحفاظ على حرمات الدين وتعزيز مظاهر التدين المميزة لمختلف مناطق الجهة ومدافعة ما يهددها . كما تشكل فرصة للتعريف بجهود العلماء والدعاة العاملين بالجهة،تكريما لهم وتقديما لخبراتهم ومؤلفاتهم قصد الاستفادة منها.وقد تم الاحتفاء في الملتقى الأخير بالعلامة الأصولي سيدي مولود السريري فقيه مدرسة تنكرت بإفران الأطلس الصغير. ما هي أهم التحديات التي واجهتموها في هذه المرحلة ؟ عموما لا تخرج التحديات التي نواجه في جهة الجنوب كثيرا عن التحديات التي يواجهها المغرب ككل . فالتطور الاجتماعي والانفتاح على الكسب الإنساني مكن بلدنا من تحقيق الكثير من التطورات، ولكنه فرض علينا الكثير من التحديات في المجال القيمي والثقافي .وهو ما يستدعي تضافر الجهود العلمية والفكرية والدعوية والتربوية لتحصين بلدنا وأبنائنا من الآثار الجانبية للانفتاح دونما ثنيهم عن الاستفادة من التراكم الحضاري العالمي والمساهمة الايجابية فيه . ونحن مقتنعون أن الحركة الإسلامية وإن كان هذا الموضوع من أهم اهتماماتها، فهي تستطيع تحقيق مردود كبير فيه ما لم تتآزر جهودها مع الجميع في مقاربة شمولية أساسها التربية والبناء الثقافي الرصين. ولهذا بادرنا إلى الانفتاح والتعاون مع مختلف الفاعلين في هذا المضمار كما تقدم . أما على المستوى التنظيمي فقد تجلت أهم التحديات التي واجهنا في شساعة الجهة، والحاجة إلى قدرات تدبيرية كبيرة لضمان التواصل الجيد بين المناطق المختلفة، وإنجاز أنشطة جهوية ناجحة، ومتابعة العمل بمختلف المناطق . .ولعل هذا جعل قناعة تتشكل لدى فئة من الإخوة تدعو إلى إعادة النظر في التقسيم الحالي لجهة الجنوب بما يتيح توسيعا أكبر للامركزية وتسهيلا أفضل للتواصل والتعاون الدعوي، وهو أمر قد يطرح في الجمع العام، أو أمام المكتب التنفيذي الجديد . ما هي الأولويات التي تقدرون أن على الحركة أن توليها أهمية كبيرة في المرحلة القادمة؟ نقدر أن أولويات الحركة تتعلق بالتحديات التي أشرنا إليها. ومن ثم نرى أن من الأولويات التي يحسن اعتمادها في المرحلة القادمة مواصلة الجهود المتعلقة بتثبيت القيم الايجابية بتعاون مع مختلف الهيئات والمؤسسات الرسمية والشعبية، بما يزيد من تشبث الأجيال بمقومات هويتها الحضارية. والإسهام في جهود نشر التدين ويجعل الشباب معتزا بدينه يعيشه دون تشدد أو تفريط. وتلك مسؤولية الجميع كما يقرر القرآن الكريم ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) .والورقة التي ستقدم للجمع العام تسير في هذا الاتجاه . كما نرى أن من الاوراش التي ينبغي أن تفتحها الحركة ولو للدراسة في المرحلة القادمة ورش تشخيص وتقويم المتحقق في مختلف مجالات العمل سواء تعلق الأمر بالوظائف الأساسية المتمثلة في الدعوة والتربية والتكوين. أو بما تحقق في المشاركة عبر التخصصات في المجال السياسي والنقابي والثقافي والاجتماعي والنسائي بما يمكن للإيجابيات، ويسائل السلبيات. فنحن مقتنعون بخياراتنا الاستراتيجية ومتفقون عليها. ولكن هذا لا يعني أن نبقى جامدين على أشكال معينة لممارستها وتنزيلها. فالتطورات متلاحقة وشكل العمل في خيار استراتيجي اليوم قد لا يتلاءم مع تطورات الغد . نسأل الله تعالى التوفيق والسداد في القول والعمل والتوفيق والنجاح للجموع العامة كلها وللقيادات التي ستنتخب والحمد لله رب العالمين . حاوره: ب . ت