كثيرا ما يتأخر القطار عن مواعيده، حتى صار عاديا أن ينتظر المسافر لبضع دقائق قد تصل إلى ساعة بعض الأحيان لسبب أو لآخر، إلا أن المواطن وعوض اللجوء إلى القضاء يقدم شكاية في الموضوع إلى مكتب السكة الحديدية دون أن تتخد هذه الأخيرة الإجراء اللازم. وفي قضية اليوم سنتطرق إلى حالة النقيب عبد الرحمان بنعمرو الذي تضرر من جراء تأخر القطار عن الوصول إلى البيضاء في الوقت المحدد له، مما جعله يتغيب عن جلسة المحكمة التي سافر من أجلها، ومن أجل الضرر المعنوي الذي سببه تأخر القطار رفع النقيب بنعمرو دعوى قضائية ضد مكتب السكة الحديدية فقضت ابتدائية البيضاء إلى تعويض الضرر المعنوي بما لها من سلطة تقديرية حددته في مبلغ 5000 درهم إلا أن المدعي استأنف الحكم، فقضت محكمة الاستئناف بنفس ما قضت به المحكمة الابتدائية، وطعن فيهما أمام المجلس الأعلى إلا أن هذا الأخير قضى برفض الطلب، فما هي حيتياث هذه الدعوى؟ تأخر القطار يستفاد من مستندات الملف، ومن القرار المطعون فيه الصادر عن محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 2002/3/20 في الملف 6/01/515 تحت رقم 183 أن المتضرر عبد الرحمان بنعمرو تعاقد مع المكتب الوطني للسكك الحديدية بتاريخ 99/7/8 على نقله من محطة الرباطالمدينة إلى محطة البيضاء الميناء في الساعة الثامنة وإحدى وثلاثين دقيقة، على متن القطار الذي لم يصل إلا عند الساعة الثامنة وإحدى وثلاثين دقيقة نتج عنه تأخير وضرر معنوي تمثل في الحرج مع موكلته والحيلولة دون قيامه بواجبه مما اضطره إلى بدل جهد للإدلاء بمذكرة أثناء المداولة في الملف عدد 99/738/3 ، وأن حكما صدر في غير صالحه طالبا الحكم على المدعى عليه بإرجاعه مبلغ 27 درهم، وأدائه له مبلغ 27000 درهم، اعتمادا على الفصول، 254 و261 و263 من قانون التزامات والعقود والفصل 479 من مدونة التجارة مع التنفيذ المعجل، مدليا بجدول التوقيت، وتذكرة النقل، وشهادة تأخير الوصول. نقض الحكم بعد جواب المدعى عليه قضت المحكمة الابتدائية على المدعى عليه بأدائه تعويضا عن الضرر المعنوي بحكم استأنفه هذا الأخير استئنافيا أصليا، واستأنفه المدعي عليه استئنافا فرعيا، وأيدته محكمة الاستئناف بمقتضى قرارها المطعون فيه، حيث عاب الطالب على المحكمة في الوسيلة الأولى خرق الفصول 8و9و10 وخرق مقتضيات آمرة ومن النظام العام، ذلك أنها لم تشر في قرارها إلى النيابة العامة كطرف في الدعوى، ولم يصدر بحضورها وفق ما تقتضيه الفصول المذكور، وأن عدم التنصيص في القرار المطعون فيه على ذلك، وعدم صدوره بحضورها يعرضه للنقض. لكن فإنه لما كانت النيابة العامة في النازلة طرفا منضما إعمالا بمقتضيات الفصلين 8و9 من قانون المسطرة المدنية، فالواجب قانونا تبليغها بجميع القضايا المنصوص عليها في الفصل 9 المذكور، وهي بذلك ليست طرفا رئيسيا وحضورها ليس محتما قانونا وعليه فإن المحكمة لما أشارت في قرارها إلى تبليغها ملف النازلة إلى النيابة العامة، ووضعها مستنتجاتها الكتابية المؤرخة في 2002/1/9 لم تخرق بذلك أي مقتضى قانوني وكان ما بالوسيلة خلاف الواقع. ويعيب عليها في الوسيلة الثانية خرق مقتضيات آمرة، والفصل 342 من قانون المسطرة المدنية، والمس بحقوق الدفاع وخرق القانون لأنها لم تشر في قرارها إلى تلاوة التقرير من طريق من طرف الرئيس وعدم معارضة الطرفين وأن المطبوع المتعلق بقرارات محاكم الاستئناف غير كاف لإثبات ذلك مما يعتبر إخلالا بالمقتضيات المذكورة موجبا للنقض. لكن بمقتضى ظهير 93/9/10 فإن تلاوة التقرير من عدمها لم تبق من مشمولات الفصل 342 من قانون المسطرة المدنية المنظم لمسطرة المستشار المقرر مما كانت معه الوسيلة غير مؤسسة. ويعيب عليها في الوسيلة الثالثة خرق الفصلين 8 و12 من ظهير 93/9/10 بتنفيذ قانون 90-41 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية وخرق مقتضيات آمرة ومن النظام العام لأنها قضت بتأييد الحكم الابتدائي في حين أن المحكمة المصدرة له كانت غير مختصة نوعيا للبت فيه لتعلقه بضرر مزعوم ناتج عن تنفيذ عقد نقل إداري ادعائي يربط المطلوب في النقض بالطالب الذي هو مؤسسة عمومية من أشخاص القانون العام بناء على الظهير المؤسس له الصادر بتاريخ 63/8/5، واعتبار أن هذا الضرر ناتج عن أعمال ونشاط هذه المؤسسة، وأن البت في النازلة يرجع المحكمة الإدارية بالرباط عملا بمقتضيات الفصل 8 من الظهير المذكور، وكان على محكمة الاستئناف إثارة هذا الدفع تلقائيا عملا بمقتضيات الفصل 12 من نفس الظهير وبعدم مراعاتها لتلك المقتضيات عرضت قرارها للنقض. مشكل الاختصاص لكن فإن المكتب الوطني لسكك الحديدية بالرغم من تمتعه بالشخصية المعنوية العامة فإن نشاطه يغلب عليه الطابع الاقتصادي، ويخضع في مجال النقل لمقتضيات القانون الخاص، وتكون المحاكم العادية مختصة بالنظر في دعوى تعويض الضرر الناجم عن النقل عبر السكك الحديدية، وتكون مسؤوليته مدنية تطبيقا للاستثناء من اختصاص المحاكم العادية مختصة بالنظر في دعوى تعويض الضرر الناجم عن النقل عبر السكك الحديدية، وتكون مسؤوليته مدنية تطبيقا للاستثناء من اختصاص المحاكم الإدارية المنصوص عليه بمقتضى الفصل 8 من ظهير 83/9/10 بتنفيذ قانون 90-41 المحدث للمحاكم المذكورة مما لم يكن معه هناك مجالا لإعمال مقتضيات 12 من الظهير المذكور، وكانت معه الوسيلة غير مؤسسة. ويعيب عليها في الوسيلة الرابعة خرق الفصل 345 من قانون المسطرة المدنية وتحريف مضمون وثائق الملف، وانعدام التعليل الأساس القانوني، ذلك أنها استبعدت طابع الحدث الفجائي لسقوط الأسلاك الكهربائية ذات التوتر العالي التي تزود القطارات بالطاقة بعلة أن سقوطها لا يعتبر من قبيل الحدث الفجائي لأنه يمكن دفعه ببذل العناية الضرورية لصيانة الأسلاك الكهربائية، وتوفر الطاقة للقطار، وأن تأخر المطلوب في النقض راجع إلى خطإ الطالب لعدم احتياطه لتوفر الطاقة، ويعتبر لذلك مسؤولا عن تعويض الضرر في حين يتجلى بوضوح من التقرير التقني المصحوب بمقال الاستئناف أن سقوط الأسلاك الكهربائية لم يكن نتيجة عدم الصيانة بل بسبب عمل إجرامي من طرف مجهول، قام ببتر أعمدة الحبل الحامل، وأن نفس التقرير يشير إلى رمي الحجارة من طرف مجهولين على قطار آخر، وأن هذه الوثيقة الحاسمة تفيد أن انقطاع الأسلاك الكهربائية تعزى لفعل الغير المرتقب والذي يستحيل الوقاية منه، وأن المحكمة بذلك حرفت مضمون الوثيقة المذكورة بما يعتبر بمثابة انعدام التعليل فعرضت قرارها للنقض. تعليل ناقص ما أثير بالوسيلة من دفع بأن سقوط الأسلاك الكهربائية كان بسبب عمل إجرامي من طرف مجهول باقتلاعه أعمدة الحبل الحامل لها هو من قبيل الواقع الذي لم يثر أمام قضاة الموضوع، والذي يرجع لتقديرهم ولا تقبل مناقشته أمام المجلس الأعلى مما لا مجال معه للتمسك بتحريف أية وثيقة بهذا الشأن، وعليه فإن محكمة الاستئناف لما استبعدت طابع الحدث الفجائي بالعلل المنتقدة تكون قد استعملت سلطتها في تقدير الوقائع والوثائق المعروضة عليها وكان قرارها معللا ومؤسسا. ويعيب عليها في الوسائل الخامسة و السادسة و السابعة و الثامنة مجتمعة: خرق الفصلين 345 و3 من قانون المسطرة المدنية والتعليل الناقص المعتبر بمثابة انعدامه والتناقض في التعليل وعدم الإجابة على وسيلة حاسمة وانعدام التعليل و الأساس القانوني، وخرق مقتضيات آمرة، ومن النظام العام ذلك أنها لم توضح ما هو العنصر الذي اعتبرته مثبتا للضرر المعنوي نتيجة عدم حضوره للجلسة في الوقت المحدد مما يعتبر نقصانا في التعليل و بتصريحها أن من شأن عدم حضوره المساس بسمعته كمحام لدى موكلته تناقضت في تعليلها مادام أن كلمة ثابت تعني الثبوت المحقق للضرر بينما تعني كلمة "من شأن" احتمال حدث هذا الضرر كما أنها لم تجب على وسيلة حاسمة أثارها في مقال استئنافه والمتعلقة بعدم تحديد المطلوب في النقض والحكم الابتدائي لطبيعة الضرر المعنوي، ونوعيته ليتسنى المطالبة بالتعويض عنه، ولو تطرق لذلك لغير تعليله و منطوقه ونوعيته ليتسنى المطالبة بالتعويض عنه، ولو تطرق لذلك لغير تعليله ومنطوقه، وأن المحكمة لم تتأكد من عناصر الضرر ولم تبرزها، وجعلتها مستحيلة الإثبات في النازلة لأن مجرد عدم الحضور بالجلسة لم يلحق به أي ضرر لأن المسطرة كتابية أمام المحكمة التجارية، وأن وضع القضية في المداولة لم يكن رهينا بحضوره أو عدم حضوره بها، بل اعتبارا لكون ملف القضية كان جاهزا بعد صدور الأمر بالتخلي وإغلاق باب المناقشة، وأنه لم يثبت أنه طلب المرافعة، وأنه وضع مذكرة أثناء المداولة لاستكمال وسائل دفاعه، وأن المحكمة بذلك عرضت قرارها للنقض بعدم مراعاتها المقتضيات المذكورة، ولم تجعل لما قضت به أساسا قانونيا. التعليق للأستاذ عبد المالك زعزاع،محامي بهيئة البيضاء من خلال الاطلاع على القرار القرار عدد: 1111، المؤرخ في 10/4/03، الملف المدني عدد: 02/5/1/3971موضوع المناقشة يمكن ملاحظة ما يلي: أن مبدأ القرار وقاعدته تقرر أن التأخير الغير العادي للقطار في حالة إثباته يمكن المواطن المرتبط بعقد النقل مع المكتب الوطني للسكك الحديدية من الحصول على تعويض لجبر الضرر الحاصل له بناء على دعوى يرفعها أمام المحكمة العادية المختصة. والملاحظ عمليا أن كثيرا من وسائل النقل في المغرب تتأخر بشكل غير عادي، غير أن الملاحظ أنه ليس لدى المواطنين الوعي و الجرأة للتقدم أمام المحاكم المختصة بمثل هذه المساطر المبدئية. فيما يتعلق بالصفة و الوثائق المطلوبة كما جاء في قرار النازلة: يكفي للمدعي الإدلاء بعقد النقل (تذكرة السفر) و الجدول الزمني للقطار و شهادة تأخير القطار تسلم من إدارة السكك الحديدية بالمحطة التي نزل بها المسافر، وهي الوثائق التي تتبث جميعها صفة المدعي في دعواه. أما أساس التعويض فهو أن المحامي/المدعي في هذه القضية كان متجها من الرباط إلى الدارالبيضاء لينوب عن إحدى موكلاته، إلا أن القطار تأخر به لمدة طويلة ففوتت عليه فرصة النيابة و الحضور لجلسة المحكمة، وأدرج الملف إلى المداولة في غيابه دون الإدلاء بالمذكرة التي كانت بحوزته للدفاع عن موكلته مما سبب له حرجا كبيرا مع الموكلة، وأضاع عليه فرصة الحضور للقيام بواجبه حيث اضطر المحامي/المدعي إلى إخراج الملف من المداولة للإدلاء بالمذكرة، وأعباء إضافية أخرى اعتبرها الحكم الابتدائي و الحكم المستأنف ضررا يستوجب التعويض. التعويض هنا يجد أساسه في المادة 798 من قانون الالتزامات و العقود، وفصول أخرى في القانون بناء على الخسارة الحاصلة للمحامي، لما فوت عليه القطار بتأخيره الحضور إلى المحكمة في الوقت المحدد. من جهة أخرى، تطرق القرار إلى عدة مناقشات قانونية، منها قضية الاختصاص، بمعنى لمن ينعقد الاختصاص في مثل هذه النوازل، هل ينعقد للمحاكم الإدارية، أم للمحاكم العادية؟ واعتبر القرار أن مكتب السكك الحديدية من أشخاص القانون العام، لكن عقد النقل نشاط خاص ينعقد الاختصاص فيه للمحكمة العادية. التساؤل المطروح، و المهم في النازلة أيضا: هل التعويض كان مناسبا لجم الضرر الذي حصل للنقيب، هذا ناهيك عن المصاريف القضائية و الشبه القضائية التي أنفقها. وأعتقد أن الأمر هنا يتعلق يالسلطة التقديرية للقاضي، وفي نقاش مع النقيب بنعمرو على خلفية النازلة موضوع التعليق، أكد لي أن التعويض لم يكن مناسبا وأن الخسارة كانت أكبر من التعويض. لكن رفع مثل هذه الدعاوى، هي مساهمة في التوعية الحقوقية و القانونية للمواطنين، وردع لوسائل النقل في بلادنا بما أنها لا تحترم المواطن، وتقيم للوقت وزنا.