عند رجوع المغفور له الملك محمد الخامس من منفاه بمدغشقر، هب الشعب المغربي لاستقباله بالرباط علما أن عددا كبيرا من المواطنين من تاونات وفاس وباقي المدن إلى الرباط وصلوا إلى العاصمة سيرا على الأقدام. وصلت –أنا- رفقة وفد من الحياينة ركبنا في ثلاث حافلات وعدد من السيارات، وعند وصولنا بيوم الأحد وجدنا باب القصر الملكي مغلقا، فجلسنا ننتظر خروج الملك، وبينما نحن كذلك إذ بالبطل المجاهد المرحوم محمد الخامس طيب الله ثراه ينزل من سيارة صغيرة كان يسوقها، وبدأ يتفقد الجالسين، وما إن رأيته حتى عرفته وهرولت نحو السيارة وأخذ يبتسم لي ولوح بيده الكريمة، مشيرا إلي بكتابة ورقة والانتظار، ثم رجع إلى القصر دون أن أعرف الباب التي دخل منها.وبعد مدة، خرج بن مسعود الحاجب الملكي آنذاك، فأشار إلي ثم ذهبت عنده فطلب مني أن أكتب ورقة أشرح فيها طلبي، وكتبت في الورقة «نحن جماعة من قبيلة الحياينة نريد النظر في وجهكم والتبرك برجوعكم». وبعد عشر دقائق فتح باب القصر ونودي علينا لندخل، واصطففنا في الساحة ننتظر خروج الملك، وإذا برجال يلبسون زي جيش التحرير يخرجون علينا كان يتوسطهم الدكتور المجاهد المرحوم عبد الكريم الخطيب الذي سمعت عنه الكثير في ميدان المقاومة، قبل أن يخرج علينا محمد الخامس رحمه الله ويصافحنا، فحدثته عن رفاقي المرحوم الحاج بوشتى بن الطاهر الميداوي والحاج امحند علي الميداوي المعتقلين في سجن عين قادوس بفاس، وأخبرته عن احتمال مثولهم أمام المحكمة العسكرية والحكم عليهم بالإعدام، فقال لي «أكتب يا ولدي ما قلته في ورقة واعطيها إلى الحاجب»، وحين مغادرتنا للقصر هممت إلى بنمسعود الحاجب الملكي لأقدم له الورقة غير أنه قال لي «كفى لن أستطيع أخذ ورقة أخرى منك»، فأخذت أشرح له لكنه لم يصغ إلى ما أقوله ولم يقبل مني أي شيء.رجعنا إلى قبيلة الحياينة بنواحي فاس، وانتظرت مدة قصيرة ثو رجعت إلى القصر مرة أخرى، وحين كنت واقفا ببابه التقيت بصديقي بجامعة القرويين محمد بن ددوش الذي كانت مهمته القيام بربورتاجات رسمية على متن جيب مجهزة، وكان يهم إلى دخول القصر، طلبت منه أن أركب بجانبه والدخول إلى القصر فرفض بشدة وقال إن هذا ممنوع ويعاقب عليه القانون، لكني لم أكثرت بما قاله وقفزت إلى السيارة، دون أن أنتبه إلى كوني أضع مسدسا تحت جلبابي وما قد ينتج عن ذلك من اتهامي بمحاولة قتل الملك. قال لي بن ددوش بعد أن أفرغ جهده في إقناعي بعدم الدخول معه إلى القصر في سيارته، «تحمل مسؤوليتك فأنا بريء من هذا العمل، وفعلا بمجرد ولوجنا إلى القصر، أخذ بن ددوش يصرخ بأعلى صوته قائلا «هذا الشخص اقتحم سيارتي وركب رغم أنفي وبدون إذن مني»، لم تمر إلا لحظات حتى ظهر الملك محمد الخامس رحمه الله، فتدخل طيب الله ثراه وقال «أتركوه أتركوه»، وسألني عن مرادي فأخبرته شفويا --هذه المرة عن قضية اعتقال إخواني في المقاومة بوشتى بن الطاهر الميداوي وعلي بن امحمد علي الميداوي بفاس. وكان جوابه رحمه الله «اعلم يا ولدي أنني أعمل على إطلاق سراح جميع أبناء الوطن، وأبشرك أن رفيقيك المعتقلين سيصبحان طليقين قريبا إن شاء الله، على الأكثر بعد مرور عشرة أيام..»