بعد توزيع المناشير بدأنا نفكر في إحراق ضيعات المعمرين، فاجتمعت مع الصديق الحاج علي الميداوي أطال الله عمره، والمرحوم الحاج بوشتى بن الطاهر الميداوي وأحمد والصديق الحبيب أحمد بن عبد القادر الربيعي أطال الله عمره، من أجل التفكير في طريقة تدبير السلاح. وبدأت أرسل الرسائل إلى كثير من أصدقاء أبي الذين يتاجرون في الثياب بفاس، أدعوهم فيها إلى التبرع بالمال من أجل شراء السلاح، وقد تلقينا بعض التبرعات التي لم تكن كافية، ولما أخبرت رفاقي بأن لدي قنبلة مخبأة في البادية ووصفتها لهم، أخبروني أن قنابل مثلها توجد في جبال هوارة في مكان يدعى «جنان مجبر». وفعلا، بعد حوالي أسبوعين أحضروا قنبلتين. وفي تلك الفترة، كان يزورنا في مدرسة الأندلس رجل اسمه محمد قوضاض من منطقة مزكيتام ضاحية تازة، يأتي رحمه الله باستمرار إلى مدينة فاس من أجل تسويق تجارته، كان يعطيني نقودا باستمرار، وبها كنا نستعين على شراء السلاح وباقي المستلزمات.. كان يتحرك ضمن خليتنا الكثير من المقاومين، دون أن يعرفوا بعضهم البعض، وهذه الفكرة أملاها علي الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، إذ كان لكل واحد منهم الموعد المحدد الذي نلتقي فيه ونخطط معه دون أن يعلم بالآخرين.اتفقنا على وضع القنابل في ضيعات بعض المعمرين في ليلة عيد الأضحى على الساعة الثانية صباحا، وكان محمد قوضاض رحمه الله طلب مني أن أكلفه بالقيام بأي مهمة تساعد المقاومة، فكلفته أن يقوم بحرق مطحنة ل»الحلفاء» توجد في سوق مزكيتام يملكها ويسيرها معمرون فرنسيون. كانت الخطة أن يتزامن إحراق المطحنة مع وضع القنابل في الضيعات بمنطقة الحياينة حتى يكون رعب حقيقي للمعمرين. قبل أن نضع القنابل في ضيعة المعمرين «هوك وأخوه ميستان» (أحدهما في البراطلة والآخر في رحاوة بالقرب من سوق رأس الواد) كان لابد من قطع الأسلاك الهاتفية التي تربط بين منزلهما والبيرو بتيسة، انقسمنا إلى مجموعتين الأولى تكلفت بوضع القنبلتين بالضيعتين بتعاون مع بعض العاملين بها، والثانية تكلفت بقطع الأسلاك الهاتفية. وعلى الساعة الثانية صباحا –كما رتبنا لذلك- اشتعلت الضيعات بالقنابل وبالتزامن معها اشتعلت النيران في مطحنة الحلفة بمزكيتام، وللتمويه على المعمرين، هب بعض من وضع القنبلتين لإطفاء النيران مع الناس، بينما هرب المعمر إلى أحد الدواوير القريبة، وأخفته زوجة أحد عماله، فقد كان له علاقة غير شرعية معها، كان الجميع يعلم بذلك لكننا لم نفطن إلى أنه ذهب للأختباء عندها وإلا قمنا بتصفيته والخائنة تلك الليلة. الحلقة القادمة: استمرار عمليات المقاومة ورعب في صفوف المعمرين