حلت الخمسينيات ، وشن الفرنسيون حملة اعتقالات واسعة وبدؤوا يفكرون في خلع الملك المغفور له محمد الخامس واستمرت الحركة الوطنية في المقاومة حتى وصل تاريخ 20 غشت 1953، كنت آنذاك في السنة الرابعة من التعليم الثانوي بجامعة القرويين، حيث بدأت فكرة المقاومة تترسخ جيدا في ذهني وفكرت في إنشاء خلية مقاومة، كان سبب هذا التفكير بالدرجة الأولى هي رسائل الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، وكذا نصائح الشهيد العالم السيد عبد الواحد العراقي وباقي العلماء الذين درسنا على أيديهم في القرويين، إذ كانوا يشحنونا أثناء تلقينهم للدروس رغم أن السلطات الفرنسية لها عيون بجامعة القرويين، فقد كان هناك علماء لا يخشون أحدا. ولما قررت إنشاء خلية مقاومة فكرت في رفاقي في الدراسة الذين يعيشون معي، ومنهم الصديق والحبيب الحاج علي الميداوي أخ السيد أحمد الميداوي رئيس قسم الحسابات حاليا، وكذلك الصديق و الحبيب المرحوم السيد بوشتى بن الطاهر الميداوي الذي لم يكن يدرس معنا فقد كان عدلا يزورنا في سكنانا باستمرار. عند تشكيل هذه الخلية، اتفقنا على العمل كل واحد منا في منطقته بجميع الوسائل (مناشير، مناقشات ثنائية، مناقشات جماعية)، وبكل ما في استطاعته كقطع الأسلاك الهاتفية وإحراق متاجر التبغ ( كانت متاجر التبغ يفتحها الفرنسيون فقط دون سواهم) و إحراق المحاصيل الزراعية للمعمرين و غيرها، وكان لي صديق يدعى أحمد السعودي له خط جميل ويجيد الكتابة بعشرين نوعا من الخطوط، كان هو الذي يكتب لنا المناشير. كانت هذه المناشير أول ما بدأنا به، كنا نوزعها داخل مدينة فاس ونواحيها، وكنت أيضا ألصقها على أسوار جامعة القرويين بعد صلاة العشاء، وقد أعطى أول منشور علقناه بجامعة القرويين أكله، إذ بدأ الحديث عن المقاومة و بدأت التجمعات وأخذت الأفكار تنتشر مما زاد من نشاطنا، وفي البادية أيضا كنا نوزع المناشير في الأسواق ونعبئ فيها ضد الحماية الفرنسية والسجائر والتبغ. و من مستملحات هذه المناشير في منطقة تيسة أن أحد الأشخاص الذين التحقوا بنا في المقاومة وهو المرحوم الحاج محمد بلاش، ذهب رفقة صديق له في رحلة حصاد و تركه ليلة نائما وذهب هو لتوزيع المناشير و حدث أن نفدت له الدبابيس ( البينيز التي يلصق بها المناشير)، فنزع حزامه المصنوع من شريط الدوم كان يحزم به ملابسه وربط به المنشور الأخير على شجرة من الأكاليبتوس ثم عاد أدراجه ونام، وفي الصباح أخد الفرنسيون هذا الحزام (الشريط) و أخذوا يطوفون به قبيلة أولاد عليان و المشيخات برمتها من أجل التعرف على صاحبه، ولم يعثروا له على أثر لأنه كان ذكيا فقد رجع إلى بيته وترك عمل الحصاد. الحلقة الرابعة: ضيعات المعمرين تشتعل بالقنابل