بعد عمليتي سوق تيسة وعين مديونة، عمت فوضى عارمة في صفوف السلطات الاستعمارية، وبدأت حملات بحث عن مصدر عمليات المقاومة، وسخرت أحد الخونة المسمى البوعادلي لكي يقوم بالمراقبة والتقصي، فأصبح يتردد على سوق عين مديونة وسوق أحد رأس الواد وسوق تيسة بالحياينة من أجل البحث عن خيط يقوده إلى منفذي العمليات.. وبعد أن شعرنا أن الخائن قريب من معرفة هوية منفذي عمليات المقاومة، وهم أنا والحاج بوشتى الميداوي وعلي بن امحند الميداوي وأحمد بن عبد القادر الربيعي، نصبنا له كمينا للتخلص منه، إذ استدعاه المرحوم أحمد بن الطاهر الميداوي لتناول وجبة العشاء في منزله، وبعد الانتهاء من تناول الدجاج البلدي في وجبة العشاء، اقترح عليه أن يبيت في المنزل حتى الصباح لأن الوقت متأخر، فانتظروا حتى غرق في نومه وتسللوا إلى الغرفة وقاموا بخنقه ب»العمامة» بعد ربطها في عنقه، بدأ في المقاومة فقد كان صاحب بنية قوية وحاول استعمال مسدس كان معه، وكاد يغلبهم لولا تدخل التسولية زوجة المرحوم أحمد بن الطاهر الميداوي، إذ دخلت عليهم وأعانتهم عليه حتى قتلاه، وبذلك تخلصنا من خائن مجرم قام بأعمال كثيرة ضد وطنه. وفي تلك الليلة حملوه على دابة بعيدا على ربوة بجبل الغرغور في غار تحت الأرض، وبذلك اختفى هذا الخائن إلى الأبد، وكادت السلطات الاستعمارية تجن بسبب اختفائه، وتأكدت أكثر أن منفذي عمليات المقاومة هم من أبناء المنطقة، دون أن تستطيع الوصول إلينا. وبعد مدة، فتحت السلطات الاستعمارية تحقيقا في قضية القنبلة التي فجرناها في سوق رأس الواد، وآخر في اختفاء الخائن البوعادلي، وألقي القبض على رفيقي في الكفاح والمقاومة الأخوين المرحوم الحاج بوشتى بن الطاهر الميداوي والحاج امحند علي الميداوي أطال الله عمره، وبدأ استنطاقهما في كل من تاونات وفاس، وتعرضا لمختلف أنواع التعذيب لكنهما لم يعترفا بشيء وبقيا في الاعتقال ما يقارب السنة. وفي سنة 1955، كانا سيمثلان أمام المحكمة العسكرية، وكنت أتتبع أخبارهما وعلى اتصال معهما من قلب السجن، فقد كانت تصلني رسائلهما عن طريق الطبيب «شيرو» الخاص بطلبة جامعة القرويين.. وعند رجوع المغفور له الملك محمد الخامس من منفاه بمدغشقر، هب الشعب المغربي لاستقباله بالرباط وكنت من ضمنهم، وقد انتقل بعض الناس من تاونات وفاس وباقي المدن إلى الرباط سيرا على الأقدام. الحلقة القادمة: إطلاع الملك محمد الخامس على خبر مثول رفاقي أمام المحكمة العسكرية