بعد أن غادرنا (أنا وصديقي المرحوم الحاج محمد بلاش) منزل المرحوم الحاج بوشتى بن الطاهر الميداوي، الذي كان يقبع في سجن عين قادوس بفاس إلى جانب إخوان آخرين، مررنا على وادي أوداد حيث تحيط به البساتين، فتناولنا بعض الخضر والفواكه كي نسد به رمقنا، لأن الجوع والعطش كان قد أخد منا مأخذا عظيما، غير أن أعين أصحاب البساتين تتبعتنا فلم نجد بدا من استعمال طلقات نارية من مسدسنا، فأفزعناهم وعادوا إلى حال سبيلهم. كان الهدف وراء العملية التي نفذها أخي الحاج الشاهد العمراني والطيب بن الجيلالي، توجيه رسالة إلى قوات الاستعمار مفادها أن المقاومة مستمرة رغم اعتقال أفراد من خليتنا، وهم المرحوم بوشتى بن الطاهر الميداوي والصديق الحاج بن امحند علي الميداوي، ولذلك توجهنا إلى الهرارسة قرب عين لقرع بقبيلة أولاد عمران، وبالضبط إلى حقل من حقول أحد المقاومة، وأحرقنا له محصوله الزراعي بنفس الطريقة التي استعملها أخي وبن الجيلالي في العملية التي استهدفت هكتارات المعمر «جيكو»، غير أنه هذه المرة لم يفلح القط الذي أطلقته إلا في إحراق الثالث من الهكتارات، بسبب معاكسة الرياح للنيران التي اشتعلت، وأيضا لأن الناس تدخلوا بسرعة لإخمادها. ومع مرور الوقت، أصبحنا بحاجة أكثر إلى المساعدة والسلاح، فراسلنا لجنة المقاومة بتطوان نطلب منهم السلاح، حمل الرسالة التي وضعناها في عصا مجوفة ومنجورة سيدي محمد الأزرق، فكانت النتيجة أن زودنا بحوالي 6 مسدسات وبعض القنابل من نوع «الكرناد» وهي قنابل تشبه الرمان. بدأنا استعمال هذه الأسلحة، وكلفنا معيوف البرنوصي بتفجير قنبلة «كرنادة» في سوق أحد رأس الواد بالحياينة، فمات في هذه العملية الحاكم الفرنسي بتيسة، وبعدها قررنا تفجير قنبلة أخرى في تيسة بالتوازي مع زيارة المقيم العام «كيوم» إلى سوق أربعاء تيسة، غير أن العملية التي كلف بها المرحوم الحاج محمد بلاش لم تتم، إذ لحق أخي الأكبر امحمد العمراني الزريفي بالمقاوم بلاش إلى السوق، وكذب عليه بعد أن قال له إن المسؤول على الخلية (أي أنا) يطلب منك عدم تنفيذ العملية، فعل أخي ذلك لأنه كان يخشى علي وعلى رفاقي من الاعتقال، ومع الأسف لو قدر الله ونفذت العملية لكانت –بدون شك- قد أسقطت المقيم العام قتيلا، وكان من شأن ذلك أن يحدث تحولا كبيرا في معركة التحرير ومقاومة الاستعمار الفرنسي. بعد عمليتي سوق تيسة وعين مديونة، عمت فوضى عارمة في صفوف السلطات الاستعمارية، وبدأت حملات بحث عن مصدر عمليات المقاومة، وسخرت أحد الخونة المسمى البوعادلي لكي يقوم بالمراقبة والتقصي، فأصبح يتردد على سوق عين مديونة وسوق أحد رأس الواد وسوق تيسة بالحياينة من أجل البحث عن خيط يقوده إلى منفذي العمليات.. الحلقة القادمة: المستعمر يشن حملات بحث عن منفذي العمليات