بما أن يوم الجمعة هو أول أيام عطلة نهاية الأسبوع في غزة، فقد خصصناه لجولة استكشافية في كل القطاع نتفقد فيها أثار دمار العدوان. بدأت الرحلة من مستشفى غزة الأوروبي على خط الناصر صلاح الدين و هو أطول خط في القطاع، يصل معبر رفح جنوبا إلى معبر بيت حانون – إيريز- شمالا ، يسمى أيضا بخط القاهرة-إسطنبول ، كان قد فتحه الإنجليز ليصل مصر بجنوب تركيا ... على جانبي الطريق ، رأينا مقرات الشرطة المدمرة في خان يونس ، و كلما تقدمنا في الطريق شاهدنا أثار مرور الدبابات التي أفسدت المزارع و الضيعات و اقتلعت الأشجار و جرفت الأراضي التي تجاوزت 50 هكتار بحيث قدرت خسائر القطاع الزراعي ب 12 مليون دولار ... ثم وصلنا إلى أول حي في مدينة غزة و هو حي الزيتون فشاهدنا دمارا أشد مما هو عليه في الجنوب حيث عمارات من 10 أو 12 طابق و مصانع دمرت عن بكرة أبيها تعجز الكلمات عن وصف ما حل بها ، فكان هذا العدوان بالإضافة إلى الحصار سببا في توقف القطاع الصناعي بنسبة 90 في المائة بعدها زرنا بيت الشيخ المجاهد، الشهيد أحمد ياسين رحمه الله، و هو بيت هزني من شدة تواضعه و بساطته، ثم رأينا مكان استشهاده الذي يقع على الطريق المؤدية إلى المسجد ، فقد تم استهدافه رحمة الله عليه وهو عائد من صلاة الفجر بعد أن أدى فريضته و تفانى في نصرة أمته بتربية جيل من الرجال على العزة و الكرامة و حب الشهادة، هم الآن عزة هذه الأمة و مفخرتهاو في طريقنا إلى مجمع وزارة المالية لحكومة قطاع غزة والذي دمر تماما ، لفت انتباهنا قصف المساجد بشكل مقصود، فأحيانا كان العدو يتفنن في القصف باستهدافه المئذنة أو جانب من المسجد فقط ، و هذه الحالات من التدمير الجزئي سجلت في 50 مسجد بينما دمر 50 آخرون بالكامل ، و هذا ما يفسر الخلفية العقدية الدينية للعدوانكان من الواضح بأن غزة عاشت هجوما همجيا و عشوائيا ، يكفي أن وزن الركام الذي خلفه يبلغ 600000 طن و يحتاج إلى 250 مليون دولار لإزالته ... قصف شديد للغاية لم يستثني أية مؤسسة بما في ذلك المدارس التي تم قصفها كاملة، 7 منها كليا و 135 بشكل جزئي. و لقد رأيت بأم عيني آثار قذائف الذبابات و هي تخترق الأقسام و الأسوار وأثار قنابل الطائرات التي أطاحت بأبنية الإعداديات و الثانويات و الجامعات معللة بذلك على الكراهية و الخبث اللذان يكنه الإسرائليون للعرب والمسلمين ، فتلمودهم و حاخاماتهم المتصهينون يملون عليهم بأن غير بني جنسهم هم خدم لهم ، خلقوا لتلبية رغباتهم و تنفيذ أوامرهم و ليس للعلم و التعلم ، كجزاء من الرب إلى شعب الرب المختار ، و الأكثر تطرفا منهم يقولون أن العرب هم حيوانات و ليسوا ببشر و لكن الرب خلقم على هذه الصورة لكي لا يخيفوا أبنائهم و الباب في هذا الموضوع واسع و عريض و على الراغب في الإبحار فيه أن يقرأ للمفكر الفرنسي روجيه غارودي كتابه الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيليةبعد الصلاة في مسجد محمد الأمين ذهبنا إلى منطقة العطاطرة المدمرة عن أخرها ثم إلى منطقة الجبل الكاشف شرق بيت لاهيا و هي الأكثر تضررا على الإطلاق فهناك لم نشاهد بيوتا محطمة كليا أو جزئيا تفصل بينها بعض الأبنية السليمة كما هو الحال في المناطق الأخرى ، و لكن رأينا مذبحة حقيقية و إباذة جماعية لحي بالكامل ، لم يسلم منه لا حجر و لا شجرو كأنه تعرض لزلزال قوي ، ومهما وصفت المشهد في بيت لاهيا فلن أتمكن من تقريب الصورة لكم ، فيكفي القول أن أبقارا وبعض الدواجن كانت ممزقة على جنبات الطريق في مشهد أقل ما قد يقال عليه أنه كارثي من يأتي إلى غزة يعرف بأن النية المبيتة للهجوم الجبان كانت هي إبادة سكان قطاع غزة و ليس شيء سوى ذلك ، فليس هناك تفسير لقتل أكثر من 1400 شخص ثلثهم نساء و أطفال، و تدمير أكثر من 20000 منزل سوى أن «إسرائيل» إنتقلت من حمق الإيمان بأن الحصار سيقهر سكان القطاع إلى غباوة الإعتقاد بأنها قادرة أن تردع بالموت شعبا الموت هو أسمى أمانيه و في طريق العودة ، مررنا أمام مقر مجلس الوزراء و المجلس التشريعي و مجمع الوزراء المدمرين تدميرا كليا ، ثم إلتقينا بوزير الصحة الذي وصف لنا معاناة القطاع الصحي خلال العدوان و كيف أنه كانت تقام عمليتان جراحيتان أو ثلاث في غرفة عمليات واحدة وبعضها على الأروقة ، و كيف أن الدور في العملية بالنسبة للجرحى متوسطي الخطورة قد يتأخر 12 يوما ، و كيف أن غرف الإنعاش إستوعبت أربعة أضعاف طاقتها مما أدى إلى تفشي الأمراض التعفنية ، و كيف أن أكثر من 1000 حالة لم تتمكن من الترحيل إلى دول مجاورة نظرا للحصار... مشيدا بالدور المهم الذي لعبته الوفود الأجنبية و مذكرا بحسنات الحرب التي وحدت جهود الأمة قبل أن يوحدها الزعماء العرب .