حين قابلنا أفراد الوفد البرلماني المغربي القادم من غزة، وجدناهم فريقا واحدا ذابت فيه الاختلافات السياسية والمواقع الإيديولوجية، يعبر بنفس الأفكار، ويسجل نفس الملاحظات، وفوق هذا وذاك، جاء بانطباع بل بحقيقة واحدة هي أن غزة كلها مقاومة، وأن المقاومة انتصرت على العدو الصهيوني، وأن الشعب الفلسطيني في غزة قدم دروسا في الصمود والشموخ، وأنه بانتصاره دخلت القضية الفلسطينية في منعطف جديد. الحسين بن لكطو النائب البرلماني من حزب التقدم والاشتراكية كان من بين الوفد البرلماني، وقد كان لنا معه هذا الحوار، وعبر لنا بوضوح كامل عما عاينه وشاهده والدروس والعبر المستخلصة من زيارته لقطاع غزة هناك جدل كبير حول وضعية معبر رفح، فالسلطات المصرية تقول بأنها لم تغلقه، بينما يؤكد شهود العيان أنه مغلق، أنتم كوفد برلماني قصد قطاع غزة، كيف وجدتم معبر رفح، وهل صحيح أنه مفتوح؟ بسم الله الرحمان الرحيم، أنا أؤكد لكم أن معبر رفح غير مفتوح، نحن عانينا يومين تقريبا. وصلنا في الثانية بعد الزوال ومكثنا هناك حتى الساعة السادسة مساء، ولا من يجيبنا ولا من يتكلم معنا. أخذوا منا جوازات السفر ثم أرجعوها لنا بعد ساعتين، وقالوا لنا إن المعبر يقفل أبوابه على الساعة الخامسة، فرجعنا إلى العريش، وهي مدينة تبعد على المعبر بحوالي خمسين كيلومترا، أمضينا ليلتنا في هذه المدينة، ثم رجعنا إلى المعبر في الصباح، فلم يسمحوا لنا بالدخول، فاضطررنا للقيام باعتصام احتجاجي، ورفعنا شعارات منددة بمنعنا، وانضم إلى الاعتصام الكثير من الوفود العربية والإسلامية العالقة بالمعبر منهم أطباء ومنهم أيضا فلسطينيين منعهم من الدخول إلى بلادهم، والغريب أن منهم مرضى لم يسمحوا لهم بالدخول. وبعد وقت طويل من الاحتجاجات بأصوات عالية، سمحوا لنا بالدخول. وللإشارة فالمعبر فيه محطتان، محطة العسكريين تليها محطة أخرى تبعد بحوالي أربعين مترا ومكثنا فيها ساعة أخرى. ولماذا كل هذا التأخير؟ مجرد إجراءات لا معنى لها لا أدري ما الهدف منها، وظني أن السلطات المصرية تريد أن تعطي الانطباع لكل من يريد أن يدخل قطاع غزة أن الأمور جد صعبة حتى تثنيهم عن المحاولة. وكان الجواب الوحيد الذي نتلقاه من المصريين انتظروا... انتظروا دون أن نعرف لماذا ننتظر، هذه باختصار المعاناة التي وجدناها في المعبر وهي تلخص حالته وكونه مغلقا خلافا للادعاءات المصرية. وهل وجدتم أدنى معاناة في طريقكم إلى غزة؟ كان الأمر ميسرا، فقد مررنا عبر خان يونس وبعض القرى الأخرى، وقد شاهدنا حجم الدمار الذي لحق الأراضي الزراعية والبنايات البسيطة الموجودة على طول شريط أربعين أو ثلاثين كيلومترا الممتدة من المعبر إلى غزة. عندما دخلتم إلى قطاع غزة وشاهدتم آثار الدمار والتقيتم بالفلسطينيين ما هي الملاحظات التي خلصتم إليها في هذه الزيارة؟ لما وصلنا إلى غزة وصلنا إخواننا الفلسطينيين في انتظارنا خصوصا من حركة حماس الذين أخذوا بيدنا وحجزوا لنا فندقا لا بأس به نمنا فيه إلى الصباح، ثم عقدنا مع بعض قيادات حماس لقاء فألقوا لنا عرضا أعطونا فيه نبذة عن الخراب الذي ألحقه العدو الصهيوني بغزة، وبعدها تجولنا في بعض أحياء المدينة وشاهدنا آثار الدمار الكبير الذي حل بها، وزرنا مقر المجلس التشريعي الذي دمر عن آخره، ثم ذهبنا إلى حي يسمى حي السلام، وهو الحي الذي تضر كثيرا من العدوان والقصف الإسرائيلي أكثر من غيره على الرغم من أنه كان قريبا من الحدود، ويضم حقولا زراعية رأينا كيف تم تدميرها بالجرافات الإسرائيلية. ووجدنا هذا الحي مدمرا عن آخره، ووجدنا أهالي هذا الحي قد أقاموا خياما بسيطة ويطبخون طعامهم بطرق تقليدية ويستعملون الخشب والفحم، لم يعودوا يعرفوا مساكنهم من هول الدمار الذي لحق بها، وقد هالنا من رأينا من دمار بهذا الحي حتى إن الذي رآه لا يتصور أنه كانت به بنايات من قبل. دمروا المساكن ثم مروا عليها بالجرافات، ودكوها حتى استوت مع الأرض وصارت حقلا ممتدا من غير أي أثر للمساكن والبنايات. لكن رغم هذا الدمار، حين التقينا مع أهالي هذا الحي، وجدناهم في معنويات عالية، كانوا حقيقة في قمة الصمود والشموخ المعنوي. إلى درجة أننا حينما كنا نزور هذا الحي كانت الطائرات الإسرائيلية تحوم فوق رؤوسنا ويقول أهالي هذا الحي بكل شموخ : اقصفونا إن شئتم والله لسنا إليكم راكعين الحقيقة أننا لمسنا فيهم شجاعة لا مثيل لها زاد الله من أمثالهم. من خلال زيارتكم هل لمستم أن هناك تفاوتات بين شرائح الشعب الفلسطيني في غزة على مستوى دعهم للمقاومة؟ أبدا. كل شرائح الشعب كانت تدعم المقاومة بدون استثناء، بل حتى المرضى منهم كانوا على الغرم من الجراح التي لحقتهم كانوا يهتفون بالمقاومة، فقد زرنا مستشفى الأطفال فوجدنا المرضى وأمهاتهم ولمسنا منهم شجاعة كبيرة والكل مستعد للدفاع عن حوزة البلاد ورغم ما أحق بهم وبأبنائهم كلهم في كامل الجاهزية لمقاومة وحماسهم مع حماس، وقد مررنا بمستشفى الشفاء ووجدنا معنوياتهم جد عالية، إلى درجة أنك حين تدخل على المريض لا تجده يئن أو يشكو من الجرح، فبمجرد ما تدخل تبعث صيحات منهم يقولون فيها : الله أكبر نحن لهم بالمرصاد، ونحن سندافع باختصار إنك تسمع كلاما ليس فيه أية نبرة خوف أو شكوى أو أنين، ما سمعنا منهم هذا أبدا، ما لسمنا منهم غير الصمود والمقاومة والمعنويات العالية لمواجهة العدو الصهيوني. بعض المجلات الغربية تستعين بتقارير لمراسلين أجانب في غزة يتحدثون عن غضب الشعب الفلسطيني في غزة من حماس ويحملونها المسؤولية عن الدمار. يا أخي الكريم، هذا كله كذب وافتراء، لقد مررنا في غزة على الأحياء حيا بحي وشارعا بشارع ودربا بدرب لمدة يومين من الصباح حتى التاسعة ليلا، ما تركنا جهة لم نمر بها، واتصلنا بالسكان مباشرة وسمعنا معهم، ولم نسمع من أحد قط أنه يحمل المسؤولية لحماس على ما حل بقطاع غزة من دمار، ولم نسمع أحدا يقول إن السبب فيما حصل هو حماس، أبدا هذا لم نسمعه، بالعكس كلهم كانوا متضامنين مع حماس ومع القضية الوطنية الفلسطينية، نحن لم نكن نلتقي فقط بالمنتمين إلى حماس، إذ لم يكن معنا من حماس سوى فرد واحد كان يقوم بدور الدليل في الطريق، وقد حرصنا على اللقاء بالناس بمختلف فئاتهم، وتواصلنا مع الإفراد بشكل مباشر، وصلينا مع الجماعة في الساحات التي كانت قرب المساجد لأن المساجد قد خربت، وتكلمنا مع المصلين بجميع أطيافهم ووجدنا فيهم روح معنوية عالية وروح الكفاح والنضال، ولم نلمس منهم الخوف أو الهلع أو الإحباط، رغم أن كل واحد تكلمنا معه فقد فردا أو أكثر من عائلته. من خلال زيارتكم تأكد لكم بالمعاينة أن قطاع غزة كان كله مع المقاومة؟ هذا ليس فيه أدنى شك. قطاع غزة يمكن أن أقول وبدون تردد أنه كله مقاومة ذكورا وإناثا شبابا وشيوخا. لمسنا أنهم كلهم على كلمة واحدة هي كلمة المقاومة وكلهم متضامنون. كان لكم حوار مع الفصائل الفلسطينية في غزة، كيف رتبتم لهذا الحوار وما مضمونه؟ حتى لا ينحصر زيارتنا على إخواننا في حماس، كان من الضروري أن نلتقي الفصائل الأخرى، فنحن كوفد برلماني لم نذهب إلى حماس وإنما قررنا الذهاب إلى غزة بجميع مكوناتها، ولكن وجدنا أفراد من حماس في استقبالنا فطلبنا منهم أن يرتبوا لنا لقاء مع بقية الفصائل الأخرى حتى تكون زيارتنا متكاملة وغير منحازة، فاستحسن الإخوة من حماس وجهة نظرنا، لكنهم أخبرونا بأنه من غير الممكن اللقاء بالبرلمانيين لأن أغلبهم في الضفة الغربية أو مصر أو الأردن، واقترحوا علينا أن يستدعوا بعض القيادات من هذه الفصائل للجلوس إليها، وبالفعل التقينا بهذه القيادات وكانوا قرابة عشرة أو اثني عشرة فردا يمثلون فصائل مختلفة. فأخذوا الكلمة واحدا تلو الآخر، وكانت كل الكلمات تصب في نفس الاتجاه وهو النضال والمقاومة ووحدة الصف الفلسطيني ومواجهة العدو الصهيوني وتحرير البلاد. وكان الجميع يتحدث بلغة النصر، ويعلنون جميعا أنه انتصروا في المعركة، ونحن من جهتنا شعرنا أيضا حينما زرنا قطاع غزة أنهم انتصروا فعلا. حسب ما رشح من الوفد البرلماني أن المغاربة كان لهم دور في التقريب بين وجهات نظر الفصائل الفلسطينية في هذا اللقاء وحثهم على تذويب خلافاتهم؟ صحيح، لقد قلنا لهم لقد حققتم نصرا في معركة غزة، لكن النصر الكامل يمر عبر المصالحة الوطنية والوحدة الوطنية. قلنا لهم، لقد قطعتم خطوة مهمة في اتجاه التحرير والقضية الفلسطينية بفضلكم أخذت منعطفا جديدا، ولكن النصر الكامل يلزمه وحدة الصف الفلسطيني والمصالحة بين فصائله، وقد ثمن الجميع وجهة نظرنا وأكدوا جميعا على ضرورة المصالحة لكنهم أخبرونا أن ذلك سيأخذ وقتا، ولكن في النهاية لا بد من المصالحة. من خلال زيارتكم لقطاع غزة، هل لمستم من شرائح الشعب الفلسطيني أو فصائله من بقي يؤم بخيار التسوية؟ يا أخي الكريم نحن تفهمنا موقف حماس، فقد تحدثنا إلى بعضنا البعض وقتا طويلا، وتفهمنا موقفهم بخصوص المصالحة الوطنية، فهم ناضلوا وقاوموا وقدموا أرواحا، واعتبروةا أن إخوانهم في الضفة كأنهم تخلوا عنهم بقصد أو بغير قصد، ولا زالوا مجروحين من هذا الموقف، ونتمنى أن تسوى هذه المشاكل في القريب العاجل بين الإخوة الفلسطينيين. ألم يكن للدمار الذي ألحقته القوات الصهيونية على قطاع غزة أثر على حركة الحياة؟ صحيح أن الدمار كان هائلا ومدمرا، لكن ذلك لم يؤثر مطلقا على حركة الحياة، فالمدارس تشتغل، والمؤسسات الإدارية رجعت إلى عملها، وحركة المرور تسير بشكل طبيعي، كأنه لم يقع شيئا بغزة. لقد أحلق العدوان ضرا بالغا بالمؤسسات والوزارات والجامعة الإسلامية التي دمروا نصفها تدميرا كليا والنصف الآخر تدميرا جزئيا، ودمروا مختبرها بالكامل، ولكن لما دخلنا إلى الجامعة وجدنا الطلبة يتابعون دراستهم بشكل عاد، والتقينا برئيس الجامعة والأساتذة والإداريين ووجدنا معنوياتهم العالية حتى إنه لو لم يكن لنا من قبل علم بالحرب ولو لم نر الدمار لما شعرنا أن غزة أصابها شيء من جراء المعنويات العالية التي يحتفظ بها الشعب الفلسطيني، وحتى الأسر التي فقدت أبناءها لم ينقص ذلك من معنوياتها شيئا، فقد كانوا يفتخرون بأن الأسرة قدمت شهيدا أو شهيدين ويعتزون بذلك ويتعهدون بإعطاء المزيد من أجل تحرير الوطن ودحر الاحتلال.