لا نحتاج إلى كثير من الذكاء كي ندرك أن الذي قرر إغلاق مكتب الجزيرة ليس حكومة إياد علاوي وإنما الذين عينوها بعدما ضاقوا ذرعاً بما دون الحد الأدنى من التغطية الصحفية الذي تقدمه الفضائية القطرية فأرادوا من خلال اللعبة الجديدة أن يمارسوا مزيداً من الضغوط عليها كي تنسجم أكثر مع المعركة الأمريكية في العراق، الأمر الذي لا صلة له بالمهنية أو الحيادية أو الموضوعية، إلى غير ذلك من المصطلحات التي تستخدمها الآلة الدعائية الأمريكية في تبرير غضبها على الجزيرة والإعلام العربي كما تبدى قبل أيام في تصريحات رامسفيلد وكما تبدى مراراً في تصريحات غير واحد من رموز الإدارة اليمينية المتطرفة في الولاياتالمتحدة. ما يريده الأمريكان من الإعلام العربي ومن الجزيرة على نحو أكثر تحديداً هو مساعدة الولاياتالمتحدة في العراق ودفع مشروعها نحو النجاح، تماماً كما تفعل بعض الأنظمة العربية التي أخذت في الآونة الأخيرة تتبرع بمساعدة الأمريكان بطرائق شتى، بل وتحرض على الجزيرة أيضاً، الأمر الذي سنرى منه المزيد خلال المرحلة القادمة، لأن من عادة تلك الأنظمة أن تشجع بعضها بعضاً على ممارسة المنكر السياسي. ليس ثمة جديد وقع خلال الأيام الماضية، اللهم سوى التغطية الإخبارية لمصادمات النجف وبعض المناطق الأخرى، وهي المصادمات التي يريد الأمريكان أن تكون تغطيتها الإخبارية من خلالهم وليس من خلال الميدان الذي تقع فيه الضحايا وتصنع فيه البطولات. والحال أن الجزيرة كانت حذرة إلٍٍٍى حد كبير في تغطيتها للأحداث لكن ذلك لم ينفعها لأن الغزاة في حالة من الارتباك بحيث يحسبون كل صيحة عليهم، الأمر الذي دفعهم إلى الطلب من الحكومة التابعة أن تقوم بمهمة قمع الجزيرة وإغلاق مكتبها، ومن خلالها تهديد ما تبقى من الفضائيات، حتى لو بدت أقل أهمية بالنسبة للغزاة. والحال أن الجزيرة ومعها الفضائيات الأخرى قد تراجعت إلى حد كبير في تغطيتها للخبر العراقي، حيث عادت إلى نظامها القديم في التعامل مع المصدر الأمريكي للخبر المتعلق بالمواجهات مع الجيش الأمريكي، فيما تراجعت تغطيتها لعمليات الخطف إلى الحد الأدنى، أي عرض جزء من الصورة من دون الكلام، لكن ذلك لم يكن كافياً، إذ أن كل شيء في عرف المحتلين وأذنابهم قد غدا نوعاً من التحريض على الإرهاب. تخطىء الجزيرة إذا هي قدمت مزيداً من التنازلات في تغطيتها للخبر العراقي كي تحوز على رضا الحكومة التابعة للاحتلال في العراق، ذلك أن تغطية الخبر من خلال الوكالات ومع قليل من المعلومات الخاصة تبقى أفضل ألف مرة من الخضوع للضغوط وقبول الصيغة المعروضة، والتي لا تمت إلى المهنية بصلة، بقدر ما تعني التبرع بالعمل ككتيبة تابعة لقوات الاحتلال. بالمقابل فإن من حق الجزيرة على النخب العربية النظيفة وعلى القوى الحية في الأمة أن تحظى بالكثير من الدعم والتأييد عبر التنديد الواسع بما فعلته حكومة الحرية والديمقراطية التي نصبها الأمريكان في العراق، ذلك أن ما جرى للجزيرة هو جزء لا يتجزأ من إرادة إنجاح المشروع الأمريكي في العراق، حتى لو كان بالكذب والتزوير، الأمر الذي يرتب على الشرفاء أن يخوضوا المعركة على مختلف الأصعدة، تماماً كما يفعل العدو وأذنابه. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني