لم يكن عبثاً أن تكرر الجزيرة في نشراتها الإخبارية اعتذارها للمشاهدين عن عدم قدرتها على تغطية الأحداث بسبب إغلاق مكتبها في بغداد، ذلك أن إغلاق المكتب لم يحل بينها وبين تغطية الخبر العراقي بمهنية مميزة أكثر من الفضائيات التي لها مكاتب هناك. ثم إن الأمر لا يتطلب أكثر من استمرار الاتصال ببعض المعنيين في المدينة التي تواجه قصفاً عنيفاً من البر والجو، وذلك لوضع الجمهور في صورة التطورات، لكن ذلك لم يحدث باستثناءات قليلة، ولا تسأل عن تغييب المعركة على المدينة البطلة إلى المرتبة الثانية في النشرات الإخبارية على رغم التكرار الممل لقصة الرئيس الفلسطيني، والتي ستتصاعد بعد الإعلان الرسمي عن وفاته، الأمر الذي يؤكد أن ضغوطاً رهيبة قد تعرضت لها القناة كي تنأى بنفسها عن معركة الفلوجة، وذلك تجنباً لما جرى في معركة نيسان الماضي حين وقف العالم العربي والإسلامي يتابع المعركة بروح جمعية غاضبة. لقد أرادها المحتلون معركة دون شهود، وأظن أنهم نجحوا إلى حد ما، ففي حين غابت الجزيرة عن الحدث، فإن حضور الآخرين لم يكن إيجابياً، ولا تسأل عن الفضائيات العراقية الجديدة التي تصف المجاهدين بالإرهاب. وفي كل الأحوال فإن المعركة قد خضعت لترتيبات تسعى جاهدة لتجنب الفشل، حتى لو دفع المحتلون لقاء ذلك ثمناً باهظاً، بل وحتى لو قتلوا الآلاف من المدنيين. هي معركة غير متكافئة كما أشرنا بالأمس، فقد حشد لها الأمريكان ما يكفي لاجتياح دولة بكاملها، وإلا فما الذي يفعله ما لا يزيد عن ألفين من المجاهدين في مواجهة أكثر من عشرين ألف مقاتل يسندهم الطيران طوال الوقت؟! ما جرى حتى الآن يعد صموداً بطولياً، فأن يسقط عشرة قتلى وعشرات الجرحى منذ الساعات الأولى لبدء العمليات، فإن معنى ذلك أن المقاومين قد استبسلوا في المواجهة، سيما وأن من العبث القول إن الغزاة سيعترفون بحقيقة خسائرهم. على أننا سنعود إلى القول إننا لا نفترض أن ما جرى في شهر نيسان الماضي سيتكرر اليوم، فالغزاة عازمون على حسم المعركة بأي ثمن، لكن ذلك لن يشكل نصراً على المقاومة لأكثر من سبب، أولها أن المقاومة ستتواصل على نحو أفضل بعد انحياز المزيد من الجماهير لخيارها، فيما لن يكسرها دخول الفلوجة، بل سيزيدها عنفوانا بعد أن يعود المجاهدون للاندماج في مجتمعهم والعمل ضمن سياسة الكمائن القديمة. أما الأهم من ذلك، فهو أن الشعار الذي رفع للمعركة الجديدة وما سيتبعها لاحقاً، وهو إخضاع المدن المتمردة من أجل إنجاح الانتخابات، لن يكتب له النجاح، فبخروج الحزب الإسلامي من الحكومة ودعوة هيئة علماء المسلمين لمقاطعة الانتخابات سيخرج العرب السنة من اللعبة تاركين الانتخابات من دون شرعية تذكر، حتى لو حصد السيد السيستاني نسبة ال65% التي يطمح بها من خلال تحالف شيعي عريض كما نقل عنه قبل أيام. من هنا يمكن القول بكل بساطة إن الهجمة على الفلوجة فاشلة من الزاوية الأمنية، ليس لأن المقاومة أكبر من الفلوجة، على أهميتها ورمزيتها فقط، بل أيضاً لأن مقاومة الفلوجة ذاتها لن تتوقف. كما أن الهجمة فاشلة من الزاوية السياسية لأن هدف إنجاح الانتخابات لم ولن يتحقق، بل زادت احتمالات الفشل في تحقيقه. هكذا تبقى الفلوجة رمزاً للمقاومة حتى حين يجتاحها القتلة ويهدمون بيوتها ويقتلون أبناءها، فتحية لهذه المدينة البطلة ومجاهديها وأهلها، ومعها كل مقاوم على أرض العراق الأشم. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني