خريج كلية أصول الدين (جامعة القرويين) باحث دكتوراه بوحدة تاريخ الأديان والحضارات الشرقية. الحمد لله على ما ألهم، وأنعم، وعلم ، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم . وبعد، لا يخفى على كل مسلم واع ، ما تعانيه أمتنا الإسلامية من واقع مفجع وحالة مؤلمة، تحزن قلب الصادق، وتفتت كبد المخلص، إذ اجتمع عليها ضعف ذاتي شديد، وعدو خارجي ماكر، استغل هذا الضعف والوهن، فاخترق منها صفوفها ثم توغل في أعماقها ، فصنع لها أعداء داخليين شتى، مابين ظالم فاجر، وفاسق لاه، ومروج لفكر دخيل غريب باسم الإسلام حينا، وباسم الحضارة والانفتاح أحيانا، على حين تمزق في صفوفها، وغفلة من عوامِّها، وتفرق بين خواصها فزاد بلاءها بلاء ، وجعلها في حيرة وتجاذب لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. لذا رأيت لزاما علي تقديم النصيحة لنفسي ولأخواني الشباب الذين هم بأمس الحاجة إلى من ينبههم في هذه المرحلة من حياتهم، ويبدي ويعيد عليهم التذكير، ويلفتهم إلى استثمار وقدة الحماس، وتوفير الطاقة في عظائم الأعمال، ومن حق المسلم على المسلم النصح لأنه من صفات المخلص . أيها الشباب! شبابكم ، فرصة العمر ، والفرصة سريعة المجيء بطيئة العود .. أيها الشباب! فجع الشيوخ بشبابهم يوم فقدوه ، فبكوه وتحسروا على فقده . وصدق القائل : بكيت على الشباب بدمع عيني ++ فلم يغن البكاء ولا النحيب . ذهب الشباب فعز منه المطلب ++ وأتى المشيب فأين منه المهرب . ونبينا الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ء فيما رواه الصحابي الجليل أبي برزة الأسلمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : '' لا تزول قدما عبد يوم القيامة ؛ حتى يسأل عن عمره فيم أفناه ، وعن علمه فيم فعل ؟ وعن ماله من أين اكتسبه ؟ وفيم أنفقه ؟ وعن جسده فيم أبلاه ؟ '' أخرجه الإمام الترمذي في سننه والحديث حسن صحيح. إذن فالرسول الكريم بين أن كل إنسان منا سوف يسأل يوم القيامة عن أربعة أشياء : فيسأل عن عمره فيم أفناه ؟ويسأل عن شبابه ، وعن علمه ، وعن ماله . فالشباب مرحلة من العمر فنُسأل عن الشباب مرتين يوم القيامة : المرة الأولى : نسأل عنه بوصفه جزأ من العمر ؛ لأنا نسأل عن عمرنا عامة . المرة الثانية : نسأل سؤالا خاصا عن هذا الشباب فعلام يدل هذا ؟ إنه يدل على أمرين : أولا : أهمية العمر : وأنه رأس ماله ؛ ولذلك إذا أدخل الكفار يوم القيامة النار ، فذاقوا من حرها وسمومها وعذابها ، قالوا : {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} (37) سورة فاطر فهم يطلبون أن ترجع تلك الأيام ولكن هيهات هيهات ، فيأتي الجواب لا رجعة عنه ، بقوله ء عز وجل ء بسؤال التوبيخ وأسلوب التقريع: { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ..} فمن عَمَّره الله عز وجل وعاش حتى بلغ سن التكليف وهو البلوغ وعرف الله، وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعرف الإسلام، فقد قامت عليه الحجة، وعَمَّر ما يتذكر فيه من تذكر، ولا يلزم أن يكون العمر ستين سنة أو سبعين سنة ، وإن كان العمر كلما زاد زاد في الحجة؛ ولذلك ففي الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري في صحيحه (رقم : 6056 ) وهو حديث عجيب يقول فيه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : (( أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة)). أي: أن العذر زاد واكتمل ولا حجة له، وإن مات مسلما فهو بإذن الله وفضله ومشيئته إلى الجنة، وإن مات كافرا والعياذ بالله فهو إلى النار بعدله سبحانه وتعالى . ثانيا : أهمية الشباب : فترة الشباب فترة القوة والنشاط والحيوية والقدرة على العمل، فتجد الشباب إذا اقتنع بأمر وآمن به يبذل في سبيله كل غال ونفيس ، ولا يجد صعوبة في ذلك ثم إن فترة الشباب معرضة لكثير من الشواغل والنزعات التي قد تبعد الإنسان عن الخير وتجذبه إلى الشر، لأن كل شيء في الشباب يتحرك ! عقله، جسده، قلبه، فإن لم يتحرك إلى الخير تحرك إلى الشر، خصوصا إن لم يجد الجو والبيئة التي تعينه على طاعة الله تبارك وتعالى. ومن القضايا البديهية أن الفرد والمجتمع يمثلان وحدة متكاملة ومتفاعلة لا تقبل التجزئة بحال ، فما من إصلاح أو إفساد يلحق بالشباب ويتغلغل فيه له انعكاسات خطيرة عليه، ومن هذه الأخطار : الشبهات : وهو يتعلق بحركة عقل الشباب، فالشيطان لعنه الله يوسوس للإنسان ببعض الشبهات التي يزخرفها له ويزينها، ليصده عن سبيل الله عز وجل، ولذلك تجد كثير من الشباب يعاني من الوساوس ، وهذا مرض إذا لم يعالج بالعلم والمعرفة وسؤال العلماء، فإنه خطر على إيمان المرء ودينه ؛ بل وحياته ومستقبله. الشهوات : فالشباب معرض للافتتان لقوة الجسم وحركته وحيويته، ولقوة الغريزة لديه . العواطف : ونعني بها قد يصلح الشاب ويهتدي، لكن يتعمق حتى يستغرق في العبادة والالتزام فيصل إلى درجة الترهب المبتدع و التطرف المنحرف أو الانحلال والتميع، وهو استدراج من الشيطان ينفذ إليه من خلال رقة العاطفة ورهافة القلب، فيستلب عقله ويعمى قلبه في سكرة أخية الجنون. وسائل الوقاية والعلاج المطلوب : فلعلاج هذه الشبهات التي تعرض للإنسان إنما تكون بوسائل وقائية منها : + الأمر الأول : الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، فكم من شبهات ليست حقيقية، وإنما هي نوع من الوسواس الذي يحاول الشيطان أن يصد به الإنسان عن طريق الخير، فأكثروا من الاستعاذة من الشيطان الرجيم . + الأمر الثاني : العلم النافع، وهو معرفة القرآن والسنة ، ومجالسة العلماء، وعلاج تلك الشبهات والانحرافات بحسب نوع الشبه وخلفياتها. وأما ما يتعلق بمرض الشهوة : فهو في منتهى الخطورة، لشدة ثوران الغريزة عند الشباب، وكثرة المهيجات التي تثير هذه الغريزة ، فإنه حينئذ يحتاج إلى جهد كبير ليتخلص من ذلك. فمن واجبنا يا إخواني أن نحب ما يحبه الله، وأن نحرص عليه، وأن ندرك أن من مسؤوليتنا أن نشجع كل شاب رأينا فيه ما يدعو إلى الإصلاح . وإننا نرى – بحمد اللهء في مشارق الأرض ومغاربها توجها إلى الله تعالى في كل بلد من بلاد المسلمين وأخص بلدنا المغرب حيث أنك ترى وتلاحظ أن عددا كبيرا من الشباب قد صلحوا واستقام أمرهم ، وهذه من البشارات التي بشر بها الرسول صلى الله عليه وسلم ، ففي الحديث الصحيح المتواتر الذي روي عن أكثر من واحد وعشرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : قال : ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك )) رواه مسلم رقم :1920. وفي لفظ: (( لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلا ما أصابهم من اللأواء)) رواه الطبراني عن أبي أمامة ورجاله ثقات ء كذا قال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/288. أي لا يضرهم خلاف المخالفين ولا عناد المعاندين، ولا خذلان الخاذلين وإن كانت الشدة تصيبهم كما تصيب غيرهم، وهذه بشارة نبوية أن هذه الأرض لا يمكن أن تخلو من قوم صالحين مصلحين ، يقيمون هذا الدين ويرفعون راية هذه الملة ويكونون حجة الله تبارك وتعالى على عباده ، فمن واجبنا أن ندرك أن إقبال الشباب على الاستقامة هو من وعد الله ووعد رسوله صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة المحمدية