المغرب يدعو إلى هامش أكبر من الاستقلالية المادية لمجلس حقوق الإنسان    ولي العهد يستقبل الرئيس الصيني    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34        المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رقية إسلامية للمصابين بداء التطرف والكراهية
نشر في هسبريس يوم 11 - 06 - 2008

كلمات مختصرة عن سماحة الإسلام التي تمثل واقعاً ينبض بالحياة لا يسع المتزمتين إنكاره , تلك السماحة التي اشتملت جميع مناحي الحياة والتصور في مجال الاعتقاد والأخلاق والتعايش السلمي الذي طبقه المسلمون انطلاقا من مبادئ دينهم الذي ربّاهم على رحابة التسامح في جميع العصور .
وإنه لعجيب في الفهم وغريب من القول أن توصم أمة التسامح بالإرهاب والتعصب وعدم احتواء الآخر وعدم التفاعل الحضاري لتكوين نسيجٍ عالميّ واحد ينشر الأمان المفقود على وجه الأرض .. وهذا كله بسبب شرذمة من الدراويش المغرر بهم من طرف شيوخ الفتنة في الخارج والداخل يحسبون أنهم يقدمون خدمة للإسلام والمسلمين وهم في حقيقة الأمر يوقعون شيكا على بياض يمنحونه- بقصد أودون قصد- إلى أعداء العروبة والإسلام يسحبون من خلاله أي مبلغ يريدون من بنك سماحة الإسلام ورحمته وعدله وعالميته , علما بأن بضاعة هؤلاء ضعيفة في العلوم الشرعية فتارهم لا يفرقون بين الناسخ والمنسوخ والراجح والمرجوع والعام والخاص والمطلق والمقيد ..لايعترفون بفقه الموازنات والأولويات ومقاصد الشريعة الإسلامية.. جلبوا للأمة الويل والدمار والشتات , بشطحاتهم الغريبة وفهمهم المعوج لنصوص القرآن والسنة وأقوال سلف الأمة ..ولغيرتنا على ديننا الذي زادت وتيرة تشويهه في هذه الأيام – مع الأسف الشديد- نضع بين أيدي هؤلاء جميعا من مسلمين ومسيحيين ويهود وصفة علاجية من صيدلية الحبيب المصطفى (ص ) عساها تكون شفاء لهم ولذريتهم ومحبيهم ولشيوخهم ومن تبعهم إلى يوم الدين ..؟؟ ""
الإسلام وحرية الاعتقاد
علاقة الإسلام مع الآخر في مجال الاعتقاد علاقة تسامح وإزالةٍ لجذور التباغض والشحناء وصولاً إلى عالم يذخر بالأمان على الأوطان وحرية كل فرد في أن يعتنق ما يشاء وحساب الخلائق على رب العباد .. وتلك سمة كبرى من سمات هذا الدين في أنه يقيم جسور التواصل بطريقةٍ متفردة ليحقق أسمى معاني التسامح الديني ، لذا يرسي الإسلام من إفهام أتباعه ركيزة هامة من ركائز الفهم لهذا الدين وهي أن الأديان السماوية كلها تستقي من معينٍ واحد ( شرع لكم من الدين ما وصىّ به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه .... ( وقال الله تعالى ) إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوحٍ والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبوراً)
فمصدر الوحي إذن واحد .. ولهذا وجب الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين الذين أنعم الله عليهم بالنبوة والرسالة وهذا ما قرره الإسلام ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتب ورسله لا نفرق بين أحد من رسله) وأمر الله تعالى به عموم المؤمنين ( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون )
وعلى هذا فمن أنكر نبوة نبيّ من أنبياء الله فهو في عداد الخارجين عن الإسلام قال الله تعالى ( إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون : نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً . أولئك هم الكافرون حقّاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مهينا. والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفوراً رحيماً )
فنحن المسلمين نحمل بين جوانحنا التقدير والإحترام والحب الذي ليس له حدود لجميع أنبياء الله ورسله ...ذلك الإحساس الرائع الذي لم تشاركنا فيه ملة أخرى .. وذلك بوحي من مبادئ الإسلام ونبي الإسلام القائل (أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة ) قالوا : كيف يا رسول الله قال ( الأنبياء إخوة من علات وأمهاتم شتى ، ودينهم واحد فليس بيننا نبي )
كما يمنع الإسلام أتباعه من إكراه أحد على عقيدة معينة ويمنح كل إنسان مطلق الحرية في إعتناق ما يشاء بعد أن يمتلئ قلبه بالرضى والقبول لهذه العقيدة قال الله تعالى (لا إكراه في الدين) .. وقال تعالى ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ولا شكّ أنّ الله تعالى قد أمدّ الإنسان بآلات الإدراك والفهم والتخير كما قال عز وجل ) ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهديناه النجدين ) فللإنسان أن يفكر وأن يستقصي ثمّ يتخير طريقه بعد هذا .. وما على أتباع الإسلام ودعاته إلا البلاغ والإعلام فقط ثمّ إن شاء الله الهداية لعبد من عباده وفقه إليها وأذن له فيها ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين . وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله)
وفي آداب الحوار مع المخالفين من أهل الكتاب أوغيرهم فرض الإسلام على أتباعه عدم الإصطدام معهم ، وأن يكون الحوار إيجابياً على سبيل التعاون المحمود على الخير بالإقناع غير المغرض بلا تدافع ولا تضاد .. هكذا أمرنا الله تعالى حين يقول ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل لكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) وقد جلس النبي الكريم سيدنا محمد (ص) في محاورات تدور بين الطول والقصر مع أخلاط المخالفين للإسلام .. وكانت مجادلته لهم تفيض بالسماحة والتوادد كما علمه الله عزوجل ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً ارباباً من دون الله)
ومن تأمل توجيهات القرآن الكريم في شأن التجادل في المسائل الإعتقادية مع غير المسلمين لوجد أنها ترسخ في نفس المسلم أعمق معاني التسامح الديني عامة .. وذلك كما ورد في سورة ( الكافرون ) إذ الحوار فيها يبدأ بمحاولة الإقناع العقلي وبيان وجهة النظر التي لا تتغير فإذا انتهى الحوار دون قبول من الآخر فلترفع جلسة النقاش على ودّ وسلام وبيان مطلق الحرية في استبقاء كل فريق على اعتقاده ( لكم دينكم ولي دين )
وحرصاً على إدامة جوّ التآلف والإحترام المتبادل مع كافة الأطراف المخالفة فقد أمر الإسلام أتباعه باجتناب السبّ والمهاترة والتجريح في مجادلاتهم مع غيرهم قال الله تعالى ) ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم (وذلك سدّا لأي منفذ يفتح أبواب الشقاق والصراع وحرصا على دوام العلاقات المتوازنة مع الآخرين .
بل ويعلمنا الإسلام غض الطرف عن ما يبدو من المخالفين لنا في الإعتقاد حتى وإن أبدوا الإساءة لنا قال الله تعالى ) قل للذين آمنوا أن يغفروا للذين لا يرجون أيام الله(
ولعل الصورة قد بدت عن قرب ووضوح بأن التسامح الإسلامي في مجال الاعتقاد أمر غير مسبوق في دين ولا ملة أخرى أو نظام وضعيّ باجتهاد بشري .. وذلك أمر عرفته أمة الإسلام ومارسته على أرض الواقع على مرّ العصور والسنين ، وما نشاهده اليوم من تنطع وتزمت من أبناء جلدتنا تجاه الآخر ، وحتى تجاه بعضهم البعض ، بحيث كل طائفة تدعي بأنها هي الحق وهي الصراط المستقيم ، وما سواها هوالضلال المبين والشيطان الرجيم . فتصرفات هؤلاء حجة عليهم لاعلى الإسلام أبدا ، لأنه بعيد كل البعد أن يوصف بالإرهاب والظلم تجاه عباده ، سواء آمنوا به أم لم يؤمنوا ، فهوغني عنهم . يقول سبحانه : (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك ، وما كان عطاء ربك محظورا(
التسامح الإسلامي في مجال التعايش الإجتماعي
حرص الإسلام على أن يعيش أتباعه في جوّ من التفاهم والمسالمة مع مخالفيهم .. هذا ، ولم تحفل أيّ شريعةٍ أخرى ببيان دقائق الأحكام والوصايا في النظم الإجتماعيةّ كما اهتمت شريعة الإسلام .. وأرست في أفهام المسلمين قواعد الحقّ والواجب سواءً أكان المسلم في مجتمعِ إسلامي أوغيرإسلامي،لأن اختلاف العقيدة لا يحول دون الضيافة والتعارف والصلة وأحلّ الله لنا أن نأكل من طعام أهل الكتاب وأحل لنا ذبائحهم التي يذكونها على اعتبار أنهم أصحاب كتاب قال تعالى ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لكم وطعامكم حلّ لهم ) وقد كان النبي(ص) يقبل الدعوة إلى موائد أهل الكتاب والمشركين حتى استطالت عليه امرأة من اليهود تسمى زينب بنت الحارث زوجة سلام بن مشكم فاستغلت مسالمته وسماحته ودست له السمّ في ذراع الشاة وهذا أمر مشهور.
وتوثيقاً للروابط وإحياءً لمعاني الود والمسالمة والتسامح أباح الإسلام لأتباعه الزواج من النساء الكتابيات ، قال الله تعالى ) والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين) ومن المعلوم عندنا في الإسلام قدسية رابطة الزواج لدرجة أن القرآن وصف عقد الزواج بالميثاق الغليظ ، حين قال ( وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً) وقد طبق النبي (ص ) ذلك الأمر فتزوج من اليهود صفية بنت حيي بن أخطب زعيم بني النضير وصارت أمّا للمؤمنين وأنجب (ص) ابنه إبراهيم من مارية القبطية التي أهداها له المقوقس عظيم القبط في مصر .
وفي مجال التهادي بين المسلمين وغيرهم نظرا لما في التهادي من معاني البرّ والإقساط لم يمنع الإسلام هذه المعاملة ، عملا بقول الله عزّ وجل ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم , وتقسطوا إليهم والله يحب المقسطين )
ومن الإقساط والبر الإهداء إليهم وقبول الهدية منهم ، فقد روى البخاري وغيره أن النبي(ص)كان يقبل الهدية ويثيب عليها .
وقد قبل هدية ملك إيلة وهي بغلة بيضاء فكساه رسول الله (ص) بردة وأن ( أكيد رومة ) أهدى إلى النبي (ص) جبة سندس وأهدى له المقوقس جارية تخدمه .. نخرج من هذا إلى القول بجواز هدية المشركين والإثابة عليها كما كان النبي (ص) يفعل وأنه لا مانع من قبول هداياهم .
وقد ورد أن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر (رض) ذبحت له شاة في أهله فلما جاء قال : أهديتم لجارنا اليهودي ؟ أهديتم لجارنا اليهودي ؟ فقيل له : كم تذكر اليهودي أصلحك الله ؟ قال : سمعت رسول الله (ص) يقول ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه (
ومن أعظم سمات دين الإسلام أنه دين السلام ولهذا فإن أتباعه يدركون قيمة الود والوئام الإجتماعي ويسلكون في سبيل ذلك دروب السماحة بإفشاء السلام مع كل الناس حتى مع غير المسلمين .. فقد كان ابن مسعود (رض) يلقي السلام على غير المسلمين ويقول : إنه حق الصحبة ، وكان أبو أمامة (رض) لا يمر على مسلم ولا كافر إلا سلّم عليه ، فقيل له في ذلك فقال : أمرنا أن نفشي السلام وبمثل ذلك كان يفعل أبو الدرداء (رض) وكتب ابن عباس (رض) لرجل من أهل الكتاب .. السلام عليك . وكان عمر ابن عبد العزيز (رض) يقول : لا بأس أن نبدأهم بالسلام.
هذه حضارة الإسلام شاهدة من خير القرون على أن الجوّ العام في صدر الإسلام كان يذخر بآيات السماحة والودّ بين الأخلاط المتباينة من المسلمين وغيرهم .. ولا زالت هذه السماحة سارية بإذن الله رب العالمين إلى يومنا هذا ، مهما تعالت أصوات دعاة الكراهية في الشرق والغرب والعرب والعجم ، فالإسلام مبادئ وقيم لاتتغير بتغير الزمان والمكان .
وبدافع التسامح وحسن العشرة نجد أن الإسلام لم يقف في سبيل إنماء العلاقات الودية مع غير المسلمين بل ندب أتباعه إلى زيارتهم على سبيل المجاملة أو الرد على زيارة سابقة ، أو عيادة المرضى منهم فقد ورد أنه كان للنبي (ص) غلام يهودي يخدمه فمرض فأتاه فعاده ... الحديث
وقد دعا النبي (ص) عمّه أبا طالب في مرض وفاته وعرض عليه الإسلام كما هو مشهور .ومن المشاركات الاجتماعية التي حبذ إليها الإسلام أيضاً تعزية غير المسلمين إذا حدث لهم مكروه كموت أو فقد أو حريق أو مثل ذلك انطلاقا من القاعدة الشهيرة ( لهم ما لنا وعليهم ما علينا ) والتاريخ حافل بمثل هذه الصور الحية النابضة بأعمق معاني التسامح . لكن –للأسف- هذه الصور الجميلة والرائعة كادت أن تحذف من قاموس ساداتنا مشايخ الفضائيات . ؟
وتنقل كتب السيرة موقفاً مناسباً يفيض بالسماحة النادرة فعن جابر بن عبد الله قال : مرت بنا جنازة فقام النبي (ص) وقمنا فقلنا:يا رسول الله : إنها جنازة يهودي فقال : أو ليست نفساً ؟ إذا رأيتم الجنازة فقوموا وهذا دليل على مقدار ما يراه نبي الإسلام من المساواة بين الناس جميعاً بلا فرق بين عقائدهم وأجناسهم وهي سماحة لا نجدها إلا في الإسلام إذا فهمناه على وجهه الصحيح ..
ولقد حذر الإسلام عن إيذاء الذميين ( أهل الكتاب في المجتمع الإسلامي ) أو ظلمهم بأيّ وجه ، ففي الحديث ( منْ ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أوأخذ شيئاً منه بغير طيب نفس ، فأنا حجيجه يوم القيامة ) بل فاقت سماحة الإسلام في سموها كل تصور حيث يأمر النبي الكريم (ص) بحفظ حرمات أهل الكتاب حين قال ( إنّ الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن ولا ضرب نسائهم ، ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذي فرضَ عليهم .(
وهكذا نرى أن الإسلام أقام جسور الود والتعايش السلمي بكل طريقة ممكنةٍ بل دفع جميع أفراد المجتمع إلى التعاون على الخير بغض النظر عن اعتقادهم فقد قال الله عز وجلّ ) وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ( ولهذا فقد كان من أول أعمال النبي الكريم (ص) في المدينة النبوية بعد الهجرة أن عقد وثيقة الأمن العام بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، وعهدا مع جميع أطياف اليهود القاطنين آطام المدينة بكل طوائفهم .
ومن استنطق التاريخ الإسلامي وجد جواهر الأخلاق الحسان للأفراد والمجتمعات الإسلامية وهي تقدم كل يوم عطاءً جديداً في معنى التسامح مع غير المسلمين من لدن زمن النبي (ص) إلى يومنا هذا ومروراً بكل العصور الماضية بلا استثناء .
واسالوا التاريخ إذ فيه العبر*** ضلّ قوم ليس يدرون الخبر
وسنقف على صورتين من ذلك لعدم الإطالة :
الأولى :
روى أبو يوسف في كتاب الخراج أن عمر بن الخطاب (رض) رأى شيخاً ضريراً يسال " يطلب الصدقات "ولما عرف أنه يهودي أخذ بيده وذهب به إلى منزله " منزل عمر " وأعطاه شيئاً من المال ثمّ قال لخازن بيت المال : أنظر هذا وضرباءه فو الله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته ثمّ نخذله عند الهرم ، وكتب كتاباً إلى الولاة يقول فيه : أيما ذميّ ضعُفَ عن العمل وصار أهل ملته يتصدقون عليه ، عيلَ هو وعياله ما داموا تحت رعاية المسلمين
الثانية :
اشتكت امرأة من أقباط مصر إلى عمر بن الخطاب والي مصر عمرو بن العاص (رض) عنهما أنه قد أدخل دارها في المسجد كرهاً عنها فيسال عمراً عن ذلك ، فيخبره أن المسلمين قد كثروا وأصبح المسجد يضيق بهم ، وفي جواره دار هذه المرأة ، وقد عرض عليها عمرو ثمن دارها وبالغ في الثمن فلم ترض مما اضطر عمرو إلى هدم دارها وإدخالها في المسجد ووضع قيمة الدار في بيت المال تأخذه متى شاءت ، ومع أن هذا ما تبيحه قوانيننا الحاضرة ، وهي حالة يُعذر فيها عمرو على ما صنع ، فإن عمر بن الخطّاب لم يرض ذلك وأمر عمراً أن يهدمَ البناء الجديد من المسجد ، ويعيد إلى المرأة المسيحية دارها كما كانت .
هذه هي الروح المتسامحة التي سادت المجتمع الذي أظلته حضارتنا بمبادئها ، فإذا بنا نشهد من ضروب التسامح الديني ما لا نجد له مثيلاً من تاريخ العصور حتى العصر الحديث .
إضافةً إلى ذلك فالواقع يذخر بآلاف الشواهد على سماحة الإسلام في التعامل مع غير المسلمين في أنك تسمع نداءات المآذن وهي تعانق أجراس الكنائس وأبواق معابد اليهود على بساط التآلف في نسيج واحد يمثل التعايش السلمي في أبهى حلله ، وذلك في جلّ بلاد الإسلام الناطقة بالعربية مثل المغرب ومصر وسوريا ولبنان وفلسطين وغيرها من البلاد .. ولعل وجود المسيحيين واليهود آمنين منذ دخول الإسلام هذه البلاد على كنائسهم وممتلكاتهم لدليل شاهدٌ على تلك الروح الإسلامية الفياضة بالسماحة .
التسامح الأخلاقي وقت الحروب
من الأعراف البشرية العالمية أن الحروب لا تتقيد أبداً بالأخلاق .. هذا شأن كلّ الأمم إلا المسلمين الذين يستمدون حضارتهم من سماحة دينهم ، ومهما قلب الإنسان أوراق التاريخ أو تفرس في أرض الواقع لوجد الإنتهاكات الصارخة لكل معاني الإنسانية ناهيك عن المبادئ الصادرة من الدين ذاته .
وقد تعامل المسلمون بروح التسامح في كل وقت وحتى ساعة الحرب التي يتخلى فيها الإنسان عن مبادئه ، والتزموا بذلك واشتهروا به .
أولا : العفو العام يوم الفتح :
فهذا يوم الفتح العظيم الذي نصر الله فيه عبده وأعز جنده ويدخل النبي (ص) مكة فاتحاً لها باسم الإسلام ، والعيون جاحظة في وجهه الكريم ترتعش خوفا ورعبا لأنها تعرف تمام المعرفة ماصنعت برسول الله (ص) وأصحابه الكرام ، بحيث أخرجوهم من وطنهم وديارهم.. لو أن التاريخ أخبرنا أن رسول الله (ص) أمر بإعدام من وقفوا في سبيل دعوته لكان هذا منتهى العدل والواقع يشهد بذلك والمنطق أيضاً .. لكن سماحة الإسلام تجلت في التعامل مع المخالفين بفيض من التسامح والعفو حيث يسألهم النبي الكريم (ص): ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا : خيراً .. أخٌ كريم وابن أخٍ كريم ، فقال : اليوم أقول لكم ما قال أخي يوسف من قبل لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين اذهبوا فأنتم الطلقاء .
ثانياً : وصاياه :
ومن وصايا رسول الله (ص) لقادة الجيوش عند الحروب نتعرف أيضاً على سماحة هذا الدين والتزامه بها ، ومن ذلك وصيته (ص) لجند الإسلام في مؤتة : لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً صغيراً ولا امرأة ولا تغلوا ....
وقد أوصى الخليفة الأول سيدنا ابو بكر الصديق (رض) قائد الجيش الإسلامي أسامة بن زيد ومن معه من الجنود بقوله لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلا ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجراً مثمراً ولا تذبحوا شاةً ولا بقرةً ولا بعيراً إلا لمأكلة وسوف تمرون بأقوامٍ قد فرغوا أنفسهم في الصوامع ( يريد الرهبان ) فدعوهم وما فرّغوا أنفسهم له ... وبمثل هذه المعاني أوصى عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين .
هذا هو الإسلام كما صوّره الواقع على مرّ التاريخ الإسلامي كله تنفيذاً لأمر الله تعالى ولهدي نبيه (ص) فأين هذه المبادئ السمحة الكريمة من واقع الحياة المرير الذي يعجّ باختلال موازين العدل والإنصاف وتقتيل الأبرياء من الطاعنين في السنّ ، والأطفال والنساء ودكّ المدن وتدمير البلاد وتشريد العباد وسحق كرامتهم وآدميتهم وإذلالهم وهدم منازلهم ، وإعتقالهم بلا ذنب ولا جريرة ؟!
ثالثاً : أين يصلي عمر ؟
وهناك موقف شهير لعمر (رض) يظهر أن المسلمين تفوقا في ميدان التسامح إلى حدّ كبير ، وخصوصاً إبان المواجهات الفاصلة .
فبعد أن فتح المسلمون القدس في زمان عمر(رض) يروي التاريخ أنه قدمَ إلى المدينة المقدسة وخطب في الجموع الحاشدة لكم ما لنا وعليكم ما علينا .... إلخ ثمّ دعاه البطريرك " صفرونيوس " لتفقد كنيسة القيامة فلبّى دعوته ، ثم أدركته الصلاة وهو فيها ، فالتفت إلى البطريرك وقال له : اين أصلي ؟ فقال له صلّ مكانك ، فقال : ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة القيامة فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون : هنا صلى عمر ، ويبنون عليه مسجداً وابتعد عنها رمية حجر وفرش عباءته وصلى ، وجاء المسلمون من بعده وبنوا على مصلاه مسجداً وهو قائم على رمية حجر من كنيسة القيامة إلى يومنا هذا..
ولا زالت الكنيسة على حالها باقيةً إلى الآن .. وقد استكثر عمر من فرط سماحته أن يصلي فيها حتى لا يتواثب المسلمون عليها بعده ، فأي دليل على سماحة المسلمين أكثر من هذا ؟
إن رصيد العالم من التسامح عند الحروب ضئيل جداً بل عند التحقق تجد أنه لا يذكر وخصوصاً عند اختلاف العقيدة .. ولا شك أن التسامح الديني عطاءٌ حضاريّ موقوف على الإسلام وأتباعه .
رابعاً : حكمها .. رحمة ونعمة
ويروي التاريخ أيضاً ما كان بين أهل " سمرقند " وعمر بن عبد العزيز الخليفة العادل الأموي المشهور . فقد شكا هؤلاء عليه أن " قتيبة بن مسلم " وهو الذي فتح بلاد سمرقند ظلمهم وأخذ بلادهم عن غدرٍ فأمر الخليفة أن يحكم القاضي " جميع بن حاضر " في القضية فقضى أن يخرج عرب سمرقند إلى معسكرهم ثم تكون الحرب من جديد فإما ظفرٌ عنوة أو صلحٍ عن تراضٍ لا ريب فيه .
فكره أهل سمرقند الحرب ورضوا بما هم عليه وأقروا المسلمين على البلاد وذلك بعد أن آمنوا إليهم ورضوا سيرتهم .. وهذا عمل لا يعلم التاريخ له مثيلاً.
وقد وجد أهل سمرقند كل الإنصاف والمسالمة في العدالة التي تطبقها الدولة الإسلامية على نفسها لدرجةِ أنهم قالوا : هذه أمةً حكمها رحمة ونعمة ولو استرسلنا في بيان شهادة التاريخ على سماحة الإسلام والمسلمين وقت الحروب مع غير المسلمين لضاق بنا مجال هذا العرض الموجز ، ولكننا ألمحنا بوقائع تاريخية مسجلة سطرها الزمان بكل الإجلال والتقدير والمهابة للإسلام وأهله .
إعترافات منصفة
وبياناً للحقيقة الناصعة سنقف على نماذج من شهادات غير المسلمين في إثبات سماحة هذا الدين وأتباعه ..
على أننا لا نستمد ثقتنا من غيرنا .. ونحن على يقين من سماحةِ ديننا ولكن .. لا بأس أن نستأنس بهذه الإعترافات ونهديها إلى من يذيع ويشيع أويتصرف خارج الهدي النبوي بارتكابه أبشع الأفعال متوهما بأنها من صيم الإسلام وهو منها براء ، كبراءة الذئب من دم يوسف عليه السلام .
أولاً : رسالة من وادي الأردن
لما بلغ الجيش الإسلامي وادي الأردن بقيادة أبي عبيدة (رض) كتب أهالي هذه البلاد المسيحيون إلى العرب يقولون : يامعشر المسلمين أنتم أحب إلينا من الروم ، وإن كانوا على ديننا ، إنكم أوفى لنا وأرأف ، وأكف عن ظلمنا وأحسن ولايةً علينا .
ثانياً :تسامح يبسطه المنتصرون
وهذه شهادة عالم مشهور من علماء الغرب الذين أفنوا أعمارهم في دراسةِ الإسلام وتاريخه وإذا به بعد مسافات مطولة من التطواف في أغوار التاريخ الإسلامي يخرج رأسه من بين الكتب ويذكر " السير توماس أرنولد" في كتابه " الدعوة إلى الإسلام " ما نصهُ مترجماً ( ويمكننا نحكم من الصلات الودية التي قامت بين المسيحيين والمسلمين من العرب بأن القوة لم تكن عاملاً حاسماً في تحويل الناس إلى الإسلام ، فمحمدٌ نفسه قد عقد حلفاً مع بعض القبائل المسيحية ، وأخذ على عاتقه حمايتهم ومنحهم الحرية في إقامة شعائرهم الدينية كما أتاح لرجال الكنيسة أن ينعموا بحقوقهم ونفوذهم القديم في أمنٍ وطمأنينة .... ويقول أيضاً : ومن الأمثلة التي قدمناها آنفاً عن ذلك التسامح الذي بسطه المسلمون الظافرون على العرب المسيحيين في القرون الأولى من الهجرة واستمر في الأجيال المتعاقبة ، نستطيع أن نستخلص بحق أن هذه القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام إنما فعلت ذلك عن اختيار وإرادة حُرة ، وإن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات مسلمة لشاهدٌ على هذا التسامح )
ثالثاً : مناصب رفيعة لغير المسلمين
وثمّة شهادةٌ أخرى لعالم أمريكي مشهور هو ( المستر داربر ) الذي يقول :( إن المسلمين الأولين في زمن الخلفاء لم يقتصروا في معاملة أهل العلم من النصارى النسطوريين ومن اليهود على مجرد الإحترام بل فوضوا لهم كثيرا من الأعمال الجسام ، ورقوهم في مناصب الدولة ، حتى إن هارون الرشيد وضع جميع المدارس تحت رقابة ( حنا بن ماسويه ) ، ولم يكن ينظر إلى البلد الذي عاش فيه العالم ولا الدين الذي ولد فيه بل لم يكن ينظر إلا إلى مكانته من العلم والمعرفة . هكذا عاش غير المسلمين في أحضان دولة الإسلام ناعمين بالأمن بل بالتميز والرقيّ .
رابعاً : إحترام متبادل
وقد ألهم أهل الإسلام غيرهم من الأمم فيضاً من روح التسامح ونتعرف على ذلك مما يذكره الفرنسي ( رينو) في تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط ( إن المسلمين في مدن الأندلس كانوا يعاملون النصارى بالحسنى كما أن النصارى كانوا يراعون شعور المسلمين فيختنون أولادهم ولا يأكلون الخنزير)
سبحان الله .. لقد تأثر الأجانب بروح التسامح وردوا الخير إلى أهله من أثر الاحتكاك المباشر مع المسلمين .
" مخازي عاشتها البشرية "
وقد كنا نتمى أن تسود روح المحبة والود والتسامح أرجاء المعمورة في كل العصور لأن ذلك من مطالب الإسلام العظمى .
وقد طبق المسلمون ذلك كما سبق على مرّ التاريخ إلا أن الأمم المغايرة لأمة الإسلام قد اشتط بها التعصب الديني والمذهبي وأفرز الواقع نكبات ومآسٍ ضدَ المسلمين من غيرهم .. بل اضطهد بعضهم البعض بصورة وحشية تدعو إلى العجب في شكل مذابح وحروب ومحاكم تفتيش مما يؤكد أن هؤلاء لم يتعرفوا على التسامح الديني ولم يمارسوه .
بعض تفاصيل الصورة عن قرب
فهذه هند بنت عتبة قبل إسلامها تمثل بجدّ سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب (رض) وتبقر بطنه ، وتلوك كبده في صورة فجّة تبرز التعصب والكيد والإنتقام .
وقد سيطرت فكرة سطوة المنتصر على المهزوم فكان الويل للمغلوبين المقهورين بشتّى صور الإذلال مع التخير والانتقاء لأكثر المناظر إثارةً عند تنفيذ أحكام الإعدام وعندئذ كان الجلد يسلخ والضحية على قيد الحياة ثمّ يحشى هذا الجلد بالتبن ويعلق الجسم الميت على مكان بارز .
إضافة إلى أن قوماً آخرين يستحلون دماء غيرهم من المخالفين لهم في الاعتقاد إما بالقتل أو الذبح أو الاستنزاف مع خلط هذا الدمّ بطقوسهم الدينية .
وقد شهد التاريخ أيضا بوقوع أبشع أنواع القتل والتنكيل في العصور الوسطى ، فقد أحرق ( برونو ) لمجرد أنه تابعٌ ( جاليليو ) في القول بدوران الأرض حول الشمس ... وهذا ما حدا برجال الثورة الفرنسية أن يقولوا في واحد من شعاراتهم الثورية منذ أكثر من مائتي عام " أشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس " رامزين بهذا الشعار إلى القضاء على رجال الكنيسة الذين سيطروا على ضمائر الشعوب وعلى الملوك الإقطاعيين الذين سيطروا على أجسام رعاياهم واستعبدوهم ..... إضافةً إلى ما كانت تقوم به الكنيسة –مع الأسف- في القرون الوسطى في الغرب من تعذيب مؤلم لمن تحوم حوله الظنون حيث كانت الكنيسة تحفر حفرة عميقة وتغرس فيها أسياخاً مدببة الرؤوس ثم يلقى فيها الضحايا فتنغرس رؤوس الأسياخ المدببة في أجسادهم ويظلون فوقها تنزف دماؤهم حتى الموت .. أليس هذا إرهاباً لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية جمعاء ؟!
هذه الوان الصورة الطبيعية عن قرب تظهر التفوق الحضاري الإسلامي على مرّ القرون وتبين أن القسوة والتعصب والتنكيل ليست من صفاتنا ، وما يقوم به بعض المتنطعين من أبناء جلدتنا من تفجيرات في الأسواق والمدن والحافلات المدنية ، إنما هي بضاعة مستورة من الضفة الأخرى ..؟ وقد آثرت الإلماح فقط عن واقع غير المسلمين في هذا الإطار تجنباً للإطالة ولدفع الظنّ بالتحيّز والانتصاف لعقيدتي وللقوم الذين أنتمي إليهم .
ثمرات التسامح الإسلامي
لا يزال التسامح الإسلامي قيمة جاذبةً للأفراد والجماعات حيث يجدوا فيه الأمل المنشود لسلام هذا العالم المثخن بالجراحات والاضطرابات .
ولو استنبأنا التاريخ الناطق بالبراهين لأنبأنا غير متجانفٍ لإثم بأن التسامح آتى أكلهُ على مرّ الزمن منذ ايام النبي الكريم (ص) وحتى يومنا هذا حيث كان الناس يقبلون على الإسلام بعد أن يتعرفوا على فيض سماحته .
ومنهم ( ثمامة بن آثال ) الحنفي الذي وقع في أسر المسلمين وأمر النبي (ص) بالإحسان إليه وحسن معاملته وكان النبي (ص) يأتيه فيقول : أسلمْ يا ثمامة فيقول : إيهاً يا محمد ..إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن ترد الفداء فسل ما شئت .
فمكث ما شاء الله أن يمكث ثم قال النبي (ص) أطلقوا ثمامة فلما أطلقوه ، خرج حتى أتى البقيع فتطهر فأحسن طهوره ثمّ أقبل فبايعَ النبيّ (ص) " فأسلم " وقال : يا محمد لقد كان وجهك أبغض الوجوه إليّ ، ولقد أصبحَ وهو أحب الوجوه إليّ .
لقد أثمرت السماحَةُ الفياضَة من رسول الله (ص) تجاه هذا الأسير بعد إطلاق سراحه بلا مقابل في أن يسلمَ وَجْهَهُ للهِ طواعيةً عن طيب نفْس لأنه وجد في الإسلام ما لم يجده في غيره .
وكذلك مواقف إسلامِ عديّ بن حاتم وصفوان بن أمية وريحانة بنت عمرو بن خناقة إحدى نساءِ بني عمرو من يهود بني قريظة .. كل هؤلاء وأمثالهم لم يتسرب الإقتناع التام بالإسلام وقيمه الساميه إلا بعد أن شاهدوا أمارات التسامح الإسلامي الذي كان يمثل فراغاً في نفوسهم .
ولقد كانت الشعوب جميعاً تهفو إلى الإسلام وتسارع إلى الدخول فيه عن طواعية وحبّ من وراء هذا التسامح الذي لم يألفوه من معتقداتهم وحياتهم عبر شرق الدنيا وغربها ، وخصوصاً مع رحلات تجار المسلمين في بلاد المشرق حيث دخل الناس في دين الله أفواجاً بلا خطَطٍ ولا جهود دعوية ، وإنما من خلال سماحة البيع والشراء التي تميّز بها هؤلاء التجار في شرق الكرة الأرضية .
هذا.. وعلى الجانب الآخر من استغلال المواقف وإساءة الظنّ بقدرات المسلمين وتأثيرهم ، استغلّ فريق من الأفراد والجماعات والأمم هذه السماحة فأخذ يضلل ويلفق ويزيد من البهتان والإساءة المغرضة بعد يقينه أن سماحة الإسلام ستقف فاصلا دون أن يرد المسلمون الأذى بالأذى .
والحقيقة التي أثبتها الواقع والتاريخ أن تكوين الشخصية المسلمة قد صيغ من أعمق معاني التسامح والود والتعايش السلمي مع غير المسلمين .. انطلاقاً من أوامِر الدين الحنيف .
وبعد ، فهذا تطوافٌ سريع عبر التاريخ والواقع .. ومؤيد بأنصع الأدلة المنقولة والمعقولة على أنّ الإسلام وأتباعة أهل تراحم وتسامح على أحسن ما يكون المعنى أما تصرفات بعض المسلمين المنحرفة عن نهج الإسلام ومقاصد ه الإنسانية الخالدة لاتعطي الحق للغرب أبدا أن يوسم الإسلام بدين الإرهاب والتطرف ، وكما يقول علماء الأصول : الشاذ لاحكم له .
وفي الأخيرنرجوأن تكون هذه الوصفة الطبية التي قمنا باستخراجها من صيدلية النبي محمد (ص) عساها تكون شافية للعقول والأجساد الذي ابتليت بداء التنطع والكراهية .
الصادق العثماني
داعية وباحث مغربي مقيم في البرازيل
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.