في خطابه أمام البرلمان التركي أعلن أوباما أن بلاده ليست في حالة حرب مع الإسلام، وليس هو بدعا بين أسلافه في هذا، ثم أردف إن علاقتنا مع العالم الإسلامي لن تكون مستندة إلى معاداتنا للقاعدة، لكنه حث الحكومة التركية على المضي بالإصلاحات الليبرالية حتى تنضم إلى الاتحاد الأوروبي، مؤكدا مديحه لمؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، ومعربا عن اعتقاده أن ميراث تركيا وقوتها في علمانيتها وديمقراطيتها. الكل يعلم ما يعنيه أتاتورك، وما أحدث من تغييرات على شخصية الشعب التركي، وعلى صلته بالإسلام، واللغة العربية، وجنوحه المتطرف نحو العَلْمنة، وقطع الصلة بين تركيا وامتدادها الإسلامي، ومحيطها الثقافي، وقد عبر الشعب التركي عن تجاوزه لتلك الطروحات، ورغبته بتوثيق صلته بدينه، وثقافته الأصيلة التي تقربه من الشعوب الإسلامية الأخرى.واضح أن الولاياتالمتحدة بشخصية أوباما تجد فرصة لتخفيف درجة الغضب التي سادت العالم الإسلامي بعد غزوها لأفغانستان والعراق، واحتلالها لهما، وما تخلل ذلك من ممارسات كشفت عن وحشية واستهتار بدين هذه الأمة، وانتهاكات للأعراض، وسفك مريع لدماء الناس في أوطانهم. وليس بعيدا عن أعين صناع السياسة والقرار الأمريكي ما يسببه دعمُها المطلق للكيان الصهيوني الغاصب من كراهية وانعدام في الثقة يتزايد كلما أسفرت 'إسرائيل' عن وجهها القبيح، بالتوجه نحو مزيد من التطرف والتعجرف والغطرسة، وقد حاول أوباما، ولم يكن كذلك الأول، أن يجدد وعود الإدارة الأمريكية، وتعهداتها بدعم عملية السلام، وحل الدولتين، بالاستمرار على مسار أنابوليس وخارطة الطريق، ردا على تصريحات ليبرمان، وزير الخارجية الصهيوني. لقد كان من أسباب تصاعد الكراهية للولايات المتحدة في عهد بوش الابن، تلك النظرة الاستعلائية التي طمحت إلى التغلب على المسلمين؛ بكسر إرادتهم، عسكريا، مع خطابٍ صرح بالمعاداة للإسلام ومقاربته بالإرهاب، والفاشية، وإعلان الحرب الصليبية عليه!ولما مُنيت تلك السياسةُ القائمة على الصدام بالفشل الذريع، وتورطت أمريكا في أزمة مالية خطرة اضطرتها إلى تخفيض سقف أهدافها، ومحاولة تضميد جراحها النازفة، أضحى من الضروري أن تُحدِث تغييرات على خطابها وطريقة تعاملها، وكان العالم الإسلامي في صلب تلك التغييرات. وقد انتزعت شخصية أوباما الناعمة؛ إذا ما قيست بشخصية بوش العنيدة، دون ذكاء، إعجابا، من شرائح لا بأس بها من شعوب العالم، وأوساط معينة في منطقتنا العربية، لكن المؤكد والمعروف أن العلاقة بيننا وبينهم ليست محكومة فقط بشخصية الرئيس، وأسلوب كلامه، بقدر ما هي متأثرة بحقيقة مواقفه، وطبيعة نظرته الفكرية للإسلام، ولقضاياه مثل فلسطين، وأفغانستان، والعراق! كما أن الرئيس الأمريكي، حتى لو أراد، فإنه لا يستطيع أن يغير قواعد فكرية رأسمالية، وديمقراطية، تحتم على الأديان الأخرى، ومنها الإسلام، أن (يتخلص) من كثير من مضامينه؛ فلا تقبله إلا أن يكون مكوِّنا منضويا، لا يتعدى في كثير من حالاته الناحيةَ الخلقية والتعبدية والأحكام الفردية.ومن الناحية السياسية لا يملك أوباما تغيير طبيعة الولاياتالمتحدة، فيما لو أراد، التي ذاقت طعم الاستعمار، وتوسعت في العالم، وباتت مصالحها تفرض عليها دورا أثقلَ كاهلها، لكنها، لم تتخلَ عنه، ولا يتوقع لها ذلك بسهولة.إن العلاقات بين العالم الإسلامي والولاياتالمتحدة لا يتوقع لها الدخول في منعطف جديد ما لم يتعمق التغيير في الجانب الأمريكي إلى نظرتهم إلى الإسلام، أولا، كما هو، وكما يدين به أهلُه، على الصحيح، مما ثبت عن علماء الأمة المعتبرين قاطبة. لا كما يريده الأمريكان، أو كما يفرضونه، وما لم يحدث ذلك فلن ينفع معه تغير في الوجوه، أو السطوح.