على ضوء ما نشر مؤخرا في إحدى الصحف التركية المحلية عن اكتشاف مؤامرة للإطاحة بحزب العدالة والتنمية الحاكم، نشرت مجلة« إيكونومست» البريطانية تقريرا عن تورط الجيش التركي في السياسة وقيامه بعدة انقلابات عسكرية خلافا لما أوصى به أتاتورك الذي كان له الفضل في تأسيس الجيش والجمهورية العلمانية في تركيا بعد الحرب العالمية الأولى. محاولة انقلاب يحاول المحققون المدنيون والعسكريون الأتراك معرفة حقيقة ما نشرته إحدى الصحف المحلية التركية عن خطة مزعومة من الجيش التركي للقيام بانقلاب عسكري، والإطاحة بحكومة الإسلاميين المعتدلين من حزب العدالة والتنمية، قيل إنها تشمل تفجير قنابل في المساجد المكتظة في إسطنبول، وإسقاط مقاتلة تركية فوق بحر إيجي، مما سيجر تركيا إلى حرب مع اليونان، وانتشار الاضطرابات في مختلف أنحاء تركيا. وهذا ما استنكره رئيس أركان الجيش مستهجنا أن يقوم جنوده، الذين يرددون اسم الله، بقصف المساجد, ودفع الحكومة التركية إلى إلغاء البروتوكول المسمى «إيماسيا» الذي يسمح للجيش بتولي السلطة في المناطق التي تشهد اضطرابات وانهيارا لسلطة القانون. لقد تشوهت سمعة الجيش التركي، وبات دوره محل تساؤل, ولكن هل انحسرت هيمنته بسبب تحول تركيا إلى ديمقراطية غربية؟ أم أن ذلك مجرد مرحلة في المعركة الطويلة الأمد بين الجنرالات الذين احتكروا السلطة والقوة وبين النخبة السياسية التركية ممثلة في حزب العدالة والتنمية؟ تعتبر الإجابات على درجة كبيرة من الأهمية ليس للأتراك وحدهم, فتركيا تحتل مركزا إستراتيجيا بين أوروبا والشرق الأوسط، وتمر عبرها إمدادات الطاقة من الشرق, وتمتلك ثاني أكبر جيش في الناتو بعد الولاياتالمتحدة، وتعتبر نموذجا فذا من الديمقراطية العلمانية في بلد غالبية سكانه من المسلمين مقارنة بديمقراطية كل من باكستان وإندونيسيا ، حيث يتمتع الجيش هناك بالنفوذ القوي. يعتبر الجيش التركي، ومنذ أمد بعيد، الحامي للجمهورية العلمانية التي أسست منذ 86 عاما على يد كمال أتاتورك، وبرغم مشاكله الأخيرة ، فإنه ما زال أكثر المؤسسات التركية التي تحظى بالشعبية والاحترام وتضع الخطوط الحمراء فيما يتعلق بالقضايا الرئيسية مثل قبرص والأكراد، مما يشكل عقبة كبرى أمام الديمقراطية التركية الكاملة، مع العلم بأن الجيش هو من صاغ الدستور التركي منذ ثلاثين سنة ، وهو بحاجة ماسة إلى التعديل من أجل زيادة فرص انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. الجيش والدولة الموازية نفذ الجيش ثلاثة انقلابات منذ العام 1960 ، وشكل مجلس الأمن القومي ومحاكمه الخاصة به وأحكم الجنرالات قبضتهم على السلطة بعد انقلاب 1980 وأطاح بأول حكومة إسلامية تركية في العام 1997 التي حاولت تطبيق قانون الشريعة الإسلامية بتعاون بين الجيش وشخصيات من دوائر الإعلام ورجال الأعمال، كما أنه هدد بالتدخل في العام 2007 لمنع انتخاب عبد الله غل رئيسا للدولة بسبب حجاب زوجته، الأمر المحظور في مؤسسات الدولة كونه رمزا للأصولية الإسلامية. لكن التهديد بالانقلاب كشف عن سوء تقدير للأمور وجد تعبيرا له في فوز حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان بولاية ثانية، وأصبح غل رئيسا للجمهورية التركية. وفي هذا السياق علق دبلوماسي غربي في أنقرة على ذلك بالقول «حاول الجيش فرض إرادته ولكن الشعب زجره». ومنذ أن ردت المحكمة الدستورية طلب المدعي العام التركي حظر حزب العدالة والتنمية بدعم من الجيش، شنت الحكومة هجوما معاكسا وكشفت عن خطط تورط فيها ضباط بمن فيهم ضباط متقاعدون ورجال أعمال وأكاديميون وصحفيون ورجال أعمال من أجل إحداث فوضى واضطرابات في البلاد كمبرر للقيام بانقلاب جديد، ولكن الجيش يصر على أن ذلك مجرد حملة تشهير من قبل فتح الله غولين الذي يتهمه الجيش بأنه هو وأتباعه يحاولون عودة تركيا لتطبيق قانون الشريعة الإسلامية. والنزاعات بين الجيش والسياسيين ليست حديثة العهد في تركيا, ففي عام 1908 ، نجحت تركيا الفتاة بالإطاحة بالسلطان عبد الحميد الثاني، وحينها نظر إلى الجيش كأداة لتحديث البلاد, ولكن ذلك لم يتحقق إلا عندما أسس أتاتورك الجمهورية التركية، مع العلم أن شعبية الجيش التركي تتعزز خلال خدمة العلم التي يؤديها كافة الرجال الأتراك لمدة خمسة عشر شهرا ، وحيث يدين الجيش بشعبيته إلى عقيدته ونظامه الثقافي الذي يقول: «كل تركي يولد جنديا».