تثبيت القدمولما حط البرتغاليون الرحال بمدينة آزمور سنة 1502، وفي إطار البحث عن مواقع جديدة، اكتشفوا خليج الشيخ ابريجة، ووجدوا فيه ما كانوا يبحثون عنه، قربه من السهول والأراضي الخصبة والغابات التي كانت تكسو المنطقة، وشساعة الأراضي الفلاحية الخصبة وتوفر الماء والكلأ، فتركوا بضعة من رجالهم يحرسون المكان وعادوا إلى البرتغال من أجل إعداد العدة، على أمل الرجوع في أقرب وقت ممكن، إلا أن ذلك تأخر إلى سنة 1914، حيث شرعوا في بناء السور العظيم، لما يسمى الآن بالحي البرتغالي والذي استعمل في بنائه، الصخر والحجر والجير، واستمر البناء إلى غاية 1941، وكان طول الأسوار يصل إلى كيلومترين ونصف، وسمكها يتجاوز أحيانا أربعة أمتار وبعلو مترين ونصف في البداية، قبل أن يتم تعليتها فيما بعد، وكان الماء يحيط به اتقاء عوادي الغزاة والحماة عبر خندق عرضه 35 متر، وشكل هؤلاء الغزاة والحماة، خطرا دائما وقائما على المستعمر والذين كانوا ينطلقون من حصن الفحص الجنوبي وحصن تكني الشمالي، وشكل المجاهد العياشي والذي كان يقوم بتأليب السكان ضد المحتل البرتغالي إحدى أهم دعامات الجهاد والذي قاد ودفع البرتغاليين إلى مغادرة المدينة بعد حوالي قرنين من الاحتلال... الفسقية أو المطفيةكان الهاجس الأمني يحرك المحتلين، سيما وان المناوشات لم تتوقف أبدا، ابتداء بمحاولة السلطان مولاي عبد الله السعدي إجلاء المستعمر البرتغالي سنة 1562، دون أن يوفق في ذلك، وجاء بعده المجاهد العياشي والذي عمل على تأطير وتجميع السكان الأصليين وقام بمهاجمة القلعة سنة 1639، إلى أن حلت ساعة الحسم سنة 1769، ليتم إجلاء البرتغاليين عن الجديدة من طرف سيدي محمد بن عبد الله، لهذه الأسباب تم بناء الفسقية واتخذها البرتغاليون، أول الأمر، كمخزن للسلاح وإيواء العسكر والخيول، قبل أن تتحول في أيام الحصار كمخزن للمياه، وتنفرد الفسقية ببنائها الهندسي الفريد من نوعه، وهو على شكل مربع بأربع رؤوس تشكل نجمة رباعية، طول ضلعها 34 متر، وتتوفر على فوهة دائرية في مركزها تتيح دخول الضوء، وترتكز على 25 سارية ومساحة تصل إلى 1100 متر مربع، وظلت الفسقية مجهولة منذ غادرها البرتغاليون إلى حدود سنة 1916، عندما حاول أحد التجار اليهود توسيع دكانه وشرع في عملية الهدم، فانفجر الماء قويا وهو ما جعله يفر في اتجاه السلطات المحلية مخبرا إياها أن البحر هجم على دكانه...وظلت الفسقية منذ منتصف القرن الماضي قبلة لصناع وهواة السينما وشهدت سنة 1949 تصوير مشاهد من الفيلم الخالد لأورسن ويلز، عطيل، وجاء بعده فيلم عودة الحصان الأسود من إنتاج فرانسيس فورد كوبولا، وفيلم حرم لأرتر جوفي والفيلم الأمريكي الذي صور سنة 2004 بعنوان صحراء وشارك فيه كل من بينيلوب كروز وماك غوري، وشهدت تصوير أفلام أخرى كالفيلم الإفريقي شاكا زولو والفرنسي إزنز كود وفوريا وغيرها من الأفلام الأخرى، وكان العديد من السينمائيين المغاربة، قد نادوا بتحويلها إلى استوديو عالمي للسينما، دون أن يجد هذا النداء أذانا صاغية... المهدومة/الجديدةقضى البرتغاليون مدة إقامتهم بمازاغان في صراعات وحروب لم تنقطع أبدا، وفي الربع الأخير من القرن الثامن عشر، قرر الحاكم البرتغالي إخلاء المدينة والتوجه إلى البرازيل من أجل البحث عن آفاق آمنة جديدة، حيث ومن فرط حبه للجديدة تم إحداث مدينة جديدة بمصب الأمازون، لا زالت لحد الآن تحمل اسم مزاغان الجديدة، فقرر أن يمارس سياسة الأرض المحروقة بعده، وهو ما جعله يدفن 25 برميلا من البارود في السور الموالي للمدينة، أي قرب برج سانت أنطوان وغادر المدينة، صحبة رجاله، عبر باب البحر قرب برج الملائكة، وهدموا البنايات الداخلية وقطعوا أرجل الدواب والخيول وحرقوا المؤن التي استعصى عليهم حملها معهم، وفجروا السور ولحسن الحظ، أنه لم يسقط كاملا بل ظل جانبه الداخلي صامدا، وظلت المدينة شبه مهجورة تحمل اسم المهدومة، إلى حدود العشرينات من القرن الماضي، حينما قرر المولى عبد الرحمان باشا المنطقة، إعمار المدينة من جديد ومنع وحرم استعمال اسم المهدومة، وجيء بالعديد من السكان ومن ضمنهم الجالية اليهودية والتي كان البعض منها يقيم بأوروبا، واستوطنت الملاح، إلى أن تم اكتشاف الفسقية/ المطفية كما سلف...الترميم والتصنيفظلت الجديدة من أهم المدن المغربية التي تتوفر على تراث معماري أصيل لكونه يجمع بين الهندسة الكولونيالية واليهودية والإسلامية في اتحاد غريب لا زالت معالمه تظهر بجلاء في نمط البناء، سواء ما يتعلق بالكنيسة أو النوافذ والأبواب والأسوار، وظلت المدينة/الحي البرتغالي يخضع للعديد من الترميمات والرتوشات والتي تفقد يوما عن يوما، قليلا إن لم نقل كثيرا من خصوصياته المعمارية، وظلت ولا تزال بعض المرافق والدهاليز مجهولة، حيث تم خلال سنة 2000، فتح جناح ظل غير مستغل، كان البرتغاليون يستعملونه كسجن، ومعلوم أن الحي البرتغالي تم تصنيفه كتراث عالمي إنساني في الثلاثين من شهر يونيو2004، أثناء انعقاد الدورة الثامنة والعشرين لليونسكو المنعقدة آنذاك بالصين، وتقتضي الضرورة الآن إبداء مزيد من الاهتمام لهذا التراث والعمل على إحياءه ورد الاعتبار إليه سيما وأن العديد من مرافقه بدأت تندثر وبدأ هواة السطو والسرقة يأتون على بعض من هذا التراث، خاصة وانه شاع مؤخرا، خبر سرقة مدفع من المدافع التي كانت تؤثث الأبراج وقد نستيقظ يوما من الأيام ونجد ما فضل منها قد طار مع الطيور التي تتخذ من هذه الأبراج، مقرا لها ومستقرا إلى حين، وقد نستفيق على انهيار سور أو جزء منه كما يحدث الآن على بعد أمتار من باب البحر الشهير...