على بعد عشر كيلومترات جنوب مدينة الجديدة، تترأى للزائر أطلال ورسوم، لا زالت صامدة في وجه عوامل التعرية الطبيعية والبشرية، وشاهدة في نفس الوقت، على جهل الساهرين على الشأن المحلي، بأهمية الثرات المعماري، أطلال ورسوم، تشير إلى بقايا مدينة، كانت في يوم من الأيام عامرة بأهلها وسكانها، تطل على المحيط الأطلسي، تحرس البيد المجاورة، والبراري الفسيحة، إنها مدينة تيط البائدة، أو رباط ومدينة مولاي عبد الله أمغار المنحدر من الجزيرة العربية، بين الأمس واليوم، حدثت أمور كثيرة، جعلت مدينة تيط تكاد تكون مجهولة لدى العديد من الدارسين والمحققين الباحثين... تيط قديمالا يعرف للمدينة تاريخ مضبوط، وهو ما جعل الآراء تتضارب حول تاريخ إنشاءها وزمن تأسيسها، فمنهم من يرجع تسميتها إلى طوت حفيد نوح عليه السلام الذي استقدم إلى موريتانيا الشعوب المسماة بالطيطيين، ويرى البعض الآخر أن مؤسسها هو حنون الذي كان القرطاجيون قد بعثوه على رأس ستين سفينة من ذوات الخمسين مجدافا بقصد احتلال المدن الليبية الفينيقية، بينما يؤكد ابن فضل الله العمري في مسالك الأبصار، على أن تيط كانت تعتبر إحدى كبريات مدن المغرب التي حصر عددها في اثتين وأربعين مدينة، تاريخ مدينة تيط، محمد الشياظمي الحاجي السباعي...وقال الحسن الوزان، إن من بناها هم الأفارقة الأقدمون، وأنها كانت في القديم كثيرة العمارة ذات خصب وافر ولما احتل البرتغاليون مدينة آزمور سنة 914، سقطت في أيديهم وأدى أهلها الجزية للبرتغال لكن مولاي الناصر أخو السلطان الوطاسي لما ذهب إلى تلك الناحية لإنقاذ المسلمين من قيد النصارى، فقبض الجبايا على يد أمين بيت المال البرتغالي ويهودي أعانه على ذلك فحمل أهل هذه الناحية إلى قرية تقرب من فاس، أرضها صحراء تبعد عنها بنحو ثلاثة فراسخ ومنذ ذلك الحين لم يعد لها عمرانها... وقال أبو القاسم الزياني، أسسها أمراء صنهاجة لما استقر البربر بالمغرب، ونزلها شرفاء بني أمغار من الأدارسة وبهم اشتهرت وقصدت من الأفاق، وكثر عمرانها وصارت معقل العلم والدين وسراج الهدى للمهتدين وظلت موردا معينا لأهل العلم والدين طيلة أربعة قرون فأزيد. آسفي وما إليه، محمد بن احمد العبدي الكانوني...أما مارمول فيقول إنها مدينة قديمة تلوح الآن أنقاضها على شاطئ البحر على بعد أربعة فراسخ من ويمازيغن )البريجة( في اتجاه الغرب ويرجع تأسيسها على ما يقال إلى سكان إفريقيا الأولين، وكانت آهلة بالسكان في القديم لأن الضواحي المجاورة لها، خصبة جدا. نفس المصدر السالف...ومعلوم أن لفظة تيطنفطر هي لفظة بربرية تعني العين الجارية وتعني أيضا عين الفطر، ومعناها أيضا الطعام وتذهب القراءات مذاهب عديدة، لعل أقربها إلى الصواب، ما يفيد أن عينا كانت توجد هناك كان الشيخ إسماعيل بن سعيد أول من نزل بها هو وأخواه عند قدومهما من الحجاز بناء على رؤيا طلبت منهم التوجه إلى المغرب لينتفع بعلمهم وأدبهم، وكان الشيخ يتوضأ ويشرب منها...ظلت مدينة تيط مدينة عامرة بسكانها، الذين كانوا يعتمدون في عيشهم على الفلاحة والزراعة والصيد والتجارة حيث كانوا يقومون بالاتجار في مادة الملح والصوف وكانوا يعتمدون أيضا على الحبوب والعنب والصيد البري لكون البراري المجاورة لتيط، كانت عبارة عن غابة تصل إلى نواحي الجرف الأصفر، ظلت مدينة تيط حاضرة قوية إلى أتاها الخراب، والدمار كما سلف، وكان لمدينة تيط أربعة أبواب متوسطة الحجم منها بابان تحيط بهما الأبراج وهما في حالة جيدة ومصنوعان صنعا متقنا، كانا يشكلان البابين الرئيسيين وباب البحر وباب آسفي أو ما يسمى بباب الجديدة والباب القبلي، وإلى جانب الأبواب كان هناك سور عظيم يحيط بالمدينة ويحفظها من الهجمات البرية والبحرية وهو سور لا زال بعضه قائما لحد الآن، أما الأبراج فإنها تعرضت للتلاشي وخاصة برج البحر الذي لم يبق منه إلا رسمه..تيط حديثالم يبق من مدينة تيط إلا بعضا من الآثار التي تتساقط أحجارها يوما عن يوم، فمدينة تيط تندب حظها العاثر اليوم، وهي التي تعد مكانا من أهم الأمكنة بإقليم الجديدة وأغنى جماعة في الإقليم، أصبحت تعرف بمولاي عبد الله دفينها وراعيها في زمن القحط وزمن اللغط السياسي، يقول الكانوني عن مولاي عبد الله، هو أبو عبد الله محمد بن أبي جعفر إسحاق بن أبي الفدا إسماعيل بن محمد بن أبي بكر بن الحسين بن عبد الله بن إبراهيم بن يحيى بن موسى بن عبد الكريم بن مسعود بن صالح بن عبد الله بن عبد الرحمان بن محمد بن أبي بكر بن تميم بن ياسر بن عمر بن أبي القاسم بن عبد الله بن مولانا إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن المثني بن الحسن السبط بن علي بن ألأبي طالب وفاطمة الزهراء رضي الله عنهم، ولد بقصبة أيير التابعة حاليا لإقليم آسفي، حيث كان والده يتعاطى التدريس فاعتنى بتربيته هو وأخوه جعفر فنشأ الولدان نشأة صلاح ، وقد اشتهر مولاي عبد الله بغزارة علمه وسعة اطلاعه وكانت تتوافد عليه الوفود برباط تيط من كل حدب وصوب لاستشارته والتزود بنصائحه وأغلب الأولياء والصالحين بساحل دكالة من تلامذته أو تلامذة أولاده وحفدته.....وتشتهر مدينة مولاي عبد الله الآن، بموسمها العظيم والذي لا يضاهيه أي موسم في المغرب ولا خارجه، يشتهر بالتظاهرات الدينية والثقافية وحتى التجارية، حيث تغطي خيامه حوالي أربع كيلومترات مربعة ويناهز عددها 25 ألف خيمة في حين يصل عدد زواره إلى ما يقارب 400 ألف زائر من كل أنحاء المغرب ومن الدول الأوروبية، حيث ينتظم أبناء جاليتنا ويداومون على زيارته، ويشتهر موسم مولاي عبد الله بالتبوريدة والفانتازيا والتي يقدر عدد الفرسان ب 1500 فرس وفارس، كما يجلب القواسم أصحاب الطير الحر/الباز أو الصقر اهتمام الزوار والسياح...ومن المآثر التي تتعرض للاندثار يوما عن يوم الصومعة القديمة أو كما يسميها أهل مولاي عبد الله، الصومعة )المكرجة(، حيث سميت بهذا الاسم لكونها فقدت الإفريز الذي كان يزين عاليتها، وقد بنيت من الحجر الصغير المنحوت وهي من الصوامع القليلة بالمغرب الأقصى، التي اعتمد في بنائها، على هذه الطريقة والتي تنتسب إلى التقاليد المعمارية القرطبية وكان يوجد بداخلها حادور دائري، يعد بمثابة درج، يساعد على الوصول إلى أعلاها، وهو مصنوع من الأحجار العريضة المثبتة على جدوع أشجار الصنوبر، مثبتة بدورها في الجدران، وهكذا يقول صاحب كتاب مدينة تيط، نجد في كل من الواجهة الشمالية الغربية والواجهة الجنوبيةالشرقية فرجة )كوة( مزدوجة كاملة العقد يعلوها قوسان نصف دائرتين لكل واحدة منهما فصوص وإطار مستطيل، كما نجد في الواجهتين المقابلتين، فرجة واحدة على شكل هلال منكسر يحيط به إطار ذو شكل مستطيل جد مشرع...تعيش هذه الصومعة الآن إهمالا ولامبالاة الجهات المفترض فيها العمل على صيانتها، أي وزارة الثقافة والسياحة والجماعة القروية التي تحيا على صيتها وتاريخها، وقد عبر الشيخ عبد القادر شنوج ذو الواحدة والسبعين سنة من عمره والذي عاش على بعد أمتار قليلة منها، عبر بمرارة، عما يحس به من إهمال وتهميش، عندما أفاد انه في عهد الحماية كان الفرنسيون يقومون بحراستها وصيانتها وكانوا يكلفون المساجين بذلك، أما في عهد الاستقلال فلم يكلف أحد نفسه حتى بزيارتها، حيث يتكفل السكان المجاورون بمحاولة إصلاح بعض ما يتهدم، علما أن الجهات الوصية تحرم عليهم القيام بذلك، وقد علق الصحفي الفرنسي ميشال أمنغال على عظمة الصومعة، كونها مثبتة على أربع دعامات أساسية، والخامسة هي هذا الشيخ، في إشارة إلى عبد القادر شنوج، الذي واكب تدهور حالة الصومعة )المكرجة(.. وإلى متى يبقى هذا الثرات العظيم عرضة للإهمال وعبث العابثين...؟