مصرع 18 شخصًا في تدافع بمحطة قطار نيودلهي بالهند    نتنياهو يرفض إدخال معدات إلى غزة    إعادة انتخاب نزهة بدوان رئيسة للجامعة الملكية المغربية للرياضة للجميع    حمزة رشيد " أجواء جيدة في تربص المنتخب المغربي للمواي طاي " .    توقيف اثنين من المشتبه فيهم في قضية اختطاف سيدة بمدينة سيدي بنور    هذه توقعات أحوال طقس هذا اليوم الأحد    تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    فتح باب المشاركة في مهرجان الشعر    غوفرين مستاء من حرق العلم الإسرائيلية في المغرب ويدعو السلطات للتدخل    ريو دي جانيرو تستضيف قمة دول "بريكس" شهر يوليوز القادم    حقي بالقانون.. كيفاش تصرف في حالة طلب منك المكتري تعويض باش تخرج (فيديو)    ابن كيران: تعرضت "لتابياعت" من وزير لايفقه شيئا في السياسة حاول تحريض النيابة العامة علي    رفْعُ الشِّعار لا يُخفِّض الأسْعار!    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة خلال 24 ساعة الماضية    في أول زيارة له للشرق الأوسط.. وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو يصل إلى إسرائيل    قنابل أمريكية ثقيلة تصل إلى إسرائيل    بنعلي تؤكد التزام المغرب بنظام تنموي قوي للأمم المتحدة    الصين: 400 مليون رحلة عبر القطارات خلال موسم ذروة السفر لعيد الربيع    العرائش تتألق في البطولة المدرسية    بنسعيد يفتتح الخزانة السينمائية.. ترميم الأفلام ووثائق "الفن السابع"    الوزير بركة يقر بفشل الدعم الحكومي لمستوردي الأضاحي: الملايير ذهبت هباءً والأسعار بلغت 4000 درهم!    ندوة بمراكش تناقش مدونة الأسرة    الجباري: مشروع قانون "المسطرة الجنائية" يتعارض مع مبادئ دستورية    المغرب يعزز حضوره في الاتحاد الإفريقي والجزائر تحظى بمنصب إداري فقط (تحليل)    البطولة الاحترافية.. الرجاء الرياضي يواصل نتائجه الإيجابية بالفوز على شباب السوالم (3-0)    تفكيك شبكة لترويج المخدرات بفاس وتوقيف شخصين بحوزتهما كميات كبيرة من المواد المخدرة    الأرصاد الجوية تحذر من ثلوج وأمطار ورياح قوية يومي السبت والأحد    الغرابي يدعو وزير الاستثمار لمحاربة الدخلاء على النقل الدولي ويؤكد: القوانين الحالية تعرقل تنافسية المغرب أمام الأسطول الأوروبي    إعلام إسباني: المغرب قوة صاعدة في صناعة السيارات    مخاوف الرايس من منافس غير محسوب تدفعه لترشيح القداوي لرئاسة "الاتحاد العام لمقاولات المغرب" بجهة طنجة    حموشي يوقع تعيينات جديدة في هذه الولايات الأمنية    شعبانة الكبيرة/ الإدريسية الصغيرة/ الزميتة وفن العيش المغربي (فيديو)    مسرح محمد الخامس يقدم مكانش على البال لعشاق ابي الفنون    البطولة العربية للريكبي السباعي بمصر.. المنتخب المغربي يحرز المرتبة الثانية    شاعر يعود للتوجه… بثنائية بالدوري الإنجليزي    مفتشو الشغل يضربون احتجاجا على تجاهل الحكومة لمطالبهم    اتحاد طنجة يتغلب على ضيفه أولمبيك آسفي    "أسبوع ارتفاع" ببورصة البيضاء    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    اللوائح الانتخابية الخاصة بالغرف المهنية‬ تنتظر الطعون    بنعلي: المغرب من بين الدول ذات التنافسية العالية في مجال الطاقات المتجددة    "ليلة شعبانة" تمتع جمهور طنجة    أمطار رعدية وثلوج ورياح قوية مرتقبة بالمغرب يوم غد الأحد    الأسرى الإسرائيليون الثلاثة المفرج عنهم يدعون لإتمام صفقة التبادل    مجلس إدارة أوبن إيه آي يرفض عرض إيلون ماسك شراء الشركة    المغرب يدعو أمام مجلس السلم والأمن إلى إيجاد حل عبر الحوار يضمن استقرار والوحدة الترابية لجمهورية الكونغو الديمقراطية    الجزائر تحتل المرتبة الرابعة بين الدول العربية في صادراتها إلى إسرائيل    حقيقة تصفية الكلاب الضالة بالمغرب    بعد الهجوم عليها.. بوسيل ترد على سرحان: "تعيشين آخر 5 دقائق من الشهرة بطريقة رخيصة وعنصرية"    إطلاق موقع أرشيف السينمائي المغربي الراحل بوعناني أكثر من 12 ألف وثيقة تؤرخ للسينما المغربية    خبير يكشف التأثير الذي يمكن أن يحدثه النوم على التحكم في الوزن    "بوحمرون" يصل الى مليلية المحتلة ويستنفر سلطات المدينة    تفشي داء الكوليرا يقتل أكثر من 117 شخصا في أنغولا    الصحة العالمية: سنضطر إلى اتباع سياسة "شدّ الحزام" بعد قرار ترامب    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زاكورة حاضرة درعة التي تختزن المفاجآت لعشاق التيه الصحراوي
محبوا السياحة الصحراوية يتدفقون عليها على مدار السنة
نشر في المساء يوم 23 - 09 - 2009

اسم زاكورة مشتق من جبل «تازكورت» الذي تحتمي بظله، و«أزكور» في اللهجة المحلية تعني الكنز. إنها الواحة، والمدينة، والقرية والكتاب المفتوح الذي خص صفحات منه للحكايات وأخرى للأساطير. وما بين الحكاية والأسطورة دروب جغرافية وتاريخية طويلة افترشتها القصبات في قلب الصحراء عبر وادي درعة ومنطقة الواحة مرورًا بخَزَانة تمْكروت والعرق اليهودي وهو بحر الرمال الخادع. تختزن زاكورة مفاجآت لعشاق التيه في الصحاري الذين يمكنهم الإبحار في رمال الصحراء الشرقية الممتدة إلى ما لا نهاية ليعيشوا لحظات عذبة من صمت الطبيعة وجبروتها. زاكورة مدينة الحرية. مدينة ذات طابع خاص، احتفظت بأصالتها وطابعها الهندسي، رغم رياح التحديث التي هبت عليها من جميع الجهات، خصوصا مع التوافد الكبير للسياح الذين يأتون إليها من مختلف أصقاع المعمور.
تعد زاكورة أحد الأقاليم السبعة التي تتشكل منها جهة سوس ماسة درعة،
هذه الجهة الممتدة بين المحيط الأطلسي غربا ودولة الجزائر شرقا، وإذا كانت مدينة أكادير هي بوابة هذه الجهة، فإن زاكورة هي حزام الأمان بين الشقيقتين الجزائر والمغرب.
وبفضل هذا الموقع المتميز، ببوابة الصحراء وبمؤهلاتها الطبيعية الساحرة ومناظرها الطبيعية التي تجمع بين التفرد والجمال، وطيبوبة أهلها وقصورها وقصباتها وواحاتها وتلالها وكتبانها الرملية الساحرة، وماضيها العريق الضارب في أعماق التاريخ، ظلت زاكورة منذ قرون منطقة جذابة تعلق بها أهلها وأحبوها حدّ الافتتان مصرين على التعلق بها رغم صعوبة الظروف المناخية وقساوة الطبيعة الصحراوية.
واحات النخيل
اسم زاكورة مشتق من جبل «تازكورت» الذي تحتمي بظله، و«أزكور» في اللهجة المحلية تعني الكنز.
إنها الواحة، والمدينة، والقرية والكتاب المفتوح الذي خص صفحات منه للحكايات وأخرى للأساطير. وما بين الحكاية والأسطورة دروب جغرافية وتاريخية طويلة افترشتها القصبات في قلب الصحراء عبر وادي درعة ومنطقة الواحة مرورًا بخَزَانة تمْكروت والعرق اليهودي وهو بحر الرمال الخادع.
جبالٌ ووديان، سيلٌ يحمل الطمي وشمس تجاهد السحبَ الداكناتِ، بدو رحل بعد أن ينتهي الشتاء يبدؤون في الاحتفاءِ بالربيع والخروج من أجواء البرد لتتحرك قبلهم وبعدهم قطعان الغنم وقوافل الإبل.
فالبيوت الطينية تمتص درجة الحرارة التي تتجاوز 45 درجة مئوية، كما أن هواءها النقي يطهر ما علق في رئتي الزائر من دخان سيارات المدن الكبرى، ويعتق جسده وعقله من ضغط الحياة الحضرية القاسية، ويمنحهما لحظة تحرر لا مثيل لها.
عشاق السياحة الصحراوية يتدفقون على زاكورة طيلة السنة بما فيها فصل الصيف، إنها واحة على وادي درعة الذي يعد أطول نهر في المغرب رغم جريانه غير المنتظم.
وعكس ما قد يتبادر إلى ذهن الناس من احتمال أن تكون زاكورة، بالنظر إلى مناخها الصحراوي، خالية من النبات إلا من النخيل وغيره من الأشجار المعروفة بقدرتها على تحمل الظروف المناخية مهما بلغت قساوتها، فإن الغطاء النباتي لهذه المنطقة متنوع رغم غلبة الطابع الصحراوي على مكوناته.
كما أن ارتفاع درجة الحرارة، التي يعتبرها البعض مبررا منطقيا لعدم المغامرة بزيارة زاكورة في فصل الصيف، يعد نقطة قوتها لدى غالبية السياح الراغبين في اكتشاف المدن الصحراوية مناخا وعاداتا وأنماط عيش.
يقف زائر المدينة عن قرب على خصائص عمران المدينة المشكل أساسا مما يسميه سكان المنطقة «القصور»، التي تبنى بطريقة تقليدية اعتمادا على الطين، زيادة على الاطلاع على نظام العلاقات الاجتماعية السائدة داخل الواحات .
وتتخذ كثبان الرمال لحظة شروق الشمس ووقت غروبها حلة لا يقاوم سحرها، حيث يصعب التمييز بين الكثبان الرملية وأشعة شمس خافتة تبدو كأنها تأبى أن تودع المنطقة لولا ليل يستمد سطوته من نظام الزمن.
فزاكورة ذات قدرة كبيرة على جعل زوارها، بمن فيهم الشمس، يألفون جوها بعد أن يفتنوا بواحاتها ويُسحروا بغنى الغطاء النباتي لنواحيها وتنوع تضاريسها. فرغم أن مورفولوجيتها صحراوية بالأساس، فإنها تتيح للوافد عليها فرصة زيارة مدن أخرى كأكدز وتاكونيت...
يذكر التاريخ أن هذه المنطقة كانت مهد الأسرة السعدية التي حكمت المغرب في القرن السادس عشر، وامتد نفوذها حتى تومبوكتو في مالي، ولازالت اللوحة المنتصبة قبيل وادي درعة تذكر الزوار: «تومبوكتو: 52 يوما». فقد عاشت هذه المدينة عبر القرون الخوالي محطة مهمة في طريق القوافل التجارية بين مراكش وتومبوكتو.
في كتابه»حفريات صحراوية مغربية»، يشير عبد الوهاب بن منصور إلى أن رمال الصحراء لم تكن حائلا بين المغرب وبقية الأقطار الإفريقية، بل كانت أداة ربط وصلة وصل بينه وبينها، حيث كانت الصحراء المغربية معبرا لطرق القوافل بين المراكز التجارية القديمة بالشمال بمثيلتها بالجنوب، فعبر هذه الطرق الصحراوية يحكي التاريخ والشعر كيف كان ملوك المغرب والسودان يتهادون التحف النادرة والطرف العجيبة والحيوانات الغريبة .
ويتمدد وادي درعة عبر أكبر واحات المنطقة، «مزكيطة وتنزولين وطرناطة وفزواطة وكتاوا ومحاميد الغزلان». فحتى ثلاثة عقود خلت كانت الغزلان ترتوي من مياه درعة في واضحة النهار، وكانت حيوانات وطيور البراري أوفر قبل أن تتغير اللوحة كليا، فيصبح الزائر أمام كثبان على حد البصر، تداعبها الرياح منذ الأزل فلا تستقر على شكل. وفي حركتها الطبيعية تزحف على البساتين، وتتخطى الأسوار العالية المقامة حول «كصور» درعة، وهي الوحدات السكنية الجماعية المحصنة من الأعداء في زمن «السيبة»، ومن زحف الرمال في الوقت الحاضر. وتنم أسماؤها عن تعايش إلى حد التمازج بين أعراق مختلفة. فهذه «كصور» بأسماء عربية يقيم بها أمازيغ، تجاورها أخرى بأسماء أمازيغية يسكنها عرب، وفي زاوية شاسعة من الصورة يتمدد قفر النقب شمالا حتى الحدود الجزائرية، وتغطي سهوب سيدي عبد النبي المنطقة التي تفصل زاكورة عن صحراء «طاطا». مئات الهكتارات ليس فيها سوى «الشيح والريح». والشيح هو العشبة التي يسوقها «العطارة» لورودها في كتب الأعشاب كشفاء لداء المعدة. ويتصدر الصورة جبل باني المتمدد مثل ثعبان أسطوري من جبل «كيسان» المقابل لقرية أكدز إلى المحاميد.
واحات النخيل
في الطريق إلى زاكورة يواجهنا شيخ عملاق أسود، كأنه مارد خارج من قمقم الحكايات الصحراوية، هو جبل كيسان المتجهم بلونه الداكن، الجبل يحرس أكدز، وَجْهُه يشرف على الواحة التي ينمو بها 27 نوعا من التمور. من أعلى جبال الأطلس في تلك المنطقة التي تطل على الوادي تبدو قمم النخلات مثل وَرْدَاتٍ أبدية على مائدة من الصخور الأزلية.
أدنى جبل كيسان، وفي قلب واحة وادي درعة تنام متفرقات قرى صغيرة، تظنها غير مأهولة حتى تلمح قرويا يسير هنا أو قرويتين تتوقفان هناك، إنه يوم في حياة الجنوب يمشي فيه الزمن متمهلا على عربة أو دراجة أو دابة، وتستوقفه مصافحات وابتسامات وتحيات.
على مسافة البصر والطريق قصبات أو آثار لها، حيث يحمل كل برج منها قصة، فمُلاكُها كانوا حماة القوافل، ومنها قصبات أولاد عثمان وقصبة القائد العربي... تنتشر على امتداد مدن وقرى أفلاندرا، مزكيطا، أكدز، تامزموت، تتزولين، تمكروت، فزواطة، زاكورة، امحاميد الغزلان...
البيوت هنا نموذج في تدوير الخامات البيئية للصناعة والحياة، الجدران من الأحجار والطين، والأسقف من الخشب والسعف، وكلها خامات متوافرة كالماء والهواء.
تشتهر زاكورة باعتبارها حاضرة السياحة الصحراوية بفضل كتبانها وواحاتها الممتدة على طول وادي درعة، واحد من أكبر الوديان المغربية، سياحة تشهد فترات مد وجذب.
الفولكلور الرجالي المتميز بإيقاعاته الراقصة، وخزانة الزاوية الناصرية في «تامكروت» بمخطوطاتها النادرة، أصبحا بدورهما في خدمة السياحة حتى بات من الصعب اليوم أن نتحدث عن زاكورة دون سياح. ليبقى النشاط الأساسي إذن هو السياحة مادامت فلاحة البساتين الصغيرة لا تسمن ولا تغني في مناخ يقل معدل أمطاره عن 70 ميليمترا سنويا. لا الثمور التي تنتجها واحات وادي درعة، ولا حناء المغرب التي تنتجها منطقة «النقب»، قادرة على استيعاب اليد العاملة المحلية.
قوة الجذب السياحي الذي تتمتع به المنطقة، يجعلها كما يعني اسمها كنزا لا ينضب، لكن الزائر يجد نفسه في مدينة فقيرة تتضخم عشوائيا وسط الفراغ، ولعل ذلك ما يعكسه فراغها من سوق في مستوى حجمها السكاني. من يصدق أن ساحة يتجاور فيها الخضار والحداد هي كل ما في الأمر؟. فالسكان الطيبون، بعد عقود من التمدن، مازالوا يفضلون السوق الأسبوعية التي يقيمونها هنا يومي الأربعاء والأحد ويطوون خيامها عصرا. والحياة البسيطة لأبناء المنطقة نقيض حياة الفنادق السياحية وبزارات الصناعة التقليدية.
الطريق إلى زاكورة عبر ورزازات تمتد مستقيمة ومنحدرة على طول 170 كلم ،تعطيك شعورا بأنك تدخل المنطقة الصحراوية، الأرض رغم أنها خالية فإنها تحمل مخيلتك إلى ما كانت عليه المنطقة في ما مضى، قوافل الجمال، حركة تجارية، زعماء دين، وبعض المكتشفين الذين جاؤوا إلى قلب زاكورة في طريقهم إلى تمبوكتو.
من أهم الآثار التي تجذب أكثر من مائة صورة في اليوم نصب يوضح المسافة بين زاكورة وتمبوكتو بالجمال وهي 52 يوما. وبزاكورة يمكن أن ترى قصبة اليهود الذين قدموا للتجارة حاملين الثروات المعمارية عن طريق المارين بالمنطقة.
قصور درعة
و من أهم المعالم في زاكورة هناك «جبل زاكورة» أو مرتفع زاكورة، الذي يصل علوه إلى 3000 قدم، ويمكن الوصول إليه عبر ممر صغير يدلك عليه السكان المحليون بكل سرور. وغروب الشمس في المنطقة يمتد حول الواحات وأشجار النخيل المجاورة يشعر بمتعة كاملة للرحلة.
تؤثث القصور والقصبات المكان مضفية عليه سحرا خاصا، فالقصر شبيه بالقرية، أما القصبة فقد تكون منعزلة أو منشأة داخل القصر وهي بصفة عامة مقر للحاكم.
فالقصور الرملية أو«القصبات» تمتد على طول مجاري ينابيع المياه الجوفية، تتشكل في شكل جزر صحراوية كانت في السابق بمثابة مراكز استراحة للقبائل الرحالة. وعادة ما تكون هذه القصور في شكل هندسي موحد مع شيء من الاختلاف من حيث التزيين في الأبواب، ولكن فيها جميعا تتزاوج الرسوم الهندسية الأمازيغية مع الفنون الإسلامية في العمارة، وتكاد تكون أبواب هذه القصور المظهر الخارجي الأبرز لعمارة القصر نظرا لضخامتها وشكلها اللافت. ومازال العديد من هذه القصور المغربية العتيقة التي لا يقل عمر معظمها عن قرنين من الزمن، بحالة جيدة، قصبات تاريخية آية في الجمال على مستوى تصميمها أو تنوع زخرفتها، غير أنها اليوم تتجه نحو الدمار، وقد نستيقظ يوما لنجد مكانها ركام الأتربة.
القصور تشبه متاهة بديعة يسكنها الحمام، وهي بلونها الترابي مثل سجادة أحادية اللون. ربما تظن حين تراها من الخارج أن ارتفاعها ثلاثة طوابق، لكنك في الداخل سترى كيف تولد طوابق أخرى حتى تبلغ سبعًا، تزيد في جهة وتنقص في أخرى. أما القصبات فصناديق معمارية ذات نقوش غائرة ونوافذ وفتحات تهوية، مرة تفضي إلى الفضاء الرحب الذي يؤهلها لرؤيته من موقعها المرتفع، ومرة تفضي إلى خلاء وهمي. وسواء أضاءتها الشمس من الخارج، أو أسرجت أنوار القناديل من الداخل، لا تتبين العين ساكنيها المحروسين من العيون الفضولية أو المتلصصة مرة بفضل السور العالي، المصمت إلا من الأبواب المقوسة والجدران الساكنة، ومرة لبُعد البناء عن الطريق.
يحتال التصميم المعماري للقصبات على صرامة الهندسة بليونة الفن. فغرفُ القصبة يفضي بعضها إلى بعض، ولا تكاد غرفة تشبه الأخرى في الحجم أو التصميم أو موقع النوافذ وقربها من الأسقف أو بعدها عن الأرضيات. ولا يصل بين الغرف إلا درج مرتفع الخطوات حينا، أو ممر يضيق أحيانا فتحسبه لم يخلق إلا للأطفال. الاختلاف ميزة مشتركة بين الغرف التي لا يوحدها سوى السقف الخشبي، وعنده سيبدأ الاختلاف مرة أخرى، بين سقف ينوء بزخرفة بديعة وآخر يقتصد فلا يسفر إلا عن تشكيلات جصية بيضاء خرساء. وكلما ارتفعنا زادت الزخارف في الأسقف والجدران، وهي زخارف بألوان طبيعية. وتصنع الأسقف من أخشاب القصب والنخل والصفصاف، بينما تصنع خزائن الجدران من خشب الأرز. أما النوافذ فأمرها غريب، فهي في الأدوار الدنيا تقترب من السقف، فيما هي بالطوابق الأعلى تكاد تلامس الأرض، ربما يكون ذلك التصميم حماية للتكوين الطيني للقصبات. وتتميز هذه النوافذ بأقواس كما لو كانت نوافذ مسجد، أما وحدات زخرفتها فلا تكاد تتفق أبدا بين نافذتين.
هجمت البيوت الخرسانية على المدينة، بيوت تنتمي إلى لا مكان، فلا تكاد تحفظ من خصال الجنوب الصحراوية المعمارية شيئا، يشق صفي بيوت المكان شارع رئيسي، ربما تختلس النظر إلى الطرق الفرعية، فتعود إليك بقايا الملامح المعمارية المميزة أو لا تعود. ستتعرف إلى التاريخ من لافتات بعض المحلات. ليس غريبًا أن تجد فندقا أو سوقا تحمل اسم تمبوكتو، فمن هنا بداية الطريق للجنوب.
قصبة تمنوكالت من أقدم وأعرق مراكز السلطة، قصر المحاميد، قصر البطحا، قصر اجديد أعريب، قصبة لعلوج التي لم يبق منها غير أطلال عاصرت العهدين السعدي والعلوي، قصبة مولاي أو زاوية امبارك التي يقام بها موسم خلال شهري أكتوبر وشتنبر، القصر الكبير، زاوية القضيا، قصبة اعمامو، قصبة أيت اسفول، قصبة حما الطاهر، قصبة مولاي الفضيل، قصر أدوافيل، قصبة الرملة التي تتوسط كتبانا رملية، قصبة اليمني، القصبة الفوقانية، قصبة المشان، قصبة أولاد بلعيد...بعض من مئات القصور والقصبات التي ذكرها المهدي بن علي الصالحي في كتابه «الرحلة الدرعية الكبرى»، إلى جانب عشرات الزوايا كزاوية القاضي، زاوية أمداغ، زاوية الحنا، زاوية امغري، زاوية سيدي عمرو، زاوية تبورخصت، زاوية سيدي لحساين، زاوية وأيت بويحيى، زاوية بونو، زاوية تكرسيفت، زاوية سيدي موسى، زاوية سيدي بلال بقصر تفكروت بفزواطة، زاوية سيدي عمرو بن مسعود، زاوية سيدي علي، زاوية سيدي صالح التي تأسست سنة 1088 هجرية، أسسها الشريف سيدي صالح بن ابراهيم، زاوية سيدي يحيى، زاوية مولاي الشريف بن عمر العلوي السلجماسي، زاوية سيدي صالح القديمة وتسمى أيضا زاوية للاحليمة بنت صالح أو الزاوية الدخلانية، من أشهر آثارها الدار الكبيرة التي تقام بها الحضرة أيام الأعياد الدينية...
صحراء زاكورة ليست تلك القفار الموحشة والرمال الخادعة والأرض الجدبة، بل نجد وراء الوحشة والسراب والقفر صيغا ثقافية متوارثة وحضارة ضاربة في التاريخ، في كل قبيلة موروث ثقافي متمايز ومتقاطع بشكل نادر مع سواه. وإذا كان لا يصح أن يبلغ عدد حبات الرمال قصص الصحراء، فإنها لن تقل عن عدد القوافل التي عبرت دروبها.
بقايا خزانة تامكروت
بتمكروت توجد أشهر زاوية في جنوب المغرب لتعلم اللغة العربية والقرآن الكريم والعلوم الفلكية والهندسية والشعر، أسسها الشيخ العالم سيدي أحمد ابن ناصر الناصري الذي طاف بالأقطار العربية ليزود خزانة تمكروت بأمهات الكتب. وقد جعل من الزاوية مأوى لاستقبال القوافل وتأمينها, ومشفى للشاكين من الأمراض العقلية. ولكن لم يبق سوى الخزانة وبها جزء من الكتب، كانت أربعة آلاف كتاب أغلبها أخذ إلى خزانة الرباط، ومدرسة داخلية لتعلم القرآن الكريم. ويقام كل سنة موسم إحيائي لذكرى الشيخ يفد إليه من إفريقيا كثيرون للتجارة والزيارة والتبرك.
بهذه الزاوية العلمية كانت القبائل جميعها تقدس العلم وتجل العلماء. ومن هنا كانت لهذه الزوايا المكانة والمكان اللذين ساهما في اتساع رقعة العلم وانتظام التواصل والحفاظ على كنوز مكتوبة، أعدوا لها خزانات خاصة قاومت الزمن وعوامل صحراوية عدة. ولعل من أثر تلك الزوايا انتشار الطرق الصوفية.
لم يبق في المكتبة سوى مئات الكتب فقط منها ما كتب على جلود الغزال، ومنها ما خط بماء الذهب. نسخ قرآنية من مصر وسوريا وتركيا وإيران والأندلس ومالي وسواها. سحر وشعر، فلك وبلاغة... :«أثر البلاغة» للزمخشري. «في إعراب القرآن» للقيرواني، حديث البخاري، «قاموس اللغة» للفيروزآبادي، مؤلفات ابن عبادة القرطبي، «آداب الشعر» للمقري، «حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة» لجلال الدين السيوطي، «عقد الجواهر الثمينة في مدح عالم المدينة»، «الشذور الذهبية الأحمدية لتعليم اللغة التركية والعربية»، «روضة الأزهار في علم وقت الليل والنهار» للجادري. كما أن بها نسخة «البدور اللوامع في شرح جمع الجوامع في أصول الفقه» للحسن بن مسعود اليوسي، وهي عبارة عن مخطوط مستقل بأوراق من الحجم الكبير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.