من نحن؟ وماذا نريد؟ وما هي أهدافنا؟... أسئلة تظل تلاحق الهوية السياسية والإيديولوجية لحزب الاتحاد الاشتراكي كاختيار تأسس على مضامين الفكر اليساري. ولقد مر الحزب بمنعطفات تجبره على إثارة السؤال حول إشكالية الهوية، خصوصا أثناء تنظيمه لمؤتمراته الوطنية. ففي المؤتمر الاستثنائي 1975 سلك الحزب مسلك النضال السياسي داخل المؤسسات، بعد أن مارس القطع مع الفكر الثوري. وبعدها عرج نحو منعطف سمي بالتناوب التوافقي 1998 كإستراتيجية جديدة نهجها للمشاركة في الحكومة على قاعدة تعاقد شفاهي مع القصر. هنا حدث تحول كبير في مسار الحزب، سواء على مستوى اختياراته السياسية أو على مستوى بناء تحالفاته... لكن، المؤتمر الثامن توج ببيان ختامي مزركش يشكل نشاز داخل النسق الجديد للحزب مثل الدعوة إلى "الملكية البرلمانية" و" الإصلاحات الدستورية" ثم "توحيد العائلة الاشتراكية"... وكل ذلك يأتي في سياق ارتباط الحزب "بالقيم الاشتراكية الديمقراطية". فما هي أسباب هذه التناقضات التي تعتمل داخل بنية الحزب؟ أليست هذه دعوات تظهر وتختفي حسب السياق السياسي للأزمة، هدفها ضبط توازن تركيبة الحزب واستقراره للتحايل حول إشكالية الهوية السياسية للحزب؟؟ الهوية المقنعةلم يكن المؤتمر السابع لحزب الاتحاد الاشتراكي 2005 سوى مناسبة جيدة لتحديد هويته السياسية على أرضية اختياراته الجديدة، خاصة بعد ترحال الأجنحة المتمردة من المؤتمر السادس، بوصفها تيارات( وفاء للديمقراطية، بعض الموالين للفقيه البصري، والجناح النقابي الذي تزعمه نوبير الأموي) تعرقل حالة الإفصاح عن سؤال الكينونة السياسية للحزب. فالتصدع الذي أحدث في بنية الحزب من جراء فعل المحاصرة ولفظ الاختلاف، فسح المجال أمام انغراس ثقافة دخيلة أحدثت شقوقا في البناء السياسي والتنظيمي للحزب. ذلك أن نظرية الانفتاح على طبقة الأعيان الانتخابية لحصد أصوات في الاستحقاقات البرلمانية والجماعية، وحمى الهرولة نحو حقائب الاستوزار، والتصويت على النسخة المعدلة لدستور 1996، والتفاوض الأحادي الجانب مع القصر، ورفع شعار "أرض الله واسعة"، والإصرار على تأديب أصوات مشاغبة سواء بقطاع شبيبة الحزب أو بقطاعه الإعلامي...كلها مؤشرات تعكس الشروع في بناء طبقة أركيولوجية جديدة، الشيء الذي أفرز معه لغة سياسية تحمل مزيجا من التناقضات وتعكس حالة الشتات في تدبير الأزمة الداخلية وتجربة المشاركة. لعل التوظيف المكثف لآلية الاندماج في منظومة المشاركة والزج بحصيلتها خارج دائرة النقد، إنما هي تقنية تروم التملص من إعادة بناء القيم الاشتراكية للحزب، ومد الجسور مع محيطه العائلي، في أفق خلق معادلة وازنة داخل المشهد السياسي. إن تموقع الحزب في مفترق الطرق، جاء نتيجة سياق الضاغط بأزماته. الأمر الذي ولد ارتباكا في معجم قادة الحزب وممارساتهم السياسية. ولقد سرعت محطة 7 شتنبر 2008 من وتيرة التناقضات الخطابية. فهناك من يتحدث عن برنامج لمحاربة الفساد، وآخر يطلق أسهم النقد على " الحركة من أجل الديمقراطيين" مذكرا بالشرعية التاريخية والنضالية لحزبه، وهناك من يعلق فشل التجربة الانتقال الديمقراطي على مشجب المنهجية الديمقراطية...وهذا الفصام السياسي في خطاب قادة الحزب ظهر بوضوح في نص البيان الختامي للمؤتمر الثامن. فكان بناء النص تتجاذبه بنيات متعددة: بنية تكثف الانغماس في دائرة التماثل المخزني، وبنية تعمل على التشبث بقطع الماضي السياسي والنضالي. وبنية تستهدف التحديث السياسي. لكن النص من حيث هو سلطة، يجب أن نقرأ سيادته من خلال الأصول الاجتماعية للسيد عبد الواحد الراضي، ومن خلال مشروعه الانفتاحي على طبقة الأعيان الانتخابية، ومن خلال مساره الدبلوماسي في أجهزة الدولة...كل هذه العناصر ستعمل على تعزيز المستقبل المخزني والطبقي للحزب، وستعمل على أفول أرشيفه السياسي وهويته الاشتراكية وحلمه في تأسيس الحزب الاشتراكي الكبير.مغامرة الترحالالمتأمل للنصوص السياسية والتنظيمية لتيار " الوفاء للديمقراطية"، لا يمكنه إلا أن يلمس جدة مضامينها المثقلة بالحداثة وإرادة التجديد السياسيين. أما وأن ترتحل هذه النصوص خارج الحضن التي تبلورت داخله، هنا يبقى التقدير السياسي للمرحلة من قبل صانعي وحاملي هذه النصوص محط تساؤل وتأمل!!؟ أما الجناح النقابي بزخمه التاريخي الذي يشكل سند السياسي وعضده ، لا نجد له دواعي موضوعية تبيح له المغادرة الطوعية. لعلها اللحظة التاريخية التي عجلت بأفول هوية الحزب الاتحاد الاشتراكي. فهل التوظيف السياسوي للكوطا كمزايدة غير محسوبة، سبب وجيه لإعلان الترحال؟ أليست الذاتية والمزاجية مرض اليسار الطفولي وعوامل موته السياسي؟ أليس الترحال بمثابة تعزيز خط الرداءة السياسية داخل بنية الحزب؟ ففي برنامج " حوار"، نظر محمد الساسي لمشروع "الحداثة السياسية" من داخل مدرسته الاتحادية (البوعبيدية، واليوسفية..)، أما محاولة التوليف التي قام بها من داخل موقعه الجديد بحزب اليسار الاشتراكي الموحد، كانت مهمة صعبة مائلة بامتياز جهة مرجعيته السياسية الأصلية. نتساءل، ما هي الإضافة النوعية لمحمد السياسي داخل الحزب الاشتراكي الموحد، هل هي إعلانه في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر23-24-شتنبر2005 عن وثيقة " مدونة السلوك"؟ أم ممارسته للنقد الذاتي بسبب سوء التقدير لترشيحه للانتخابات بمقاطعة المحيط؟ ألم يجدر به الدفاع عن مشروع " الحزب الاشتراكي الكبير" و"تحديث بنية الحزب " من داخل الاتحاد الاشتراكي، مقابل خلق وتعزيز آلية الدعم من طرف الحزب اليسار الموحد؟ أليس "تيار الوفاء للديمقراطية"و " التيار النقابي" مشاريع قابلة للامتداد والاكتساح والنمو داخل تربة الحزب، من شأنها أن تشكل صمام أمان في وجه آلة الأعيان والمواقع ؟إن الترحال السياسي لتيارات الاتحاد الاشتراكي كإرادة باحثة عن وجهة الاستقرار، اصطدمت بعوائق ساهمت في إضعاف المفعول النظري والعملي لهذه للتيارات وهذه العوائق هي كالتالي:نكسة مشروع حزب اليسار الاشتراكي الموحد. تعدد الأرخبيلات النقابية. زحف مبادرة الهمة. أفول هوية حزب الاتحاد الاشتراكي. تراجع مبادرة التنسيق بين العائلة اليسارية . إذا كانت التيارات تبحث عن أحضان حيث ينتعش خطابها واختلافها. فإن العوامل أعلاه قلصت من حماستها وعنفوانها . في انتظار الذي سيأتيلقد تحركت تصورات وأفكار على شكل وثائق تقرع ناقوس الخطر وتقترح مخارج لأزمة الحزب،خصوصا أمام هشاشته التنظيمية التي باتت تندر بهزات قوية، بعد نكسة اقتراع 7 شتنبر 2007. وهذه الوثائق في استعراضها للسياق العام للأزمة، سواء في بعدها الذاتي أو الموضوعي، تفاوتت حدة انتقاداتها لمسألة الحزب ودرجة معالجتها لاختلالاته، لكن الرابط الأساسي الذي يوحد هذه الوثائق، يكمن في الدعوة إلى التشبث بقيم وثوابت الحزب. لأن أزمته ليست سوى" أزمة هوية و مشروع وبرنامج سياسي". هكذا تختزل وثيقة "مسؤوليتنا" واقع الحزب. ولانتشاله من عوائقه لابد من ممارسة قراءة نقدية- - حسب حاملي هذه الوثيقة- للفترة بكاملها ، الأمر الذي سيسمح لنا ببلورة خط سياسي بديل، يعيد التأكيد على قيمنا اليسارية، ويحدد إطار تحالفاتنا الممكنة، كما يعيدنا إلى موقعنا في قلب المجتمع وكطليعة لتحديث بنياته وبنيات الدولة وقوة محركة للتغيير. ولعل موجة النقد لم تكن حبيسة معلقين تقليدين الدارالبيضاء والرباط ، بل امتدت إلى جهات وأقاليم متعددة،ففي وثيقة تحمل عنوان" في حاجة إلى مؤتمر استثنائي"، يطالب 30 عضو من المجلس الوطني لجهة طنجة- تطوان، باستعادة الصفة النوعية للحزب والتي تعني في أجزائها الكبرى" تأهيله لتجميع قوى اليسار وتعزيز مكانته ودوره في الحقل السياسي". إنها دعوات تروم عودة الهوية المفقودة للحزب، والتي لا يمكن استعادتها- حسب وثيقة نداء من أجل المساهمة في إنقاذ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية- إلا عبر"وجود الاتحاد الاشتراكي ذي المرجعية اليسارية في المعارضة". ومن شأن ذلك أن " يساعد على وضوح مشهدنا السياسي". وإذا كان الاشتراكيون الجدد يرون أن " كل الانشقاقات إنما كانت لخلافات حول قرارات لحظية"، فإن الحاجة- من وجهة نظر مناضلي القنيطرة- تقتضي عودة التيارات والغاضبين الذين هاجروا بسبب آرائهم وأفكارهم، وانتهاج سياسية " فتح الأبواب" و"توجيه الدعوة للمناضلين للالتحاق بالركب متى شاءوا". ومن ثمة، يمكن اعتبار مقالات محمد الساسي " حالة اتحادية مؤقتة" و " مؤتمر الاتحاد الاشتراكي.. هل البيان العام وثيقة ملزمة ؟... بمثابة وثائق صادرة من موقع المهجر لشد عضد الداخل. فهل استطاع مناضلو الداخل وخارجه التأثير في مسار الحزب، لاستعادة موقعه الطبقي إلى جانب الفئات الشعبية واستعادة هويته المأمولة؟ إن المؤتمر الثامن لحزب الاتحاد نهج فلسفة التوافق، وهي الآلية التي بات يديرها بمهارة سواء في علاقته مع القصر أو في أجهزته التنظيمية أو في بناء تحالفاته ، كما أنها إستراتيجيته ستفضي إلى تغيير معالم الحزب كليا نحو وجهة طالما خاض صراع ضدها. فهل هذه الصيرورة الحزبية خيار لا رجعة فيه أم أنها حالة مؤقتة؟. يعتقد - محمد الساسي- أن الحزب سيعيش حالة مؤقتة، لن يحسم خلالها في طبيعة وضعه السياسي في الساحة، بل سيعمد إلى تدبير الأزمة في انتظار الذي سيأتي...كما أنه يعتبر أن الحزب يدبر تناقضات كبرى ويعلق أسئلة كبرى وهذا لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، ولذلك فالحالة الاتحادية اليوم حالة مؤقتة! ماذا يقصد محمد الساسي بالحالة المؤقتة ؟ هل يعني ذلك أن البؤر الخامدة التي تتفاعل داخل الحزب وخارجه ستحدث تغييرات وستهزم رموز المشاركة في حكومتي 1998 و 2002 للعودة إلى إعادة بناء الحزب على أرضية " التقرير الأيديولوجي للمؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، وجل الوثائق والنصوص التي صدرت عن هذا الحزب إلى حدود المؤتمر السادس"؟. ثم ما المقصود بالذي سيأتي؟ نحن نعرف أن الخطاب السياسي لمحمد الساسي يحمل شاعرية، كان ذلك من خلال المؤتمر الاندماجي الذي حمل شعار " الأمل". كما أن الإعلان عن تياره كان تحت اسم " الوفاء ". ويبدو أن الذي سيأتي مسكونا بالوفاء إلى التقرير الاديولوجي للمؤتمر الاستثنائي، والأمل في استعادة هوية اليسارية للاتحاد الاشتراكي. لكن ماهي الآليات.. لاستعادة الهوية المفقودة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؟؟ تلك هي المسألة رهينة بالصيرورة التاريخية.