أجرت السيدة وزيرة الصحة ياسمينة بادو حوارا صحفيا مع جريدة الصباح عدد 2646 بتاريخ 11/12 أكتوبر 2008 وقد جاء حافلا بالمغالطات وقلب الحقائق وكانت السمة الغالبة عليه هو سيادة لغة خشبية موسومة بالتكرار والعبارات المنمطة و الجاهزة التي لا تليق بمسؤول في هذا المستوى يشرف على إدارة قطاع حيوي بالبلاد. كل ذلك سنوضحه في ردنا هذا مدعوما بحقائق ووقائع لا تدع مجالا للشك وتضحظ الكثير مما جاء في ادعاءات السيدة الوزيرة التي فاتها في بعض الأحيان حسن الإصغاء لأسئلة الصحفي فخانها الجواب المناسب، فسقطت في التعميم و أسرفت في استعمال خطاب ديماغوجي فضفاض، لا تمل من تكراره عن ظهر قلب خلال الأيام الأخيرة. فعن السؤال الأول الموجه للوزيرة عن " مشكل الطبيبات المتخصصات اللواتي نفذن عدة وقفات احتجاجية ضد تعيينهن في مناطق بعيدة"، أجابت السيدة الوزيرة" فبالنسبة إلى الطبيبات المتخصصات المتخرجات حديثا، فإنني أؤكد، أولا، أن باب الحوار ظل دائما مفتوحا بهذف التوصل إلى صيغة توافقية". وتزيد السيدة الوزيرة في جوابها قائلة " لقد اقترحنا أن نمنح بعض الامتيازات للطبيبات اللواتي يتم تعيينهن خارج الرباط والدارالبيضاءن كاستفادتهن مسبقا من الأقدمية، حسب المناطق...". ما من شك أن جواب السيدة الوزير المليئ بالمزايدات التي تستهذف بها تغليط الرأي العام، يحتاج لبعض التوضيحات وهي كالتالي:1-إذا كانت السيدة الوزيرة تقصد ب" الطبيبات المتخرجات حديثا" فوج 2007 فهذه فعلا مغالطة كبرى. فهذا الفوج تأخر تعيينه لمدة سنة بدون أي مبرر وجيه وهو كفوج من الأطباء الاختصاصيين لا يتحمل المسؤولية في ذلك. فكيف تستفيق الوزيرة من سباتها بعد سنة من تخرج هذا الفوج وتجد أن صحة المواطنين في المناطق النائية هي في حاجة إلى أطباء اختصاصين.ألم يكن حريا بها تعيين أعضاء هذا الفوج قبل سنة من الآن. فإغراق المناطق النائية بالاختصاصيين قبل سنة عن إجراء الانتخابات المحلية ليطرح أكثر من سؤال خصوصا عندما نعرف أن الوزارة لم توفر لهم حتى التجهيزات والإمكانيات للعمل. وكما يعرف الجميع، فالطبيب الاختصاصي لا يمكن له العمل بدون الاستعانة بمختبر وتجهيزات وإلا اضطر أن يصبح طبيبا عاما يستعمل قلمه وورقة لوصف الدواء. إلا إذا كان ما يهم السيدة الوزيرة هو سرد أرقام أمام الرأي العام والقول بأن كذا طبيبا اختصاصيا يوجد في هذه المنطقة أو تلك. ولنا أمثلة كثيرة على ذلك مثل الطبيبة الاختصاصية في الفحص بالأشعة التي تم تعييينها بمدينة فكيك حيث لا توجد مصلحة للطب الإشعاعي. وكذلك الأطباء الاختصاصيون في الطب النووي الذين تم تعيينهم باشتوكة آيت باها قبل أن تتراجع الوزارة عن ذلك.2-عندما تحدثت السيدة الوزيرة عن منح "امتيازات" فهي بدون شك كانت تقصد الدورية 25 التي صدرت في أبريل 2008 لتقنن الحركة الانتقالية والتعيينات. لكن لماذا تصر السيدة الوزيرة على تطبيق هذه الدورية بأثر رجعي على فوج 2007 بالرغم من أنه لا يتحمل أية مسؤولية في تأخير تعيينه؟ ولنفترض أن هذه الدورية كانت قد طبقت قبل سنة على هذا الفوج لكانت الطبيبات قد استفدن من أقدمية تخول لهن الالتحاق بأزواجهن وأبنائهن. فما ذنبهن حتى يتأخر تعيينهن لمدة سنة وتطبق عليهن الدورية السابقة الذكر بأثر رجعي. أليس هذا حيفا تقتضي الضرورة التصدي له و إصلاحه ؟ أما بالنسبة لنظام التنقيط الذي تتحدث عنه الوزارة باستمرار فلا وجود له في أية وثيقة رسمية تبين تفاصيله وطريقة احتساب التنقيط.وعلى أية حال فالدورية رقم 25 التي صدرت في أبريل 2008 لم تمنع من وقوع عدة تجاوزات في التعيين مثل تعيين 13 طبيبا وطبيبة قبل بدئ حركة التعيينات بشكلها الرسمي. وقد تمكن هؤلاء المحظوظون من الاستفادة من التجمع الأسري وفق مشيئتهم بل الأدهى من ذلك أنه تسنى حتى للعازبات و للعازبين الالتحاق بالمناطق التي كانوا يرغبون فيها. كما عرف شهر يوليوز 2008 ( أي خلال بدئ حركة التعيينات) خلق أربعة مناصب جديدة لم تكن موجودة في اللائحة الرسمية للوزارة والتي كان من المفترض آنذاك أن تكون نهائية.3-تتكلم السيدة الوزيرة عن استعدادها الدائم لإجراء حوار مع الطبيبات المعنيات بالأمر لكن ذلك لم يكن سوى تمويه كما بينته الحقائق. فبعد أن استقبلت السيدة الوزيرة الطبيبات بتاريخ 01 غشت 2008 ووطمأنتهم، واعدة إياهم بالعمل على حل مشكل التعيينات بعد العطلة الصيفية، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان. فقد فوجئت الطبيبات بإجراء قرعة بتاريخ 01 شتنبر 2008 وبدون سابق إعلان في غياب تام للمعنيين بالأمر أو لمن يمثلهم; تم الاطلاع على الخبر عبر الصحافة الوطنية بينما كانت الطبيبات تعولن على الحوار مع المسؤولين الوزاريين الذين وعدوهم بالرد على الاقتراحات المسلمة إلى السيد رئيس قسم الموارد البشرية بتاريغ 07 غشت 2007 والتي كان من المفترض التداول فيها، وفحص الملفات حالة بحالة بعد الدخول من العطلة في أفق إيجاد حل نهائي للمشكل. استغربت الطبيبات أكثر عندما تسلمن قرارات تعيينهن لأن هذه القرارات التعسفية تم توقيها من طرف الوزيرة بتاريخ 09 غشت 2008 أي خلال الفترة التي كان من المفروض أن يجري فيها الحوار ويكون مفتوحا مع الوزارة. فهل هذه الاجتماعات لم تكن سوى مسرحية هزلية؟ ولم تكن القرعة التي قيل أنها جرت بتاريخ 01 شتنبر سوى قرعة وهمية. فقرارات التعيينات مؤرخة بتاريخ 09 غشت 2008 بينما القرعة الوهمية لتعيين الطبيبات جرت بتاريخ 01 شتنبر 2008 !!!4-تتكلم الوزيرة على أن الطبيبات المعنيات بالأمر يرغبن في التعيين بمحور الدارالبيضاء/الرباط وهذا بدوره مجانب للحقائق والوقائع ويستخدم دائما لإعطاء صورة مشوهة وغير حقيقية لائتلاف الطبيبات الاختصاصيات ( فوج2007). فلو فحص الفريق المتواجد حاليا بالوزارة، كما كان يفعل سابقوه، ملفات الطبيبات والوثائق المتوفرة بها، لتبين لهم أن عددا لا بأس به من الطبيبات يردن الالتحاق بأقاليم ومدن أخرى كطنجة ووجدة ومراكش والجديدة وتازة.5-أجبر فوج 2007 للأطباء الاختصاصيين على أن يمضي عقدا مع وزارة الصحة فلم يكن لأعضائه الخيار بين التطوع ( bénévolat) أو إمضاء عقد كباقي الأفواج وهذا حيف آخر ينضاف لسجل الوزارة الحافل بالخروقات في حقه. وإن كان العقد لا يتضمن مكانا محددا للتعيين، فالجديربالذكر أن نسبة لا بأس بها من الطبيبات عملن قبل تخصصهن وإجرائهن لمباراة التخصص كطبيبات في الطب العام بمناطق نائية بالصحراء والشرق وغيرها من المناطق البعيدة. كما أن نسبة مهمة منهن عملن كطبيبات داخليات لمدة سنتين براتب شهري لا يتعدى 1500 درهم ناهيك عن نظام الحراسة المرهق بدون الحصول على أدنى تعويضات. ألا يشفع لهن ذلك في أن يلتحقن بأزواجهم وأطفالهم بعد تخصصهن؟ مع العلم أن متوسط سن الطبيبة الاختصاصية هو 34 سنة وهي بذلك تكون قد تزوجت واستقرت وأنجبت أطفالا أو ترغب في إنجابهم.كما أن المقارنة التي تقوم بها الوزيرة بين قطاع الصحة وقطاعات أخرى كالتعليم هي مجانبة للصواب " فإن إشكالية تعيين المتخرجين لا تقتصر على قطاع الصحة، بل هناك قطاعات أخرى كالعدل والتعليم..." ما تجهله السيدة الوزيرة هو أن التعيين بالنسبة للمعلمين والمعلمات مرتبط بالمنطقة التي يقع بها مركز التكوين وبذلك تعرف نساء ورجال التعليم بالضبط المجال الجغرافي الذي سيتم تعيينهم فيه . وهم بذلك يوافقون على منطقة تعيينهم قبل تكوينهم. كما لا يجب عليها أن تتناسى كون المعلمة تكون إثر تخرجها و بداية مشوارها العملي في العشرينات من عمرها بينما الطبيبة المتخصصة تكون قد تعدت سن الثلاثين. وهذه معطيات ثابتة وأكيدة لا يمكن للمقارنة التي قامت بها الوزيرة بين القطاعين أن تختزلها أو أن تتجاهلها.وتستمر الوزيرة في استعمال لغة الخشب التي تتقنها " ماأريد التأكيد عليه هو أنه اليوم، لم يعد هناك مغرب نافع وآخر غير نافع..." . لعمري وكأن السيدة الوزيرة تريد أن تحمل الطبيبات مسؤولية تقسيم المغرب إلى مغرب نافع ومغرب غير نافع لمجرد أنهن رفضن الانصياع لقرار إداري جائر لم يراع وضعيتهن الإنسانية والأسرية. بينما الكل يعرف أن هذا التقسيم خلفه الاستعمار وكرسته بعض "الأحزاب الوطنية" التي تقلدت مسؤولية تسيير وتدبير شؤون البلاد بعد "الاستقلال". فكيف يمكن أن نتصور تغطية الخصاص الموجود منذ أكثر من 50 سنة في ما يخص الأطباء الاختصاصيين بالاعتماد على فوج واحد؟ ولماذا يتم اعتبار العنصر البشري هو الحلقة الضعيفة التي يمكن التحكم فيها والتضحية بها في غياب شبه تام للتجهيزات في المناطق النائية؟ وحتى النساء المتزوجات اللواتي رفضن الامتثال للقرار الإداري الجائر يمثلن أقل من ثلث الأطباء المتخرجين ضمن فوج 2007، فهل كانت الضرورة تقتضي تعيينهن في مناطق نائية لكي يقال لقد تمت تغطية العجز في الأطباء الاختصاصيين؟ كل هذا يظهر سياسة ارتجالية وغياب تخطيط واقعي بعيد المدى. ولعل ماقامت به الوزارة من إعادة تعيين الطبيبات الثلات، أمهات التوائم، يظهر أنه ليس البلد لوحده الذي يقسم، من وجهة نظر الوزارة، إلى مناطق نافعة ومناطق غير نافعة بل هنالك كذلك أبناء نافعون وأبناء غير نافعون وأمهات نافعات وأمهات غير نافعات.وفي الأخير تجييب السيدة الوزيرة عن سؤال يتعلق بتخليق ميدان الصحة قائلة " ركزنا على محور أساسي هو تخليق القطاع. نتحدث كثيرا عن الرشوة والفساد الذي يعانيه القطاع..." لا يمكن لأي مواطن مغربي إلا أن يحيي مثل هذه المبادرات التي أقدمت عليها السيدة الوزيرة بل وأن يشجعها. لكن، للأسف، عندما نعرف المحسوبية والزبونية التي شابت حركة انتقالات وتعيينات الأطباء الاختصاصيين خلال هذه السنة يصعب علينا تصديق مثل هذه الأقاويل التي تظل مجرد نوايا بعيدة عن أرض الواقع. فحري بالسيدة الوزيرة أن تبدأ حملتها التخليقية والتطهيرية من المصالح المركزية لوزارتها لأنه كما يقول مثال تركي " نبدأ بكنس الدرج (les escaliers) من فوق وليس من تحت".