المسألة التربوية هي مسألة لصيقة بالإنسان، لأنه مناط وجودها ومحورها الرئيس في نفس الوقت، لهذا اتخذها الإنسان للوهلة الأولى موضوعا للاشتغال عليه تنظيرا وتطبيقا. ولم يشذ عن هذه القاعدة علماء المسلمين الذين اشتغلوا بالتربية والتعليم قديما وحديثا، ومنهم العلامة ابن خلدون. الذي خص الباب السادس من الكتاب الأول من مقدمته للمسألة التعليمية بعنوان: " في العلوم وأصنافها والتعليم وطرقه وسائر وجوهه وما يعرض في ذلك كله من الأحوال " وهو بذلك ينظر للتعليم والتعلم من باب السوسيولوجي الواعي بأهمية التعليم والتعلم في البناء الحضاري. فقد ربط في الفصل الثالث من الكتاب المذكور بين المسألة التعليمية والتطور الحضاري؛ حيث رأى كثرة العلوم في كثرة العمران وعظم الحضارة. وبذلك يقر مبدأ أساسيا اكتشفه العلماء أخيرا عندما جعلوا الثورة الثالثة ثورة المعرفة. وجعلوها مدخلا حقيقيا كل تقدم إنساني! مما يدل على أن تراثنا زاخر بفكر نير متقدم يستدعي فقط الدراسة والتحليل والنقد من أجل تفجير مكامنه العلمية والاستفادة منه. ومن باب الاستفادة من تراثنا الفكري التربوي، سأركز في مداخلتي هذه على ملامح تربوية خلدونية ما زالت حية في التربية، وما زال الفكر التربوي الحديث يأخذ بها في حين ضربنا نحن العرب عنها صفحا واتهمناها بالتقادم واستنفاد الصلاحية؟!1 ملامح تربوية خلدونية:1.1. مبادئ أساسية في التربية عند ابن خلدون: ترتكز التربية عند ابن خلدون على أسس علمية تنطلق من المبادئ التالية: المبدأ الأول: الفكر الإنساني هو الفارق الأساس بين الإنسان والحيوان، لأنه مصدر قوة هذا الإنسان؛ التي تسمح له بتحصيل معاشه في إطار اجتماعيته ببني جلدته، ومصدر تفكره وتفكيره في ذاته وعالمه الخارجي بما فيه عالم الغيب، ومصدر تفوقه على الحيوانات وتسخيرها لصالحه. فقد قال العلامة ابن خلدون: ( الفكر الإنساني، الذي تميز به البشر عن الحيوانات واهتدى به لتحصيل معاشه والتعاون عليه بأبناء جنسه والنظر في معبوده، وما جاءت به الرسل من عنده؛ فصار جميع الحيوانات في طاعته وملك قدرته وفضله به على كثير خلقه ) . فهذا الفكر هو منبع العلوم والصنائع من حيث أن الإنسان يديم التفكير في نفسه ومحيطه وعالمه الدنيوي والأخروي لاستخلاص الحقائق والقوانين عن الظواهر الكونية التي تشكل الأرضية الصلبة للعلم والصنائع؛ ف ( عن هذا الفكر تنشأ العلوم وما قدمناه من الصنائع ) و ( يكون الفكر راغبا في تحصيل ما ليس عنده من الإدراكات، فيرجع إلى من سبقه بعلم، أو زاد عليه بمعرفة أو إدراك، أو أخذه ممن تقدمه من الأنبياء الذين يبلغونه لمن تلقاه؛ فيلقن ذلك عنهم ويحرص على أخذه وعلمه. ثم إن فكره ونظره يتوجه إلى واحد واحد من الحقائق، وينظر ما يعرض له لذاته واحدا بعد الآخر، ويتمرن على ذلك حتى يصير إلحاق العوارض بتلك الحقيقة ملكة له، فيكون حينئذ علمه بما يعرض لتلك الحقيقة علما مخصوصا. وتتشوف نفوس أهل الجيل الناشئ إلى تحصيل ذلك، فيفزعون إلى أهل معرفته ويجيء التعليم من هذا ) .المبدأ الثاني: العلم والتعليم والتعلم طبع إنساني، بمعنى أن التعليم والتعلم والعلم أمر طبيعي في البشر، ومن ثم لا توجد معرفة خارج المجتمع الإنساني ( فقد تبين بذلك أن العلم والتعليم طبيعي في البشر ) كما يقول ابن خلدون؛ وهو بذلك يسوق قانونا علميا أثبتته الدراسات الحديثة، حيث ما يصدر عن الحيوانات من أفعال وسلوكات هي غريزية بطبعها وليست ناتجة عن التعلم إلا ما شذ منها. فقد وجد العلماء أن الإنسان عندما يخرج عن الجماعة الإنسانية وعن طبيعته يفقد تلك الخاصية التي تتعلق بإنسانيته. فالأطفال المتوحشون دليل قاطع على أن التعلم والعلم خصيصة إنسانية. وما يزكي هذه الخصيصة أنها قائمة على الفكر واللغة، وهما لا يوجدان خارج المجتمع.المبدأ الثالث: ارتباط العلوم والإدراكات بالمحسوسات، بمعنى انبثاق التنظير من الواقع المحسوس أو المفترض. كما بين العلم الحديث الذي يرى فيها الموضوعات العلمية موضوعات منشأة عن الموضوعات المحسوسة. ف ( العلم ينطلق من الواقعي ليبتعد عنه مادامت المعرفة ليست هي الملاحظة الحسية، بل هي خلق لكلام جديد وإضافة إلى الواقع الذي تنطلق منه. إن المعرفة تحويل للواقع المعطى وتغيير له، والعلم يعمل على تنظيم المعطيات ولا يكتفي بتعدادها. إنه ينظمها ويرتبها ويقيم علاقات بين عناصرها بغية تحويلها إلى شيء قابل لأن يكون موضوع علم. إن المادة شيء والموضوع شيء آخر. إنه الشيء المستهدف، الشيء المبني انطلاقا من المادة، إنه الموضوع المعرفي ) . وهذا ما ذهب إليه ابن خلدون عندما قال: ( النفس الناطقة للإنسان، إنما توجد فيه بالقوة. وأن خروجها من القوة إلى الفعل إنما هو بتجدد العلوم والإدراكات عن المحسوسات أولا؛ ثم ما يكتسب بعدها بالقوة النظرية إلى أن يصير إدراكا بالفعل وعقلا محضا؛ فتكون ذاتا روحانية وتستكمل حينئذ وجودها. فوجب لذلك أن يكون كل نوع من العلم والنظر يفيدها عقلا فريدا، والصنائع أبدا يحصل عنها وعن ملكتها قانون علمي مستفاد من تلك الملكة. فلهذا كانت الحُنكة في التجربة تفيد عقلا، والملكات الصناعية تفيد عقلا ) .المبدأ الرابع: التعليم/التربية عند ابن خلدون من الصنائع؛ بمعنى وجوب امتلاك كفاياتها النظرية والتطبيقية عبر التمرن والمراس والبحث والدراسة. وبذلك تنتفي العشوائية والارتجال عن فعل التربية والتعليم عند ابن خلدون؛ لما يتطلبه من المعرفة العلمية الدقيقة بما هي التربية والتعليم. فقد قال: ( ذلك أن الحذق في العلم والتفنن فيه والاستيلاء عليه، إنما هو بحصول ملكة في الإحاطة بمبادئه وقواعده والوقوف على مسائله واستنباط فروعه من أصوله. وما لم تحصل هذه الملكة لم يكن الحذق في ذلك الفن المتناول حاصلا. وهذه الملكة هي في غير الفهم والوعي. لأنا نجد فهم المسألة الواحدة من الفن الواحد ووعيها، مشتركا بين من شدا في ذلك الفن، وبين من هو مبتدئ فيه؛ وبين العامي الذي لم يُحصِّل علما، وبين العالم النحرير ) . وبما أن التعليم/التربية صناعة فلابد لها من معلم وأستاذ يعلمها ويمكن طالبها من كفاياتها وأسسها ومعارفها وتقنياتها، فقد قال ابن خلدون في شأنه: ( والملكات كلها جسمانية، سواء كانت في البدن أو في الدماغ، من الفكر وغيره، كالحساب. والجسمانيات كلها محسوسة، فتفتقر إلى التعليم. ولهذا كان السند في التعليم في كل علم أو صناعة يفتقر إلى مشاهير المعلمين فيها معتبرا عند كل أهل أفق وجيل. ويدل أيضا على أن تعليم العلم صناعة اختلاف الاصطلاحات فيه. فلكل إمام من الأئمة المشاهير اصطلاح في التعليم يختص به، شأن الصنائع كلها ) . والصناعة لابد لها من جانب نظري وآخر عملي، حيث ( أن الصناعة هي ملكة في أمر عملي فكري ) .2.1. قوانين تربوية عند ابن خلدون: بعدما قرر ابن خلدون تلك المبادئ الأساسية، وجدناه يذهب إلى قوانين تربوية بينت التربية الحديثة صلاحيتها، حيث يقرر هذا العلامة القوانين التالية:القانون الأول: الانتقال من المحسوس إلى المجرد، حتى تسنن الذاكرة طويلة المدى لمخزونها المعرفي الناتج عن المحسوس بارتباطات حسية، تشعل الذاكرة أثناء استدعاء واسترجاع وطلب المعلومة. بمعنى تسنين المعلومات والمعارف والمعطيات والحقائق العلمية في الذاكرة. حيث يقول في هذا المبدأ: ( والأحوال المحسوسة، نقلها بالمباشرة أوعب لها وأكمل؛ لأن المباشرة في الأحوال الجسمانية المحسوسة أتم فائدة، والملكة صفة راسخة تحصل عن استعمال ذلك الفعل وتكرره مرة بعد أخرى، حتى ترسخ صورته. وعلى نسبة الأصل تكون الملكة. ونقل المعاينة أوعب وأتم من نقل الخبر والعلم. فالملكة الحاصلة عنه أكمل وأرسخ من الملكة الحاصلة على الخبر ) .القانون الثاني: جودة نظام التعليم وجودة تكوين الأستاذ لهما دخل في جودة تعلم المتعلم، بمعنى تعلم المتعلم يتوقف على جودة التعليم وكفاءة الأستاذ، فهما مرتبطان ارتباط طرديا نزولا وصعودا؛ حيث يقول ابن خلدون: ( وعلى قدر جودة التعليم وملكة المعلم يكون حذق المتعلم في الصناعة وحصول ملكته ) . فقد ( افترض ابن خلدون أن التعليم صناعة، نجاحها وفشلها، مرتبطان بالقائمين بها، وأن المعلمين هم سند هذه الصناعة. لذا لابد من أن تتوفر فيهم شروط وآداب وقوانين. ويستشهد ابن خلدون ببعض الذين ارتحلوا ممن يعرفهم لطلب العلم على المشاهير. فقد رجع بعضهم بعلم وفير ومفيد وبتعلم حسن ] ابن الطيب، وابن الحاجب [ ويعود الفضل لمن حذق منهم لتوفر معلمين ملمين مبرزين بصناعة التعليم. وهكذا فإن توفر المعلم القادر والحاذق ضرورة أولى في عملية التعليم. لأنه يكون قادرا على توفير الشروط الأساسية للمتعلم ) .القانون الثالث: تقديم البسيط على المركب والمعقد، ورعايته حتى يكتمل! حيث يقول ابن خلدون: ( ثم إن الصنائع منها البسيط ومنها المركب. والبسيط هو الذي يختص بالضروريات، والمركب هو الذي يكون للكماليات. والمتقدم منها في التعليم هو البسيط، لبساطته أولا، ولأنه مختص بالضروري الذي تتوفر الدواعي على نقله، فيكون سابقا في التعليم ويكون تعليمه لذلك ناقصا. ولا يزال الفكر يخرج أصنافها ومركباتها من القوة إلى الفعل، بالاستنباط شيئا فشيئا على التدريج، حتى تَكْمُلَ ) . وواقع العلوم والنظريات العلمية يقر بمتابعة دراسة الحقائق والمعلومات والأفكار والنظريات عبر الزمن لنقدها وتصحيحها وتطويرها. وما الإيبستيمولوجيا " علم المعرفة/نقد العلوم " سوى تطبيق لفكرة ابن خلدون في العلم. القانون الرابع: التدرج في التعليم ذلك أن العلم لا يحصل دفعة واحدة، ( وإنما يحصل في أزمان وأجيال، إذ خروج الأشياء من القوة إلى الفعل لا يكون دفعة، لاسيما في الأمور الصناعية. فلابد له إذن من زمان ) . حيث يكون ( التدرج بالعلم مع الطالب متعلقا بالطالب واستعداداته من جهة، وبالموضوع ومتطلباته من جهة أخرى وفي آن واحد. فالطالب له مقدرات واستعدادات معينة على المعلم أن يعيها ويحسن التعامل معها، كما أن للموضوع أو الفن جزئيات واختلافات، على المعلم أن يراعيها أيضا، ويتدرج في عرضها وتقديمها للطالب على النحو الذي يناسب الطالب والموضوع معا. لأنه أدرك أن قبول العلم والاستعدادات لفهمه تنشأ تدريجيا ويكون المتعلم أول الأمر عاجزا عن الفهم بالجملة ) . كما يقول: (أعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيداً إذا كان على التدريج شيئاً فشيئاً وقليلاً قليلاً يلقى عليه أولاً مسائل من كل باب من الفن هي أصول ذلك الباب ويقرّب له فى شرحها على سبيل الإجمال ويراعى فى ذلك قوة عقله واستعداده لقبول ما يرد عليه حتّى ينتهي إلى آخر الفن وعند ذلك يحصل له ملكة فى ذلك العلم إلا أنّها جزئية وضعيفة وغايتها أنّها هيّأتها لفهم الفن وتحصيل مسائله ثم يرجع به إلى الفن ثانية فيرفعه فى التلقين عن تلك الرتبة إلى أعلى منها ويستوفى الشرح والبيان ويخرج عن الإجمال ويذكر له ما هنالك من الخلاف ووجهه إلى أن ينتهي إلى آخر الفن فتجود ملكته ثم يرجع به وقد شدّ فلا يترك عويصاً ولا مهماً ولا مغلقاً إلاّ وضحه وفتح له مقفلة فيخلص من الفن وقد استولى على ملكته ) . القانون الخامس: مدارسة المتن التعليمي بين الأستاذ والمتعلم؛ حتى يتمكن المتعلم من العلم، فقد رأى ابن خلدون غياب الأستاذ الحذق وفساد النظام التعليمي مدخلا إلى النتائج السلبية في حاصل التعليم الذي يعتمد أساسا على الحفظ فقط. فقد قال: ( وبقيت فاس وسائر أقطار التعليم المغرب خلوا من حسن التعليم من لدن انقراض تعليم قرطبة والقيروان، ولم يتصل سند التعليم فيهم، فعَسُرَ عليهم حصول ملكة والحذق في العلوم. وأيسر طرق هذه الملكة قوة اللسان بالمحاورة والمناظرة في المسائل العلمية، فهو الذي يقرب شأنها ويُحصّْل مرامها. فتجد طالب العلم منهم، بعد ذهاب الكثير من الأعمار في ملازمة المجالس العلمية، سكوتا لا ينطقون ولا يفاوضن، وعنايتهم بالحفظ أكثر من الحاجة. فلا يحصلون على طائل من ملكة التصرف في العلم والتعليم. ثم بعد تحصيل من يرى منهم أنه قد حصَّل، تجد ملكته قاصرة في علمه إن فاوض أو ناظر أو علَّمَ، وما أتاهمُ القصور إلا من قبل التعليم وانقطاع سنده ) .القانون السادس: ( في وجه الصواب في تعليم العلوم وطريق إفادته يشير ابن خلدون إلى أهمية مراعاة المقدرة العقلية للمتعلم من باب أنّ الاستعداد للتعلم عنده ضروري وهو يتم تدريجياً ) مما يوجب على الأستاذ المعرفة بمراحل النمو حيث يشير ( إلى ضرورة إدراك المربى لمراحل النمو عند تلاميذه بحيث لا يتحمل المتعلمون أعباء تزيد عن احتمال قدراتهم العقلية في الفهم والاستيعاب ولكل مرحلة سنيّة قدراتها كما نعلم ومراعاة هذه القدرات شرط أساسي ليس فقط فيمن يقوم بعملية التعليم وإنما وهذا المهم فيمن يضع المنهاج المدرسي ومفرداته في الكتب المدرسية المقرّرة؛ بحيث يتم التدرّج في تلقين العلوم من الأسهل إلى الأصعب ولعلّ أبن خلدون يوضح هذا أكثر في فقرة السابقة يقول فيها: ثلاث تكرارات. هذا وجه التعليم المفيد وهو كما رأيت إنما يحصل في ثلاث تكرارات وقد يحصل للبعض في أقل من ذلك بحسب ما يخلق له ويتيسر عليه وقد شاهدنا كثيراً من المتعلمين لهذا العهد الذي أدركنا يجهلون طرق التعليم وإفادته ويحضرون للمتعلم في أوّل تعليمه المسائل المقفلة من العلم ويطالبونه بإحضار ذهنه في حلّها ويحسبون ذلك مراناً على التعليم وصواباً فيه ويكلفونه وعي ذلك وتحصيله ويخلطون عليه بما يلقون له من غايات الفنون في مبادئها وقبل أن يستعد لفهمها.. إلى أن يقول : لا ينبغي للمعلّم أن يزيد متعلمه على فهم كتابه الذي أكب على التعليم منه بحسب طاقته وعلى نسبة قبوله للتعليم مبتدئاً كان أو منتهياً ولا يخلط مسائل الكتاب بغيرها حتى يعيه من أوّله إلى آخره ويحصّل أغراضه ويستولى منه على ملكة بها ينفذ في غيره لأنّ المتعلم إذا حصّل ملكة ما فى علم من العلوم أستعد بها لقبول ما بقى ) .وهناك أكثر من قانون تربوي ذكره الباحثون لم أجده في النسخة التي أملكها من المقدمة المشار إليها ضمن مراجع هذه الورقة. ولهذا فقد ( تضمنت مقدمة ابن خلدون نظريات أٌخرى فى التربية والتعليم تمثل فلسفة ابن خلدون التربوية يمكن أن نلخصها بما يلي: أولاً : يجب استيفاء الموضوع فى فصل واحد وعدم تقطيعه إلى عناصر متناثرة فى فصول متفرقة لأن فى هذا مدعاة للنسيان؛ يقول ابن خلدون فى صفحة 332 من المقدمة " وكذلك ينبغي لك أن لا تطوّل على المتعلّم فى الفن الواحد بتعريف المجالس وتقطيع ما بينها لأنه ذريعة إلى النسيان وانقطاع مسائل الفن بعضها من بعض ".ثانياً : لا يجوز خلط علمين معاً فى موضوع واحد بمعنى أنه يدعو إلى نوع من التخصص فى العمل التربوي وهى نظرية حديث .. يقول ابن خلدون " أن لا يخلط على المتعلّم علمان معاً فإنه حينئذ قلّ أن يظفر بواحد منهما لما فيه من تقسيم البال وانصرافه عن كل واحد منهما إلى تفهّم الآخر فيستغلقان معاًً "ثالثاً : يرى ضرورة الابتعاد عن العنف و الشّدة وقد خصص لذلك الفصل الثاني بعد الفصول الثلاثين الأولى أنظر صفحة 335 من المقدمة وجعله بعنوان " فى أنّ الشّدة على المتعلمين مضّرة بهم " حيث يقول : " إنّ رهاف الحد بالتعليم مضّر بالمتعلم سيمّا فى أصاغر الولد " .رابعاً : وقد اهتم ابن خلدون بالناحية التطبيقية فى العملية التعليمية .. فليس المهم عند ابن خلدون معرفة القواعد و القوانين والاصطلاحات فى حد ذاتها وإنما المهم المقدرة على استخداماتها و الاستفادة منها علمياً فقد فرق بين صناعة اللغة التي تكون قواعدها وقوانينها واصطلاحاتها وبين ملكة اللغة والشخص الذي يستوعب هذه القواعد والمصطلحات بدون أن يطبقها يكون مثل الشخص الذي يتقن صناعة من الصناعات علمياً ولا يكون له أي دراية بهذه الصناعة عملياً ) .على سبيل الختم: تلكم كانت ملامح من الفكر التربوي لابن خلدون، في ذكرى وفاته الستمائة. حيث أتمنى أن أكون قد أثرت موضوعا للنقاش في ورقتي هذه لعلها تستفز الباحثين إلى مقاربة المسألة التعليمية عند ابن خلدون، من أجل بناء تربوي أصيل.المراجع ابن خلدون، المقدمة، تحقيق درويش الجويدي، المكتبة العصرية، صيدا، لبنان، 1420/2000، ط2.