بسم الله الرحمن الرحيم نظمت جمعية النبراس للثقافة والتنمية والمجلس العلمي المحلي بوجدة بتعاون مع الجماعة الحضرية بوجدة ندوة وطنية في موضوع المجتمع والعلماء، دورة العلامة بنسعيد مهداوي الواشاني رحمه الله. وذلك يومي الجمعة والسبت 09 و10 جمادى الأولى 1431 الموافق 23 و24 أبريل 2010. كانت الجلسة الافتتاحية يوم الجمعة 23 أبريل بقاعة نداء السلام بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة على الساعة الرابعة والنصف مساء، ترأسها الدكتور الحسان حالي. بدأت الجلسة بآيات بينات من الذكر الحكيم. تناول الكلمة مباشرة بعد ذلك السيد نورالدين الموادن عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية الذي تحدث عن مكانة العلم والعلماء في المجتمع الإسلامي، حيث رفع الله سبحانه وتعالى مكانتهم عنده. فالعلماء نخبة خصها الله بقبس من نوره وجعلهم ورثة الأنبياء. كما جعل العلم والمعرفة الدينية فرضا من فرائض الشريعة، وهذه ميزة الإسلام عن غيره من الأديان. ومن هنا يقول الدكتور الموادن استمد العلماء مشروعية وجودهم ومشروعية وظيفتهم، فهم حملة مصابيح الهداية في أوطانهم. وقد ساهموا في صياغة مواقف حاسمة في التاريخ وفي التطور عبر الأزمان. ووعيا منه بمكانة العلماء وفضلهم، حرص ملك البلاد على تعزيز دورهم وعمل على المحافظة على مجالس العلم واستمرارها، وما الدروس الحسنية إلا نموذج من نماذج هذا الحرص. وفي الأخير شكر الدكتور الموادن الحاضرين والعاملين على نجاح الدورة. بعده تناول الكلمة الدكتور محمد المصلح عن المجلس العلمي المحلي، الذي تحدث عن سموّ وشرف وأهمية الرسالة التي يحملها أهل العلم، وقد اكتسبت هذه الصفات لكون حامليها هم ورثة الأنبياء. وتتمثل رسالة العلماء في ترشيد مسيرة المجتمع وتصحيح سلوك الأفراد، والتحذير من عواقب الانحراف والتقصير، إضافة إلى التعليم والتوجيه والإرشاد والتنقية والعلاج والحفاظ على وحدة الكيان، إلا أن ذلك كله يقتضي التواصل مع المجتمع. وقد وعى علماء الأمة كل ذلك وتحملوا مسؤولياتهم وابتكروا من وسائل الاتصال والانخراط في المجتمع ما جعلهم يتبوأون مركز الصدارة ومكانة فاقت مكانة الحكام. ويضيف الدكتور محمد المصلح أن العلماء وصلوا إلى ما وصلوا إليه بأخلاقهم وتجردهم وصدقهم والتزامهم بقضايا المجتمع. وأنهم لم يجهلوا فن التواصل وتقنياته، بل كانوا في عمق المجتمع، يمثلون ضميره وقلبه النابض، خلافا للاتهامات التي وجهت إليهم بالقصور والابتعاد عن المجتمع. ويرى الدكتور محمد المصلح أن أبرز العوامل التي أدت إلى اتهام العلماء بتقليص دورهم؛ هو الاستعمار الذي حاصرهم وحاصر ومعاقلهم وأقصاهم بطريقة متعمدة وممنهجة عن مراكز القرار. بعد ذلك تحدث الدكتور المصلح عن المجلس العلمي المحلي وأنشطته، حيث يشرف على مجموعة من الحلقات الدراسية التي تقام أحيانا ببيوت بعض العلماء، كما ينظم عدة ندوات بمجموعة من المؤسسات، ويشرف على عدة مراكز خاصة بالعلوم الشرعية وعلى الكراسي العلمية في المساجد، ويهتم بشكل خاص بالعلم والعلماء، وفي هذا الإطار يحضر المجلس هذه الندوة مساهما ومشاركا وداعما من الناحية المادية والعلمية. وفي آخر حديثه أثنى الدكتور المصلح على العلامة المرحوم بنسعيد المهداوي. وأكد الدكتور عمر حجيرة ، رئيس الجماعة الحضرية لوجدة، في كلمته على تشجيع الجماعة لكل المبادرات التي من شأنها أن ترفع من قيمة المدينة وقيمة علمائها. فوجدة لا تعرف بعمرانها وآثارها فحسب بل تعرف بعلمائها الذين هم مصدر فخرها. ونظرا لما يعرفه المجتمع من فراغ وتعطش كبير للمعلومة والمعرفة، أصبح حضور العلماء والفقهاء ملحا لسد هذا الفراغ، فهم الذين يضمنون استمرار الأخلاق وكل ما هو نبيل في الحياة، وهم ضامنوا الانتقال السليم وتخليق الحياة العامة ومسايرة التكنولوجيا الحديثة. وقبل أن يختم كلمته أثنى الدكتور عمر حجيرة على العلامة بنسعيد المهداوي، وقال إنه يكفيه فخرا أن من تلامذته مفخرة مدينة وجدة، العلامة مصطفى بن حمزة. وفي الأخير، أكد على انفتاح الجماعة الحضرية على كل جمعيات المجتمع المدني وكل من يعمل على الرفع من شأن الثقافة والعلم والعلماء بالمدينة. أما كلمة جمعية النبراس للثقافة والتنمية، فقد ألقاها الأستاذ مصطفى شعايب، رحب في بدايتها بالعلماء والأساتذة والطلبة، وشكر المشاركين على المساهمة الفعالة، وخص بالذكر المؤسسات التي عملت على إنجاح الدورة خصوصا المجلس العلمي والجماعة الحضرية وكلية الآداب والعلوم الإنسانية. وقال أيضا؛ إن الندوة هي امتداد لندوات أخرى بدأت منذ سنة 1997 واستمرت حتى هذه اللحظة. وفي الأخير ذكر بأهداف الجمعية المتمثلة في معالجة مشاكل المجتمع وتوعية وتأطير المواطنين. مؤكدا أنه لا يمكن التأسيس لفعل ثقافي إذا لم يكن هناك حضور قوي للعلماء. وأشار إلى مشروع الجمعية للسنة المقبلة والذي سيكون حول: (المجتمع والاستهلاك). بعد ذلك، تناول الكلمة الدكتور عبدالحميد أسقال عن اللجنة المنظمة، رحب في بدايتها بالعلماء والمحاضرين والأساتذة والطلبة، وأشار إلى افتخار الجمعية بتنظيم هذه الندوة التي تجمع ثلة من علماء الأمة، هذه الأمة التي أبدعت في ماضيها حضارة وصل صيتها إلى أقاصي الأرض، وكان للعلماء قصب السبق في ترسيخها ونشر ثقافتها. فالعلماء مشاعل تنير طريق الخير وتجنب طريق الشر، وتساهم في بناء الحضارة وقيام صرحها. وعليه فمسؤولية العالم خطيرة ومتصدرة وتقوم على رفع غشاوة الجهل على المجتمع، وهي عملية دعوية معقدة، فالعالم موصول بأمته يحمل في قلبه كل انشغالاتها ويصون هويتها. المحاضرة الافتتاحية لفضيلة العلامة د: مصطفى بن حمزة: رسالة العالم الراهنة قسم الدكتور مصطفى بن حمزة محاضرته إلى محورين، تحدث في المحور الأول عن شيخه العلامة بن سعيد المهداوي الوشاني ومناقبه. فيما خصص المحور الثاني للحديث عن العلماء ورسالتهم. بدأ العلامة محاضرته بالحديث عن مكانة العلم والعلماء في الأمة الإسلامية التي عرفت هذه المكانة وقدرتها، فكتبت عن العلماء وسجلت ذكرهم في العديد من الكتب؛ لأنها أيقنت أن ذلك لا يشرف العالم وحسب، وإنما يشرف المجتمع والبيئة التي شهدت حضورهم وسجلت وجودهم. لذلك، وجب الحديث عن علمائنا الحاضرين والمتأخرين؛ لأن حديثنا عنهم وذكرنا لهم تشريف لنا ولمجتمعنا. ومن العلماء الذين وجب تخليدهم العلامة: بن سعيد المهداوي الواشاني، الذي يجهله الكثير من شباب المنطقة. ومن باب الوفاء ورسم السبيل الذي يجب أن يمضي عليه طلاب العلم، يأتي الحديث عن العلامة بن سعيد بن عبدالرحمن بن محمد مهداوي اليزناسني الخالدي الوشاني. فهو عالم من علماء المنطقة الذين نحتوا طريقهم من صخر. وقد خرج في طلب العلم إلى مدينة فاس عن طريق البحر من الشمال إلى طنجة ومن ثم إلى فاس، لأن الطريق لم تكن سالكة يومئذ وقد ركب من أجل العلم الصعب والدلول. فالعلم حينذاك لم يكن يقبل عليه إلا أصحاب الهمم العالية والعزائم القوية. حقق نسبا علميا مع مدينة فاس بسبب أخذه عن شيوخ القرويين وأخذ تلاميذه عنه. كان رحمه الله يتحدث عن العالم وكأنما كان يعيش معه. وقد أخذ عنه العلم ثلث من العلماء في مقدمتهم العلامة مصطفى بنحمزة في مسجد عقبة بوسط المدينة. كان رحمه الله يعقد جلساته ودروسه في شهر غشت على الساعة الثانية زوالا «وهي فترة عصيبة في المنطقة تتميز بارتفاع درجة الحرارة» وكان لا يأتيها إلا من له همة عالية. تنوعت علومه بين النحو والفقه والبلاغة والمنطق، وكان يدارس طلبته صحيح البخاري والبردة في المولد النبوي. استمر يدرس طلبته وهو في فراشه آخر عمره، وكان عطاؤه في آخر عمره كما كان في شبابه، حيث لم يقع له لا خلط ولا وهم ولا اشتباه رغم فقده بصره، و قد كان يتلو من الأوراد والمحفوظات ما يثير العجب. وكان لا يُرى إلا يقرأ أو يدرس أو يذكر الله تعالى. كان يبدأ الدرس الأول حوالي الساعة السادسة صباحا، ويستمر بقية اليوم بعد أن يجلب الفطور لتلاميذه. كان منهجه يضاهي منهج العلماء، وكان رجلا صالحا تقيا وليس عالما بمعنى من يحفظ العلم. وكان متمسكا بدينه وفكره وأمينا في درسه. هذه مجمل الشهادات التي جاء بها الدكتور مصطفى بن حمزة في حق العلامة بن سعيد المهداوي الوشاني رحمه الله تعالى. بعد ذلك انتقل العلامة مصطفى بن حمزة إلى الحديث عن العلماء الذين يرى فيهم دلالة واضحة على يقظة فكرية كبيرة في هذه المدينة. فالعلماء ضرورة من ضرورات المجتمع؛ لأنهم أهل الخبرة بالإسلام والمجتمع مجتمع مسلم، فبقدر ما يكثر العلماء يكثر اتصال الأمة بدينها. فميزة الشريعة الإسلامية أنها أرادت أن تكون نخبتها من العلماء. والمشروع الذي راهن عليه الإسلام هو مشروع مجتمع العلم والعلماء؛ أي أنه راهن على النخبة العالمة ليأسسها ويكونها ولما تأتى له ذلك كان المجتمع مجتمع علم بامتياز. وقد تحدث عن كتاب: أليس الصبح بقريب لابن عاشور عن أساليب التعليم التي نهجها الرسول صلى الله عليه وسلم لتربية من يخلفه من العلماء. فالأمة لا يخاف عليها من علمائها كما يدعي بعضهم، بل من جهالها، ويمكن استخلاص ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسُئِلوا فأفتوا بغير علم، فضلُّوا وأضلُّوا». فالخطورة المحدقة بالأمة تتمثل في تطاول غير العلماء على العلم. ونتيجة ذلك، نلاحظ ارتفاع العداوة في أوربا ضد الإسلام، حيث إن بعض الدعاة ممن يدعون العلم يفتون بأمور على المنابر تجعل الآخرين يتخوفون من الإسلام ويحاربونه. ويكتسي الحديث عن العلم والعلماء أهميته من كون وجودهم مركزي داخل المجتمع، فالعلم شرف ووسيلة العلماء للوصول إلى معرفة الله تعالى. ولم تكن تعرف البلاد الإسلامية الجهل الذي تعرفه الآن، فحتى البادية كانت عالمة ومأهولة بالعلماء. والإسلام يريد علما ينتشر؛ لأنه قيمة ذاتية ولا يطلب لوظيفة معينة. وما ذكر العلم في القرآن الكريم إلا ذكر مشرفا وفي معرض التنويه والإكبار، وحتى الحيوان لما ذكر موصوفا بالعلم شرف على غيره. إلا أن العلم بدأ يعرف انتكاسة في المجتمع، ومن مظاهر ذلك إعطاء المال للأولياء مقابل ترك أبنائهم في المدرسة. وقد صار العلماء الحاضر الأول في ضبط حركة المجتمع، إلا أن هذا الأمر فهم معكوسا من طرف بعض الأشخاص، حيث ربطوا سقوط الدولة المرابطية بسيطرة الفقهاء عليها. فالعلماء كانوا موجودين في كل زاوية من زوايا المجتمع، في طبقة الحكام وفي السلطة وفي الأسواق، وإذا سجلوا هذا الحضور لم يسجلوه لشخصهم ولكن ليمثلون الدين والمذاهب التي تبنوها. ويستشهد الدكتور بنحمزة على ذلك بقولة للكاتب عبدالله العروي جاء فيها: كان للعلماء مصداقية أخلاقية جعلتهم يصبغوها على كل شيء، وكان الآخرون يستفيدون من تلك المصداقية، حتى جاء الاستعمار وغير المعادلة وأنشأ مدارس لأبناء الأعيان فكون جيلا لا يحترم العلماء ولا يقدر مكانتهم. فالعالم في البادية كان أكثر احتراما وحرمة، وكان هو المثقف العضوي، وكان وراء كل المحاولات للتخلص من الاستعمار. والحركة الإصلاحية في الشرق والغرب لا يمكن أن يدعيها غير العلماء، ففي المغرب كانت حركة إصلاحية مغربية سلفية، وقد كانت حركة علماء وقد تعرضت لاختبار كبير مع إصدار الظهير البربري الذي قامت الأمة ضده بتعبئة ودفع من العلماء. وأثناء مرور الأمة بأزمات وشدائد كانت تقرأ اللطيف وهي طريقة احتجاج ديني. أخيرا تحدث الدكتور عن محاولة إقصاء العلماء، فلما علم الناس أن العلماء ضمان صحبة الأمة للإسلام من غير تشدد ولا تنطع، قالوا إنهم هم المشكلة ولابد من القضاء عليها، لذلك عملوا على تحييدهم باعتماد عدة برامج: 1) البرنامج الأول: تبخيس العلماء وتبخيس علمهم. ونموذج ذلك كتاب الأيام لطه حسين الذي حوى تزييفا للحقيقة واستهزاء بالعلماء وتبخيسهم، لذلك وجب على الأمة ألا تقبل بما يقال عن العلماء؛ لأنهم خاضوا كل علم بجدارة وذلك مفخرة للأمة. 2)البرنامج الثاني: التهجم على مناهج العلماء في الدراسة واتهامها بأنها لا تحتوي على تجديد، وأنها مجرد نقل عمن سبقوهم. وجواب هؤلاء أن ذلك النقل كان ممزوجا بالعقل وكان العلماء متعقلين ولا أدل على ذلك طريقة «الفنقلة». 3) البرنامج الثالث: إجهاض مؤسسات تخريج العلماء، وهي مؤامرة كبيرة انطوت على الأمة الإسلامية. بدأت في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 مع المستشرقين الذين درسوا المجتمع خصوصا في علاقته بالعلماء وعلاقة هؤلاء بالحكام، وتوصلوا إلى إحداث مدارس عصرية تخرج منها أبناء الأعيان بأفكار غريبة أدت إلى زحزحة الأمر. ومن الذين كتبوا في هذا المجال Alfred Bell، الذي كتب عن المساجد في بنوسنوس في الجزائر وانتقل في المغرب من أجل مراقبة الدراسة في القرويين وكيف يمكن تعويقها، إلا أن أحد العلماء فطن لذلك وهو «الحجوي» فوضع مجلسا تحصينيا للقرويين. ومن المستشرقين، الأمريكي «ديل إيكل مان» الذي ألف كتاب« المعرفة والسلطة في المغرب» تتبع فيه طرق التعليم بكلية ابن يوسف وعلاقة العلماء بالمجتمع وبالسلطة، وقال: «توصل الاستعمار إلى أن يجعل الكلية غير قادرة على تكوين وإخراج علماء بمكانة العلماء الذين خرجوا من هذه المؤسسة». فمن خلال هذه البرامج فرض على العالم أن يتنحى جانبا. بعد ذلك انتقل الدكتور مصطفى بن حمزة للحديث عن المطلوب من العلماء: فالعالم الإيجابي في رأيه هو الذي يأخذ مكانه الطبيعي، ويحتل الأماكن التي رسمها له الإسلام، بالعلم على ضبط حركة المجتمع، وحمل وصنع تيار فكري في المجتمع والتصحيح والتقويم والتسديد والتصويب وترسيخ المعرفة وتثبيت العلم الذي أصبح وكأنه عبء على الطالب وليس شرفا له، يحاول نسيانه بمجرد اجتياز الامتحانات. لهذا يجب أن نضع للشباب برامج للدراسة مفصولة عن قضية الامتحانات ونعمل على تركيز المعلومة والمعرفة. كما يجب على العالم أن يكون مثقفا داخل المجتمع ولا يكون له ركن خاص ينزوي إليه، وأن لا يختار العزلة بدعوى فساد المجتمع، فالذي يغيب لن يفيد في شيء. ويجب أن يكون حضوره في جميع المجالات الثقافية والاجتماعية وعلى كل الأصعدة عن وعي ومعرفة وقصد وعن وضع تصور للعمل المستقبلي. وهذا ما كان عليه العلماء المتأخرين الذين أفادوا الأمة، فقد كانوا يعيشون وسط المجتمع، ونماذج ذلك كثيرة كعبدالله كنون والمختار السوسي وشعيب الدكالي والفاضل بن عاشور الذي صنع الوعي الإسلامي للتونسيين. وقد ضرب به المثل في الانخراط في المجتمع ،حيث كانت له مؤسسة تسمى «الجمعية الخلدونية» فتحها في وجه النقابيين الذين انضم إليهم فيما بعد وكان من تلامذته فرحات حشاد. في الخاتمة ذكر الدكتور مصطفى بن حمزة برسالة العالم والمتمثلة في المحافظة على قيم الأمة وثوابتها وعقيدتها وفقهها؛ لأننا نعاني اليوم هجمة خارجية تستهدف المغرب وترسل من يهدمه على مستوى الفقه والإخلال بالأسرة. أما من ناحية التدين، فقد ظهرت صور لا علاقة لها بالعلم الشرعي، وأصبحنا نلاحظ تدينا خرافيا فلكلوريا وانتهازيا، وهذا لا يخدم الإسلام في شيء. بهذا القول ختم الدكتور مصطفى بن حمزة محاضرته ورفعت الجلسة. أشغال اليوم الثاني: السبت 24 أبريل 2010 الجلسة الأولى: افتتحت الجلسة الأولى على الساعة التاسعة وعشرين دقيقة بآيات بينات من الذكر الحكيم. أخذ بعد ذلك الكلمة رئيس الجلسة الدكتور سمير بودينار، الذي تحدث عن الأهمية الأساسية لموضوع الندوة لا بوصف العلماء عنصرا أساسيا لتركيز المعرفة في المجتمع والقيام بتطويرها لصالح فحسب، وإنما بالنظر إلى التحديات التي يواجهها موقعهم على مستوى أدوارهم ووظائفهم ،وعلى مستوى قراء تحديد وإقصاء هذه الأدوار التي كانت دائرة الاتفاق حولها واسمة في الماضي. ويبقى الدور الأساسي للعلماء هو القيام بمهام العلم والمعرفة. وأشار الدكتور إلى حاجة المجتمع لمؤسسات تركز المعرفة في المجتمع وتغذيه، وتجيب على الأسئلة التي يطرحها المواطن باجتهاد متجدد ودائم، وهذه المؤسسات باعتبارها مراكز للبحث والمعرفة كانت موجودة بالفعل من خلال مؤسسة العالم ونشاطات طلبته. وفي الأخير، تحدث عن ريادة العلماء في الحركة النهضوية والإصلاحية والوطنية،وريادتهم في المطالبة بالحقوق وقدرتهم على استشعار الأخطار المحدقة بالأمة بشكل متقدم وتفاعلهم معها. بعد ذلك تناول الكلمة الدكتور لخضر بوعلي عضو المجلس العلمي لمدينة بركان والأستاذ بالجامعة المتعددة الاختصاصات بالناضور في موضوع «حضور العلماء في المجتمع». بدأ الدكتور حديثه بالإشارة إلى أهمية رسالة العلماء ،وضرورة إعادة الاعتبار إليها حتى تتبوأ المكانة التي تليق بها. كما أكد على حق العلماء في أن يحتفى بهم، وحق المجتمع في أن يحتفي بعلمائه؛ لأنهم أعين الأمة التي تبصر بها والتي تسهر حين ينام الناس وتحرس لما يغفل الناس، وهم قلب الأمة الذي ينبض بالحياة ويشعر بهمومها، وفيه تصاغ مشاعرها وهم لسان يعبر بصدق عن ذاتها ورغباتها ومواقفها تجاه كل ما ومن يحيط بها. وهم العقل الذي يفكر في همومها ومشاريعها وكيف يوصل الخير إلى كل الأفراد والمؤسسات وهم الحراس الذين يعرفون المخاطر التي تحدق بها، ويقفون المواقف التي تتعين شرعا فتنتفع الأمة كلها بذلك ويتحملون وحدهم تبعات ذلك. وهنا استشهد الدكتور بقولة للعلامة مصطفى بنحمزة الذي قال: «نحن وقف على مصالح هذه الأمة». ومن هنا يرى الدكتور المحاضر أن فضل العلماء لا يضاهيه فضل، فهم ورثة الأنبياء علما وشرعا، نهجا ومنهجا. والعلم الواجب في العلماء علمان: علم بواقع المجتمع وعلم بحكم الله الواجب فيه. أما عملهم فيكون بمقتضى العلمين. أما العلم فهو ما أوصل إلى قصد الشارع من شرعه. ورأس العلم الخشية وهي ألا يلتفت أهلها إلى أهواء أنفسهم أو أهواء الأمة. ومن صفات العلماء الاستقلال الذي يقتضي تجريد النية لله تعالى ولا يقدم على رضا الله رضا النفس أو رضا المخلوق، وهو مع ذلك غير مستغن عن الاتصال بالناس والحكام. ولغياب العلماء عن مواقعهم آثار سلبية كثيرة. وتظهر أهميتهم من خلال شدة حاجة المجتمع إليه، حيث لا أحد يستطيع سد الثغور التي يقفون عليها غيرهم. لهذا عليهم أن يكونوا في المجتمع قبل الفتنة وأثناءها وبعدها. بعد ذلك أعطى الدكتور لخضر بوعلي نماذج من مواقف العلماء تعكس ما سبقت الإشارة إليه وهي نماذج كثيرة لا يمكن حصرها نتيجة تعدد المواقع والمجالات (القضاء، الفتوى، الخطابة، الوعظ، التعليم، الشورى)، وهي مواقف إما فردية أو جماعية، مع الناس أو مع الحكام، في الماضي أو في الحاضر. إلا أنه اكتفى بذكر نموذجين اثنين: أولهما قصة الشيخ أبو زهرة الذي دعي إلى ندوة مع كبار العلماء والسياسيين، إلا أن رئيس تلك الدولة أرادهم أن يؤيدوا موقفه الداعي إلى تبني الاشتراكية باعتبارها المذهب الإسلامي، وطلب منهم أن يدافعوا عن هذا الرأي. إلا أن الشيخ أبو زهرة تقدم وقال: «نحن علماء الإسلام وفقهاؤه وقد جئنا إلى هذه الندوة لنقول كلمة الإسلام كما نراها لا كما يراها السياسيون، ومن واجب رجال السياسة أن يستمعوا للعلماء وأن يعرفوا أنهم متخصصون، فاهمون، لا تخدعهم الفوارق المتغيرة، وقد درسوا الاشتراكية وعلموا أن الإسلام أعلى قدرا وأسمى اتجاها من أن ينحصر في نطاقها وسيصدر المجتمعون رأيهم كما يعتقدون لا كما يريد رجال السياسة، فهم أولوا الأمر في هذا المجال» ثم توجه بعد ذلك العلماء الحاضرين وقال: «أفيكم من يخالف؟». أما النموذج الثاني فهي قصة الإمام أحمد بن حنبل مع الخليفة المأمون في قضية خلق القرآن، حيث أراد الخليفة أن يجبره على القول بخلق القرآن واستعمل في ذلك الترغيب والترهيب، إلا أن الإمام ثبت على رأيه وصبر على الأذى والجلد والسجن.. واستخلص الإمام من هذه القصة مجموعة من الدروس نلخصها كما يلي: الدرس I: في قلب الفتنة يجد الإنسان عناصر التثبيت وعناصر التثبيط الدرس II: دعوة المظلوم وقربها من الاستجابة الدرس III: قد يميل الحاكم عن الحق ولكن المجتمع يرقب العالم فإن ثبت العالم ثبت المجتمع وإن فتن العالم كان للناس فتنة. الدرس IV: لماذا تحمل الإمام أحمد كل ما تحمله رغم أن الأمر فيه خلاف؟ وجواب ذلك أن الخلاف ليس معتبرا (ولم يقل بهذا إلا المعتزلة). ولأن الإمام أحمد أدرك حقيقة الموضوع وما ينتج عنه . أما من ناحية الموضوع، فالقرآن كلام الله وهو من علمه ولا يجوز أن يكون علمه حديثا. وهو متعلق بالذات الإلهية المقدسة فلا يصح أن ينسب على الحدوث؛ لأن في ذلك خطر على تصور المسلمين لخالقهم، وبالتالي على عقيدتهم. أما من ناحية ما ينتج عنه من تبعات فإن القول بخلق القرآن يؤدي إلى القول بتاريخيته، وهذا يؤدي بدوره إلى القول بأن رسالة القرآن تنحصر في زمانها ومكانها التي نزلت فيه. بينما القول بقدم القرآن يؤدي إلى القول بأن القرآن كان قبل الزمان والمكان والإنسان، وهو بذلك صالح منذ نزوله لكل زمان ومكان وإنسان. كلمة العالم رمضان يحياوي: عضوالمجلس العلمي تحدث العلامة رمضان يحياوي في الورقة التي قدمها عن مكانة العلماء في المجتمع والمسؤولية الملقاة على عاتقهم،و دورهم المأمول في المرحلة التي تمر بها الأمة، فالدور المطلوب من الجماهير لدعمهم وشد أزرهم. وقبل التفصيل في هذه المواضيع قدم لها العلامة بالحديث عن العلم في الإسلام. فالعلم في رأيه أساس الحضارة ،ومصدر أمجاد الأمة وعنوان سموها وتفوقها ورائدها إلى السعادة الأبدية وشرف الدارين. وهو الوسيلة الأولى لإحداث تقدم لأي مجتمع. ودعوة القرآن للقراءة ما هي إلا دعوة إلى العلم والحق واليقين، وهذا يعني أن الإسلام حض على العلم، بل أكثر من ذلك ،اعتبر النظر فريضة ،والعلم عبادة، والمعرفة الجيدة أسبق عند الله من العمل المضطرب ومن العبادة الجافة المستوية بالجهل والقصور والتقليد الأعمى. فالعلم في القرآن الكريم لا يقتصر على العلوم الشرعية فحسب، بل يشمل كل العلوم التي تحتاجها الأمة في الرقي والرخاء. والقرآن طالب بطلب العلم للوصول إلى الحقيقة، وحتى يتحقق ذلك لابد من احترام بعض الأصول والحوافظ وهي: - اعتماد الصحة والبرهان - الأخذ باليقين لا بالظن (الاعتماد على العلم اليقيني) - النهي عن التقليد - الدعوة إلى الأخذ بالأحسن، أي عدم التقيد بوجهة نظر واحدة والانقياد وراء الحكام بل الأخذ بأحسن الآراء. فالإسلام إذن، يخص العلم الشرعي بمنزلة متميزة لأنه يقدم الدين ويقود الحياة ويهيأ للآخرة، لذلك كان للعلماء منزلة خاصة في المجتمع. منزلة اكتسبوها لما يقومون به من إصلاح لأحوال الناس وإحياء لمن ماتت قلوبهم وتفتيح من أصابهم العمى. ويكفي في بيان شرفهم وأهمية دورهم ما وصفهم الله به في القرآن الكريم، من رفعة وخشية والرجوع إليهم. وما وصفهم به الرسول (صلى الله عليه وسلم) من أنهم ورثة الأنبياء حيث يرثون الأنبياء علما وعملا، ويلتزمون السير على نهجهم في كل الحالات والظروف والأزمنة ولا يكونون كمن يقفون على الحافة أو من سرقهم زخرف الحياة الدنيا. والعلم مصدر تشريف العلماء علمان: علم بواقع الأمة، وعلم بحكم الله في ذلك الواقع. فالعلماء إذن، هم صفوة النخبة وفي ذلك تشريف وتكليف، ومن هنا تأتي المسؤولية الملقاة على عاتقهم. فالمطلوب منهم أن يتقدموا ولا ينتظروا وقوع الأحداث لينزلوا إلى المجتمع لمعالجة الأمر؛ لأن مهمة العالم بناء المجتمع وإعداده لما ينزل من النوازل. فيجب عليهم أن يتولوا زمام المبادرة بأنفسهم ويكونوا قريبين من الناس قبل الفتنة وأثناءها وبعدها؛ لأنهم متى تأخروا تقدم غيرهم لسد الفراغ، وهذا للأسف ما نلاحظه في واقعنا. كما يجب على العلماء أن يتولوا قيادة الناس؛ لأنهم إن لم يجدوا العلماء اتخذوا رؤوسا جهالا لقيادتهم، ويجب عليهم فهم الشريعة وتفهيمها وتحصينها من جهل الجاهلين وعدوان الظالمين. فهم الجامعون للشمل، وهم كالشمس للدنيا وكالعافية للناس. ولا تنحصر مهمتهم في حكاية القديم وإنما الاستفادة منه في تأصيل الجديد، والتزويج بين معرفة الدين وأصوله والواقع بمستحدثاته الثقافية حتى يتمكنوا من مخاطبة الدين مخاطبة قيمية. وهم المجددون في المجال الاجتماعي، ينظرون لقضايا الناس بعين بصيرة فاحصة ويتصدون لمشكلات المجتمع وقضاياه ويسعون إلى حلها. والعالم في المجال الاجتماعي يركز على أمرين: أولهما إحياء الانباء بتجذير العقيدة في أوساط المجتمع، والثاني تحريك المجتمع نحو قضاياه الملحة. لهذا كله وجب على العلماء أن يأخذوا مكانهم ويؤدون الدور المأمول المنوط بهم والمتمثل في: 1) ترسيخ مبدأ الاعتدال ونهج الوسطية 2) تقوية دورهم في الانتصار لقضايا الأمة الأساسية والأخذ بيد الجماهير 3) النزول إلى واقع الأمة والانتصار لمطالبها المشروعة في الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. 4) التوحد من أجل إقامة نهضة علمية وثقافية تحيى موات الأمة وتبعد الفقر الفكري. 5) العمل من أجل مواجهة الصراعات ذات البعد الطائفي والمذهبي والعرقي لأنه منفذ الأعداء. ولكن بالموازاة مع ما يطلب من العلماء فعلى الجماهير أن تقوم بدورها كذلك، والمتمثل في إعادة الاعتبار للعلماء العاملين والالتفاف حولهم ، وتجنب العلماء المزيفين وعلماء السوء الذين يتخذون من الفتوى مصدر رزق. وأخيرا الانضمام إلى مهمة العلماء لإقامة الدفاعات الفكرية والتحصين العقدي والثقافي. كلمة الدكتور محمد الروكي، وألقاها بالنيابة الدكتور محمد المصلح تمحورت هذه الورقة حول موضوع العلماء وتحديات الواقع المعاصر، واستعرض فيها المحاضر أهم التحديات التي تواجه العلماء في هذا العصر والمتمثلة في: 1) مستجدات أمور المال والاقتصاد والشؤون السياسية والتربوية وغيرها. 2) التيارات المناهضة التي لا تؤمن برسالة العلماء وبضرورة الاقتداء بهم، وهم غالبا أناس تعلموا في مدارس غربية. 3) ضعف أداء مؤسسة العلماء 4) ضعف الصلة بين المجتمع والعلماء 5) تمييع الاجتهاد بتوسيع بابه الذي أصبح يتجاوز الاجتهاد الفقهي، فكثر الخلط بين الاجتهاد والتجديد والابتكار. 6) انفلات زمام الفتوى فتجرأ من ليس له الحق في الإفتاء وأصبح يفتى العاقل والجاهل وكثرت الفتوى فكثرت البلوى. 7) انخراط من ليس بعالم في مؤسسة العلماء واستهانة الناس بها حتى أصبح يتكلم باسمها من ليس من أهلها. 8) توسيع نطاق الاختلاف وتعدد الأقوال الباطلة والفاسدة واستوائها بما هو مؤصل 9) تهميش العلماء وإقصاؤهم من مواطن القرار. 10) تدجين العلماء حيث أصبح ذووا النفوذ يتحكمون في عدد منهم ويصرفونهم كما يشاؤون. ومن أجل مواجهة كل هذه التحديات يقترح الدكتور الروكي 10 أمور 1. ضرورة إحياء مؤسسة العلماء 2. استعادة رسالة العلماء للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 3. تجديد الصلة بالمجتمع 4. استرجاع مكانة العلماء بنبذ التدجين وإعطاء القدوة 5. استعادة مكانة التكوين الشرعي بأخذ العلم والشرع من أفواه العلماء، وإحياء المنهج الإسلامي في التكوني (منهج شمولي ترتبط فيه العلوم) 6. العمل الفقهي الجماعي، حيث يلزم التدبير والتنسيق الجماعي عن طريق مؤسسة العلماء. 7. الاستفادة من الثروة الفقهية التي خلفها السلف 8. مواجهة الأعمال الدخيلة 9. اعتماد فقه الواقع 10. الاستفادة من التقنيات الحديثة،كالثورة الإلكترونية والتقنيات المعاصرة للتواصل. وفي الأخير، دعا العلماء لأن يصحوا ويواجهوا كل هذه التحديات. بعد ذلك فتحت باب المناقشة وطرح بعض الحاضرين مجموعة من الأسئلة، أجاب عنها السادة العلماء بإسهاب. الجلسة الثانية بدأت أشغال الجلسة الثانية التي ترأسها الأستاذ رضوان بنشقرون على الساعة الرابعة والنصف بآيات بينات من الذكر الحكيم. بعد ذلك مباشرة تناول الكلمة الدكتور زيد أبو شعراء في موضوع العلماء والفاعلية الاجتماعية». أكد الدكتور أبوشعراء أن فاعلية العلماء في المجتمع إنما تعبر عن فاعلية الدين فيه، لكن الدين لا يعمل وحده، بل بعلمائه ،كالسيف لا يعمل إلا في يدي بطل. وبما أن الأصل في العلم هو العودة بالنفع على حامله والمحمول إليه. والأصل في العلماء أنهم للناس وليس لأنفسهم، فإنه لا يمكن تصور علم شرعي دون تصور مردوديته وأثره على الناس، فشمولية تأثير العالم في المحيط آتية من شمولية تأثير الدين في المحيط. وقد كان لعلماء الأمة الأوائل ومنهم الخلفاء الراشدون والصحابة أثر كبير وفاعلية في مجتمعهم، ومرد ذلك إلى خضوعهم لمنهج الرسول الكريم في التعليم، فقد بدأ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بتزكية الأنفس وتنميتها وتنمية الشخصية المسلمة، فكانت تزكية النفس سابقة للتعليم ولم تكن منفصلة عن العلم، بل كانا قرناء. والتعليم هنا بمعنى تعليم الكتاب والحكمة (قال العلماء: الحكمة هي السنة وهي وضع الأشياء في موضعها بمعنى كيف ينزلون الكتاب في واقعهم ويطبقونه بواسطة السنة)، وبعد ذلك كان يأتي التدريب بأن فوض إليهم(صلى الله عليه وسلم) مجموعة من الأمور كالقضاء والدعوة والاستشارة والتعليم والتزكية، حتى يصحح أخطاءهم ويقوم اعوجاجهم. فالخلفاء الراشدون كانوا علماء، وأفقه أمة محمد بعد محمد، لذلك كانت فاعليتهم أكبر فاعلية للعلماء في تاريخ الإسلام؛ لأنهم كانوا علماء وقادة، حيث من موقف القيادة يكون لهم مصادر معلومات قوية وصحيحة تمكنهم من أن ينزلوا الحكم في موضعه ويطبقوا الحكمة التي تعلموها من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) . وجاء بعدهم خلفاء آخرون كانوا بدورهم علماء مثل عمر بن عبدالعزيز ومحمد الفقيه في غرناطة ومحمد بن عبدالله العلوي... وكلهم جددوا من موقعهم كعلماء. وبعد هؤلاء جاء علماء ولكنهم لم يكونوا خلفاء أو قادة، وكانوا بين قضاة ومفتين ودعاة، إلا أن فاعليتهم تقلصت إلى حدكبير وانحصرت في تعليم الناس بعض المتون. وتعود أسباب تقلص فاعلية العلماء إلى أمرين أساسيين: تفكك القيادة وتفكك التكوين العلمي. 1) تفكك القيادة: ويقصد به انفصال القيادة الفكرية عن القيادة السياسية، حيث لم يصبح كل عالم حاكم ولا كل حاكم عالم، مما أدى إلى تدهور وضعف درجة الفاعلية، فانفصال العلم عن القيادة أدى إلى انفصاله التدريجي عن الواقع، وانفصال القيادة عن العلم أدى إلى تدهور تدريجي في التدبير العام للدين. 2) تفكك التكوين: وقد أخذ هذا التفكك سبعة أوجه أو مظاهر نوجزها كالتالي: أ.انفصال الحفظ عن الفهم: من يحفظ ليس بالضرورة فقيها والعكس. ب.انفصال الحفظ عن التجويد: حفظ الناس للقرآن بلا قواعد ولا تجويد أدى إلى ضعف فاعليته في النفوس. ج.انفصال العلم عن العمل: «لم يعد الناس يفرقون بين حفظ حروف القرآن وحفظ حدود القرآن» كما قال ابن مسعود. د.انفصال العلم عن الدعوة: انفصال بين فقه العلم والإنذار (أي إنذار الأمة). ه.انفصال العلم عن التزكية: فأصبح الذي يبحث عن العلم يذهب إلى المسجد ومن يريد التزكية يذهب إلى الزوايا. و.انفصال الاهتمام بالقرآن عن الاهتمام بالسنة. ز.انفصال علم الخلف عن علم السلف: أصبح العلماء المتأخرين لا يرجعون إلى العلماء الأولين بل إلى من قبلهم مباشرة. ح.فصل العلم عن الاستدلال بالقرآن والسنة: فأصبح الاستشهاد بأقوال العلماء بدل الاستشهاد بآيات الله وحديث رسوله (صلى الله عليه وسلم). عند هذه النقطة توقف الدكتور زيد أبو شعراء ولم يسعفه الوقت في الحديث عن آثار التفكك العلمي على الفاعلية وحق العالم على المجتمع وكيف يمكن للاعالم أن يكون فاعلا في المجتمع بمساعدة المجتمع. بعد ذلك أخذ الكلمة الدكتور عبدالقادر بطار ليتحدث عن سيرة عالم عمل بما علم وهو المرحوم العلامة بنسعيد مهداوي الواشاني». وقد جاء في معرض حديث الدكتور بطار عن هذا العلامة أنه لم يتأثر بما كان يجري في الشرق وما كان ينتشر فيه من مذاهب، وأنه كان يعرف التصوف السني والأشعرية والمالكية. ولد المرحوم سنة 1872 للميلاد وتوفي سنة 1986. حفظ القرآن بقبائل بني يزناسن،ورحل إلى الجزائر ليصفيه على يد أحد شيوخه «الطيب زرعة». تعلم العلوم الشرعية بوجدة وانتقل إلى القرويين انطلاقا من الناضور عبر طنجة ثم فاس. كان يحن إلى الذهاب إلى تونس لتأثره برسالة أبو زيد القيرواني. تعلم في القرويين على الشيخ بلخياط والشيخ عبدالعزيز البناني، وقضى هناك 4 سنوات رجع إلى وجدة بناء على طلب شيخه الطيب زرعة الذي زوجه ابنته الزهرة خرج تلاميذ كثيرين على يديهم أبرزهم العلامة مصطفى بن حمزة. عقيدته: كان أشعري العقيدة باعتبارها عقيدة أهل السنة والجماعة. منهجه: كان مالكي المذهب لا يعرف مذاهب أخرى وكان يدرس المذهب المالكي من خلال المتون المنتشرة آنذاك. لم يكن يجيب عن الكثير من القضايا التي كان يسأل عليها، خصوصا مسألة الطلاق موقفه من التصوف: يعترف بالتصور السني من خلال متن ابن عشير لاحظ انحرافات عن بعض الطرق وكان يسخر من بعضهم كان ملتزما بالكتاب والسنة وحريصا على التربية كان يقدر حفظة القرآن ويدعوهم إلى بيته ويكرمهم منهجيته في التدريس: كان يشرح المتن بعبارات مختلفة ويعيد الشرح بإعطاء أمثلة من الواقع. كان درسه مختصرا لا يتجاوز نصف ساعة كراماته: كانت له عدة كرامات،الا انه كان يخفيها، وكان يهتم بالأعشاب الطبية وكان يعالج بعض الأمراض المستعصية كالبرص. كان محبا للغة العربية لا يحب من يلحن أمامه. طريقة عيشه: كان لا يأكل كثيرا ويحذر طلبته من كثرة الأكل. هذه نبذة قصيرة عن بعض جوانب حياة العلامة بن سعيد مهداوي وشاني كما أوردها أحد تلاميذته المتأخرين الدكتور عبدالقادر بطار. بعد ذلك فتح المجال للمناقشة تلتها شهادات بعض من عايشوا العلامة المرحوم. عن جمعية النبراس للثقافة و التنمية بوجدة. كتب التقرير الأستاذ نورالدين أشرقي ماستر التواصل والتنمية