هذه كانت دائما طريقة عمل ايهود باراك. ملتوية، محكمة وسرية. من دون ان يترك بصماته ومع نهاية متدنية البروز او حتى من دون توقيع بالمرة. وحدة هيئة اركان خاصة من شخص واحد. هو موهوب وهناك من يعتقدون جازمين انه الاكثر مهارة ولكن بطريقة ما وفي وقت ما يتضح دائما ان كل هذه القدرات تهدر وتضيع على المناورات التي لا يوجد لها داع. لأن الاقزام الذين يحيطون بباراك يزعجونه دائما في آخر المطاف. على الدوام سيبرز حجرة عثرة صغير او يقوم احد ما بالتسريب باللحظة غير الصحيحة فيتحول كل المبنى الفاخر الذي ابتدعه باراك واقامه في خياله وخططه الضخمة الى انقاض. مثل اسرائيل 2001. عندما يتعلق الامر بمصالح الدولة الامنية ليس هناك اكثر من ايهود باراك حزماً. كل من سمعه يتحدث عن المسألة اعجب به. شخصية امنية شديدة المراس. عندما يرغب الامريكيون بإزالة حاجز عسكري في يهودا والسامرة مائتي متر شمالاً يتصببون عرقاً امام باراك لمدة شهرين. الفلسطينيون يكافحون والاوروبيون يأتون ويخرجون والجنرالات الامريكيون يضربون على الطاولة وكونداليزا تأخذ في إثارة الضجة، ولكن باراك يقوم بالتحقق من كل حاجز من خلال المجهر مركزاً اهتمامه على امن مواطني اسرائيل. باراك اغرق بحمام بارد من الامريكيين في زيارته الاخيرة لواشنطن لاسباب منها كل الوعود بإدخال تسهيلات على حياة الفلسطينيين والتي لم ينفذها. وها هو ويا للعجب مشاركٌ ضالعٌ في صفقة اشكالية عملاقة قد تمس بالمصالح الامنية الحساسة التي لا يوجد لها مثيل في دولة اسرائيل. باراك يظهر كوسيط من اجل اوراسكوم شركة اتصالات مصرية عملاقة ارادت ان تزيد من قسطها في رأسمال شركة هتشيسون التي تمتلك 51 بالمائة من الشريكه الإسرائيلية. تفاني باراك في عمل الوساطة هذا كان مذهلاً. هو لاحق اولمرت وضغط على ارئيل اتيس أصر وعاند وارسل الرسائل ولم يتنازل. هو حاول ايضا عقد مقابلة مع رئيس الشاباك يوفال ديسكن، ولكن ديسكن لم يوافق على مقابلته لأنه عرف ما الذي يريده واعتقد ان هذا الامر غير مناسب. في آخر المطاف ارسل ديسكن لباراك القرار النهائي من خلال محادثة هاتفية. ديسكن قال له ان الصفقة غير مقبولة. رئيس جهاز الامن العام رفض اعطاء ايهود باراك رئيس الوزراء الاسبق ورئيس هيئة الاركان الاسبق الاسباب التي دفعت جهاز الدفاع الى رفض الصفقة. ديسكن رد على باراك بأن المسألة حساسة جداً لرجل اعمال خاص وانه سيحول المادة الى رئيس الوزراء والى وزيري الدفاع والاتصالات. هذه كلمات تعبر عن عما يفكر به ديسكن حول باراك في هذه المسألة. بالمناسبة، باراك لم يكن الوحيد الذي توسط في قضية اوراسكوم. هل تذكرون محمد رشيد؟ مستشار ياسر عرفات الاقتصادي السابق الذي كان يدير اموال عرفات في اوروبا مع يوسي غينوسار وجنى ارباحاً شخصية هائلة عبر السنين. اليوم لدى محمد رشيد شراكة في مشاريع نجيب سويرس الملياردير المصري وصاحب شركة اوراسكوم. رشيد ايضا تدخل لدى مسؤولين اسرائيليين كبار في قضية صفقة اوراسكوم. كان هناك من سمع محمد رشيد يوصي بتوظيف باراك كوسيط في هذه القضية. يتبين ان محمد رشيد ما زال يدس اصابعه في الوعاء الاسرائيلي. بالمناسبة، محمد رشيد ارتبط مع ايهود باراك في كل ما يتعلق في صفقة الغاز الفلسطينية. التحقيق الذي نشر في هذه الصفحات طرح اسئلة صعبة حول الدوافع التي دفعت ايهود باراك رئيس الوزراء حينئذ ووزير الدفاع بالموافقة على قيام الفلسطينيين بالتنقيب عن الغاز رغم معارضة جهاز الدفاع وجهاز الحكومة الاسرائيلي كله لذلك. باراك تجاهل الجميع ووافق لعرفات على التنقيب متجاهلاً الشركة الإسرائيلية "يم تاتيس" ولم يترك من وراءه اثراً على اية وثيقة كانت. بعد حين اتضح ان لمحمد رشيد ويوسي غينوسار صلة قوية بحقل الغاز المذكور هذا الحقل الذي اتيح التنقيب عنه بفضل قرار واحد خلافي من وزير الدفاع.دوافع انسانية اذن ما هي مصلحة باراك في هذه الوساطة من اجل اوراسكوم؟ بكل بساطة او في الواقع ليست بكل بساطة هناك ما يقال. تعرفوا على ريتشارد (ريك) غيرسون الامريكي اليهودي الدافئ صاحب صندوق بلوردج. ولتتعرفوا ايضا على نجيب سويرس الملياردير المصري صاحب شركة اوراسكوم العملاقة التي حاولت السيطرة على الشريك. هذان الشخصان غيرسون وسويرس يمتلكان علاقات تجارية مشتركة. غيرسون في ادارة سويرس الذي يستثمر من ناحيته في بلوردج ويعتبر احد اصحابها وبالمناسبة هما شخصان مثيران للاعجاب. غيرسون يعبتر من قبل كل معارفه شخصاً ممتازاً محباً لاسرائيل وصهيونياً متشدداً. سويرس هو رجل اعمال ذو شهرة عالمية. غيرسون يتبرع لحملة باراك بعشرات الاف الشواقل. وشقيقه مارك ايضا يتبرع. غيرسون يقوم بتجميد باراك ك "مستشار خاص" لبلوردج. اجره الشهري كبير. غيرسون يعرف على باراك على سويرس صاحب شركة اوراسكوم الذي هو ايضا شريك في بلوردج التي تدفع اجراً لباراك. وهكذا عندما يحاول سويرس زيادة نصيبه في هتشيسون بطريقة تحول نسبة الشركة المصرية اكثر من 10 بالمائة، الامر الذي يستوجب مصادقة الجهات الامنية في اسرائيل، يظهر باراك كوسيط فعال وعنيد من وراء هذه الخطوة. وبعد كل ذلك يحاول ان يوضح في رده التفصيلي لمعاريف ان باراك تعرف على سيد سويرس عندما كان مواطناً عادياً على خلفية طلب سويرس منه مساعدته في تلقي علاج طبي لبناته اللواتي يعانين من مرض نادر في اسرائيل. باختصار باراك يحاول اقناعنا في الواقع انه زاهد ورجل صالح. فجأة هو يهب لمساعدة طفلتين مصريتين مريضتين وإثر ذلك يتحول الى وسيط لوالدهن الملياردير في مساعيه التي ستحوله في آخر المطاف الى مسيطر على شركة اتصالات اسرائيلية. هو لا يفعل ذلك كمواطن عادي وانما عندما كان قد اعلن عن انه سيخوض معركة سياسية وجند الاموال للانتخابات التمهيدية واختطف الميكروفونات من موشيه شاحل وتملص من المنافسة الاولى ضد عمير بيرتس في اللحظة الاخيرة فقط. باراك كان في عام 2006 سياسياً ووسيطاً تجاريا في آن واحد. وبعد كل ذلك تجد زوجته هي الاخرى جرأة ان لم نقل وقاحة مذهلة وتقيم شركة وساطة اسرائيلية محلية – تاولس التي تدار من الشقة الفاخرة في اكيروف وتعتبر نفسها شركة مختصة بانتاج العلاقات مع "مجموعة 800 – 900 الذين هم صناع القرار في دولة اسرائيل". نيلي باراك – برئيل تعرف التسعمائة شخص هؤلاء! من اين؟. ربما تعرف 90 من ال 900 ولكنهم في اسفل القائمة. برئيل امرأة لطيفة بصورة خاصة وكانت ذات مرة في وقت بعيد مختصة في العلاقات العامة من الدرجتين الثانية او الثالثة. هي تعرف قادة الاجهزة الامنية والجهاز السياسي وكبار الصحفيين من خلال باراك. بالمناسبة بعض كبار الصحفيين موجودين ايضا في الصالون في ابراج اكيروف بصورة دائمة تقريبا. من المثير ان نعرف ان كانوا يحصلون على المال مقابل العلاقات معهم.ضغط من اجل الصفقة هناك في هذه القضية حنجرة عميقة. هي لا تتحدث مع الصحفيين ولكنه اجل يتحدث. احدٌ ما يعرف الحكاية يعتبر العلاقات بين "الحنجرة العميقة" وبين ايهود باراك ك "نوع من الصديق المتبرع والمستشار التجاري الذي يقوم بنسج العلاقات". هذا الشخص يتابع باراك عن كثب منذ فترة طويلة ويعرف كل تحركاته معرفة شخصية قريبة. اليكم ما يقوله في الايام الاخيرة: "باراك حصل على المال من بلوردج بصورة ثابته ولكنه ليس مالاً كبيراً. لدي اساس للافتراض ان باراك يريد المال والكثير منه. حسب اعتقادي هو متشوق لذلك هو يريد مالاً كثيراً وحقيقياً". على حد قول المصدر "باراك تواجد في كل اللقاءات مع الزبائن المحتملين لشركة تاولس. هو قال اموراً يفهم منها الان فصاعدا ان الوسيلة لمساعدته تمر عبر تاولس". على سؤال اي نوع من الدفعات يمكن لباراك ان يحصل عليه مقابل الوساطة في صفقة بيع شريك يقول الشخص: "هو ضغط بقوة شديدة من اجل هذه الصفقة. غيرسون عرفه على نجيب سويرس، وسويرس اراد هتشيسون، وبصورة غير مباشرة نسبة كبيرة واكثر اهمية في الشراكة وغيرسون تبرع لباراك وباراك حصل على المال من بلوردج.تماما مثلما في عام 1999 اذن ان كانت قضية بيع شريك تذكر بصفقة الغاز الفلسطيني، فإن اقامة شركة تاولس يجب ان تذكر بجمعيات باراك في 99. نمط العمل لا يتغير. في حينه استبق باراك الاحداث وفي رسالة للمستشار القضائي للحكومة اباح الامر غير السليم مسبقا في حكاية "لاكونا"، واليوم يحاول القيام بخطوة مشابهة واعلام مراقب الدولة مسبقاً عن اقامة تاولس حتى يقول بعد ذلك انه ارسل تقريراً بالامر. المراقب بالمناسبة سكب بالامس مياه باردة على هذا "التقرير" الذي يدعى باراك انه ارسله. باراك طبعا ينفي جوهر الامور "ريك غيرسون لم يكن في اية مرحلة زبون لتاولس". هو محق فيما يقوله العقل بين تاولس وغيرسون كان معداً ولكن غيرسون قرر عدم التوقيع عليه في اللحظة الاخيرة. هو حصل على توصية مهنية حازمة من تلك "الحنجرة العميقة" بأن هذه قضية لا تخلو من الاشكالية. اما رد باراك في قضية سويرس فقد طرحناه سالفا. "دولة اسرائيل"، قال مصدر امني في هذا الاسبوع "لا تستطيع ان تسمح لنفسها بترف ان لا يكون باراك مع تجربته المتراكمة وقدراته الامنية في الصف الاول من صناع القرار في السنة القادمة". هذه مقولة يمكن التجادل معها. ليس هناك اي شيء من الامور التي قام بها باراك منذ ان تسرح من الجيش قد انتهى بصورة جيده. كل ما فعله انتهى بالبكاء والدم والنار والمقربين المذهولين والمؤيدين الذين خابت آمالهم في دولة تشتعل نارا. مرة تلو الاخرى يبرهن باراك على انه لم يتعلم شيئاً. وانه لا ينوي التعلم وليس هناك من يتعلم منه. هو كما نذكر عبقري محاط بالاقزام الذين يتوجب بهم ان يخدموه لفترة محدودة ومن ثم ينصرفوا حتى المرة القادمة هذا هو باراك. التجسيد المدهش الذي حصلنا عليه من ذلك، جاءنا في الاسبوع الاخير، اولاً، الفصل المذهل من مذكرات مارتن انديك الذي يبرهن عن مدى لا مبالاة واهمال باراك وجبنه في اتصالاته مع سوريا من اجل السلام. في الاسبوع الماضي رد باراك في مقالة بقلمه على انديك. أحقاً؟ كان من الافضل لو انه لم يرد. رده كان مثيراً للغضب اكثر من الفصل الاصلي. ظهر من رده في الواقع ان الامر الاساسي الذي منعه من استنفاد المفاوضات مع السوريين في المرحلة الحاسمة كان ان احداً ما قد حدثه في الطائرة ان اعضاء الوفدين يجلسون معاً في المقاهي مع الصحفيين ويسربون. هذه بلا شك نوعاً من المشكلة النفسية. هو فر من شبردستاون بسبب التسريبات! اين هي القيادة؟ اين الرؤيا؟ من الذي يهتم بمثل هذه التسريبات في هذه الاوضاع؟ حتى اوري سغيه الذي يستخدمه باراك اليوم ايضا كمستشار خاص للشؤون السورية قال عبر التلفاز انه لم يكن ليستطيع الاختلاف مع مقاله انديك. احدٌ ما من مقربي قال بأسى قبل مدة انهم يحنون لباراك القديم. هذه مناسبة للاعتذار امام القراء الان الذين قرأوا عن باراك الجديد في عام 2007 وانه فهم اخطاؤه واستخلص العبر من اخفاقاته وادرك ان عليه ان يركز على الامن ويترك كل ما تبقى لمن يفهمون فيه. كل هذه الامور لم تحدث بالمره. سياسياً بقي باراك نفس الرجل المتعثر الذي يفتقد للذكاء للعاطفي والذي قدم في الاسبوع الاخير خدمة هائلة لتسيبي ليفني في انقضاضه عليها فزاد من مكانتها اكثر فأكثر. عموماً هذا لم يكن اسبوعا سيئا لليفني التي تواصل التفوق في كاديما. في الاسبوع القادم ستعلن داليا ايتسك رسمياً عن المرشح الذي ستؤيده. قرار صحيح ايتسك تتبوأ منصباً رسميا وهو رئاسة الكنيست وقائمة باعمال الرئيس وبإمكانها ان تجد نفسها مسؤولة عن اختيار الشخص الذي ستكلفه بتشكيل الحكومة الجديدة. هي ممزقة بين موفاز وليفني (رغم انها اقرب الى ليفني). القرار المثير والاصيل في الاسبوع الماضي كان اعلان الوزير يعقوب ادري عن تأييده لمئير شطريت. المرشح المنسي الذي يمتلك تجربة ورصيداً اكثر من الاخرين كلهم يظهر علامات الحياة. المنافسة في كاديما لم تنتهي بعد وستستمر على ما يبدو حتى الدقيقة التسعين.