استطلاع للرأي العام أجرته «واشنطن بوست» في الأيام الأخيرة من هذا العام أظهر أن أغلبية المستطلعة آراؤهم لا تثق كثيرا في الحزب الجمهوري، الذي كوفئ للتو بأغلبية في مجلس النواب ومقاعد إضافية في مجلس الشيوخ. وقد ازداد الناخب الأمريكي حيرة من الكونغرس القديم في الأيام الأخيرة، حينما عقد البيت الأبيض الديمقراطي صفقة مع الجمهوريين حصل فيها البيت الأبيض على عام من المساعدات الحكومية للعاطلين، مقابل حصول الجمهوريين على عامين من الإعفاءات الضريبية لكبار الأغنياء منهم. حيرة عامة يودع الأمريكيون العام الحالي، كما استقبلوه قبل اثني عشر شهرا، بكثير من مشاعر الإحباط، في وقت تتزايد كل الأرقام السلبية، من بطالة وعجز مالي وديون خارجية، وبنسب قليلة من التفاؤل بالعام القادم. كان ذلك الإحباط واضحا في الانتخابات الماضية، حينما عاقبت الأقلية القليلة من الناخبين التي ذهبت إلى مراكز الاقتراع، الحزبَ الحاكم وأعطت سلطة مجلس النواب إلى معارضة لم تقدم وعودا، باستثناء معارضة الحزب الحاكم. استطلاع للرأي العام أجرته «واشنطن بوست» في الأيام الأخيرة من هذا العام أظهر أن أغلبية المستطلعة آراؤهم لا تثق كثيرا في الحزب الجمهوري، الذي كوفئ للتو بأغلبية في مجلس النواب ومقاعد إضافية في مجلس الشيوخ. وقد ازداد الناخب الأمريكي حيرة من الكونغرس القديم في الأيام الأخيرة، حينما عقد البيت الأبيض الديمقراطي صفقة مع الجمهوريين حصل فيها البيت الأبيض على عام من المساعدات الحكومية للعاطلين، مقابل حصول الجمهوريين على عامين من الإعفاءات الضريبية لكبار الأغنياء منهم. وقد أكد الحزب الجمهوري، الذي استفاد من «انتفاضة» حركة الشاي على يمينه، برفعها شعارات المسؤولية المالية وعدم توريط الأجيال القادمة بديون ثقيلة، أنه لا يهتم بأكثر من «مساعدة» الأغنياء في محنتهم مع مصلحة الضرائب. حرب أهلية بين الديمقراطيين لم يجد البيت البيض الديمقراطي، الذي علق عليه الكثير من الفقراء آمالا، يبدو أنها كانت كاذبة، (لم يجد) غضاضة في التورط في مساعدة الأغنياء، بعد إنفاقه أكثر من تريليون دولار على إنقاذ البنوك وصناعة السيارات. خلقت الصفقة «انتفاضة» وسط المشرعين الديمقراطيين، بمن فيهم السود، على باراك أوباما، الذي كان يبدو قبل دخول العام بطلا أسطوريا جاء ليصحح ما ارتكبه الساسة البيض خلال جيل كامل من السياسات الرعناء، التي أوصلت البلد إلى حافة الإفلاس. لا تزيد الحرب الأهلية، التي يعيشها الديمقراطيون، من حيرة الناخبين فحسب، بل تهدد فرص البطل الأسطوري في ولاية ثانية، بعد أن دخل في حرب مفتوحة مع القواعد التي أوصلته إلى الحكم في المقام الأول. لكن هناك من يعتقد أن خطوة البيت الأبيض كانت محسوبة بعناية، لإظهار أوباما كرجل «وسط»، في محاولة لاستعادة دعم المستقلين الذي تخلوا عنه مبكرا، لأن الليبراليين واليساريين لا يملكون ملاذا إيديولوجيا بديلا عنه وعن الحزب الديمقراطي. لكن استعادة أوباما سحره مع المستقلين قد يتحول إلى مهمة أصعب مما يتصور البيت الأبيض، بسبب خروج معظم المشاكل عن السيطرة أو حتى على قدرة أقوى رجل وأقوى منصب في البلد على تغييرها. مشاكل بالجملة بدا باراك أوباما لأولئك المستقلين وباقي الأمريكيين في ربيع العام عاجزا عن وقف أو التحكم في التسريب النفطي في خليج المكسيك، وهي المنطقة نفسها التي بدا فيها النزيف السياسي لجورج بوش مع بداية ولايته الثانية بُعَيد إعصار «كاترينا». وقد قرأ الرئيس، الذي رفع شعار الرفع من مستوى التعليم في الولاياتالمتحدة، كباقي الأمريكيين، ترتيب الأطفال الأمريكيين المتأخر عن الكثير من أطفال دول صغيرة في العلوم والرياضيات والفيزياء، باستثناء دولة كبيرة واحدة احتل طلبتها المرتبة الأولى في جميع المسابقات العلمية، هي الصين... وقد تحول «إصلاح» برنامج الرعاية الصحية، الذي كان من بين القضايا الانتخابية خلال أكثر من ثمانين عاما، إلى قانون بعد إنفاق أكثر من عام، ومن رأسمال سياسي على درجة كبيرة من الأهمية، تحول في نهاية المطاف إلى عالة سياسية على البيت الأبيض والحزب الديمقراطي. كان الإصلاح ناقصا بالنسبة إلى الجناح اليساري، لأن أوباما قدم حسب اعتقاد اليساريين تنازلات كثيرة في سعيه للحصول على دعم الجمهوريين، بطريقة أفقدت المولود أسباب السعادة والبقاء. لكن الإصلاح في نظر الجمهوريين، الذين تبنوا مواقف كبريات الشركات الطبية والصيدلية، يعتبر تدخلا حكوميا مرفوضا في الحياة الشخصية للمواطنين، كما أنه إرهاق لخزينتها ولذلك تعهدوا بإقباره قبل دخوله حيز التنفيذ عام 2014. تحول الإنجاز، الذي كان من المفترَض أن يتحول إلى مصدر فخر للديمقراطيين يلوحون به في الانتخابات، بفعل الهجوم الجمهوري المتواصل، (تحول) إلى سلاح انتخابي ضدهم. وقد قرر أحد القضاة المحافظين في ولاية فرجينيا في ضواحي العاصمة، ببساطة، أن بعض ما ينص عليه القانون، كالتغطية الإجبارية للجميع، يخالف الدستور، أعلى قانون في البلاد. وسيجد محامو الإدارة أنفسهم في المحاكم للدفاع عن قانون كان من المفترَض أن يوفر الرعاية الصحية للجميع. حرب بين اليسار واليمين لا يقتصر هذا البون الشاسع بين اليمين واليسار في الولاياتالمتحدة على الرعاية الصحية، وإن كانت المواقف أحد مظاهر ذلك الانقسام العميق داخل أمريكا موحدة بتنوعها الديني والعرقي وحتى اللغوي، إلا أنه يطال أيضا وبشكل عميق الفلسفة السياسية ودور الدين والحكومة في حياة المواطنين. بدأ ذلك الاختلاف الفكري يتخذ مظاهر عنيفة مؤخرا، ومن المرجح أن يشتد أواره مع اشتداد الأزمة الاقتصادية، في وقت يسعى فيه الفقراء إلى ضمان أبسط أسباب الحياة ويحاول فيه الأغنياء تعزيز مدخراتهم من الدولار الأخضر، خوفا من اليوم الأسود. حركة الشاي مولود العام الجديد جاءت الحرب الأهلية في الحزب الديمقراطي متأخرة نسبيا عن نظيرتها في الحزب الجمهوري، الذي خرجت من أضلاعه اليمنى حركة احتجاجية صاخبة ملأت الدنيا صراخا وعنصرية خلال عام انتخابي ونجحت بالفعل في زعزعة المؤسسة الحزبية الجمهورية، قبل تأثيرها على الديمقراطيين. تخفي الحركة التي تعبر عن غضب الرجل الأبيض مرارة عميقة من التحول الاقتصادي والديموغرافي للبلد الذي بدأ يفقد مكانته الخارجية وحيويته الداخلية وأصبح محكوما من طرف رجل أسود. وقد جاء ميلاد الحركة، الذي اعتبره البعض الحدث الأبرز في العام الذي نحن بصدد توديعه ونتيجة الأسباب المعلنة وغير المعلنة التي ساعدته في رؤية النور، ليغير من لهجة ومحتوى الخطاب السياسوي في عام انتخابات. الحركة مرشحة أيضا للعب أدوار غاية في الأهمية خلال العام الجديد، وإن كان معظمها يميل إلى الانعزالية وكراهية الآخر، على شاكلة الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوربا. قد يتحول خطاب الحركة المتشنج، الداعي إلى «استعادة وطننا» إلى وبال على الأقليات في وقت تتراجع فيه القوة السياسية والديموغرافية وحتى الاقتصادية للعنصر الأنجلو سكسوني الذي أسس وقاد البلاد منذ نشأتها. يعلمنا التاريخ، خاصة الغربي منه، أن الأزمات الاقتصادية والهزائم العسكرية تؤدي أحيانا إلى مشاعر شوفينية متطرفة وإلى انكماش على الذات وكراهية الآخر، بل حتى إلى الفاشية في أحايين أخرى. بدأت هذه الحركة، وحتى قبل وصول المحسوبين عليها إلى الكونغرس مطلع العام الجديد، تحدث تأثيرها في الكونغرس بتشكيلته القديمة، وسط خوف الجمهوريين المعتدلين من انتقادها لهم بخيانة الصفاء الإيديولوجي للاتجاه المحافظ، مما عطل وسيعطل إمكانية التفاهم على القضايا المصيرية التي تواجه أمريكا والعالم. عصفت الانتخابات الأخيرة، أيضا، بمعظم المعتدلين في الحزب الديمقراطي وأبقى على المحسوبين على الأجنحة اليسارية والتقدمية -مما يفسر انتفاضتهم على الرئيس- ويحمل أيضا على الاعتقاد بأن الحلول الوسطى خلال العامين القادمين ستكون إحدى ضحايا «حركة الشاي»... لا يطال الاختلاف بين المعسكرين السياسة والاختيارات العامة فحسب، بل يشمل أيضا النظرة إلى التاريخ وطبيعة الجرائد أو المحطات التلفزيونية التي يشاهدها كل جانب، وكأن أمريكا عادت إلى أيام الحرب الأهلية، لكن دون رصاص أو دماء. وجد أحد استطلاعات الرأي العام أجراها «معهد زغبي» الدولي أن أغلبية الجمهوريين يعتبرون أن سارة بيلين، الحاكمة السابقة لولاية ألاسكا والمرشحة الجمهورية لمنصب نائب الرئيس هي الشخصية الأهم لعام 2010. أصبحت سارة بيلين، الأم الروحية ل»حركة الشاي»، والتي أظهرت خلال لقاءات تلفزيونية أنها أكثر جهلا بأمريكا والعالم من جورج بوش، أيضا، المادة المفضلة للبرامج الكوميدية. ومع ذلك، تبقى في نظر الجمهوريين مثلا أعلى ومنهم من لا يرى أي غضاضة في وصولها إلى البيت الأبيض. لا تودع أمريكا طبعا عاما سيئا فحسب، بل تودع واحدا من أسوأ العقود في تاريخها، إن لم يكن الأسوأ على الإطلاق. وهناك شبه إجماع بين المراقبين علىأن الرئيس الجمهوري السابق يتحمل مسؤولية كبرى في ذلك، لكن الاستطلاع نفسه وجد أن أغلبية الجمهوريين يعتبرون جورج بوش شخصية العقد الذي نودعه... نقطة الاتفاق الوحيدة بين المعسكرين المتنافرين هي اعتبار أحداث الحادي عشر من شتنبر كأبرز حدث في العقد المثير للجدل الذي نوشك على توديعه. بالنسبة إلى عرب ومسلمي أمريكا فهم يودعون أسوأ عام على الإطلاق في تاريخهم الطويل في هذا البلد، في ظل رئيس اسمه الوسط «حسين». وبعد انقضاء فترة طويلة نسبيا عن الحادي عشر من شتنبر، كانوا يعتقدون أنها طويلة بما فيه الكفاية لاسترجاع انتمائهم إلى وطن لا يعرف عنه بعضُهم بديلا. انتهاكات حلال وأخرى حرام اكتشف عرب مسلمو أمريكا أن الفرق بين جورج بوش وباراك أوباما كالفرق الذي اكتشفه الفلسطينيون بين أرييل شارون وشمعون بيريز، أي أنهم ضحايا سياسة واحدة وإن اختلفت اللغة والأسلوب ونسب الخشونة والليونة. في مطار بالتيمور خلال الأسبوع الماضي، وأمام الصفوف الطويلة التي شكلت حلقات نصف دائرية متعددة حول الممر الأمني للمطار، همس دبلوماسي مغربي في أذني قائلا: «الله ياخذ فيك الحق يا أسامة بلادن»!... محملا المنشق السعودي وزعيم تنظيم القاعدة معاناتنا ومعاناة باقي المسافرين في كل أنحاء العالم من شقاء «تجربة» المطارات. انتقاد الإجراءات الأمريكية وإجراءات معظم حكومات العالم لا يمكن أن يخفي أو يقلل من المسؤولية التي يتحملها بعض متطرفينا الذين أقدموا أو حاولوا الإقدام، باسم الدين، على عمليات أزهقت أرواح الأبرياء، دون أن تؤدي إلى أي نتيجة سياسية. لكن رد فعل الحكومة الأمريكية وإجبارَها معظم دول العالم، وفي مقدمتها الحكومات العربية، على تبني إجراءات دراكونية تجاوز بكثير طبيعة التهديد وخطورته وأكد بالملموس أن الولاياتالمتحدة دولة هشة، استطاعت مجموعة من الملتحين في مغارات أفغانستان أن تُعرّيَّها. التعرية كانت وقحة أيام ذروة الانتخابات حينما حول الجمهوريون مركزا إسلاميا لم يشيد بعد في نيويورك في محيط مركز التجارة العالمي السابق ونجحوا في تحويل الانتخابات إلى موسم مفتوح ضد الإسلام والمسلمين ومقدساتهم بشكل غير مسبوق. تحرك الرئيس أوباما، كمسؤول أول عن اتزان النسيج الاجتماعي وكرئيس للجميع، حتى للمسلمين، وكقائد أعلى لجيش يخدم فيه آلاف المسلمين، للدفاع عن حق هؤلاء المسلمين المشروع في بناء مكان للعبادة، لكنه تراجع عن ذلك، وسط ضغوط سياسية من داخل حزبه الديمقراطي... حولت الأجواء المشحونة التي غذتها محطة «فوكس نيوز»، المعادية لكل ما هو غير جمهوري ومسيحي أبيض، حياة مسلمي أمريكا إلى جحيم وأصبح لزاما عليهم تأكيد ولائهم وطمأنة مخاطبيهم على أنهم لا يشكلون خطرا على الأمن القومي للولايات المتحدة. وعود بالجملة.. لن تتحقق صادق الكونغرس القديم، وقبل أن يرفع جلساته لعطلة الأعياد ورأس السنة، على مشروع قانون يمنع على الحكومة الأمريكية نقل أي من نزلاء «غوانتانامو» إلى الأراضي الأمريكية، لأي سبب من الأسباب، بما في ذلك محاكمتهم. تخاف أمريكا، التي تملك عشرات الألوف من الرؤوس النووية وجيشا يعد الأقوى والأكثر تسليحا في تاريخ البشرية والاقتصاد الأول في العالم، من معتقَل مكبَّل معصب العينين يتم شحنه ككيس من البطاطس في طائرة عسكرية إلى الأراضي الأمريكية، حتى قبل التأكد من تورطه أو من براءته. مشروع القانون أقبر أيضا أول تعهد يأخذه الرئيس الجديد باراك أوباما في الساعات الأولى التي أعقبت تأديته القسم الدستوري، مما يؤكد أن أوباما كان طموحا أكثر من اللازم أو أن ثقته في التزام المشرعين بالمبادئ التي قامت عليها الجمهورية كان أكثر من اللازم أيضا. نزلاء «غوانتانامو»، أبرياؤهم ومذنبوهم، سيقبعون في السجن سيئ السمعة حتى إشعار آخر، لأن دولهم لا تريدهم والعدالة الأمريكية غير قادرة على إنصافهم، كما أن حماسهم لوصول باراك أوباما كان في غير محله على ما يبدو، لكن الفرق مع أيام جورج بوش هو أن المعتقَل كان دائم الحضور في وسائل الإعلام والمظاهرات وفي بيانات الجمعيات الحقوقية، أما الآن فأصبح التعامل معه وكأنه قد أُغلق بالفعل. أكدت وثائق «ويكيليكس» أن من بين ضحايا الحادي عشر من شتنبر القلق الأمريكي على أوضاع حقوق الإنسان، حتى لو كان ذلك القلق انتقائيا ومغلفا بالنفاق، لكنه حمل بعض الحكومات، لاسيما العربية منها، على الانتباه إلى هذه الزاوية المعتمة من اهتماماتها الداخلية. أفرغت الحرب على الإرهاب التقارير السنوية للخارجية الأمريكية عن حقوق الإنسان في العالم من محتواها الحقوقي والأخلاقي، لكن تصرفات واشنطن من اعتماد السجون السرية إلى الاعتقالات طويلة الأمد بدون محاكمة، إلى استهداف العرب والمسلمين، بسبب عقيدتهم ولون بشرتهم، لم يترك مجالا لدبلوماسييها للحديث عن حقوق الإنسان. تعاملت حكومة جورج بوش مع معظم عرب ومسلمي أمريكا على أنهم أعداء إلى أن يثبتوا العكس، في حين لم يتردد الرئيس الجمهوري نفسه في التصريح أكثر من مرة بأن بلاده ليست في حرب ضد الإسلام، لكن موظفيه من المدعين العامين نجحوا في وضع كثيرين منهم وراء القضبان، من أساتذة جامعين ورجال أعمال وموظفي إغاثة. كانت المنظمات الحقوقية تأمل في تغير الوضع بقدوم حكومة «تقدمية» أدرك بعض رموزها حتى قبل وصولهم إلى السلطة كيف نجح الجمهوريون في توظيف سلاح مكافحة الإرهاب كأداة انتخابية يخيف بها الناخبون قبل وخلال عملية الاقتراع. صحيح أن الضجيج اللغوي إزاء الإرهاب قد تراجع بسنوات ضوئية عما كان عليه الأمر أيام الجمهوريين ولم يعمد الديمقراطيون إلى توظيفه في الموسمين الانتخابين الماضيين، لكن تصرفات الحكومة الديمقراطية ميدانيا لم تتغير كثيرا عن سابقتها الجمهورية. وجد مكتب التحقيقات الفدرالي نفسه في موقف دفاعي مؤخرا، بعد «عمليات ناجحة» اعتُقل فيها متهمون بارتكاب أعمال إرهابية تبيَّن في ما بعدُ أن المكتب نفسه ورطهم عن طريق عملاء سريين وفروا «المتفجرات» والأهداف ليصطادوا مراهقين مسلمين. شعر المكتب بإحراج كبير حينما خرج أحد مخبريه علنا قبل بضعة أيام على الصفحة الأولى ل»واشنطن بوست» ليحكي كيف طلب منه التجسس على أحد المساجد في كاليفورنيا وكادت العملية أن تدمر حياة مسلم أمريكي، لولا الاختلاف بين العميل والمكتب على المكافأة المالية. تكاد القصة تكون كوميدية، لولا الخطر الحقيقي الذي تهدد حياة بعض المصلين الأبرياء، فضلا على الانتهاك الجماعي للحقوق المدنية لمواطنين أمريكيين، دون الحديث عن انتهاك قدسية المكان. قد تكون عدم ثقة الحكومة في شريحة واسعة من مواطنيها أفضل سلاح بيدها ضد المتطرفين أدى إلى تدهور العلاقة، بسبب انعدام الثقة. وفقدت الحكومة الأمريكية، ومعها مكتب التحقيقات الفدرالي، مصدرا خصبا لتعقب التطرف، إن وُجد، بين صفوف الجالية المسلمة في أمريكا. استبدل المخبر، واسمه غريغ مونتيي، ملابسه الغربية بأخرى أفغانية، بعد أن علق له عملاء المكتب جهاز تصنت في مفاتيحه. فجأة، أصبح، «مسلما ملتزما» يأتي إلى صلاة الصبح قبل الإمام، لكنه سرعان ما لفت الانتباه إليه، لأنه «ينسى» مفاتيحه دائما في المسجد، كما أنه كان كثير الكلام عن الجهاد. دفعت الشكوك القائمين على المسجد إلى الاتصال بمكتب التحقيقات الفدرالي، دون أن يدروا طبعا أن المكتب نفسه هو من زرع «المتطرف» بين صفوفهم، ومع ذلك استمرت التحقيقات حول أحد المواطنين الأفغان من رواد المسجد، بسبب «خطورته»... انهارت القضية ضد المواطن الأفغاني بعد يقظة ضمير لدى المخبر، الذي أعرب عن اعتذاره للمسلمين ولديانتهم. يحدث كل هذا في ظل حكومة «تقدمية» كان ناشطوها ينتقدون سلوك الحكومة السابقة وكان الانتقاد يجد صدى في وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية والمدنية، أما الآن وفي ظل الممارسات نفسها، فنادرا ما توجه الحكومة الحالية أي انتقاد. لا تواجه أوضاع الحقوق المدنية، كأوضاع الاقتصاد والتعليم والتعايش بين المعسكرين المتنافرين في أمريكا، مستقبلا مختلفا على الأقل في المستقبل القريب، بعد وصول ناشطي حركة الشاي إلى الكونغرس وإمساكهم بزمام الأمور في مجلس النواب. يكره متطرفو اليمين الإسلام والمسلمين لكنهم يكرهون أكثر المهاجرين، خاصة المتحدرين من أصول لاتينية والذين يشكلون أسرع الأقليات نموا، دون إحصاء حوالي 11 مليونا منهم يقيمون في البلد بصورة غير شرعية. حصل باراك أوباما على دعم قوي من الناخبين اللاتينيين المتحدثين بالاسبانية، لأنه تعهد لهم بإصلاح قانون الهجرة ومنح غير الشرعيين طريقة لإصلاح أوضاعهم القانونية، لكن ذلك التعهد لقي المصير نفسه الذي لقيه التعهد بإغلاق «غوانتانامو»... كراهية رموز اليمين للمكسيكيين والغواتماليين والسالفادوريين حملتهم على الترويج لكثرة الإشاعات فظاعة، لشيطنتهم بهدف التخلص منهم بطريقة تجعل من المستحيل عمليا تصور أي حل وسط يمكن أن يجدوه مع البيت الأبيض لحل المشكلة. ويذكر أن اليمين بجناحية المتطرف والمعتدل يخاف من حصول هذه الملايين على الجنسية الأمريكية وعلى حق التصويت بسبب ميل اللاتينيين التقليدي لإلى التصويت لصالح المرشحين الديمقراطيين، وبذلك تضاعف الخوف الاقتصادي بالرعب الانتخابي لتعميق مشاكل قطاعات واسعة من المهاجرين. يعتزم عدد غير قليل من المشرعين الجدد، والذين سيحتلون مراكز حساسة على رأس لجن تعنى بالأمور الداخلية، فتح تحقيقات لا أول لها ولا آخر في «انتهاكات» حكومة باراك أوباما لقوانين الهجرة خلال العامين القادمين بداعي مكافحة الإرهاب «والمنظمات اللاتينية» التي تستغل عجز أمريكا عن حماية حدودها الجنوبية. النائب الجمهوري بيتر كينيغ ألد أعداء المركز الإسلامي في نيويورك، والذي سيرأس لجنة الأمن الداخلي يعتزم فتح تحقيقات في المركز الإسلامي الذي لم يبن بعد وفي إغلاق غوانتانامو الذي لم يغلق بعد وفي رغبة حكومة أوباما محاكمة بعض نزلاء غوانتانامو في نيويورك والتي لم ولن تتم أبدا. حتى الاطفال الذين جاؤوا مع أولياءهم وتربوا وترعرعوا في الولاياتالمتحدة ودرسوا في المدارس الأمريكية يواجهون معارضة مستميتة من جمهوريي الكونغرس القديم منه والجديد لتسوية وضعهم ولو قبلوا الخدمة في الجيش الأمريكي ويوجهون خطر الترحيل إلى دول لا يعرفون عنها شيئا. تحمل هذه المؤشرات وغيرها على الاعتقاد بأن التشكيلة السياسية القادمة في الكونغرس وميزان القوي في العاصمة الأمريكية على مدى العامين القادمين لا يترك مجالا للتفاؤل في إمكانية أي معالجة جدية لمشاكل أمريكا المستعصية على الجبهة الداخلية. ما يحدث داخليا ينعكس سلبا أو إيجابا على ادعاء الولاياتالمتحدة في الخارج. في مراسلة الأسبوع القادم، نعرض لدور أمريكا في العام الذي نودعه وما ينتظرها في العام القادم على الساحة الدولية.