كان هذا يوما يحبس النفس في الجهاز السياسي، أدخل قُبيل نهايته الجهاز الأمني في دوار أيضا. فبعد القنبلة التي ألقاها وزير الدفاع إيهود باراك في ساعات الصباح مع إعلان ترك حزب العمل، جاء الإعلان الدراماتي من النيابة العامة لمحكمة العدل العليا في ساعات المساء بنتائج جديدة لمراقب الدولة في قضية أراضي رئيس الأركان القادم يوآف غالنت. بعبارة أخرى، سيبقى وزير الدفاع -كما يبدو- في مقعده زمنا أطول مما قدّره معارضوه، لكنه يُثقل على دخول الشخص الذي اختاره لرئاسة الأركان المكتب في الطرف الآخر من الرواق علامة سؤال الآن. الدعاوى على غالنت، في شأن تخصيص أراض بغير مقتضى القانون واستعمال غير سليم في ظاهر الأمر لأرض وطرق قرب بيته في قرية عميكام، أُثيرت أول مرة في تحقيق نُشر في صحيفة «معاريف» قبل أكثر من سنتين. انشغلت لجنة تيركل للموافقة على التعيينات الرفيعة بها مدة قصيرة فقط وفي غير إمعان، قبل أن تُجيز قرار الحكومة في شأن تعيين غالنت. كان يُحتاج إلى تحقيق مستقل من الوزير ميخائيل إيتان، الذي نقل استنتاجاته إلى المراقب ميخا لندنشتراوس واستئناف الحركة الخضراء إلى محكمة العدل العليا لإعادة القضية إلى قلب النقاش من تعيين رئيس الأركان الجديد. هاج إضراب النيابة العامة في منتصف ذلك وأخّر نقاش الاستئناف. وفي أثناء ذلك، استمر المراقب في فحصه لقضية الأراضي، الذي يجري بموازاة مع فحص أوسع يتعلق بوثيقة هرباز، وإجراء تعيين رئيس الأركان وعلاقة باراك برئيس الأركان المتولي عمله غابي أشكنازي. الآن، تتآلف جميع المواعيد معا في شهر مزعزع واحد: فبعد غد في العشرين من يناير، يفترض أن يُسلم المستشار القانوني للحكومة يهودا فنشتاين إلى محكمة العدل العليا تفسيرات تتعلق بالاستئناف (من المحتمل الآن أن يؤجل موعد النقاش إلى الأول من فبراير بطلب من النيابة العامة). في مطلع الأسبوع القادم، يتوقع تقرير لجنة تيركل في قضية القافلة البحرية إلى غزة وينبغي ألا يتم تجاهل أن انتقاد محكمة العدل العليا لأداء تيركل حول تعيين غالنت سيؤثر أيضا في المكانة الدولية لقرار اللجنة الثانية برئاسته. أما في 14 فبراير، بعد أقل من أربعة أسابيع، فيفترض أن يحل غالنت محل أشكنازي، بمراسيم رسمية في ديوان رئيس الحكومة في القدس. اضطر رؤساء أركان إلى الاستقالة في الماضي في دولة إسرائيل. وكانت أيضا سباقات متوترة قذرة نحو رئاسة الأركان، لكن لم يكن من قبل شيء كهذا. حتى لو اجتاز غالنت في سلام آخر خشبات القفز المفاجئة التي نصبت أمس (يقصد الاثنين) في طريقه، فسيبدأ ولايته من نقطة انطلاق صعبة، بعد أشهر هاجم فيها خصومه ملاءمته المنصب وصورة تعيينه. على مدى الشهور الأخيرة، ومنذ هاجت قضية الوثيقة في غشت من العام الماضي في الأساس، صعب على أشكنازي أن يخفي رغبته في أن يُخلي باراك مكتب وزير الدفاع، غير أنه لم ينل مطلوبه. لكن الآن في اللحظة الأخيرة يلوح إمكان أن تطول ولاية أشكنازي أكثر من المخطط له حتى وضوح مسألة الأراضي. لم يُحسم شيء حتى الآن. إن قضية تعيين رئيس الأركان مشحونة بالاتهامات المتبادلة بمؤامرات غامضة، وخروج عن الإدارة السويّة بل بدعاوى عن الفساد الظاهر. ومع ذلك، يوجد أمر يربط بين بت قرار التعيين وقرار باراك بالاعتزال، ألا وهو الجدل في المسألة الإيرانية. إن إعلان رئيس الموساد التارك مئير دغان، قبل نحو أسبوعين بالزمن الذي بقي حتى تحرز إيران قنبلة (أربع سنين) والحاجة إلى الامتناع عن حروب لا داعي لها، لم يحسم هذا الاختلاف في الرأي. يبدو أنه يجب فهمه باعتباره دعوة مُعلنة من داخل الغرفة المغلقة في حين ما يزال النقاش جاريا. دفع باراك أمس (يقصد الاثنين) كعادته ضريبة كلام عن الحاجة إلى تجديد المسيرة السياسية. لكنه بعد إعلان إدارة أوباما في ديسمبر فشل جهود تجديد المحادثات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين ومع استقالة ثلاثة من وزراء العمل، يتغير برنامج عمل حكومة نتنياهو. يترأس بنيامين نتنياهو الآن ائتلافا يمينيا ضيقا جدا مدعوما بخمسة من التاركين من حزب العمل من أعضاء «الاستقلال». لنتنياهو وباراك برنامج عمل جديد في مقدمته علاج أشد عنفا لإيران. بعد الانفجار السياسي الصغير الذي أحدثاه، قد يأتي انفجار أكبر في السياق الإيراني، وعلى هذه الخلفية تصبح مسألة شغل القيادة الأمنية أهم مما كانت عليه دائما. عن ال«هآرتس»