يكتسب هذا الكتاب أهميته من أهمية الموضوع الذي يتناوله، حيث يشكل النفط عصب الحياة المعاصرة في شتى بقاع الأرض، واللافت في هذا الكتاب هو الطريقة التي تناولت فيها المؤلفة الموضوع، فهي لم تبحث فيه باعتباره قطاعاً اقتصادياً مهماً فحسب، وإنما تعاملت معه أيضاً من منظور تأثيره على الجوانب الاجتماعية والنفسية في حياة البشر. وفي خضم هذا الربط غير المألوف، نجدها تروي لنا محاولاتها لفهم هذه السلعة المنتجة وطريقة تعامل الإنسان معها والخطوات التي تمر بها من لحظة استخراجها وصولاً إلى توزيعها كمادة استهلاكية لوقود السيارات تخضع لقانون العرض والطلب، فيتغير بتغيرها مزاج المستهلكين الذين اعتادوا على نمط الحياة المترف الذي يتيحه لهم توفر هذه السلعة الثمينة وهي تصف محاولاتها بالمغامرات في تشبيه ربما مع مغامرات المستكشفين الأوائل. لعل الميزة الرئيسية التي يتحلى بها هذا الكتاب تتمثل كما نتصور في الطابع العملي البراغماتي.. النفعي الذي حرصت المؤلفة على أن تضيفه على الصفحات الثلاثمئة أو تزيد قليلاً التي احتوت طروحات الكتب. ربما ترجع هذه الميزة إلى أن الكاتبة صحافية في الأساس، بمعنى أنها لم تحبس نفسها ولا مقولاتها في البرج العاجي للبحث الأكاديمي الذي قد يتسم بالعمق ولكن على حساب الجاذبية بالنسبة للقارئ العادي، وهو مطمح كل كاتب وهدف كل كتاب. وربما تنعكس هذه الميزة أيضاً في أن الكاتبة عمدت إلى صياغته بالأسلوب الصحافي السهل الممتنع بمعنى رشاقة اللغة بعيداً عن المصطلحات المعقدة التي قد تستعصي على فهم القراء، يكفي مثلاً أنها اختارت عنواناً لكتابها يجمع بين النفط والعقل ثم شفعته بعنوان فرعي يقول ما يلي: مغامرات بين مضخة التزويد وبين خط الأنابيب. - سيارة الجدة: أما إهداء الكتاب فهو يومئ من الوهلة الأولى إلى روح الخفة والطلاوة حتى لا نقول الفكاهة التي تتخلل السطور، والإهداء بدوره يقول: إلى جدتي وإلى السيارات الفارهة الكبيرة التي تعودت على قيادتها. والإيماءة هنا تشير بالطبع إلى الأيام الخوالي التي كانت تشهد شوارع الولاياتالمتحدة فيها السيارات الأميركية وهي تختال بفخامتها واتساعها على نحو ما تصوره أفلام هوليوود منذ انتصاف القرن العشرين. ويومها لم يكن أحد يساوره قلق من بعيد أو قريب بشأن النفط لا من حيث توافره أو أسعاره، وإنما كان الناس في القرن بالذات يعيشون في ما يكن أن نصنفه بأنه ملهية نفطية أو «رغد بترولي» لا تكاد تحده حدود. من هنا أصبح من حق النقاد ممن اهتموا بعرض وتحليل كتابنا أن يصفوا الكتاب بأنه نجح في تصوير الوجه الإنساني لقضية البترول.أما أكثر الأوصاف طرافة فقد ورد في سطور الناقدة «ماري روتش» التي وجهت خطابها إلى قارئ الكتاب قائلة: إذا كنت تسوق سيارة فعليك بقراءة هذا الكتاب، لكن أرجوك ألا تسوق وتقرأ في وقت واحد. و«ليزا مارغونيللي» مؤلفة الكتاب تجمع بين مهنة الصحافة ومجال البحث العلمي وهذا الجانب البحثي هو الذي دفعها إلى تأمل أنماط تعاملها اليومي مع النفط والغاز. وهي تحكي في مقدمة كتابها كيف راودتها فكرة وضع كتاب عن العلاقة بين الناس والبترول في لحظة فارقة تقع تحديداً في يوم 28 أكتوبر من سنة 2002 وكانت المؤلفة تشهد عملية اختبار لواحد من آبار النفط والغاز في آلاسكا، الولاية القطبية في أقصى الشمال من الولاياتالمتحدة ووسط ألسنة اللهب المتصاعدة. ودوي الانفجارات التجريبية التي ترددت أصداؤها في ذلك المكان المفعم بالبرودة، اكتشفت المؤلفة كما تقول انها ظلت طوال حياتها تتعامل مع الشأن النفطي بشكل يومي اعتيادي وتأخذ كل شيء مأخذ التسليم، هنالك طرحت على نفسها السؤال الجوهري الذي يقول بداهة: وبعدها بدأ انشغالها إلى حد التقمص بقضية النفط، لا بوصفه مجرد عنصر اقتصادي حيوي لدورة الحياة في عصرنا، ولكن بوصفه شاغلاً جوهرياً من شواغل حياة الناس، بحيث يشغل الفكر ويتغشى الروح ويخالط الوجدان. وعندما التمست عنوان كتابها الذي يجمع بين «النفط والعقل» عمدت إلى قراءة تاريخ الولاياتالمتحدة بالذات فاستعادت أصداء أغنية قديمة من تراث القرن التاسع عشر في أميركا تجسد «حمى النفط» أو اندفاعاته البحث عن النفط بعد اكتشافه المدوي في ولاية بنسلفانيا عام 1859 ويومها اشتعل السباق بين المغامرين والمقامرين والباحثين عن الثروة للتنقيب عن النفط، مثلما اندفع سباق آخر أجاد تصويره فيلم شارلي شابلن الشهير بعنوان «البحث عن الذهب». ويومها شهدت أميركا إنشاء مدن ومجتمعات مستجدة أخذت أسماءها من مغامرات الحفر والتنقيب ومنها مثل بلدة بتهول في إشارة إلى عمليات الحفر ومدينة «أويل سيتي» . وكان طبيعياً أن تبدأ مغامرة الكتابة عن النقطة رقم واحد أو من أول السطر البترولي كما قد نقول: مضخة محطة الوقود.. وهي موقع الانطلاقة الأولى لهذا الكتاب. تقول المؤلفة: إنها موجة عارمة كالسيل المتدفق من بطاقات الائتمان يلوح بها مستهلكو النفط في الولاياتالمتحدة في مواقع محطات البترول ليسددوا ثمن ما يودعونه في خزانات مركباتهم والأميركان بذلك يشترون بهذه البطاقات تسع إنتاج العالم من النفط الخام مع مطلع كل صباح وكمياته تتنقل بعد الدفع إلى تلك الخزانات من مستودعات محطات الوقود التي بلغ عددها في أميركا 987. 168 محطة في سنة 2007 الحالي. ومعظمها يتيح للمستهلك أن يخدم نفسه ذاتياً تحت لافتة أنيقة تحمل لفظة «ابتسم» التي تصفها المؤلفة بأنها ابتسامة تحت سيطرة الكاميرات التي تراقب عمليات الدفع والسداد وتنبه كل الوسائل والسبل إلى الذين يتزودون بالبنزين وقد تسول لهم أنفسهم عدم السداد وهم بالطبع قلة بين عدد الحاصلين على رخصة القيادة البالغ عددهم 194 مليون سائق في طول أميركا وعرضها. ولأن أميركا بلد العجائب وموئل التخصصات الأعجب، فإن المؤلفة تحيل إلى الدكتورة روزماري اريكسون لا لأنها متخصصة في قضايا النفط، إنتاجاً واستهلاكاً أو بيعاً أو شراءً ولكن لأنها أستاذة في علم اجتماع.. النفط وبالأدق تخصص في دراسة الجرائم المتصلة بالنفط على مدى 30 عاماً وبالتحديد الجرائم التي تتخذ مسرحها باستمرار في محطات التزود بالوقود. وتصفها أستاذة علم الاجتماع بأنها تمثل القطب الجاذب لأنواع شتى من الجرائم حيث تقع نسبة 90 في المئة من جرائم السرقة في أميركا في محطات البترول وما في حكمها من محلات التسوق ومن هنا شهد سنة 2004 معدل سرقة 1749 دولاراً من المحطة الواحدة والغريب أن بعض هذه الجرائم لا ينطبق عليها وصف احتراف السرقة أو «مهنة اللصوصية» بطلها تقول الأستاذة الباحثة (ص11) يعود إلى ما يوصف بأنه غضبة المضخة أي ذلك الشعور بالاستفزاز الذي يتملك الزبائن فجأة عندما يفاجأون في محطة التزويد بارتفاع أسعار البترول. ثم زاد اشتعال هذه الغضبة في غمار وعقابيل أحداث 11 شتنبر 2001، ويومها تعرض عمال في المحطات وبعض أصحابها لضروب من الاعتداء لمجرد أن بدا بعضهم من ذوي ملامح الشرق أوسطية وبعدها بدأت محطات الوقود تظهر جانباً سلبياً من ملامح السخافة بخلاف ما درجت عليه على الطرق الطويلة السريعة (الاكسبرس) من تيسيرات لصالح عابري الطرق من المستهلكين وهكذا رصدت مؤلفة كتابنا سلوكيات وحوارات من قبيل: ممكن أن أستخدم الهاتف؟ آسف.. إنه خاص بالعاملين. ومن قبيل: دورة المياه لو سمحت! لا يوجد لدينا حمامات! انتهى إذن زمن محطة البنزين الصديقة لسائقي المركبات وعابري الطريق أو أبناء السبيل فعمر هذه المحطات بلغ في اللحظة الراهنة 100 سنة في أميركا بالتمام والكمال فأول محطة تزويد بالوقود افتتحوها في سنة 1907 وبعدها طرحوا في السوق سيارة فورد من طراز تي الفارهة وبعدها أيضاً احتدمت المنافسة بين المحطات في أميركا والعالم لاجتذاب الزبائن وإرضاء المستهلكين وفي حمى هذه المنافسة توصلوا إلى فكرة الخدمة الذاتية بمعنى التعامل المباشر. الحميم بين المستهلك الفرد ومضخة البترول.. هذه الفكرة البسيطة المبتكرة من بنات أفكار مستثمر أميركي اسمه هيرب ريتشاردز وكان ذلك في أعقاب الحرب العالمية الثانية مع أواخر الأربعينات وما زال الرجل حياً يرزق في مكتبه العتيق بمدينة سان خوزيه التقته مؤلفة كتابنا، وقد أربى عمره على الثالثة والتسعين.. لاحظت أنه يعلق صورته مصافحاً مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، حيث أشار الرجل التسعيني إلى الصورة قائلاً: ظللت معجباً بها إنها امرأة عظيمة. حازمة وغاية في الصلابة وددت لو أنها رئيسة الجمهورية. وبين جدران محطة الوقود تنحصر اهتمامات الناس ومعارفهم ومدركاتهم ومحاور وعيهم بالشأن العام ضمن حدود سعر الغالون منخفضاً أو مائلاً إلى الارتفاع.. قبل أزمة الأسعار في السبعينات كان الناس العاديون ينتظرون إلى الشركات المحتكرة للنفط بوصفها مؤسسات اقتصادية وكفى الله المؤمنين.. بعد أزمة العقد السبعيني من القرن العشرين وتضاعف الأسعار بدأت شركات النفط تحتل جانباً في بؤرة اهتمام المستهلكين ومن منظور ترمومتر الأسعار على وجه الخصوص ويومها أواخر السبعينات سمع اختصاصيو قياس الرأي العام، وربما لأول مرة عبارات من قطاعات الجماهير تقول: الشركات تمتص دم المستهلكين مع ذلك جاءت التسعينات مبشرة يومها بتراجع وانخفاض الأسعار. ويومها كان المستهلكون يطالعون عدادات الأسعار وأرقامها المتهاودة، ويملأون خزانات المحرك بالوقود الميسور، ثم يدلون بآرائهم في استطلاعات الرأي العام، تعبيراً عن الرضا إزاء شركات واحتكارات النفط. التي تؤدي دوراً إيجابياً ومحورياً في خدمة البشرية. لكن هذا الوجه الجماهيري الراضي ما لبث أن اربدت قسماته وجاء سنة 2003 ليشهد نسبة 4 بالمائة فقط (ص 25) من قطاعات الرأي العام التي أعربت في الاستطلاعات عن رأيها بأن الشركات بعامة تتحلى بالأمانة وتستحق الثقة، في حين أن النسبة الأغلب أعربت عن استيائها إزاء سلوك الشركات (المتعددة الجنسيات وعبر الوظيفة كما تسميها). أو هي عمالقة النفط. ولم يقتصر هذا الاستياء على شرائح الجماهير الناس العاديين. ها هي النائبة نانسي بيلوسي (وقد أصبحت من بعد رئيسة مجلس النواب في الكونغرس) تعلن أمام كاميرات التلفزيون قائلة في ابريل سنة 2006: ان للفساد في الشركات النفطية ثمنا يدفعه المستهلكون أمام مضخة التزويد. وفي هذا السياق بالذات نشر عن مؤلفة كتابنا أنظار القراء إلى جانب مهم بل حيوي من جوانب الشأن العام في الولاياتالمتحدة.. وفي هذا الجانب تتجلى الحقيقة التالية: عندما تكون الأسعار منخفضة أو متهاودة يشتد ساعد الاحتجاج على التنقيب عن موارد النفط والغاز في مناطق الغابات أو أعماق البحار وترتفع نفيرة المنادين بحماية البيئة وحفظ الموارد الطبيعية ومصلحة أجيال المستقبل.. ولكن عندما ترتفع الأسعار يتحول مؤشر الرأي العام حسب ما دلت الاستطلاعات والاحصاءات فإذا بالناس يؤيدون أو لنقل لا يعارضونه محاولات الاستكشاف والبحث والحفر والتنقيب في مناطق القطب الشمالي أو في أغوار الحبر العميق أو على المناطق الساحلية المتاخمة لمسطحات المياه (أوف شور) أو في عمق المساحات والسهول الخضراء التي يحميها الغطاء النباتي من غابات أو أدغال أو أحراش وكأنما يقول الرأي العام: الضرورة النفطية لها بدورها أحكام. وتمضي المؤلفة في مغامرتها التي تجمع بين النفط والفكر على نحو ما أوصت به في عنوان هذا الكتاب. صحيح أنها اتخذت من محطة الوقود نقطة لانطلاق هذه المغامرة الصحافية، إلا أنها لا تلبث أن تتحول إلى عملية التوزيع المحلي تلك التي تتم في أميركا وفي غيرها أيضاً على متن شاحنات لنقل النفط عبر شبكة شرايين من الطرق الرئيسية والفرعية التي تتقاطع في طول البلاد وعرضها. وفي هذا السياق تعيش الكاتبة حياة سائقي تلك الشاحنات الناقلة العملاقة التي يتابعها ناظروها بإكبار ويقودها سائقوها في حنكة ولكنها تحتاج إلى أكبر قدر من الحيطة والحذر بحكم ما تحمله في جوفها من مواد نفطية قابلة للاشتعال أو مسببة للانفجار، في بعض الأحيان يعمل سائقو هذه الشاحنات نحو 14 ساعة يومياً. وهم يتقاضون أجوراً مجزية.. لكنهم يستغرقون في غمار تلك الحياة التي تطويهم دوامتها بين ساعات الراحة وساعات القيادة المرهقة على ساحة الطريق، لا يكادون يتابعون احصاءات تقول على سبيل المثال: إنه بحلول سنة 2025 سوف تستهلك أميركا كميات من البترول بأكثر بكثير مما كانت تستهلكه في سنة 2004، وتلك وتيرة سوق تظل متواصلة باطراد عبر السنوات العشرين الفاصلة بين التاريخين.. (أصبحت الآن 17 سنة فقط) وهو ما يعني زيادة بنسبة 37 بالمائة في كميات البترول الذي سوف يتعين حمله ونقله وتوصيله من محطات المستودعات وعبر الناقلات في المجاري المائية وعلى نفس الشاحنات العملاقة وفي الأنابيب التي مازال النفط يتحرك داخل شرايينها بإيقاع بطيء للغاية كما توضح المؤلفة (ص45) وبسرعة تتراوح بين 3 إلى 8 أميال في الساعة.. دون أن تلوح حتى الآن إمكانية تقنية تسمح بزيادة هذه السرعة.. هذا فضلاً عن سفن النقل المائي بطيئة الحركة بدورها ويتعين على أن تمضي ساعات طوال بل أيامها بأكملها بانتظار أن يسمح لها باجتياز هذا البوغاز أو تلك الفتحات التي يحتويها نظام عتيق كما يصفه خبراء النقل المائي النهري في بلد متقدم مثل الولاياتالمتحدة. فما بالك ببلدان أخرى أكثر تواضعاً من حيث القدرات والإمكانات الأمر الذي مازال يقتضي نقل معظم الكميات النفطية المطلوبة على نفس الشاحنات التي تستهلك بدورها كميات متزايدة من البترول لزوم استمرارها متحركة وبكفاءة معقولة من حيث معدلات السرعة وانجاز التوصيل. ثم هناك الخطر الذي يحذر منه باستمرار خبراء نقل النفط من مكان إلى مكان. إنه خط تسرب بقع الزيت النفطية الذي تزداد احتمالات وقوعه بازدياد عمليات النقل وتعدد وسائلها واتساع المناطق والمساحات التي يغطيها. مؤلفة الكتاب تشير بالذات إلى الحادثة الشهيرة التي أفضت إلى بقعة من النفط ظلت لفترة طويلة محوراً لأحاديث الناس وتخويف الاختصاصيين انها بقعة «فلديز» التي نشرت دائرة خطيرة على مساحة واسعة تغطيها كمية بلغت 11 مليون غالون من النفط الخام.. ورغم شهرة «فلديز» إلا أن الخبراء يؤكدون أن السائقين والقباطنة ومن في حكمهم من قائدي المركبات في البر والبحر يتسببون في انتشار مساحات شاسعة من تلك البقع النفطية التي تؤدي إلى تلويث البيئات التي يعيش البشر في كنفها. وفي هذا الخصوص يؤكد التقرير الصادر سنة 2002 عن الأكاديمية الأميركية للعلوم أن أميركا تصب بما يقرب من 19 مليون غالون من البقع النفطية الخطيرة سنوياً وهي تنصرف إلى المجاري المائية وإلى المسطحات البحرية. من جانبها تؤكد المؤلفة أن من هذه البقع النفطية ما يمكن أن ينطوي على أفدح أنواع الخطر، فعلى سبيل المثال، شهد سنة 1999 كسراً في خط أنابيب نقل النفط في مقاطعة «بللنجهام» بولاية واشنطن كاد يتسبب هذا الصدع في تدفق 250 ألف غالون انسابت كمياتها إلى جدول نهري قريب، فكان أن شكلت كرة نارية أدت إلى مصرع ثلاثة أفراد كانوا متواجدين في حديقة عامة فيما أدت إلى تسمم المجرى المائي واعتلال الأحياء الحيوانية والنباتية في أرجاء البيئة المحيطة بهذا الحادث النفطي. ومن التزويد إلى التوصيل إلى التكرير هكذا تنتقل اهتمامات الكتاب من المضخة إلى الشاحنة (أو الناقلة) إلى المصفاة حيث تخصص لكل من هذه المراحل فصلاً كاملاً. وها هي في الفصل الثالث (المصفاة أو معمل التكرير) تدعو القارئ إلى ولوج بوابة هذا المعمل النفطي الضخم على نفس سيارتها الصغيرة التي تعين عليها أن تخوض وسط مسالك متشابكة من الطرقات الصغيرة الضيقة وصولاً إلى مكتب مدير المصفاة مروراً بلافتات وملصقات تحمل توجيهات وتعليمات، وتحذيرات، وبمناسبة التحذيرات كان عليها أن تدرك جيداً كيف ترهف السمع إلى احتمال انطلاق صافرة الإنذار ثلاث مرات.. وهذا معناه إعلان حالة طوارئ من اللون البرتقالي.. إلى حالة إنذار كامل يستوجب المسارعة على الفور إلى مغادرة المكان.. لقد احتجزوها في مكتب الاستقبال عند مدخل المعمل.. وظلوا يختبرون إدراكها وإلمامها بتلك التعليمات إلى أن أطمأنوا إلى أنها حفظت التعليمات جيداً فسمحوا لها بالمرور إلى حيث التقت بمسؤول العلاقات والاتصال في معمل التكرير بمدينة كارسون الذي يرجع تاريخ تشييده إلى سنة 1923 وقد ظلت هذه المصفاة تؤدي عملها دون أن يشكوا منه أحد. بل وتتلقى الشكر على ما وفرته لأهل المنطقة من وظائف.. إلى أن جاءت موجات الدعوة والوعي البيئي فكان أن واجهت المصفاة في سنة 2002 قضية مرفوعة ضدها وتتهمها بأنها أدت إلى انحدار نوعية الهواء في المنطقة بسبب ما يتخلف عن نشاطها من انبعاثات ومن ثم من مخالفات لقوانين حماية البيئة في الفترة بين سنة 1994 و 2002 وطالبت القضية بتعويض لإصلاح الأضرار يصل إلى 500 مليون دولار. صحيح أن القضية تمت تسويتها ودفع معمل التكرير مبلغ 81 مليون دولار لإصلاح الأضرار لكن تظل هذه المصفاة البترولية بحاجة إلى من يراقب أداءها ويضمن سلامة هذا الأداء بالنسبة لصحة الإنسان وسائر الكائنات. ولا عجب أن يطلق عليها العاملون اسماً تسجله المؤلفة وهو: الوحش ربما من باب التدليل مثلاً.