من الملاحظ أن المنظمات الحقوقية المغربية مازالت تعفي نفسها من إعطاء مواقف محايثة ومفصلة من نوازل و قضايا الميل الجنسي وهوية النوع .. رغم ما يستحثه القول بكونية حقوق الإنسان من اتخاذ إجراءات واضحة ومنسجمة، غير مقيدة بإكراهات المزاج العام .إن تطور المجتمع المغربي وتعقد بنياته، ثم خروج مجموعة من الظواهر إلى السطح بفعل الصدمات التي لا تني العولمة تكيلها لجدار الأخلاق الوطنية.. لم يعد يبرر، كما في السابق، لهذه المنظمات تفادي الخوض في إشكالات حقوقية؛ لربما تفتح عليها جبهة مع المجتمع ،هي في غنى عنها .مناسبة هذا القول هو ما شهدته مدينة القصر الكبير، نهاية الأسبوع المنصرم ، من مواقف شجب واستنكار ومظاهرات ،عفوية ومنظمة ... لما يمكن أن يكون " زواج مثليين " شكلت حالة إجماع وتشابه في إدانة) الفعل الشاذ( ونبذ فاعليه، وهي حالة قلما شهد المجتمع المغربي - المؤسس على التعدد و والاختلاف - مثيلا لها؛ حتى في القضايا "القومية" و "الوطنية" : فلسطين..الصحراء الغربية ... هذا التشابه الشاذ يمكن فهمه على ضوء فرضيتين اثنتين :- إما أن رد الفعل القوي الذي اتخذ شكل "عصاب جماعي" كان جارفا إلى حد اقتلاع المجتمع المدني، التعددي – الليبرالي ( الضعيف ) وضمنه الحقوقي ، من تربته وخلطه بباقي الأجسام المحافظة- الإجماعية(Unanimisme) كما يفعل أي إعصار. - وإما أن المجتمع المدني ومنظماته الحقوقية- التي تعنينا أساسا في هذا المقال- بصدد مراجعات جذرية في ما يتعلق بأسئلة المدنية والحداثة والكونية. الفرضيتان تكتسبان قوتهما طالما طرحناهما حول الإجراءات التي بادرت بها الجمعيتان الحقوقيتان البارزتان بالمدينة: توقيع فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على عريضة إدانة ( لما حصل )، بالإضافة إلى عدم تكذيبها لما أوردته جريدة المساء على لسان"أحد أعضاء الجمعية" من كون الجمعية بادرت إلى وضع شكاية لدى وكيل الملك بمجرد علمها بالخبر !! وكذا إصدار فرع منتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب بيانا ؛ أقل ما يمكن أن يقال عنه هو أنه طافح بالأخلاقوية والارتباك (تتصدر البيان الحكمة الشعرية : إنما الأمم الأخلاق مابقيت... وتذيله عبارة النهوض بحقوق الإنسان طبقا للمواثيق الدولية !!)بالإضافة إلى امتناع هيأة الدفاع بالمدينة- وضمنها مسئولون في منظمة العفو الدولية - عن مؤازرة الأضناء، الشيء الذي كان سيمنح المحامين فرصة لمساعدة المحكمة؛ بتقاسم الضغط معها،وتذكيرها بالفقرة1من المادة2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية : " تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيها، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس..." * كما كان سيمكن هيأة الدفاع من تنبيه المحكمة إلى قرار لجنة حقوق الإنسان في الأممالمتحدة الذي يؤكد على : " إن القوانين التي تجرم المثلية الجنسية تنتهك الحق الدولي في عدم التمييز"لنتفق : إن تغيب المحامين - المسئولين منهم بالأساس في منظمات تتبنى حقوق الإنسان الكونية - عن مثل هذه المحاكمات ، بمبرر ضغط الشارع ، ،لايقل فظاعة عن الأحكام التي يصدرها قضاة فاسدون تحت ضغط المال أو الدولة !!من نافل القول أن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان هي أقوى شرعة ساندت الحقوق والحريات الفردية للأشخاص وكذا حقوق الفئات " الهشة " و"المقصية " وهو ما يعفينا من الخوض فيما إذا كان هؤلاء المثليون قد أقدموا، فعلا، على تنظيم "عرس" أم لا. فالمبدأ التاسع عشر من مبادئ يوغياكارتا** حول تطبيق القانون الدولي لحقوق الإنسان فيما يتعلق بالتوجه الجنسي وهوية النوع ينص على انه " لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير بصرف النظر عن توجهه الجنسي أو هويته النوع. ويشمل هذا الحق حريته في التعبير عن الهوية أو الشخصية من خلال الكلام أو السلوكيات أو اللباس، أو الخصائص البدنية أو اختيار الاسم أومن خلال أية وسيلة أخرى ، إضافة إلى حرية التماس الأنباء والأفكار من أي نوع كانت وتلقيها وإذاعتها ، بما في ذلك ما يخص حقوق الإنسان والتوجه الجنسي وهوية النوع بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية " مؤازرة الجمعيات الحقوقية وهيآت الدفاع، كانت تجب أن تكون بديهية طالما أن هناك واقعة و نقاش عمومي، شأنما هو التضامن مبدئي طالما أن المنظومة الدولية لحقوق الإنسان تؤكد على ضمان الحريات الفردية وحمايتها.. تضامنا يتعدى الحق في الممارسة الجنسية المثلية الرضائية ، إلى الحق في إعلانها وتطبيعها،مع الأخذ بعين الاعتبار مؤازرة من ينفي هذه الممارسة ؛ من الذين يمكن أن تكون انتزعت منهم تصريحات تحت الإكراه.. وهذا الدور منوط بالمجتمع المدني والمثقفين، بل هو محك مدنيتهم وثقافتهم العقلانية (Intellectualité) .ما حدث عندنا هو العكس؛ فعندما قام المحافظون- ممن يصنفون عادة كأعداء حقوق الإنسان - بصنع رأي عام يحتج على المثليين جنسيا ويتوعدهم بالإقصاء والحرق... فإن هؤلاء المحافظين والذين وزعوا بيانات الوعيد ووقعوا عرائض الاستنكار لم يقترحوا بدائل استقبال اجتماعية ووجودية لهذه الفئة؛رغم يقينهم أنهم لن يستطيعوا اجتثاث هذه الفئة ولا وقف ممارساتها*** !! بالمقابل اعتزل الحقوقيون ،بقصدية، مناصرة الحريات الفردية ، بنفس الهمة ورباطة الجأش التي يناصرون بها الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وهو ما يغذي طروحات المشككين في أهداف الحركة الحقوقية المغربية باعتبارها حركة سياسية في لبوس حقوقي،غايتها تصفية الحساب مع النظام السياسي القائم، لاغير !!إن ترديد وعكس) (RetourNementالمثقفين( مجتمع مدني- محامون- كتاب...) عددا من المقولات الهوياتية - الأخلاقية المدغدغة) =الشعبوية (من دون الإنصات العميق لنبض المجتمع وتحولاته ،هو دليل غربتهم عن المجتمع وهو ما ينعكس سلبا على القوة الاقتراحية والإجرائية لهم؛ ومن ثم وجودهم على هامش التاريخ ! فالاقتراب لا يعني الانصهار؛ بل الوقوف على مرمى حجر.. ومن زوايا ومواقع متعددة اديولوجية : (ليبرالية - اشتراكية - قومية - اسلامية...) وعلمية : (قانونية - دينية - سوسيولوجية - سيكولوجية...) مما يتيح الفرصة لتحويل التعدد و الاختلاف إلى قوة اقتراحيه؛ ثم تدبيرية تكاملية،لاتتحرج من تتداول مشاكلها بصوت علني .علنية نقاش أية ممارسة وكذا تنظيمها تمكن من الفهم فالمراقبة ثم التدخل. فالممارسة العلنية للمثلية الجنسية تمكننا أولا من تطويق البيدوفيليا التي أصبح المغرب مرتعا لها و حماية أطفالنا من أي استغلال شاذ ، بالإضافة إلى أنها تمنحنا فرصة ضبط هذه الممارسة من أن تتحول إلى دعارة ،كما تضع الممارسة الجنسية عموما تحت المراقبة الطبية للوقاية من أية أعراض خطيرة لها؛ مثل داء السيدا وغيره من الأمراض المنتقلة جنسيا... فعندما منع صنع وتعاطي الكحول في الولاياتالمتحدةالأمريكية في 1929؛ نشطت صناعته في السرادب والبيوت ؛ بحيث لم يعد ممكنا لا مراقبتها ولا استئصالها،وأصبح المجتمع الأمريكي يكرع كحول الحريق في الظلام، وهو درس استوعبته الدولة الفدرالية فأعادت تنظيم صناعة وترويج الخمر تحت مراقبتها..نفس الشيئ بالنسبة لاستيعاب ودمج الممارسات الجنسية المثلية في المجتمعات الديمقراطية – المسيحية مع العلم أن المسيحية ،كدين، أكثر تشددا من الإسلام تجاه المثلية ،وهو الأمر الذي تؤكده جمعية "حلم" للمثليين اللبنانيين التي استطاعت أن تحقق بعض الحضور والاعتراف وذلك بمساندة الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان والمجموعات المحلية لأمنيستي .. ومن خلال انخراطها إلى جانب القوى اليسارية والديمقراطية اللبنانية في اعتصام احتجاجي على حصار رام الله في2002، وكذا مشاركتها في الحملة المناهضة للحرب على العراق في 2003 . التفسير النفسي لاعتراف المجتمع المغربي، في نكثه وتراثه الشفهي، بوفرة الممارسة الجنسية المثلية..بالمقابل إحجامه عن طرحها للنقاش العام وبصوت مسموع لايمكن فهمه إلا كنوع من "رهاب المثلية" (Homofobie): الخوف أو الكراهية اللا عقلاني .لقد كان المجتمع المغربي دائما مجتمعا دامجا(Integrateur) **** يعتبر (الأعمى – بصيرا) و(المعاق ذهنيا – بركة) و(المثلي - مسكونا بجنية ) و(الساحر- فقيها) و(الأرملة التي حملت سنوات بعد موت زوجها – كان عندها الراكد )... وكانت مؤسسات المجتمع وفي طليعتها الزاوية تضطلع بتوفير الحماية والدعم النفسي و الثقافي والاجتماعي لعدد من الفئات - أصبحت مقصية اليوم - بحب وتسامح لافت . إن ما تداوله رواة التغطيات الصحفية من كون المعنيين بما سمي " عرس الشواذ" كانوا يشربون الدم ويتسربلون فيه،مع ما إلى ذلك من طقوس صوفية – وثنية ؛ ما هو إلا آلية من آليات الدمج الذاتي . فالمثلي جنسيا، وأمام الإقصاء الاجتماعي بالإضافة إلى ضعف الوعي بخصوصيته، يلجأ إلى تفسيرات وتبريرات ميتافيزيقية لحضوره الانطولوجي والاجتماعي . لقد كان حريا بالجمعيات الحقوقية ،أساسا، وباقي الجمعيات والأحزاب الديمقراطية،بدعم من المثقفين الليبراليين، أن تواجه الاحتجاجات العنيفة بتنظيم نقاش حضاري هادئ وعقلاني لتطارح حدث ما سمي بزواج المثليين، ومسالة الجنس المثلي بعامة ، بعقلانية، بدلا من الانسياق وراء الهياج الشعبي ،مهما كانت عفويته وصدقيته، المستبعدتين،ومهما افترضنا تضرر الناس من الحدث. إلا أنها أخطأت موعدها مع التاريخ ، وأبانت عن قلة شجاعة ونزوع نحو الاختيارات السهلة والمريحة والشاذة عن هويتها . *وهي المادة التي سبق للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أن استدلت بها للطعن في قانونية حكم أصدرته محكمة ولاية تزمانيا بأستراليا سنة 1994 بناء على قانون اللواط الذي كان يجرم الممارسة المثلية الرضائية، فألغته .. " كما سبق لنفس اللجنة والتي صاغت توصية في نوفمبر2002 حول مدى التزام الحكومة المصرية بتطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية غداة اعتقال وإدانة 21 مثليا مصريا بثلاث سنوات سجنا نافدا،ثم أفرج عنهم بعدماأعيدت محاكمتهم بأمر من الرئيس مبارك الذي رضخ للاحتجاج الدولي على الأحكام : : "على الدولة العضو أن تطبق بصرامة كلاً من المادة 17 [الحق في الخصوصية] والمادة 26 [المساواة أمام القانون]، وأن تمتنع عن تجريم العلاقات الجنسية الخاصة التي تقوم بين البالغين برضاهم." : ( وثيقة الأممالمتحدة رقمCCPR/CO/76/EGY نوفمبر 2002 )**جاءت مبادئ يوكياغارتا لتعزيز منظومة حقوق الإنسان فيما يتعلق بتوفير الحماية للأشخاص بمعزل عن هويتهم الجنسية . جرى وضع هذه المبادئ ثم اعتمادها بالإجماع من قبل مجموعةٍ متميزة من خبراء حقوق الإنسان من مختلف المناطق والخلفيات. ومن بينهم قضاةٌ، وأكاديميون، ومفوضٌ سامٍ سابق لحقوق الإنسان في الأممالمتحدة، ومقررٌ خاص في الأممالمتحدة، وأعضاءٌ في هيئات خاصة بمعاهدات دولية، ومنظمات غير حكومية، وآخرون. وقدم مقرر هذه العملية، وهو البروفيسور مايكل أوفلاهرتي، مساهمةً كبيرة في صياغة مبادئ يوغياكارتا ومراجعتها.وكانت إحدى المحطات الهامة في مسيرة وضع هذه المبادئ؛ ندوةٌ دولية ضمت كثيراً من هؤلاء الخبراء القانونيين وانعقدت في جامعة جادجاه مادا في يوغياكارتا بإندونيسيا بين السادس والتاسع من نوفمبر 2006. وقد أوضحت هذه الندوة طبيعة ومجال وتطبيق التزامات الدول في مجال حقوق الإنسان فيما يخص الميل الجنسي والهوية الجنسية، وذلك بموجب قانون حقوق الإنسان الدولي الحالي والمعاهدات الحالية.***حسب وكالة إعلام الطلاب الإيرانيين، إسناISNA) فقد أعدمت الحكومة الايرانية4000 مثلي منذ 1979،وفي السنة الفارطة قامت الدولة الايرانية على اعدام طفلين قاصرين ضبطا يمارسان الجنس ، أما استنكار العالم .**** كان ذلك خلاصة نقاش جمعني،في الموضوع، مع المخرج السينمائي عبد السلام الكلاعي