أستأذنكم في أن أصرح بان المفردات التي يتألف منها عنوان المداخلة ، أعلاه ، التي كلفت باستعراضها في هذه الندوة القيمة حول " حرية التعبير بين القانون و الممارسة " هي مفردات ، بالنظر إلى مرجعيتها ذات النكهة السياسية ، قد أربكتني جدا ، لذلك أستسمحكم في أن أتحدث عن حرية التعبير و عن انتهاكات حق الصحافة في هذه الحرية ، و ذلك بالمعنيين التاليين : 1 بالنسبة للمعنى الأول ، أود أن أنوه عن أن تاريخ الإنسانية هو تاريخ الصراع من أجل استعادة الإنسان لحقوقه و حرياته و على رأسها حقه في حرية الرأي و التعبير الذي بدونه تفقد جميع الحريات و الحقوق الأخرى قيمتها ؛ كما أود أن أنوه عن أن هذا الصراع لم يتوقف أبدا ، طيلة مراحل التاريخ الكبرى ، فاستوجب خلال القرن 18 صدور " إعلان حقوق الإنسان و المواطن " بفرنسا - 1789 ، و دستور الولاياتالمتحدةالأمريكية - 1791 ، اللذين نصا على حق المواطنين في حرية الرأي و التعبير و الكتابة و النشر . و أود أن أنوه كذلك عن أن الدساتير التي وضعت بعد ذلك ، هي إما دساتير تحيل على التجربة الفرنسية التي تعطي للحق في حرية الرأي و التعبير صفة دستورية و تقيده وفق قانون خاص، أو تستلهم التجربة الأمريكية التي تجعل من هذا الحق مبدأ يعلو على الدستور نفسه و يقع خارج إجراءات الكونغرس ، بل و فوق ذلك تحد من ميل السلطات الثلاثة نحو تقييده . و علاوة على ذلك ، أود أن أنوه أيضا عن أن دول العالم ، و من ضمنها بلدنا العزيز المغرب، قد تعهدت في إطار هيئة الأممالمتحدة ، بموجب المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان - 1948 و مثيلتها من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية - 1966 بأن تضمن لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي و التعبير دون مضايقة. و إذ لا أغفل التذكير بمتطلبات الظروف و شروطها الكاملة التي تنص عليها المادة 4 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية ، أنوه في نفس السياق بالتأويلات الأممية و الدولية الإقليمية لحيثيات ممارسة هذا الحق و بالمواد ذات الصلة التي تضمنتها إعلانات اليونسكو ، و إعلان مدلس البرلمان الدولي المتعلق بمعايير الانتخابات الحرة و النزيهة - 1994 و إعلانه العالمي حول الديمقراطية - 1997 ، و نص " الميثاق العربي لحقوق الإنسان " المعد في إطار مجلس جامعة الدول العربية - 1971 ،،، 2 بالنسبة للمعنى الثاني ، أشير ، هنا ، إلى المكونين التاليين : أولا إن حرية الرأي و التعبير لا تستفيد من البيئة الديمقراطية فحسب ، بل تسهم هي بدورها في نشأة و وجود النظم الديمقراطية السليمة و الفاعلة ، و هي في الواقع حيوية لنشأة هذه النظم و تسريع دينامكية التنمية البشرية ، و عليه فإن تحديد حرية الرأي و التعبير لا يقوم على أساس التصورات و الأحكام التي تعتقدها أو تطلقها الأنظمة السياسية أو حكوماتها أو رموزها و إطاراتها النافذة أو التي تصوغها خارج المبادئ الوظيفية للديمقراطية و منهجياتها و مقتضياتها ، و ذلك إما في شكل دساتير ممنوحة أو مفروضة بواسطة استفتاءات غير حرة و غير نزيهة و غير صادقة و / أو في شكل قوانين تتغيى تقييد حرية الآخرين ، أغلبية أو أقلية ، في الاستقصاء و الانتقاد الموضوعي و في تكوين الأحكام و التصورات المضادة ، بل إن هذه الحرية تتأسس ، خلافا لذلك بالتمام ، على مبدإ الحرية ذاتها و على مبدأي المساواة و العدل . ثانيا إذا كانت حرية الرأي و التعبير ، غالبا ما تقترن بالصحافة ، فإن الصحافة لا يمكنها القيام بذلك بصفة عادية و بما يسمح بأن تكون سلطة رابعة ، كما هو الحال في البلدان الديمقراطية ، إلا إذا كانت متحررة من أية مقدسات و من كل أنواع الرقابة بما فيها الرقابة الذاتية ، و إلا إذا كانت مستقلة و غير متحيزة في ما يخص القضايا ذات الحيثيات المختلفة ، و بالتالي متعددة و يتمتع فيها الصحافي بالحق في الوصول إلى مصادر المعلومات مهما كانت طبيعتها و غير خاضعة في الحصول على وسائل الإنتاج و توزيع المعلومات كالورق و المطابع و أدوات الاتصال عن بعد و موجات البث الإذاعي و التلفزي و موارد الإشهار ، لاحتكار الدولة أو لتعليماتها أو لتعليمات جهات موالية لها أو تخشى من انتقامها . انتهاكات حق الصحافة في حرية الرأي و التعبير ☻مدلول انتهاك الحق في حرية إبداء الرأي و التعبير : إن المقصود من انتهاك الحق في حرية الرأي و التعبير هو : ●كل ما تقترفه الدولة ، عبر أجهزتها الرسمية أو بواسطة فرق أخرى تابعة أو موالية لها ، من مس لأي سبب يخص هذا الحق بالصحفيين و المحررين و الناشرين و الموزعين و غيرهم من مهنيي الإعلام ،،، و بالأكاديميين و الباحثين و العلماء و الأدباء و الفنانين و السياسيين و الهواة و المحامين و البرلمانيين و العسكريين و الأئمة و المدافعين عن حقوق الإنسان ؛ ●جريمة مرتكبة من قبل الدولة إذا ما اتخذ شكل حرمان من الوصول إلى المعلومة أو مضايقة أو تهديد أو اعتداء جسدي أو مصادرة لمطبوع أو رقابة قبلية أو بعدية عليه أو منع من التنقل أو مغادرة البلاد و العودة إليها أو تفتيش أو تعليمات من أجل توقيف أو طرد من العمل ، أو اعتقال تعسفي أو محاكمة غير عادلة ، أو ضغط مباشر أو غير مباشر على المزودين بالورق أو بباقي المواد و الأدوات ذات الصلة ، أو على المعلنين أو الطابعين أو الناشرين بدافع من الانتقام من مهنيين أو غيرهم أو بدافع الحد من حريتهم في ترويج الأنباء و المعلومات و الآراء و المعارف ،،، ☻المسوغ القانوني لانتهاك حق الصحافة في حرية التعبير : يتمثل هذا المسوغ في : ●أن دستور المملكة المغربية ، على عكس الدساتير الديمقراطية ، يمنح بيد ما يسحبه بيد أخرى ، فهو في الفقرة الثانية من الفصل التاسع يعترف للمواطنين بالحق في حرية الرأي و التعبير ، لكنه في نهاية الفصل ينتزع منهم هذا الحق بواسطة قوانين أخرى ؛ ●أن هذه القوانين متعددة ، غير أن قانون الصحافة الجديد يرصد وحده ، و بالجملة ، صكوكا جاهزة لاتهام الفاعلين الساعين إلى التعبير عن الرأي بحرية و إلى نشر المعلومات عن أفراد أو شخصيات أو مجموعات ، منها : التحريض ، القذف ، التشهير ، الادعاء الكاذب ، الإخلال بالأخلاق و الآداب العامة ، المس بالنظام ، الإخلال بالاحترام الواجب للملك و أصحاب السمو الأمراء و الأميرات ، و المس بما ينعت بالمقدسات الثلاثة ، أي الملكية ، الوحدة الترابية ، و الإسلام . و هي صكوك، كما أثبتت التجربة في بلادنا ، يسهل تلفيقها للناس مهما كانت السياقات و الظروف ؛ ●أن هذا القانون و غيره ، سعيا من مشرعه إلى تقويض الحق في حرية الرأي و التعبير و تجريده من محتواه ، يطبق بناء على تلك الصكوك الاتهامية عقوبات سالبة للحرية تمتد بالنسبة للتهم الأربعة الأخيرة المذكورة من 03 إلى 05 سنوات سجنا مرفقة بغرامة تتراوح من 10 آلاف إلى 100 ألف درهم ، و تتحدد في الغرامة وحدها أو من 01 شهر إلى 05 سنوات سجنا مصحوبة أو غير مصحوبة بغرامة ، و ذلك بحسب الحالات المتعلقة بكل من الاتهامات الأخرى المذكورة . كما يطبق على الجرائد المعنية عقوبة تتراوح من التوقيف لمدة 03 أشهر إلى التوقيف النهائي ؛ نماذج من المتابعات ● مواصلة إخضاع الصحفيين للإكراه البدني و دون محاكمة عادلة : من أمثلة ذلك ، قضية الصحافي عبد الرحمان البدراوي ، المدير سابقا لجريدة " الملاحظ السياسي " الذي تم اعتقاله و محاكمته و سجنه مرتين حول نفس الدواعي ، أي " انتحال وظيفة " ، و ذلك على إثر تحريره مقالة حول فضيحة مالية عرفتها مدينة القنيطرة أتبعها بإجراء تحقيق حول اختلاسات ارتكبت من قبل بعض أطر الشرطة في مدينة تمارة ، و النتيجة أنه قضى أربع سنوات ابتداء من سنة 2002 في السجن . و من أمثلة ذلك أيضا ، أنه في يوم 15 يناير 2007 أصدرت المحكمة الابتدائية بالدارالبيضاء حكما بالإدانة ضدّ الصحفيّين بأسبوعية "نيشان" المغربية إدريس كسيكس مدير المجلة وسناء العاجي بثلاثة سنوات سجنا مع وقف التنفيذ وتخطئتهما ب80 ألف درهم ومنع إصدار الجريدة لشهرين. وذلك بسبب نشر تحقيق صحفي بعددها ل 9 ديسمبر 2006 حول نكت المغاربة عن الدين والجنس والسياسة، اعتبر تعدّيا على الدين الإسلامي وكان الوزير الأوّل المغربي إدريس جطّو قد أمر بسحب جميع نسخ الجريدة من الأكشاك في انتظار المحاكمة. ●جعل الصحفيين و المفكرين في وضعية الرهائن : من أمثلة ذلك ، تقديم كل من الصحافي عبد العزيز كوكاس و مستجوبته ندية ياسين خلال صيف 2005 للمحاكمة بناء على الفصل 41 من قانون الصحافة بتهمة المس بالمقدسات . و رغم أن الملف كان جاهزا و الدفاع مسجلا و لم يطالب بأية مهلة أخرى ، فإن المحكمة فاجأت الجميع بتعليق الملف ، و هو الإجراء الذي ما يزال ساري المفعول إلى الآن . ●تهديد الجرائد و المجلات المستقلة بالإفلاس : آخر أمثلة ذلك ، أنه في 18 أبريل 2006أيدت محكمة الاستئناف بالرباط حكم المحكمة الابتدائية القاضي بتعويضات تقدر ب 3 مليون درهم لصالح مونيكيه رئيس "مركز الأمن والمخابرات الإستراتيجي الأوروبي" الذي أدعي أن "Le Journal Hebdomadaire" قد شهرت به وبمعهده عندما نشرت استفتاء نقديا حول حيادية أحد التقارير عن الصحراء الغربية , مدعيا أن المجلة إياها قد وصفت التقرير بأنه يعرض الموقف الرسمي للحكومة المغربية وبأنه تم "بإرشاد" وربما بتمويل من الحكومة المغربية , كما قامت المحكمة أيضاً بتغريم المجلة مبلغ 100.000 درهم. و من الأمثلة التي سبقت ذلك أنه : ● في يوم 15 غشت 2005 ، أصدرت المحكمة الابتدائية بمدينة الدارالبيضاء حكما بالسجن لمدة شهرين موقوفي التنفيذ و بغرامة قدرها 25000 درهم مع تعويض تبلغ قيمته 01 مليون درهم في حق كل من رضا بنشمسي ( مدير نشر مجلة " Tel Quel" ) و كريم بخاري ( رئيس الأخبار بهذه المجلة ) ، و ذلك إثر شكاية مباشرة تقدمت بها النائبة البرلمانية السيدة " حليمة عسالي " بخصوص قذف و سب و شبهة زعمت أنها كانت ضحية لها من خلال مضمون ورقة صحفية وقعها الصحفي كريم بخاري تحت عنوان Secret d'une brune ، يرسم عبرها كيف أصبحت " شيخة " ، أي مغنية و / أو راقصة شعبية، منتخبة برلمانية ، و ذلك دون أن يذكر اسم السيدة حليمة عسالي في ورقته . ● و في 24 أكتوبر 2005 ، أصدرت المحكمة الابتدائية بمدينة الدارالبيضاء حكما ضد مجلة " Tel Quel"( مجلة مستقلة ) بأداء غرامة تبلغ 10000 درهم و بتعويض قدره 900000 درهم لفائدة السيدة تريا الجعايدي رئيسة إحدى جمعيات مساعدة الأطفال ، و ذلك بتهمة القذف في حق هذه الرئيسة ، حيث و كما جاء أيضا في ثلاثة جرائد أخرى هي : " الأحداث المغربية " ، " الأيام " ، " الأسبوعية الجديدة " ( جرائد مستقلة )، نشرت " تيل كيل " خبرا قصيرا مفاده أن السيدة الجعايدي قد تم استدعاؤها من قبل الشرطة لاستفسارها حول اختلاسات مست مالية جمعيتها. و بحكم أن الخبر اعتبر في ما بعد غير صحيح، فقد أسرعت الجرائد الأربعة على التو إلى نشر تكذيب . لكن ، و بالنظر إلى أن السيدة الجعايدي تقدمت رغم ذلك بتظلمها ضد هذه الصحف ، فإنه و خلافا للحكم ضد " تيل كيل " عوقبت جريدة " الأسبوعية الجديدة " بأداء 30000 درهم ، و كل من " الأيام و الأحداث المغربية " بأداء 100000 درهم. ● و في يوم 28 نونبر 2005 أجلت هيئة محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء البت في القضية الأولى إلى يوم 05 دجنبر 2005 من أجل الاستماع إلى تعقيب دفاع المشتكية حليمة عسالي التي تطالب ب 300 مليون درهم كتعويض عما تدعي أنه لحقها من مس بكرامتها و شرفها . و هي التهمة التي ينفيها دفاع المجلة موضحا بأن الشكاية إياها لا تتضمن البيانات اللازمة بما فيها توصيف التهمة ، و أن الورقة الصحفية ( العمود ) موضوع الشكاية هي جنس ينتمي إلى الكتابة الصحفية الساخرة التي توظف المجاز و غيره من أنواع البلاغة اللغوية في التعبير ، و ليست تهكمية ، و أنه إذا كان القصد في جرائم القذف فرضيا فإن حسن النية هو الأساس . كما تساءل هذا الدفاع عن المعايير التي تكون المحكمة قد اعتمدتها في تحديد قيمة التعويض و عمن في مصلحته إخضاع مجلة " تيل كيل " للإفلاس . ●الضغط بأشكال أخرى على الصحافة المستقلة : من أمثلة ذك ، إخضاع مدير نشر جريدة " الأيام الأسبوعية " في يوم 24 نونبر 2005 لاستنطاق من قبل الفرقة الجنائية لولاية أمن الدارالبيضاء الكبرى دام 04 ساعات حول ملف نشرته الجريدة في عدد سابق تحت عنوان " أسرار حريم القصر بين ثلاثة ملوك " . و قد تمركزت أسئلة الاستنطاق حول أمور من بينها : مصادر معلوماته و صحة الوقائع و الصور المنشورة ، و حول ما إذا كانت لديه النية في الإساءة لسمعة و شرف البلاط ، و حول ما إذا كان يحمل هذا الملف إهانة للملك ؟ المصطفى صوليح El Mostafa Soulaih كاتب ، باحث ، و مؤطر ، في مجال التربية على حقوق الإنسان و المواطنة - من أطر اللجنة العربية لحقوق الإنسان ( باريس ) . * نص مداخلة المصطفى صوليح في ندوة " حرية التعبير بين القانون و الممارسة " التي نظمها فرع الدارالبيضاء و نواحيها للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان يوم السبت 27 يناير 2007 بدار المحامي التابع لهيئة المحامين بالدارالبيضاء .