في الجزء الثالث الذي يحمل عنوان: " أحكام خاصة وانتقالية" من المرسوم رقم 793. 96. 2بتاريخ 19 فبراير 1997 في شأن النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي، وفي الباب الثاني منه، المتضمن الأحكام المتعلقة بالأساتذة الباحثين المتدربين والمرسمين، يبدع صانعو هذا القانون في أساليب تفكيك طبقات الأساتذة الباحثين، وتشتيت أطيافهم شيعا وفرقا وفئات متسكعة على باب رقعة جغرافية متنوعة التضاريس تنجرف بهم إلى كيانات متناثرة ،متعارضة، محاصرة في مجاري موحشة ومذهلة، تفتقد أية مبررات قانونية أو أية مرجعيات تشريعية موضوعية. وكانت إرادة التفكيك هذه مقصودة باعتبارها الصيغة المثلى التي تنتهي بقليل من الأذى، إذ أن إطار الأساتذة المساعدين حملة دبلوم الدراسات العليا وما يعادله كانوا يشكلون إبان فترة صدور المرسوم المذكور القاعدة العريضة للأساتذة الباحثين بالتعليم العالي، وقامت على عاتقهم المؤسسات الجامعية التي تضاعفت وتيرة نموها خلال هذه الحقبة، إذ أدوا بكل تفان وبروح تضحية نادرة كل أعباء التدريس والتأطير خارج مهامهم الفعلية التي حددت إطارها القوانين المعمول بها، ولذلك كان إجراء تكسير قوتهم العددية ، وتفتيت "كثافتهم" ضروريا لضرب وحدتهم من جهة والتشكيك في وحدة مطالبهم من جهة وتسهيل مأمورية الإجهاز على مكتسباتهم من جهة ثالثة، وهذا ما جسدته فعلا بنود المرسوم. ففي المادة 33 منه، المحددة لطرائق إدماج الأساتذة المساعدين، وإفراغهم في " القوالب" الجديدة المحدثة، يتم توزيعهم إلى هذه الفئات: الفئة الأولى: وتشمل الأساتذة المساعدين البالغين الرتبة الأولى من الدرجة ( ب ) من إطار أستاذ مساعد وفق مرسوم 1985، أي الذين استوفوا عمليا كل رتب الدرجة (أ ) وقضوا على الأقل تسع سنوات من العمل، تبعا لهذا المرسوم، وهؤلاء يعاد إدماجهم أو إفراغهم وفق التركيبة أو التشكيلة الجديدة في إطار " أستاذ التعليم العالي مساعد" الدرجة ( أ )، أي أنهم سيبدأون تاريخهم المهني مرة أخرى من الصفر،حيث ستسلب منهم كل سنوات عملهم التي قضوها في الإطار القديم عدا أقدميتهم في الرتبة الأخيرة ويغدون وكأنهم يوظفون للمرة الأولى. على حين كان من المنصف إفراغهم في الدرجة ( ب ) من الإطار الجديد، لأن أقدميتهم عمليا تستوجب بل وتفرض هذا الترتيب، لأن هذا هو موقعهم الطبيعي. الفئة الثانية:وتشمل الأساتذة المساعدين البالغين الرتبة الخامسة من الدرجة ( أ ) وفق مرسوم 1985، أي أولئك الذين قضوا على الأقل ست سنوات من العمل الفعلي في هذا الإطار، وهؤلاء تتم إعادة إدماجهم في الإطار الجديد أستاذ التعليم العالي مساعد الرتبة ( أ ) دون أقدمية وبشروط، إذ أن إعادة إدماجهم لا تتم بصورة تلقائية وإنما بناء على اقتراح من اللجنة العلمية ومراعاة مجموعة من المعايير هي : الشهادات والمؤهلات المتوفر عليها ، والأعمال والنشرات المنجزة، والعروض المقدمة في المناظرات والندوات الوطنية والدولية وأعمال البحث الجارية، أي بناء على ملف علمي متكامل يعرض على أنظار اللجنة العلمية. وليس ثمة في الحقيقة ما يبرر إدراج هذه المعايير ووضع المزيد من العراقيل في وجه هذه الفئة، إذ ما يفصلها عن الفئة الأولى لا يعدو أن يكون سنوات معدودة من الأقدمية، لا تكاد تبلغ ثلاث سنوات في أقصى الاحتمالات، فالشهادات بالنسبة للفئتين واحدة، والمؤهلات في الغالب واحدة، والفرق أن الفئة الأولى استوفت كل رتب الدرجة (أ ) في الإطار القديم، بينما هذه الفئة تشرف بالكاد على استيفائها، والفرق على الإطلاق لا يمكن أن يكون ذا طابع علمي وأكاديمي، وإنما هو فرق زمني بسيط، و لا يجوز في أية حال أن يعتمد هذا الفاصل الزمني معيارا للتشكيك في مؤهلات وشهادات هذه الفئة، ومن ثمة الإجهاز على أقدميتهم في إطارهم القديم.ويعني هذا من زاوية أخرى أن عدم توفر المعايير السالفة وفق المسطرة المنصوص عليها، سيؤدي حتما إلى تقهقر وضعية هذه الفئة وضياع عمرها المهني تماما، لأن الإطار الجديد لن يستوعبها، وستظل معرضة لإجراءات أخرى أشد قسوة وأعظم جورا، هي الإجراءات التي تهم الفئة الثالثة. الفئة الثالثة:وتشمل الأساتذة المساعدين المرسمين، لكنهم لم يبلغوا في تدرجهم المهني الرتبة الخامسة من الدرجة ( أ ) في إطار أستاذ مساعد حسب مرسوم 1985، أي الذين ينواجدون في الرتب 2 أو 3 أو 4، ودون الخامسة، وهؤلاء سيظلون "خارج التغطية" في التشكيلة الجديدة لإطارات التعليم العالي ، وخارج عملية إعادة الإدماج التي لن تتم إلا بعد مناقشة أطروحاتهم لنيل الدكتوراه المنصوص عليها في المرسوم الخاص بتحديد نظام الدراسة والامتحانات لنيل الدكتوراه... الفئة الرابعة: وتشمل الأساتذة المساعدين الحاصلين على شهادة معترف بمعادلتها للدكتوراه ( حسب النظام الجديد ) والمقصود بهذه الشهادة هنا هي ما يعرف بالدكتوراه الفرنسية، وهؤلاء تتم إعادة إدماجهم في الإطار الجديد " أستاذ التعليم العالي مساعد"بامتيازات مضافة هي : ترسيمهم في إطارهم الأصلي أولا ، وثانيا منحهم أقدمية "اعتباطية" مدتها ست سنوات. ولا يقدم المرسوم أي تبرير لإغداق هذه "الامتيازات" على هذه الفئة دون سواها، ولا خلفيات هذه "الأفضلية" التي منحت لها. الفئة الخامسة:وتشمل الأساتذة المساعدين الذين لا يخضعون لأي من المواصفات أو الأوضاع أو الشروط والخصوصيات المشار إليها،بحيث لا يندرجون في أي من الفئات المصنفة المذكورة، وهؤلاء سيظلون خاضعين لأحكام مرسوم 17 أكتوبر 1975، حتى تتوفر لهم إحدى الشروط لدى الفئات الأخرى، والتي ستخول لهم فرصة إعادة الإدماج طبقا لمقتضياتها. ويتيح لنا هذا الرصد الوقوف على الاستنتاجات التالية:1 إن المرسوم يتولى ببراعة فائقة عملية تفتيت الأساتذة المساعدين إلى خمس فئات أو طبقات أو مجموعات تبدو وكأنها متمايزة أو منفصلة بعضها عن بعض، في غياب تام لأية معايير أو اعتبارات قانونية أو تشريعية موضوعية تسند أو ترجح منحى هذا التفتيت أو التوزيع وموضوعيته وعدالته كذلك.2 إن مجموع أربع من خمس من هذه الفئات أو المجموعات التي تم نسجها ، يمكن اعتبارها ضحايا هذا التوزيع، أو هي قرابين لتمرير وتكريس بركة النظام الأساسي الجديد للأساتذة الباحثين، إذ تعامل معها المرسوم بإرادة تصميم مسبق على التضحية بها، وممارسة الكثير من العسف والجور وعدم الإنصاف في حقها، مع سبق الإصرار والترصد الدقيق. فهناك فئتان منها يحاصرهما المرسوم في دائرة مغلقة هي "وضعهما الخاص" ويتم إقصاؤهما تماما من رقعة التشكيلة الجديدة وإطاراتها، مما يعني بكل وضوح عدم الاعتراف بهما في سياق هذه التشكيلة، وهذا ما ينطبق على الفئة الثالثة والخامسة، أما الفئتان الأولى والثانية، فإن إدراجهما في نطاق التشكيلة لا يتم إلا بعد تجريدهما من كل ركام الأقدمية المكتسبة في الإطارات الأصلية السابقة، لتلتحق بالتشكيلة عارية من تاريخها، وكأنها تولد للمرة الأولى،ويتم إهدار تاريخها الفعلي والمهني بدون أي سند قانوني أو تنظيمي وتشريعي.3 إن الفئة الرابعة ضمن هذه المجموعات شكلت استثناء داخل السياق، إذ أن المرسوم يحيطها بعنايته الشاملة، ويغدق عليها خيراته ( الترسيم وأقدمية ست سنوات اعتباطية ) دون أن يقدم مسوغاته لهذا التمييز أو مبررات هذه الرعاية والحظوة الكبرى.4 إن المنطق الذي يوجه حركة ودلالات المرسوم ، لم يكن يخضع في الواقع إلا لمزاج خاص، يفتقد أية منطلقات أو أهداف موضوعية، ويحكمه نزوع اصطفائي وتصفوي، ومنظور غير موضوعي وغير نزيه، ولذلك لم يراع حقوق الأساتذة المساعدين ولا حتى منظومة القوانين والأعراف الجاري بها العمل في هذه البلاد، وإلا كيف يمكن أن نستوعب هذه المفارقة العجائبية: انتزاع أقدمية حقيقة وفعلية تصل إلى تسع سنوات أو ما يفوق، لفئة من الأساتذة المساعدين حاصلين على شهادة معترف بأصالتها وأصليتها، ومنح ست سنوات جزافية، مجانا، لفئة أخرى بدعوى أنها تتوفر على شهادة معترف بمعادلتها.قد يكون المرسوم بهذا يوارب في محاولة من الوزارة الوصية تقويم وإصلاح الخطأ الجسيم الذي اقترفته في حق هذه الفئة من الأساتذة المساعدين الذين تم توظيفهم ابتداء من أواسط الثمانينيات من غير الاحتكام إلى مبدأ تطبيق المسطرة الخاصة بمنح معادلة شهادات التعليم العالي، غير أن إصلاح ذلك الخطأ لا يمكن أن يكون على حساب الفئات الأخرى، وبارتكاب جريرة أخرى لا تقل جسامة هي انتزاع سنوات الأقدمية الفعلية من تاريخ الأساتذة المساعدين المهني اعتسافا وجورا، وتقديمها على طبق من ذهب لفئة أخرى، كان من الأجدر أن يتم إنصافها طبقا للنصوص التشريعية المعمول بها، وتحديد مسؤولية من يتحمل الخطأ ومبادرة خرق المساطر القانونية في هذا الشأن.5 إن المرسوم عمليا جسد مبدأ الغزو القديم والمعروف "فرق تسد"، إذ وزع قاعدة الأساتذة المساعدين إلى "جيوب" و"قطعان" صغيرة، ليسهل الانقضاض عليها وافتراسها، ولعب بذلك دور "الذئب" الحكيم الذي استطاع بفراسته أن يفتح شبكة ثغرات في صفوفهم ويباشر الفتك بهم في خلوتهم بعد أن نجح في عزل بعضهم عن بعض ، وخلق فوارق وهمية ،وظلال مصالح متعارضة بينهم. 6 إن استراتيجية المرسوم واضحة المعالم، وتستهدف اتساع قاعدة الأساتذة المساعدين وتاريخهم في الجامعة المغربية، وهي استراتيجية تحكم فيها على ما يبدو هاجس الأمن المالي الذي ما فتيء يرهن و يوجه خيارات الحكومة ووزارة المالية منذ التسعينيات، ولذلك مارس "فصالته" و"خياطته" وفق هذه الاستراتيجية التي لم تكن تتوخى سوى بلوغ غاية واحدة هي تكريس تغيير النظام الأساسي للأساتذة الباحثين وأوضاعهم بأقل تكلفة ممكنة أو بدون أي تكلفة متى استطاع إلى ذلك سبيلا، وليس مهما حجم الضحايا في طريق هذا الاختيار، فالغاية تبرر الوسيلة مهما مدمرة.7 إن المرسوم بهذه الصيغة يكرس في الواقع ألوانا من الظلم والجور في حق فئات كثيرة من الأساتذة المساعدين، وهو لذلك فاقد لمشروعيته ولمصداقيته، ولا مناص من ضرورة تقويمه في اتجاه إعادة الأمور إلى نصابها، ورد الحق إلى أصحابه، وإنصاف كل الذين لحقهم الجور أثناء عمليات إعادة الإدماج، باحتساب كل الأقدمية المغتصبة من تاريخهم المهني والعملي، وجبر الضرر الذي لحقهم منذ دخول المرسوم المذكور حيز التطبيق.إشارة :استرعى انتباهنا ونحن نشتغل على نص هذا المرسوم أنه في سياق الحيثيات المقدمة والتي تستعرض المرجعيات والظهائر والمراسيم والقوانين التي اعتمدت لصياغة بنود مرسوم النظام الأساسي للأساتذة الباحثين، الإشارة إلى المرسوم رقم 796 . 96 . 2 الصادر في 19 فبراير 1997 الخاص بتحديد نظام الدراسة والامتحانات لنيل الدكتوراه ودبلوم الدراسات العليا المعمقة ودبلوم الدراسات العليا المتخصصة وكذا الشروط والإجراءات المتعلقة باعتماد المؤسسات الجامعية لتحضير الشهادة المذكورة وتسليمها. والإشارة هنا تعني أن هذا المرسوم هو أحد المرجعيات التشريعية التي استند عليها مرسوم النظام الأساسي للأساتذة الباحثين، ولكن كيف تتأتى الإحالة بهذه الصيغة، والوضع أن هذا المرسوم نشر في العدد نفسه من الجريدة الرسمية الذي نشر فيه مرسوم النظام الأساسي( عدد 4458 / 1997 )، فكيف أمكن الاعتماد عليه كمرجعية في هذا الباب، قبل صدوره وقبل أن ينشر في الجريدة الرسمية ويأخذ صفته القانونية. من جهة أخرى فإن المجلس الوزاري الذي صادق على مرسوم النظام الأساسي انعقد يوم 29 أكتوبر 1996، فهل من المنطقي أن يعتمد في حيثيات المرسوم المصادق عليه مرسوم صادر في 19 فبراير 1997 أي صادر بعد انعقاد المجلس بأربعة شهور.؟بل إن المجلس نفسه صادق على هذا المرسوم في هذا التاريخ بالذات ( 29 أكتو 1996 ). مجرد إشارة فقط، فربما تعلق الأمر بقصور في الفهم من جانبنا، لا بخطأ أو خلل في هذا الشأن.سعيدي المولوديكلية الآداب. مكناس