إن الانتقادات التي وجهها البيجيدي للحكومات السابقة في برنامجه الانتخابي لعام 2011 ، ومنها (إن السياسات المتبعة أدت إلى وضع المغرب على طريق القطيعة بين فقرائه وأغنيائه مع الإضعاف المتزايد للطبقة الوسطى) ، ليس فقط لم يتجاوزها خلال رئاسته للحكومة ، بل كرّسها . ذلك أن محاربة الفقر مرهونة بدعم الاستثمارات المنتجة للثروة ولفرص الشغل وكذا الرفع من نسبة نمو الاقتصاد الوطني(مثال : قطاع البناء والأشغال العمومية: على الرغم من الارتفاع الملحوظ للدعم العمومي الممنوح له، فإن الزيادة في قيمته المضافة انتقلت من 5,6 % بين 2010-2005 إلى 2 % بين 2017-2011 ،في حين أن قدرة هذا القطاع من حيث خلق فرص العمل تقلصت بأكثر من 60 ألف منصب شغل بين الفترتين المذكورتين )(انظر وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة 2019).هذان الشرطان عجز البيجيدي عن تحقيقهما ، وفق تقرير لجنة النموذج التنموي الذي سجل تضاؤل قدرة الاقتصاد الوطني "على خلق الثروات وفرص الشغل. وهكذا انتقلت وتيرة نمو الاقتصاد الوطني من 4.8% كمعدل سنوي خلال الفترة 2000-2009 إلى 3.5 %خلال الفترة 2010-2019( 2.8%) ما بين2018 و2019). وعلاوة على ذلك، اتسم الاقتصاد بالضعف فيما يخص خلق فرص الشغل، مما لم يسمح باستيعاب الوافدين الجدد على سوق الشغل، وأغلبهم من الشباب".وضعية نتج عنها ، حسب تقرير المندوبية السامية للتخطيط أن(ال 10 %الأكثر ثراء يركزون 11 مرة ثروة ال 10 %الأكثر فقرا )" ، وأن "عدد الشباب في وضعية"لا في المدرسة و لا في التكوين ولا في الشغل(NEETs )" وصل إلى مستوى جد مرتفع (تشير خلاصات دراسة أنجزها المرصد الوطني للتنمية البشرية (يناير2021)، إلى أن من بين 6 ملايين شاب تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، بلغت نسبة الشباب "خارج التعليم والعمل والتكوين" 28 بالمائة سنة 2019، أي حوالي 1.7 ملايين شاب وشابة) .هذه هي حصيلة تدبير البيجيدي للشأن الحكومي طيلة عشر سنوات ؛ وأكيد أنه إذا استمر على رأس الحكومة للولاية الثالثة ستلتحق ملايين أخرى من الشباب بهذه الفئة التي لا هي في المدرسة ولا في التكوين المهني ولا في الشغل ، خصوصا ضحايا الهدر المدرسي ؛ إذ (وفقًا لبيانات المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، غادر ما يقرب من 432000 تلميذ أسلاك التعليم المدرسي العمومي في عام 2018 دون الحصول على شهادة، منهم 78 %في المرحلة الابتدائية والجامعية).وظلت أعداد المنقطعين عن الدراسة جد مرتفعة. فهل تدرك الحكومة المخاطر الاجتماعية التي ستترتب عن وجود هذا العدد الكبير من الشباب دون تكوين أو تأهيل أو شغل ؟ أكيد لا تدخل هذه الفئة من المواطنين ضمن اهتمامات البرامج الانتخابية للبيجيدي التي تستهدف أساسا فئة الأرامل والمطلقات التي يعزز بها قواعده الانتخابية ويقوي حظوظه في الفوز بالانتخابات وتصدّر نتائجها . فكلما استعرض البيجيدي "إنجازاته" الحكومية إلا وانتشى بتخصيصه الدعم المالي لهذه الفئة الهشة التي حذّر المراقبون من كون هذا الدعم المباشر سيخلق فئة تعيش على الريع والتسول السياسي . فقد أعلنت وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، أن عدد النساء الأرامل اللائي استفدن من الدعم بلغ حوالي 114 ألف و851 أرملة في وضعية هشة ، وأن كلفة البرنامج الإجمالية منذ إطلاقه إلى غاية 2 يوليوز 2021، بلغت حوالي مليارين و876 مليون درهم. وباعتبار البيجيدي مهووسا بالاستثمار في الفقر والتهميش لأنهما يمكّنانه من الاستغلال السياسوي لضحاياهما ، فهو يفضل تقديم الدعم المالي المباشر للفقراء على حساب الاستثمار المنتج الذي يحسن أوضاعهم. ذلك أن إحصائيات المندوبية السامية للإحصاء تقول إن 55 في المائة من الفقر بالمغرب سببه التعليم ، وأن 40 في المائة من السكان يعيشون في البادية ويعاني جلهم من الأمية والفقر. وبالمعايير الدولية فإن 10 في المائة من السكان في القرى يمكن أن يوفروا أغذية ل100 في المائة للسكان ، وحسب هذا المعيار فإن لدينا في المغرب 30 في المائة فائضة وإنتاجيتها ضعيفة بسبب الأمية. لهذا فمحاربة الفقر ينبغي أن تبدأ من التعليم. لهذا لن يستثمر البيجيدي في التعليم ولن يعلم الفئات الفقيرة صيد السمك حتى لا تستقل بوعيها وقراراتها. 9 السكن: من الوعود التي قدمها البيجيدي في برنامجه الانتخابي سنة 2011 ، محاربة دور الصفيح والتغلب على العجز الذي سجل سنة 2011 حوالي 700 ألف وحدة سكنية وبقاء 43 مدينة صفيحية. لأجل هذه الغاية ، وعد البيجيدي بسلسلة من الإجراءات منها : إدماج المشاريع السكنية في إطار سياسة عمرانية مندجمة و مراجعة المقاربة المعتمدة في معاجلة السكن غير اللائق وتقليص العجز السكني إلى النصف. إدماج تيسيري ولوج مختلف الفئات المحتاجة إلى السكن . - تشجيع الاستثمار في إنتاج السكن المخصص للكراء وإصلاح شمولي لمنظومة الكراء وتقديم تحفيزات ضريبية للأسر التي تتجه للكراء. الرفع من وترية إنتاج السكن الاجتماعي ومضاعفة الوحدات المنجزة. ما ينبغي أن تدركه قيادة البيجيدي ، هو أن حكومتها لم تبدأ من فراغ ، بل وجدت أمامها برنامج "مدن بدون صفيح" الذي انطلق العمل به سنة 2004 ، وبدعم من الدولة بهدف تحسين ظروف عيش أكثر من مليون و800 ألف شخص في 85 مدينة تتوسطها أحياء صفيحية ، حيث كانت تعتزم القضاء نهائيا على مدن الصفيح في المغرب في أفق سنة 2020.وكان من المفروض أن تتقدم الحكومة في الوفاء بوعودها في مجال توفير السكن اللائق والقضاء على دور الصفيح. إذ وفقا للجدولة الزمنية التي وضعتها الحكومة ، فإنه لن تمر سنة 2020 إلا وقد صارت كل مدن المغرب خالية من دور الصفيح . لكن العكس هو الحاصل ،حيث لم تتمكن الحكومة من القضاء على مساكن الصفيح. وبناء على الإحصائيات الرسمية التي سبق وكشفت عنها وزارة التعمير والإسكان ، فإن أكثر من 100 ألف أسرة لا تزال تعيش في أكواخ بأحياء فقيرة في مدن المملكة،إلى نهاية 2019. وسبق للسيد إدريس جطو، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للحسابات، خلال عرضه بتاريخ 23 يونيو 2020، أمام لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب لتقييم برنامج مدن بدون صفيح منذ 2008 إلى 2018، أن وجّه انتقادات إلى الحكومة بسبب عدم الوفاء بالتزاماتها بخصوص القضاء على دور الصفيح. وجاء في تقريره أنه "تمت مراجعة أهداف برنامج مدن بدون صفيح لأكثر من مرة، التي أصبحت متجاوزة بسبب ارتفاع عدد الأسر القاطنة في دور الصفيح"، ومن ثم نبّه إلى أن "عدم الوفاء بالمواعيد النهائية 2010، 2012، 2014، 2018، والآن نحن في 2020 ويتم الحديث عن السنة المقبلة، وهو ما يجعل الوثوق بهذا التاريخ غير ممكن".ومن أبرز الأسباب التي تحول دون القضاء على دور الصفيح هو أن عدد الأسر القاطنة في الأحياء الصفيحية يتزايد بمعدل 10 آلاف أسرة سنويا ؛ إذ تتداخل الدوافع الانتخابية مع العوامل الاجتماعية والاقتصادية في هذا التزايد ، وهي العوامل التي لا يملك البيجيدي لها حلولا ، بل لا يسعى إلى ذلك مادام يتغذى على ضحاياها. ستمر ، إذن ،سنة 2021 دون أن تفي الحكومة بالتزاماتها ، علما أن جلالة الملك سبق وأعفى وزير الإسكان من منصبه سنة 2017 ، دون أن يتدارك رئيس الحكومة الأمر بالحرص على تنفيذ البرامج المسطرة . يتبع ..