قال رئيس النيابة العامة بالمغرب، الحسن الداكي، خلال ندوة نُظمت اليوم الأربعاء بالمعهد العالي للقضاء من طرف المكتب المركزي لودادية موظفي العدل، والتي حملت عنوان "مرفق العدالة على ضوء تقرير النموذج التنموي الجديد"، إن بنية العدالة في المملكة لا زالت تعاني من الأعطاب، بما في ذلك نقص الكفاءات، مقرا أيضا بوجود "أزمة ثقة" يتحمل مسؤوليتها كل الفاعلين في مجال القضاء. وأورد الداكي أن المغرب له "رغبة أكيدة" في بناء عدالة نزيهة وفعالة قريبة من انشغالات المواطن، تجسد من خلال الإرتقاء بالقضاء إلى سلطة في ظل دستور 2011، والذي أقر استقلال هذه السلطة القضائية من باقي السلط، ثم تلا ذلك استقلال النيابة العامة من السلطة الحكومية، وهو ما تمت ترجمته من خلال القانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي لرجال القضاء، والقانون رقم 33.17 المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى رئيس النيابة العامة. وتابع المتحدث أن رئاسة النيابة العامة بادرت إلى التفاعل إيجابا مع لجنة النموذج التنموي من خلال تقديم ورقة حول تصورها بشأن دور القضاء في هذا المشروع، تضمن تشخيصا واقعيا للعدالة مع إبراز ما تحقق، وما ينبغي أن يتحقق والإكراهات والعوائق والحلول الممكنة لذلك، مشيرا إلى ما ورد في التقرير العام للجنة الذي قدمه رئيسها، شكيب بن موسى، للملك محمد السادس يوم 25 ماي 2021 بالقصر الملكي بفاس، والذي خلص إلى أن بنية العدالة بالرغم من الإصلاحات التي عرفتها، إلا أنها مع ذلك ما زالت تعاني من بعض الأعطاب. ووفق الداكي فإن أبرز تلك الأعطاب تتمثل في طول أمد البت في الملفات القضائية، والنقص في الكفاءات، وضعف الشفافية، ما يفرض على كل مكونات منظومة العدالة، من قضاة وموظفي كتابة الضبط ومحامين وخبراء وعدول وتراجمة ومفوضين قضائيين، وشرطة قضائية وغيرهم من مساعدي العدالة المشاركة في ورش إصلاح العدالة عبر الانخراط الجاد والمسؤول في إرساء دعائم التخليق وتكريس قيم الحياد والنزاهة وخدمة الصالح العام، وتعزيز ثقة المواطن والمستثمر في هذه المنظومة. وقال المسؤول القضائي، إن رئاسة النيابة العامة وضعت استراتيجية عمل للمرحلة ترتكز بالأساس على تعزيز ثقة المواطن والرفع من مستواها وتبسيط إجراءات الولوج إلى الخدمات التي تقدمها، والتعاطي إيجابا مع تظلماتهم وشكاياتهم وطلباتهم، والسهر على معالجتها داخل آجال معقولة، فضلا عن مساهمتها في تخليق الحياة العامة من خلال انخراطها في الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد عبر التشجيع على التبليغ على كل أشكال الفساد واختلاس المال العام. واعتبر الداكي أن العدالة لا تعد شأنا قضائيا صرفا، وإنما هي شأن مجتمعي ومجال خصب لعدة متدخلين، ما يجعل كل الأطراف المتدخلة في العملية القضائية، "تتقاسم أزمة الثقة فيها" وبالتالي تحمِل المسؤولية بصفة جماعية لرفع التحدي وكسب رهان تحقيق النموذج التنموي الذي يتطلع إليه الملك، مبرزا أن عدالة المنتظرة هي القادرة على كسب رهان التنمية لتكون في مستوى انتظارات المغاربة، والتي تحظى بالمصداقية والثقة وتتمتع بالثقة والفعالية، وتربط تحقيق النتائج بالأهداف في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة، كما يجب أن تكون قاطرة على تحقيق التنمية بمختلف تجلياتها. وشدد الداكي على أن مكونات السلطة القضائية بما في ذلك رئاسة النيابة العامة، منكبة على دراسة وتحليل الخلاصات التي وردت في التقرير العام للجنة النموذج التنموي الجديد، وذلك بهدف تعميق التشخيص الواقع الحالي لمنظومة العدالة بالمغرب والبحث عن مختلف الصيغ المناسبة والآليات الممكنة لتجاوز كل الاختلالات، وتحقيق أقصى الغايات والأهداف المرجوة من طرح تلك الخلاصات أو من خلال ما قد يتم الوقوف عليه من معطيات أخرى من شأنها تطوير وتجويد العدالة، وذلك حتى تكون السلطة القضائية في الموعد من أجل كسب رهان التنمية.