إن تدمير مؤسسات القبيلة العتيقة من خلال زرع مؤسسات سياسية بديلة مرتبطة بالتصورات الحديثة للممارسة السياسية للإشراف على تسيير الشأن اليومي للقرى، لا يجد مجالا ملائما للنجاح في ظل الشروط المحددة للوجود الاجتماعي والسياسي في القرى المغربية بصفة عامة، وفي تمسمان بصفة خاصة، فواقع الحال يشير إلى قطائع حادة بين القرية كمجال اجتماعي وسياسي من جهة والممارسة السياسية الحديثة التي تجسدها المجالس الجماعية (الجماعات الترابية في الدستور الحالي) وهو ما يمكن استخلاصه من عدة مؤشرات منها: - استمرار هيمنة النظام الأبوي التقليدي الذي يجعل جيل الآباء يهيمن على كل المساحات المتاحة للتأثير في مسار الأحداث بفضاء القرية على كافة المستويات، فاعتبار السن مثلا لا زال عاملا أساسيا في احتلال المناصب (المميزة) مما يفضي إلى الإقصاء التام لفئة الشباب التي ورغم ظروف التضييق والتهميش التي لازمت وضعية قبيلة تمسمان، فقد استطاع بعضها تحصيل مستويات تعليمية مختلفة، هكذا تعكس الوضعية الحالية للمستويات التعليمية والعمرية للمستشارين الجماعيين القرويين لمختلف الجماعات الترابية بتمسمان، حيث ارتفاع متوسط الأعمار وانخفاض مستوى المؤهلات التعليمية، الشيء الذي يجعل السلوك السياسي لهؤلاء مغرقا في أمية سياسية ومعرفية لا ترقى إلى التسيير المنتظر، لشؤون الجماعة والحياة اليومية لمواطنيها. - الغياب التام للأحزاب السياسية من الفضاءات السياسية لقبيلة تمسمان، ذلك أن اعتبار المجالس القروية واجهة للديمقراطية المحلية، يجعل من المفترض أن تلعب فيها الأحزاب دور الفاعل ما بين التأطير السياسي المباشر للمواطنين والحضور التنظيمي والأيديولوجي على مستوى التدبير اليومي لشؤون هذه الجماعات التي دخلها أعضاؤها بناء على انتمائهم السياسي لهذه الأحزاب، لكن المجال السياسي لتمسمان لا يعكس الحضور الحزبي إلا في سياق الدكاكين الانتخابية التي تنشأ في فترات الحملات الانتخابية لتعود إلى الاضمحلال في انتظار استحقاقات جديدة. - واقع تسجيل الناخبين: يعلم الجميع أن التسجيل في الانتخابات يتم في فترات محددة تفتحها وزارة الداخلية لتسجيل المواطنين قصد التمكن من التصويت يوم الاقتراع، نجد عندنا أن الراغبين للترشح هم اللذين يتكلفون بجمع البطائق الوطنية وتسجيل المواطنين، غايتهم في ذلك هو كسبهم في التصويت، لأن ذلك التسجيل في اعتقاد الناخب هو إلزام له بالتصويت على من تكلف بتسجيله نظرا للأمية الواسعة السائدة في العالم القروي. هكذا تتأسس العملية الانتخابية في تمسمان على قاعدة الانتماء القبلي والعشائري الذي يعيد إلى الأذهان نظام الولاء التقليدي، أكثر مما تتأسس على الأحزاب وبرامجها وخلفياتها الإيديولوجية، بل إن هذه الأحزاب نفسها غالبا ما تركب نفس نظام الولاءات التقليدية هذا، في اختيارها للمرشحين الذين سيحضون بتزكيتها مما يرهن عملية التفاعل السياسي بين الأحزاب والمواطنين بتمسمان، والتي تصل ذروتها في فترات الانتخابات في سياق العلاقات الدائرية المغلقة التي لا تفسح المجال أمام انبثاق نخب جديدة أكثر ملائمة لشروط الممارسة السياسية الحديثة. إن التاريخ السياسي للمغرب، يعكس عجزا هائلا لدى الأحزاب السياسية بمختلف مشاربها عن ضمان موطئ قدم لها بالوسط القروي بصفة عامة، فضعف تأهيل هذه الأحزاب من جهة وجيوب المقاومة التي من الطبيعي أن ينتجها هذا الوسط ارتباطا بشروط عيش ساكنته من جهة أخرى، تجعل من اختراقه أمرا في غاية الصعوبة. - التناقض الصارخ بين شروط عيش الساكنة التي تحيل على التخلف الذي تعكسه مختلف مؤشرات التنمية البشرية من تعليم وصحة واندماج في الحضارة الحديثة وشروط اشتغال المؤسسات الجماعية التي هي من صميم إنتاج المجتمعات المتحضرة، والذي يرتبط أساسا بالفرق الكبير بين قرى ومدن المغرب في جميع مناحي الحياة، فعزلة قبيلة تمسمان وتهميشها في مخططات الدولة، ساهم بشكل كبير في استمرار هيمنة أنماط العيش العتيقة وتفشي الأمية، مما يؤدي إلى عجز هذه النخب عن مسايرة الحد الأدنى لمتطلبات الانخراط في اللعبة السياسية، لدرجة يصبح معها توفر هؤلاء على الشهادة الابتدائية كشرط للترشح لمنصب الرئيس عائقا حادا أمام عدد كبير منهم قد يدفعهم في كثير من الأحيان إلى محاولات الالتفاف عليه، عن طريق تزوير هذه الشواهد وهو ما بلغ ذروته في الآونة الأخيرة. رغم تحديث شروط الممارسة السياسية بالوسط القروي فلا تبدو حيثيات هذه الممارسة مختلفة عن السياق التقليدي الذي ميز مؤسسات القبلية والعشائرية، إذ لا زال يتحكم في خلق النخب المحلية، لتكون النتيجة مؤسسات جديدة بنخب قديمة لا تشكل انتماءاتها السياسية والأيديولوجية سوى غطاء يضفي الشرعية على انخراطها في اللعبة السياسية بشروطها الحديثة، وبالتالي فإن الانتقال من مؤسسات القبيلة إلى مؤسسات الدولة على مستوى فضاء قبيلة تمسمان، كان انتقالا صوريا لانعدام كل الشروط التي من شأنها أن تساهم في إنجاحها، وعلى رأسها فك العزلة عن جماعاتها وإدماجها في التنمية على مختلف واجهاتها من تعليم وصحة وثقافة، و… وتوفير مجال ملائم لإنتاج نخب بديلة لنخب الشواهد الابتدائية المزورة. فهل يا ترى ستحمل الانتخابات المبكرة القادمة في ظل الحكومة والدستور الجديد جديدا، أم ستبقى دار لقمان على حالها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؟ وذلك ما لا نتمناه.