المرتضي فلاح نشيط يعيش مع أسرته في قرية صغيرة. يكد طول اليوم في حقله من أجل قوته اليومي وقوت صغيره و شريكة حياته. يصيح الديك، راضية تشعل النار. تضع فوقها قدر الماء. ماء الوضوء للمرتضي وماء لتحضير الشاي الأخضر للفطور. خبز الشعير يسخن فوق النار وزيت الزيتون لذة للجائعين. عند الإشارة تكون الساعة السادسة صباحا. موعد الأخبار. المرتضي يرفع يده مشيرا إلى ضرورة الصمت. راضية تصمت. تقاتل في فلسطين… أسد هائج في سوريا… شواء الأطر في الرباط… الأطفال يموتون جوعا وبردا في الأطلس. همهم المرتضي في نفسه: '' البنزين الجزائري… الموت رخيص عندنا.'' سألت راضية عمّا وقع اليوم، لتفاجأ بالجواب المألوف: ''أنت لا تفهمين في السياسة.'' يصيح الراضي الرضيع من تحت الغطاء الذي ورثته أمه عن جدتها. غزلته بيديها سنتين قبل أن تهاجر في اتجاه مجهول. رسوم هندسية أمازيغية الأصل، تدل على مهارة الصائغة وتحكي عن دقات نفسية عاشت من أجل الآخرين. يصيح الراضي في وجه أمه. يطلب حليبا مغذيا بدل الشاي المنعنع. الدقيق والسكر سلاح وحيد لدى راضية ضد الجوع. الزيت حرّموها بفتوى حديثة في الدارالبيضاء. من الرباط أطلقوا الحملة الوطنية للتنمية البشرية. حليب الأطفال سيحظر في القرن المقبل. راضية لا تفهم في السياسة، لكنها تتساءل لماذا ينمو طفلها بلا سروال؟ لماذا يمرض الراضي ويشفيه الله وحده؟ لماذا يعيش على الدقيق والسكر؟ سمك السردين رائحته قوية. يقفز من البحر ليطوف فوق المقلات و على النار ليجد طريقه إلى فم الأطفال الجياع. المرتضي يحكي لزوجته عن أعماق البحر الذي يجثم غير بعيد عن القرية. فيه كل ما لدينا في البر هناك كلب البحر وحمار البحر وقط البحر و ظلم البحر. لا يحكي عن أسماك طرية تعرض في السوق لأنها حرمت على الفقراء. الحياة الدنيا جنة الكفار. المرتضي يواسي نفسه وزوجه بجنة الفردوس الموعودة. وَبقَوْله تَعَالَى '' وَفَاكِهَة كَثِيرَة لَا مَقْطُوعَة وَلَا مَمْنُوعَة''. ''وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ'' الراضي يصيح من تحت الغطاء. لا يطيق الانتظار إلى الآخرة. الأم تسأل نفسها: هل التمتع في الدنيا يفسد التمتع يوم القيامة؟ موجة برد قارس تضرب البلاد. ضيف غير مرغوب فيه يأتي من سيبيريا البعيدة. أبواب و نوافذ البيت الحجري لا تغلق بإحكام. لا فرق بين حرارة الداخل والخارج. الراضي يصرخ من تحت الغطاء. الأم تضع غطاء آخر فوقه. يرتعد الراضي. انتفخت بطنه مثل الكرة. عند الإشارة تكون الساعة. موعد أخبار المساء. الراضي لا يصمت. موجة البرد…. المشاريع الكبرى….الحكامة الجيدة… محاربة الفساد…الهشاشة….الظلم الاجتماعي… المغرب النافع… بعد الأخبار أغنية ''عش أنت'' راضية تقول في نفسها: ''حتي حنا بغينا نعيشو شويا'' الحطب محرم بفتوى أخرى. راضية لا تجمع إلا الحشائش اليابسة. الحطب قد يكون ثمنه سجن المرتضي لسنوات. لا تريد أن ينمو الراضي بلا أب. يكفي أنه ينمو بلا سروال. أشعلت النار. الدخان ملأ الغرفة. المرتضي يصرخ ويسعل. يتسلى بلهب النار. قد يكون يوما ما حطبا للنيران في الدنيا. لا….لا…، كي يموت بلهب النار يجب أن يكون مجازا. مدرسة الدوار بعيدة جدا ولا يمكن أن يلجها بلا سروال. كلاب تنبح في الخارج، تستغيث، بطونها فارغة. القطط تموء جوعا، الفئران اختبأت تحت التراب. المرتضي يقول: ''البرد مفيد، لا خوف من العقارب والأفاعي'' في الصيف كان الراضي يتجول بكل حرية و بلا سروال. يتبول و يبرز أين يشاء دون عناء. في الشتاء و في البرد و في الصقيع لا يخرج بلا سروال ،تمنت أمه لو كان لديه سروال مثقوب يمكّنه من قضاء حاجته بلا عائق في كل مكان. عند الإشارة تكون الساعة. موعد الأخبار. أعداء الاستقرار…شرذمة من الشواذ….حفنة من المتطرفين يطالبون بالعيش الكريم و إعادة تقسيم ثروات البلاد…. الحرية، الكرامة، العدالة الاجتماعية…. التخلص من الخوف والترهيب. راضية لا تفهم في السياسة لكنها لا تحب أن ترقص أمام الضيف الغريب، الآتي من سيبيريا. لا تطيق أن يصرخ ابنها طوال الليل. تطالب بحفاضات للراضي بدل السروال المثقوب.