تقنيو المغرب يعلنون عن إضرابات مستمرة طوال شهر مارس احتجاجا على أوضاعهم المزرية    مطالب نقابية للحكومة باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية القدرة الشرائية للمغاربة    بنك المغرب يفند محتوى إعلامي كاذب يستخدم هويته    بنك المغرب يفند محتوى إعلامي كاذب يستخدم هويته    محكمة الاستئناف بمراكش ترفع العقوبة في حق أيت مهدي المدافع عن ضحايا "الزلزال" إلى سنة حبساً نافذاً    أسعار الأكباش تنخفض 50%.. الكسابة يحذرون من انهيار القطاع في جهة الشرق    مجلس جهة الداخلة وادي الذهب يعقد دورته العادية لشهر مارس 2025    القناة الثانية (2M) تتصدر نسب المشاهدة في أول أيام رمضان    بنك المغرب يحذر من محتوى احتيالي    الصين تكشف عن إجراءات مضادة ردا على الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على منتجاتها    إسرائيل تطالب بنزع السلاح في غزة    فعاليات مدنية بالقدس تشيد بمبادرات جلالة الملك للتخفيف من معاناة الساكنة المقدسية خلال شهر رمضان    ترامب يوقف جميع المساعدات العسكرية لأوكرانيا    الاتحاد العربي للجولف يطلق سلسلة بطولات تتضمن نظام تصنيف رسمي ومستقل    وكالة بيت مال القدس تشرع في توزيع المساعدات الغذائية بالقدس الشريف    المغاربة المقيمون بالخارج.. تحويلات تفوق 9,45 مليار درهم خلال يناير    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    مبادرة تشريعية تهدف إلى تعزيز حقوق المستهلك وتمكينه من حق التراجع عن الشراء    جمع عام استثنائي لنادي مولودية وجدة في 20 مارس    فنربخشه يقرر تفعيل خيار شراء سفيان أمرابط    توقيف 6 أشخاص يشتبه تورطهم في قضية تتعلق بالاختطاف والاحتجاز وطلب فدية مالية بفاس    أسباب تضارب أسعار اللحوم الحمراء والأسماك والدواجن والبيض..    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    ‬ما ‬دلالة ‬رئاسة ‬المغرب ‬لمجلس ‬الأمن ‬والسلم ‬في ‬الاتحاد ‬الأفريقي ‬للمرة ‬الرابعة ‬؟    الزلزولي يعود إلى تدريبات ريال بيتيس    تصعيد نقابي في قطاع الصحة بجهة الداخلة وادي الذهب.. وقفة احتجاجية واعتصام إنذاري ومطالب بصرف التعويضات    الصين: افتتاح الدورتين، الحدث السياسي الأبرز في السنة    الصين تفرض رسوما على سلع أمريكا    تصفيات مونديال 2026: تحكيم صومالي لمباراة المنتخبين المغربي والنيجري    قمة عربية في القاهرة لمناقشة خطة بديلة لمشروع ترامب في غزة    مصرع طفل جراء انهيار التربة في دوار بإقليم سيدي بنور    فينيسيوس: "مستقبلي رهن إشارة ريال مدريد.. وأحلم بالكرة الذهبية"    الإفراط في تناول السكر والملح يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان    دوري أبطال أوروبا .. برنامج ذهاب ثمن النهاية والقنوات الناقلة    بتعليمات ملكية.. ولي العهد الأمير مولاي الحسن والأميرة للا خديجة يشرفان على انطلاق عملية "رمضان" لفائدة مليون أسرة مغربية    ساكنة الجديدة تنتظر تدخل العامل ومحاسبة المتسببين في مهزلة الأزبال    فرنسا تفرض إجراءات غير مسبوقة لتعقب وترحيل المئات من الجزائريين    مباحثات بين ولد الرشيد ووزير خارجية ألبانيا للارتقاء بالتعاون الاقتصادي والسياسي    بطولة إسبانيا.. تأجيل مباراة فياريال وإسبانيول بسبب الأحوال الجوية    الفيدرالية المغربية لتسويق التمور تنفي استيراد منتجات من إسرائيل    سينما.. فيلم "أنا ما زلت هنا" يمنح البرازيل أول جائزة أوسكار    القنوات الوطنية تهيمن على وقت الذروة خلال اليوم الأول من رمضان    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    3 مغاربة في جائزة الشيخ زايد للكتاب    المغرب يستمر في حملة التلقيح ضد الحصبة لرفع نسبة التغطية إلى 90%‬    أحمد زينون    كرنفال حكومي مستفز    وزارة الصحة تكشف حصيلة وفيات وإصابات بوحمرون بجهة طنجة    حوار مع صديقي الغاضب.. 2/1    ضرورة تجديد التراث العربي    وزير الثقافة الإسرائيلي يهاجم فيلم "لا أرض أخرى" بعد فوزه بالأوسكار    فيروس كورونا جديد في الخفافيش يثير القلق العالمي..    ناقد فني يُفرد ل"رسالة 24 ": أسباب إقحام مؤثري التواصل الاجتماعي في الأعمال الفنية    مسلسل "معاوية".. هل نحن أمام عمل درامي متقن يعيد قراءة التاريخ بشكل حديث؟    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    هذا هو موضوع خطبة الجمعة    الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين يستغرب فرض ثلاث وكالات للأسفار بأداء مناسك الحج    المياه الراكدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف: أحداث 84 بالريف انتفاضة شعب وصفه الحسن الثاني بالأَوْبَاشْ
نشر في أريفينو يوم 19 - 01 - 2016


أحداث يناير 1984: قتل واغتصاب واعتقالات بالجملة
عرف المغرب في بداية الثمانينات من القرن الماضي أزمة خطيرة شملت مختلف الميادين، خاصة في الميدان الاجتماعي والاقتصادي، حيث كان معظم سكان البلاد يعيشون في البوادي دون أدنى شروط العيش الكريم، وارتفعت نسبة البطالة بشكل مهول، وفي نفس الفترة انخفضت أسعار الفوسفاط في السوق الدولية، وسياسة الحسن الثاني التبذيرية في الصحراء أرهقت كاهل الدولة بسبب الانفاق الضخم على التسليح لأجل حرب الصحراء حيث كلفت مليون دولار يوميا، كما وصلت ديون المغرب الخارجية آنذاك 7.000 مليون دولار، كل هذه الأسباب جعلت البلاد تعيش أزمة اقتصادية لم يسبق لها مثيل مما دفع بالنظام إلى البحث عن سبل إعادة التوازن في الاقتصاد الوطني، فعمل على الرفع من أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية التي بلغت لأول مرة في تاريخ المغرب زيادة 18% بالنسبة للسكر و 67%بالنسبة للزبدة، أما بالنسبة للغاز والوقود فقد ارتفعت أثمنتهما بنسبة 20%، أما بالنسبة لقطاع التعليم، فقد أضيفت رسوم جديدة للتسجيل، تمثلت في دفع 50 درهما بالنسبة للتلاميذ الراغبين في التسجيل بالبكالوريا، و100 درهم بالنسبة للطلبة الجامعيين.
هذا ما ألم بالشعب المغربي برمته، إلا أن إقليم الناظور أضيفت إليه أزمة أخرى، فاقتصاد هذا الإقليم مرتبط أساسا بالتهريب الذي يمر عبر مليلية، والذي تستفيد منه جل العائلات الريفية بالناظور، إلى أن النظام فرض في سنة 1983 على الراغبين في الدخول لمليلية دفع مبلغ 100 درهم بالنسبة للراجلين و500 درهم بالنسبة لأصحاب السيارات، ثم حدث تغيير سنة 1984حيث تم تعميم مبلغ 100 درهم، وهو ما أدى إلى تطور سوء الوضع الاقتصادي بالإقليم.
هذا الوضع هو الذي أدى في النهاية إلى تفجير الانتفاضة، بعد أن اتحد جميع المواطنين ضد هذه السياسة، حيث نزلت الجماهير الشعبية إلى الشوارع في مسيرات ألفية في مجموعة من أهم المدن منها الحسيمة والناظور وتطوان والقصر الكبير ومراكش ووجدة، والتي كانت في البداية مظاهرات تلاميذية داخل أسوار المؤسسات التعليمية بالحسيمة احتجاجا على الزيادة الغير مبررة في رسوم التسجيل، إلا أن هجوم السلطات على هذه الحركات التلاميذية وقمعها واعتقال العديد من التلاميذ بدون أسباب منطقية جعل السكان يتضامنون مع التلاميذ فخرج الكل إلى الشوارع في مظاهرات ألفية ضد سياسة الحسن الثاني التي أرغمت الشعب على تحمل التبعات الاقتصادية لحرب الصحراء في ما يعرف ب "سياسة التقويم الهيكلي"، وقد شاركت كل فئات المجتمع في هذه المظاهرات تنديدا بالوضع الاقتصادي المزري، وعوض أن يعمل النظام آنذاك على البحث عن سبل إمتصاص الغضب الشعبي الذي بلغ أوجه في تلك الفترة فضل مواجهة الإحتجاجات بقوة الحديد والنار.
وهذا ما أدى بتلاميذ ثانويات الناظور لأن يتظاهروا هم كذلك داخل مؤسساتهم منذ يوم17 يناير إلى غاية يوم الخميس 19 يناير، وذلك تضامنا مع ما تعرض له أبناء الحسيمة من قمع مخزني، إلى أن انتقلت المظاهرات إلى الشوارع حيث شارك فيها التلاميذ والشغيلة وعرفت مشاركة ما يقارب 12.000 مواطن، وهو ما خلق تخوفات كبيرة لكل الأجهزة المخزنية، واحتمالات أن تتحول كل الاحتجاجات إلى أعمال مسلحة خاصة وأن ملف انتفاضة الريف في نهاية الخمسينات كان لا زال ساخا.
ولا بد من الاشارة في هذا المضمار إلى أن المنصوري بنعلي -حسب العديد من الشهادات- قدم للحسن الثاني تقريرا مما جاء فيه، أن هؤلاء المحتجين قاموا بإحراق العلم المغربي ورفعوا شعارات انفصالية وشعارات ضد النظام، وبأنها ستتحول لحركة مسلحة، وإذا ما ترك الأمر بدون تدخل رادع فإن الأمور ستنفلت إلى وضع محرج للدولة. وهذا ماجعل نظام الحسن الثاني الذي لم يكن يعرف سوى لغة الحديد والنار يشن حربا شرسة على سكان الريف العزل في الحسيمة والناظور ومناطق أخرى، حيث عرف الريف إنزال عدد كبير من القوات العسكرية وقامت بمحاصرة الريف من كل الجوانب فشرعت في إطلاق الرصاص بشكل عشوائي على المواطنين في الشوارع والأماكن العمومية بل إطلاق الرصاص على منازل المواطنين حسب ما ترويه الألسن لحد الآن.
وسقطت في تلك الأحداث أعداد كثيرة من القتلى، اعترف النظام ب 16 قتيل إلا أن جهات أخرى تتحدث عن ما يفوق ذلك العدد بكثير خاصة وأن ستين عائلة باتت تبحث عن ذويها الذين لم يظهر لهم أي أثر مباشرة بعد هذه الأحداث الدموية. ولا بد من التذكير أن القوات النظامية التي حاصرت الريف ارتكبت مختلف أنواع الجرائم في حق الساكنة من اغتصاب للنساء وبقر لبطون الحوامل منهن، وممارسة شتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي في حق العزل الذين تم اقتيادهم الى مختلف مراكز السلطة بالريف وهي مراكز كانت مخصصة للتعذيب كشف عنها المعتقلون السابقون الذين أفرج عنهم فيما بعد، نذكر منها: كوميسارية الحسيمة، كوميسارية الناظور، مكان خاص للتعذيب أقيم قرب مطار الشريف الإدريسي بالحسيمة، ثكنة القوات المسلحة بالحسيمة، ثكنة القوات المسلحة بالناظور، ثانوية الإمام مالك بالحسيمة (المعهد الديني سابقا)، السجن المدني بالحسيمة، السجن المدني بالناظور..
بعد القمع الذي تعرضت له المنطقة فرضت السلطات حظرا للتجوال على المواطنين، حيث كان يصعب على أي مواطن أن يخرج من مقر سكناه وإلا كان مصيره القتل، بقي الوضع على هذا الحال منذ انطلاق الانتفاضة إلى غاية 2 فبراير حيث قلت حدة الحظر إلى أن ارتفعت تدريجيا عن المنطقة. وفيما بين هاتين المدتين، قامت السلطات باعتقلات واسعة في صفوف المواطنين تميزت بالعشوائية أحيانا وبالانتقائية أحيانا أخرى، حيث كانت تقتاد هؤلاء إلى المراكز وتمارس عليهم مختلف أصناف التعذيب الجسدي والنفسي، ومنهم من تجاوزت مدة احتجازه في هذه المراكز عدة شهور قبل أن يلتحقوا بالسجون بلا محاكمات أحيانا وبمحاكمات صورية أحيانا أخرى.
تداعيات أحداث يناير 1984
مباشرة بعد ارتكاب النظام لهذه المجزرة الشرسة في حق الريف التي لا يبررها شيء، خرج الحسن الثاني لاستكمال ما تبقى حين ألقى خطابا يوم 22 يناير 1984 يصف فيه سكان الريف ب "الأوباش" والمهربين والفوضويين وما جاور ذلك، بل ويذكر الريفيين بما قام به في نهاية الخمسينات رفقة أوفقير في حقهم بقوله "وسكان الشمال يعرفون ولي العهد، ومن الأحسن أن لا يعرفوا الحسن الثاني في هذا الباب".
وبرر الحسن الثاني ما حدث بالريف ومناطق أخرى بالمؤامرة الخارجية حين قال "لما كنت سنة 1981 على أهبة السفر إلى نيروبي وقعت أحداث الدار البيضاء، فهل سمعتني أقول أنها مؤامرة ومؤامرة متعددة الأطراف؟ ولكنني اليوم أقول أنها مؤامرة ومؤامرة متعددة الأطراف"، تعددت الأطراف هنا ولكن في تصريحات الحسن الثاني فقط، بل الغريب أن هذه الأطراف التي يزعم وجدناها لأول مرة تلتقي حول هدف واحد، وهو إفشال المؤتمر الإسلامي الذي تم انعقاده حينها بالدارالبيضاء – حسب زعم الحسن الثاني –، وذلك رغم أن هذه الأطراف المتآمرة تعادي بعضها البعض.
وقد حدد الحسن الثاني هذه الأطراف في ثلاث وهي، الماركسيين اللينينيين: ويقصد بهم "منظمة إلى الأمام"، يرغبون في إفشال المؤتمر لأن أفغانستان حاضرة، حيث ستشرح للمؤتمرين الحالة التي يوجد عليها "الحكم الغاصب في أفغانستان" كما قال الحسن الثاني في خطابه. وقد اتهمهما لأنها وزعت بمراكش يوم الجمعة 6 يناير 1984 على نطاق واسع منشورا مما جاء فيه "ليكن في علمنا أن الوضعية الراهنة المريرة ليست نتيجة لحرب الصحراء التي يشنها النظام الملكي المهزوم على الشعب الصحراوي البطل، والتي ذهب ضحيتها الآلاف من أبنائنا، وليست نتيجة الجفاف كما يدعي الحسن السفاك، بل راجع إلى نهب خيراتنا من طرف الأمريكان والأعداء ". المخابرات الصهيونية: أرادت إفشال المؤتمر تخوفا من القوة التي يمكن أن تكون للدول الإسلامية المؤتمرة بعد انضمام مصر إليها. إيران: لأنها قاطعت المؤتمر الإسلامي وترغب في فشله، وقد صرح الخميني إبانها قائلا "في هذه الأيام المصيرية التي يمر بها العالم الإسلامي حيث يعيش مخاضا صعبا يجتمع أناس يدعون تمثيل الشعوب الإسلامية ويطلقون على جمعهم هذا المؤتمر الإسلامي، والأجدر أن يسمى قمة التآمر والجهل، هؤلاء هم الحكام المتسلطون على رقاب شعوبنا الإسلامية، والذين لا يكاد ينجوا واحد منهم من ارتباطه بعمالته لأحد الشيطانين الأكبرين أمريكا وروسيا".
وقد اتهم الحسن الثاني هذه الأطراف، ليس إيمانا منه بأنها هي المتسبب الحقيقي في الانتفاضة، ولكن لكي يقدم تبريرا للدول المشاركة في المؤتمر الإسلامي وباقي دول العالم، لأن الانتفاضة تم تفجيرها وهو في قاعة المؤتمر، وقد قام في خطابه بالتصريح بما يناقض تبريره هذا وذلك حين قال "الزيادات لن تكون"، ومن ثم فالحسن الثاني أوقف الزيادات لأنها كانت فعلا هي المشكلة.
ضحايا كثر في الانتفاضتين والعدد الحقيقي لا زال مجهولا !!!
سقطت العديد من الأرواح في هذه المجزرة الرهيبة وعملت الدولة منذ تلك الفترة إلى حدود اليوم على تغليط الرأي العام المحلي والوطني والدولي عبر اعترافها بعدد ضئيل من القتلى محدد في 16 قتيل، مع العلم أن عدة جهات لا تنتتمي الى الدولة تحدثت آنذاك عن ما يفوق ذلك بكثير، وكانت حوالي ستين عائلة تبحث عن ذويها، وجاء في الجرائد الاسبانية التي كتبت تقارير عن الأحداث وقدرت عدد القتلى اعتمادا على مصادرها، فقد قالت جريدة "التيليكراما دي مليلية" في عددها الصادر يوم 21 يناير 1984 أن عدد القتلى بالناظور يتجاوز 40، وتحدثت جرائد إسبانية أخرى عن ما يفوق 400 قتيل على المستوى الوطني، وكانت انتفاضة الريف الأولى في نهاية الخمسينات من القرن الماضي قد خلفت أيضا ضحايا عديدة لم يتم الكشف عنها لحد الآن، كما تحدث عن ذلك بوضوح المجاهد الكبير مولاي موحند بن عبد الكريم الخطابي في مختلف رسائله الموجهة إلى القادة السياسيين المغاربة ومنها هذا المقتطف من رسالة وجهها الأمير إلى الأمين العام لحزب الشورى والاستقلال "محمد حسن الوزاني" بتاريخ 27 يوليوز، 1960 (( وزع الرعب وسط المدنيين والنساء والشيوخ... لقد كان تدخل الجيش وحشيا وحدث ما لا يمكن تصوره من المآسي والفواجع والأهوال... حدث ما يثير عواطف "الجمادات" وبالأحرى البشر، قَنْبلَتِ الطائرات التي كان يقودها طيارون فرنسيون وقصفوا الأسواق والتجمعات السكانية، وأحرقَ الجيش المحاصيل الفلاحية وخرّب المنازل وغيرها من الممتلكات، اغتصبَ النساء وبَقَر بُطونَ الحوامل وقتلَ المئات وخلّف آلاف الجرحى والمعطوبين واعتقل الآلاف وأبْعدَ المئات... وبلغ عدد المعتقلين إبان انتفاضة الريف 8420 بينهم 110 امرأة، أطلق سراح 5431 بينهم95 امرأة، وحكم على 323 فيما ظل الآخرون أي 2664 دون محاكمة ولا إطلاق سراح، وتم إبعاد542 مواطنا إلى كل من إسبانيا وإيطاليا وألمانيا والجزائر... وجل الضحايا كانوا من المساهمين في حرب التحرير من الاستعمار... وأنشأت مراكز سرية للتعذيب... جل المعتقلين ما زالوا مشوهين ومبتورين من الأعضاء التناسلية أو الأرجل أو العيون أو الأذن، أما الباقي فما زال في غياهب السجون والمعتقلات المجهولة، على أن جلهم قد لاقوا حتفهم من جراء التعذيب )). (كتاب دار بريشة، قصة مختطف للتجكاني الذي يتضمن رسالة عبد الكريم الخطابي الموجهة إلى الأمين العام لحزب الشورى والاستقلال محمد حسن الوزاني بتاريخ 27 يوليوز 1960.).
وهذا ما يطرح إشكالات كثيرة حول العدد الحقيقي للضحايا في كلا الانتفاضتين مع العلم أن هيئة الإنصاف والمصالحة لم تتمكن من الكشف عن الضحايا المجهولي المصير في انتفاضة 1958/1959، رغم كثرتهم ورغم الأصوات الكثيرة التي تنادي بذلك.
سيناريو هيئة الإنصاف والمصالحة لإنهاء ملف الريف
عملت هيئة الإنصاف والمصالحة منذ تأسيسها على التقليص من حجم الضحايا الحقيقيين الذين سقطوا في كلا الانتفاضتين، وهكذا اعترفت ب 16 ضحية وأوردت أسماء 12 منهم في تقريرها النهائي متجاهلة الأربعة الآخرين الذين سقطوا في انتفاضة يناير والذين اعترف بهم رئيس الوزراء في تصريحه يوم الأربعاء 25 يناير 1984، فإذا كان وقوع قتلى وجرحى في هذا القمع الدموي أمرا واقعا باعتراف الدولة نفسها، فإن العدد الحقيقي لهؤلاء الضحايا ظل دوما مستحيل التحديد، وذلك لسببين اثنين.. أولهما، لأنه أثناء القمع لم تبقى جثث القتلى ملقاة لمدة تكفي لحسابها كافة من قبل أطراف منتمية للمحتجين أو أية جهة أخرى مستقلة عن الدولة، هذا ولم تعلن أي جهة كانت – غير الدولة – أنها تملك العدد الحقيقي للقتلى أو حتى تقديرا له، ثانيهما، كان في تلك الفترة كل من يذهب إلى المستشفى للعلاج من الجروح يتم اعتقاله من داخل المستشفى لو تم الاشتباه في تورطه في الاحتجاجات ولهذا فإن عددا كبيرا من المصابين اجتنبوا الذهاب إلى المستشفى، ومن ثم يستحيل معرفة العدد الحقيقي للقتلى والجرحى، ولا زال الكل يتحدث إلى حدود اليوم عن مقبرة جماعية من المرجح أن تكون بثكنة القوات المسلحة بتاويمة، رغم سيناريو هيئة الإنصاف والمصالحة الذي حاول إنهاء ملف الريف بعد اكتشاف المقبرة الجماعية بثكنة الوقاية المدنية بالناظور يوم 28 أبريل 2008، والتي استخرجت منها 16 جثة وقالت الهيئة بأن المقبرة تعود لضحايا أحداث 1984 وهي المقبرة التي يتحدث عنها الرأي العام على أساس أنها موجودة بتاويمة.
وكان رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان قد تحدث قبل ذلك عن اللا علم له بوجود مقابر جماعية، وقال في إحدى تصريحاته الصحفية أن "ما يسمى بأحداث الريف صندوق أسود في تاريخ المغرب المعاصر"، مما يبين بشكل واضح أن الدولة لا زالت تنهج سياسة الهروب إلى الأمام ومحاولة إنهاء الملف كاملا دون الكشف عن الحقيقة عملا بمقولة "كم من حاجة قضيناها بتركها"، خاصة إذا علمنا أن الجرائم المرتكبة في الريف كانت من طرف الدولة وعدم تمكن هذه الأخيرة من كشف هوية الضحايا الستة عشر الذين تمت استخراج جثثهم من ثكنة الوقاية المدنية، وما يتولد عن ذلك من المعاناة النفسية عائلات الضحايا وذويهم، حيث لا زال رفات الجثث الستة عشر في المستشفى الحسني ولم تسلمهم الدولة بعد لذويهم للقيام بمراسيم الدفن التي تعد تكريما للميت، وهذا ما يبين أن الدولة انتهكت حقوق الضحايا أحياءا وأمواتا.
ولا بد من التوضيح في هذا المضمار أن الفرقة العلمية التابعة لجهاز الدرك الملكي عاجزة عن فرز نتائج إيجابية لتحليل الحمض النووي، رغم مدها بأحدث التجهيزات الخاصة بعملية التحليل لتحديد هوية الضحايا، و أن الدولة منحت مهمة الكشف عن هوية الضحايا لجهات فرنسية بهدف تمطيط الوقت وترك الموضوع جانبا كما أوردنا أعلاه.
1- الحسن الثاني يصف أبناء الريف بالأوباش
2- نقل رفات ضحايا انتفاضة الريف الى قبورهم:
3- أحداث الريف على قناة الجزيرة الإخبارية:


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.