عضو الحركة من أجل الحكم الذاتي للريف [email protected] www.fikrielazrak.tk كان السؤال المحوري الذي تبلور في مخيلتي، بعد متابعتي لإحدى الندوات المنظمة من طرف “سيكوديل” حول الجهوية بالناظور، هو السؤال الآتي” ﺃلم يكن جديرا أن يحمل هؤلاء مشروعا حقيقيا واضحا للدفاع عن الريف، والعمل في إطار مشروع سياسي ريفي حقيقي مثل ذلك الذي تقترحه الحركة من أجل الحكم الذاتي للريف؟ تعتبر منظمة “سيكوديل”، الغير حكومية، من المنظمات الناجحة في مقارباتها لموضوع التنمية المحلية/الجهوية بالريف، فقد عملت على إنجاز وتأهيل العديد من المشاريع التنموية بهذه المنطقة المغضوب عليها من طرف الدوائر الرسمية، والمحكوم عليها من طرف نفس الدوائر بالإقصاء من قطار التنمية بشكل نهائي منذ الاستقلال الشكلي، وبالتالي يمكن القول بأن “سيكوديل”، نتاج موضوعي للتفكير في الشأن الريفي. وتجدر الإشارة إلى أن المنظمة المذكورة (سيكوديل –الناظور) قد بلورت مقارباتها التنموية في اتجاه التنمية الشاملة وبالتالي ربطت ،أوتوماتيكيا، موضوع التنمية بالانتقال الديمقراطي ،الذي لا يزال يتعثر في منطقة دفعت ثمنه من قبل، وهكذا عملت سيكوديل منذ تأسيسها بالناظور على النهوض بأوضاع المرأة، وتحسين وضعيتها داخل الأسرة، والاهتمام بالطفل ومحيطه باعتباره رجل الغد، وهي بذلك –أي منظمة سيكوديل- تراهن، بشكل أو بآخر، على تنمية الإنسان وتأهيله وبالتالي دمقرطة المجتمع ككل. كما عملت سيكوديل على إنجاز العديد من المشاريع التنموية بالمنطقة – ليس المقام هنا لجردها- والتي لها ارتباط مباشر بحياة الإنسان الريفي اليومية، ومن ثم فهي قامت بتخفيف حدة النقص الذي خلفه تهميش الدولة المركزية للمنطقة، إلا أنها –أي سيكوديل- لم تنخرط لحد اليوم في أية مقاربة شمولية للتنمية في إطار مشروع مجتمعي متكامل يترجم في إرادة تتوجه إلى معالجة السياسة والثقافة والاجتماع، هدا الثالوث الدي هو محدد لحجم الخصاص الذي تعانيه منطقة الريف نتيجة أكثر من خمسين سنة من الإقصاء والتهميش، والذي اختصرته الحركية المدنية والسياسية الريفية ب “الدين التاريخي ” وبالتالي يمكن القول بأن منظمة سيكوديل تعمل في سياق امتداد الماضي في الحاضر بشكل بطيء، نظرا للمقاومة التي تبديها العقليات القديمة في مراكز القرار التي لا زالت تعمل بمنطق “المغرب النافع” و”المغرب غير النافع”، وهو ما يفرض على المنظمة الانخراط في مشروع مجتمعي متكامل للإجابة على مختلف الأسئلة التنموية بمنطقة الريف التي لها ثقل جيواستراتيجي وإقليمي كبير، وكذا لربط التنمية بهذه المنطقة بسيرورة الانتقال الديموقراطي بالمغرب الذي من بين أهم ركائزه التنمية المحلية، وتطوير الجهات. وتأسيسا عليه، ألا يمكن القول بأن المشروع المجتمعي المتكامل الذي طرحته الحركة من أجل الحكم الذاتي للريف كان يجب أن تطرحه أو تنخرطه فيه منظمة “سيكوديل” للإجابة على أسئلة تنموية في إطار هذا المشروع المجتمعي الذي لا تتوفر عليه الأحزاب التقليدية، وبالتالي تجاوز شيخوخة المؤسسات الحزبية من جهة وتطوير المنطقة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا من جهة ثانية؟ أليست نخبة منظمة “سيكوديل” هي بدورها جديرة بحمل مشعل “الحكم الذاتي للريف” لتطوير المنطقة وربط التنمية الجهوية بالانتقال الديموقراطي والإصلاحات السياسية والدستورية التي تنادي بها القوى الديموقراطية الريفية لتأهيل الجهة؟ وما الذي يمنع المنظمة المذكورة من الانخراط في المشروع المجتمعي المتكامل الذي طرحته الحركة من أجل الحكم الذاتي للريف؟ لماذا لم تشتغل منظمة سيكوديل إلى جانب الحركة من أجل الحكم الذاتي للريف وغيرها من التنظيمات التي لها نفس الأهداف والتصورات لخلق قوة سياسية مدنية ضاغطة؟ إن المخاض الذي يمر منه الزمن السياسي المغربي، والتغيرات الدولية والإقليمية، وكذا طبيعة الدولة المركزية الأحادية –التي هي نسخة طبق الأصل لليعقوبية الفرنسية-، تفرض على مختلف مكونات القوى الحية الريفية التي تحمل على عاتقها مهمة التنمية والتحديث بالمنطقة، والتي لها أهداف مشتركة، التقارب والتحالف فيما بينها لأجل التنسيق والعمل المشترك في مختلف الملفات والمقاربات المهمة – ومنها تحقيق التطوير الاستراتجي في الريف-، التي لا زالت لم ترق بعد إلى ما يتطلع إليه الإنسان الريفي. إن التنمية الجهوية والمحلية التي يتطلع إليها الإنسان الريفي، تتطلب مقاربة شاملة تتجاوز البناء المؤسساتي والتشريعي، إلى ملامسة عناصر أساسية منها الجوانب الإدارية والفكرية والاقتصادية واستيعاب تحديات المحيط الدولي وما يفرضه من مخاطر وإكراهات، فهي –أي التنمية المحلية والجهوية- بمثابة تحول تاريخي تتحكم فيه مجموعة من العناصر والديناميات المتباينة، وضمن هذا الإطار، تفرض الإصلاحات الاقتصادية نفسها بحدة. وإذا كان الاقتصاد لا يمكن تأهيله ودراسته بعيدا عن السياسة، فالعكس صحيح أيضا، وبخاصة إذا علمنا أن الشأن الاقتصادي في المغرب لازال متخلفا بشكل كبير. ولعل التأمل في مفهوم الديموقراطية والتفكير في مختلف النظريات السياسية الكبرى عند الحديث عن التنمية المحلية والجهوية، والذي تعتبر الحرية والمساواة والاقتراع أهم مقوماته، هو أمر يفرض نفسه أيضا ويخدم هذا الموضوع بشكل أو بآخر، وذلك بالنظر للإشكالات المختلفة المرتبطة بتحديد مفهوم الديموقراطية، فتأمين انتقال ديموقراطي فعال يتوقف أيضا على تبني حكامة سياسية واقتصادية ومقاولاتية جيدة، مع انخراط الدولة والمجتمع بكل مكوناتهما من جماعات محلية وقطاعات خاصة في التنمية وذلك من خلال التقرب من المواطن ومشاكله والنهوض بأوضاعه. لا يمكن أن نبرح هذه النقطة دون أن نشير إلى أن الحركة من أجل الحكم الذاتي للريف شكلت امتدادا تاريخيا لمختلف مكونات الحركة الأمازيغية التي عملت على ربط الثقافي بالتنموي وإبراز العلاقة الجدلية بين هذا وذاك، وكذا مشاريع نقد التمييز الجهوي الحالي الذي تحكمت فيه المقاربات الأمنية على حساب المقاربات التنموية وهو ما خلق جهات غير منسجمة هوت فيها مستويات التنمية المحلية والجهوية إلى الحضيض، كما انطلقت الحركة من أجل الحكم الذاتي للريف في مقارباتها للتنمية المحلية من المطالبة برفع التهميش، مقابل الدعوة إلى العمل من أجل سد الفوارق والإختلالات الناتجة عن المقاربات الأمنية في التقسيمات الجهوية، وبالتالي إعادة نوع من التوازن المفقود إلى الجهات الكبرى للمغرب، وهذا لن يتحقق إلا بنظام ديموقراطي، فيديرالي، ومن ثم تجاوز الطبيعة المركزية للدولة وكسر الفوارق الاقتصادية. وعليه، فالمشروع المجتمعي للحركة يستوعب جيدا مقاربات “سيكوديل” التنموية إن على المستوى المحلي أو الجهوي، وبالتالي فالتنسيق بين الطرفين بدأ يفرض نفسه بقوة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية الحالية، وكذا في ظل سياسات المركز الإقصائية والأحادية والتي تسير في ربط الجهة بالمركز وبالتالي التغيير من أجل اللاتغيير، وإجمالا يمكن القول بأن مشروع الحكم الذاتي للريف يجب أن تنخرط فيه بقوة كل التنظيمات المدنية التي تشتغل حول موضوع التنمية المحلية والجهوية وعلى رأسها “سيكوديل” فهل سينخرط هؤلاء في مشروع الحركة من أجل الحكم الذاتي للريف؟ وهل يمكن التنسيق الإستراتيجي بين هذه الأطراف لإفراز تنظيم أكثر قوة بهدف تحقيق الأهداف المشتركة؟ ومن يجب أن يبدأ؟ ألا يكرس عدم التواصل أزمة حقيقية بين نخب ريفية حقيقية مناضلة؟