دروس وعِبر للمستقبل.. الكراوي يقارب 250 سنة من السلام بين المغرب والبرتغال‬    أخنوش: فقدنا 161 ألف منصب شغل في الفلاحة وإذا جاءت الأمطار سيعود الناس لشغلهم    طنجة.. توقيف شخص بحي بنكيران وبحوزته كمية من الأقراص المهلوسة والكوكايين والشيرا    عمره 15 ألف سنة :اكتشاف أقدم استعمال "طبي" للأعشاب في العالم بمغارة الحمام بتافوغالت(المغرب الشرقي)    "المعلم" تتخطى مليار مشاهدة.. وسعد لمجرد يحتفل        الإسبان يتألقون في سباق "أوروبا – إفريقيا ترايل" بكابونيغرو والمغاربة ينافسون بقوة    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    أخنوش: حجم الواردات مستقر نسبيا بقيمة 554 مليار درهم    الجديدة.. ضبط شاحنة محملة بالحشيش وزورق مطاطي وإيقاف 10 مشتبه بهم    استطلاع رأي: ترامب يقلص الفارق مع هاريس    هلال يدعو دي ميستورا لالتزام الحزم ويذكره بصلاحياته التي ليس من بينها تقييم دور الأمم المتحدة    النجم المغربي الشاب آدم أزنو يسطع في سماء البوندسليغا مع بايرن ميونيخ    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا الخميس والجمعة المقبلين    حصيلة القتلى في لبنان تتجاوز ثلاثة آلاف    سعر صرف الدرهم ينخفض مقابل الأورو    البحرية الملكية تحرر طاقم سفينة شحن من "حراكة"    استنفار أمني بعد اكتشاف أوراق مالية مزورة داخل بنك المغرب    الجفاف يواصل رفع معدلات البطالة ويجهز على 124 ألف منصب شغل بالمغرب    المعارضة تطالب ب "برنامج حكومي تعديلي" وتنتقد اتفاقيات التبادل الحر    «بابو» المبروك للكاتب فيصل عبد الحسن    تعليق حركة السكك الحديدية في برشلونة بسبب الأمطار    في ظل بوادر انفراج الأزمة.. آباء طلبة الطب يدعون أبناءهم لقبول عرض الوزارة الجديد    إعصار "دانا" يضرب برشلونة.. والسلطات الإسبانية تُفعِّل الرمز الأحمر    الجولة التاسعة من الدوري الاحترافي الأول : الجيش الملكي ينفرد بالوصافة والوداد يصحح أوضاعه    رحيل أسطورة الموسيقى كوينسي جونز عن 91 عاماً    مريم كرودي تنشر تجربتها في تأطير الأطفال شعراً    في مديح الرحيل وذمه أسمهان عمور تكتب «نكاية في الألم»    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مصرع سيدة وإصابة آخرين في انفجار قنينة غاز بتطوان    عادل باقيلي يستقيل من منصبه كمسؤول عن الفريق الأول للرجاء    الذكرى 49 للمسيرة الخضراء.. تجسيد لأروع صور التلاحم بين العرش العلوي والشعب المغربي لاستكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية    أمرابط يمنح هدف الفوز لفنربخشة        متوسط آجال الأداء لدى المؤسسات والمقاولات العمومية بلغ 36,9 يوما    "العشرية السوداء" تتوج داود في فرنسا    إبراهيم دياز.. الحفاوة التي استقبلت بها في وجدة تركت في نفسي أثرا عميقا    بالصور.. مغاربة يتضامنون مع ضحايا فيضانات فالينسيا الإسبانية    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    مدرب غلطة سراي يسقط زياش من قائمة الفريق ويبعده عن جميع المباريات    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم    تقرير: سوق الشغل بالمغرب يسجل تراجعاً في معدل البطالة    "فينوم: الرقصة الأخيرة" يواصل تصدر شباك التذاكر        فوضى ‬عارمة ‬بسوق ‬المحروقات ‬في ‬المغرب..    ارتفاع أسعار النفط بعد تأجيل "أوبك بلس" زيادة الإنتاج    استعدادات أمنية غير مسبوقة للانتخابات الأمريكية.. بين الحماية والمخاوف    الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي: للفلسطينيين الحق في النضال على حقوقهم وحريتهم.. وأي نضال أعدل من نضالهم ضد الاحتلال؟    عبد الرحيم التوراني يكتب من بيروت: لا تعترف بالحريق الذي في داخلك.. ابتسم وقل إنها حفلة شواء    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهوية الجبلية و السلام الطبيعي.. أسئلة التنمية في جبال الريف
نشر في أريفينو يوم 11 - 01 - 2009

مداخلة للإلقاء في اليومين الدراسيين 9 و 10 يناير 2009 بالناضور لجمعية ثيسغناس بالناضور بشراكة مع جمعية سكان الجبال في العالم ، فرع المغرب.
كريم مصلوح
بما أن الريف يعد احدى المناطق الجبلية في العالم، فقد اخترت استعمال مفهوم الهوية الجبلية، فالجبل والجبال، جغرافيا وسوسيولوجيا وثقافة وتاريخ واقتصاد، لاشك انها تنتج لنا هوية نحن الريفيون، نتقاسمها مع شعوب الجبال في العالم، فنحس ان الاخطار والاهداف والمستقبل عناصر اساسية تجمعنا مع سكان الجبال في الانديز وفي الاورال وفي مرتفعات بوروندي او اثيوبيا اوالصين وافغانستان وكوردستان...، ان الهوية الجبلية يمكن ان تشكل حسب الحاجة والاهتمام المشترك هوية ذات أهمية مقتسمة بالنسبة لساكنات اوطان الجبال*.
المحلية والهوية العالمية الجبلية:
عندما كنا اطفالا صغارا، كنا نتساءل عما يوجد ورا ءالحبال المحيطة بنا، وكنا نعتقد في احيان كثيرة- بسبب عجزنا عن تصور الارض- ان العالم ينتهي عند الافق الدي تظهر لنا من خلاله اعلى قمة جبلية،او ان وراء الجبال لايوجد غير عالم منبسط بالكامل، او يوجد عالم الماء الكامل.
ولا شك ان هده المرحلة من الدهنية، انتجت لنا العناصر الاولى للاحساس العميق بالمحلية، المرتبط طبيعيا وسوسيوثقافيا واقتصاديا بالحياة في تجمعات الجبال المعروفة لدينا بالمداشر، التي تشكل وحدات من العائلات المترابطة والمتضامنة والمتنازعة ايضا حول عدة قضايا، ان التجمع الجبلي المعبر عن سلم ديمغرافي واجتماعي ومعيشي معين، كان جوهر تطورنا نحن الجزء الاكبر من الريفيين، ولازال الامر مستمرا بالنسبة لنا، نحن أبناء الريف المنحدرين في الغالب من الجبال او من مناطق محادية للجبال.
إن العولمة تنتج لنا اليوم الالتقاء مع كافة الشعوب التي تكونت لديها هويات مشابهة، لدلك تتشكل لدينا حقا هوية جبلية كاحدى الانتماءات المشتركة التي يمكن ان تجمع سكان الجبال حول قضاياهم الاستراتجية اليوم.
السلام الطبيعي :
ان العالم اليوم، او الراي العام العالمي- بما فيه غير الحكومي- كان له دور أساس في إثارة ما تعرفه الطبيعة من استنزاف، وهو ما طرحته في معنى اوسع وهو البيئة، ان المخاوف التي تتهددنا من خلال الاخطاء البشرية في التعامل مع الطبيعة، هي التي تدفعني لاستعمال معنى السلام الطبيعي، ودلك لاعبر به عن ان السلام الاستراتجي الكوكبي، الدي لا يمكن ان نتطلع اليه دون ترشيد تعاملنا مع الطبيعة، والجبال هي جزء اساس من هده الطبيعة، وقد دكر الله في القران الكريم احدى الايات المعبرة بقوله” وجعلنا الجبال اوتادا” وهو ما يفيد ان الجبال جزء من توازن الارض في الكون.
*لااخفي تاثري بالمقاربة الشيقة التي تناول بها الاستاد امارتيا صن الهوية وتحولاتها واختلافاتها وحضورها حسب انواع الاهتمام المشترك لدى الانسان، وحسب اولوياتها والزوايا العديدة التي يمكن من خلالها تجنب اختزال الهوية- كالهوية الادبية والدينية واللغوية والطبقية والمهنية والسياسية...-
إن التوازن الطبيعي يقوم في نظرنا على عنصرين مهمين الاول مرتبط بتوازن الانسان، ودلك بتحقق شروط التنمية المتحررة والثاني هو توازن البيئة التي يتحرك فيها ومن خلالها الانسان، ودلك بان يوجه توازنه لخدمة هدا المحيط، ولاشك ان الاختلال الظاهر اليوم، هو ما يدفع لظهور معنى الامن الغدائي العالمي.
اد يعاني سكان الجبال من الفقر والجوع بشكل اكبر، وفي الملتقى المنظم عام 2002* بادلبودن بسويسرا، حول الزراعة والتنمية المستدامة في الجبال، عبر السيد جاك ضيوف عن ان نسب الفقر والجوع والجوع المزمن اكثر انتشارا في المناطق الجبلية، وحسب تقارير منظمة الاغدية والزراعة فان كثر من 815 مليون شخص في العالم يعانون ازمة التغدية المزمن،ورغم ان سكان الجبال لايشكلون اكثر من 12في المائة من سكان العالم فان اعلى النسب تنتشر داخل سكان الجبال.
ولا يخفى عنا ان الجبال كانت دوما مناطق اقل استفادة من التطورات التي تقع في السهول،لكن في المقابل فان الجبال توفر ثروات مهمة للجميع فمثلا فان ازيد من ثلاث مليارات من الناس في العالم يعتمدون على الثروة المائية التي توفرها الجبال.
كما ان الجبال هي اكثر عرضة للتدمير الحربي بالقنبلة باسلحة متطورة وفتاكة، لانه طالما تكون الجبال مولدة لحركات تحرر او حتى ماوي لحركات مسلحة، كما ان الجبال طالما تكون محددا أساسيا للحدود السياسية بين الجبال،( وهو ما يفسر أن حوالي 80في المائة من النزاعات المسلحة تكون الجبال مسرحها) فجبال الريف عرفت القنبلة بالسلاح الكيماوي السام، واليوم نشاهد ان جبال كوردستان تقنبل بالسلاح التركي للقضاء على حزب العمال الكردستاني، من جانب اخرتتم ملاحقات في جبال اقغانستان وجبال وزيرستان لعناصر طالبان او غيرها... ، وحسب تقاريرالفاو فان من اصل 27 حرب مسلحة عرفها العالم سنة 1999، 23 منها كانت في الجبال، وهو ما يفسر من جهة اخرى ان شعوب الجبال من بين الشعوب الاكثر قهرا ومعاناة من انظمة الحكم الظالمة ومن تدمير حقوقها السياسية وغيرها.
وسكان المتوسط عمروا جبالهم عبر التاريخ، كالريفيين والكورسيكيين** والقبائيليين والنفوسيين...، وقد مارسوا انشطتهم الاقتصادية المحدودة في الجبال، واليوم تعاني جميع الاوطان الجبلية المشرفة على المتوسط، من عدم استقرار ثقافي واجتماعي واقتصادي، مما يجعل السلام الاستراتجي لمنطقة المتوسط على المحك، لان المناطق المشرفة على البحر هي الاكثر فقرا، وتعاني من عدم اعتراف بوجودها الهوياتي، وبطموحاتها السياسية.
اليوم، بالتحولات الجديدة والسريعة التي تعرفها ساكنة جبال الريف، نجد انفسنا امام مستقبل غامض لسكان الريف، ولوضع المسالة الجبلية للريف على السؤال يظهر لي تسجيل بعض الاستنتاجات الأساسية.
استنتاجات مهمة:
لنطرح سؤالا قد يظهر عاديا” ما معنى ان يكون الانسان جبليا”. بالنسبة للجبليين الامر مختلف، لمادا، ان ساكن الجبل بالريف مثلا او في الاطلس سيكون اخر من يستفيد مثلا ببرنامج للربط الطرقي او الكهربائي باستغلال الادوات العصرية في الفلاحة او بشبكة التمدرس والصحة، في المقابل سيكون الاكثر تهديدا من الطبيعة والامراض والامية، واخر المتتمسكين بالزراعة التقليدية وبالانارة التقليدية...، وامام التحولات الكبيرة التي تعرفها الحياة في الحواضر وفي السهول سيكون الجبليون آخر المفكر فيهم، وبدلك تتكون لدينا اشكاليتين اساسيتين، الاولى تتعلق يالديمقراطية او التسييروالحكم ، اي كيف يكون الجبليون (الريفيون بالطبع) الفاعلون الاساسيون وليس كموضوعات يتناولها الراي العام اومن يملك برامج التدخل فقط ( حكوميون وعير حكوميين)، الثانية لا تنفصل عن الاولى، اسميها بادوات الديمقراطية الجبلية، كالتقدم او التنمية. وهما قضيتين عموميتين، يمكن تحديدهما بعدة عناصر حانبية ( كالتنمية السياحية الجبلية، الزراعة الجبلية ، الصناعة الجبلية ، العمران الجبلي، ووضع الادارة الجبلية كالجماعات المحلية، وهل يقرر الجبليون في اختياراتهم التنموية او الهوياتية او السياسية..)
*لقد أدى تزايد الوعي العالمي باوضاع الجبال الى اطلاق الجمعية العامة للامم المتحدة سنة2002 كسنة دولية للجبال.
**تعتبر جبال كورسيكا الأضعف في المستويات التنموية بالمقارنة مع المناطق الجبلية الأخرى في فرنسا.
وباختيارنا استعمال هدين الخيارين الحيويين، نكون قد قطعنا شوطا مهما للاعتراف بان للجبليين هوية يجدونها مهمة عندما يحددون اختياراتهم، وسنكون قد امنا ان هناك تميزا يجب ان يحظى به سكان الجبال، ليس في الريف وحده ولكن في العالم.
الديمقراطية والسياسة الريفيتين عنصرين للحرية في الجبال.
ان جبال الريف تشكل المورد الحقيقي البشري والمادي للريف، فسهول الريف محدودة كما نعلم،وقد ياخدنا المشهد المؤثر عندما نقوم بزيارة من الناضور نحو الحسيمة، فنجد انفسنا أمام جبال وفضاءات واسعة قاحلة، الا يجب علينا نحن الجبليون الريفيون، ان نتساءل عن ما نعده للاجيال المقبلة، ومن زاوية اننا جزء من النخب الريفية، الا يجب ان ناخد المبادرة للدفاع وصنع الديمقراطية التي نريد، لدا اربط دائما بين التنمية في الجبال والدور الفعال للمواطن في ممارسة ادواره السياسية، لدا من اللازم الاعتراف ان المواطنين في جبال الريف لا يملكون الفرصة الحقيقية لتحقيق هده الادوار، لدا، يمكن ان نتساءل عن دور الجماعات المحلية في الريف، واتساءل هنا الا يحق للريفيين أن تكون لهم مجالس ديمقراطية في الجبال يحددون من خلالها اختياراتهم وحاجياتهم، الا يحق لهم ان تكون لديهم حكومة وبرلمانات وقوانين يحددون من خلالها علاقتهم بالداخل والخارج. لدا سنكون نحن ابناء الجبل مخطئين، ادا كنا نعتقد اننا يجب ان نظل في انتظار من ياتي لينجز لنا التنمية، هل حقا يمكن انجاز تنمية بهدا الشكل، انها ستكون تنمية ظالمة وغير وفية لسكان الجبال ومدمرة لهم دائما، لدا نعتبر اليوم ان مشروعا سياسيا كالدي نقترحه في حركة من أجل الحكم الداتي للريف، مشروع نابع من ابناء الريف المنحدرين من الجبال، المتوسطي الحال والفقراء والمعانين من الهجرة والظلم الثقافي واللغوي، ان هده الخلاصة هي التي دفعتني لاستعمال عبارة غياب” نمودج تنموي ريفي” *( لقد كانت العبارة عنوان مداخلة سابقة في جمعية بويا بايت بوعياش في رمضان 2008)، حيث ان هدا النمودج لا يمكن ان ينجزه الا الريفيون، ان الامر يقود للحديث عن السياسة الريفية والديمقراطية الريفية، والتساؤل هل لدينا امكانيات للحسم في اختياراتنا، بالطبع سيكون الجواب لا، انداك سنجد انفسنا حقا امام معركة سياسية يجب ان نخوضها لاختيار ليس نمودج الحياة الجبلية ولكن حتى الحياة القروية والحضرية.
سكان الجبال الريفية، مرتبطون بأرضهم، مهاجرون ومتناسلون.
كان الجبليون في الريف، الاقل استفادة ان لم نقل منعدمي الاستفادة من برامج التنمية البعيدة المدى ، (وليس في نيتي الوقوف عند بعض التدخلات التي تمت كبرنامج تنمية الريف الغربي، او الوكالات الموجودة)، إن ما يمكن تأكيده أن الجبال لم تكن ضمن اي تنمية حيوية حكومية.
ويشكل سكان الجبال الكثافة السكانية للريف، لان الجبال تشكل الفضاء الاوسع، و لان الهوية الجبلية الريفية في استمرارها عبر العصور، جعلت تجمعاتنا الاساسية تختار الجبال،( وقد عرف الريفيون حواضر جبلية عبر التاريخ).
تعرف جبالنا اليوم ما يمكن ان نطلق عليه حالة شيخوخة، لان الجبال عرفت حالة من الهجرة الجماعية، والتاثيرات العميقة للهجرة على الشعب الريفي، تساهم اليوم في تغيير الخريطة البشرية وإنتاج تأثيرات مختلفة على الطبيعة، وتعرف الجبال الحركات الأوسع للهجرة، بحكم وضعها التنموي،( أو الأخطار التي تتهدد ساكنة هده الجبال في علاقتهم بالطبيعة كالزلازل فقد أنتج زلزال الحسيمة حركة هجرة مهمة في السنوات القليلة الماضية، مما يعكس أن الريفيين في صراع دائم مع الطبيعة، بالاصافة الى الاستحواد على الملكيات الجماعية) فكل عائلة ريفية في كل مدشر تفتقد احد أو بعض أعضائها المهاجرين، سواء في اتجاه المغرب أوفي اتجاه أوروبا الغربية أو في اتجاه المناطق الحضرية أو المنبسطة بالنسبة للهجرة الجبلية الريفية التي تتم داخل الريف، وللعلم فان الكثافة السكانية الريفية تسجل أرقاما مرتفعة بالمقارنة مع باقي المغرب، خاصة في المجال القروي، وقد اعتبر ريمي كروفل، هدا التزايد الديمغرافي من المميزات التي يعرفها الريف،( ودلك في عمله:
La préservation des forets du Rif centro-occidental: un enjeu de développement de la montagne rifaine.
“Une situation démographique délicate en raison d'une densité de population rurale très élevée (l'une des plus élevées du Maroc, certaines zones comptant plus de 120hab/km2) et d'un accroissement démographique très fort (2,5 à plus de 3% par an, selon les secteurs, au cours des 12 dernières années) s'expliquant par le contexte historique de la zone et par le développement de la filière du Kif”
يستمر ريمي كروفل في إعطاء بعض الصفات التي تتميز بها هده الديمغرافيا ” La population est jeunes, sans formation et sans qualification. Le taux d'analphabétisme est très élevé et le taux de scolarisation des enfants et très faible, surtout en ce qui concerne les filles. Certaines jeunes trouvent encore dans l'émigration une chance de salut, mais ils sont plus en plus nombreux à rester au douar pour participer aux activités de la filière du Kif (production et commercialisation). Notons enfin le rôle capital de la femme dans l'ensemble des activités: c'est sur elles que reposent les plus lourdes charges...”
وللإشارة فان الدراسة السالفة الذكر متعلقة أساسا بالريف الأوسط-وعلى العموم فان جل الأرقام تضع الكثافة السكانية لغالب الريف في 124نسمة في كلم2، أعلى ثلاث مرات عن المتوسط المغربي الذي هو 37 نسمة في كلم2،( المغرب: الاستقصاء الخاص بالقنب لعام 2003) . وتحدد النسب المسجلة في الجبال بحوالي 95 نسمة في كلم.2
نظام للإنتاج تقليدي.
يزاول الريفيون أنشطة اقتصادية محدودة في الجبال، أساسها الزراعة التقليدية، وبعض الأنشطة الأخرى كتربية النحل والماشية، وهي أنشطة محدودة للغاية، وبالنتيجة فان جبال الريف تخلو من أنشطة اقتصادية معاصرة ومتطورة، لدا فان حتى بعض برامج التدخل كبرنامج ميدا يقتصر على إنعاش بعض هده القطاعات من خلال دعم التعاونيات مثلا في تربية النحل وزراعة الزيتون وإنتاج زيت الزيتون أو في تربية الماشية كالمعز والغنم،مثل تدخل في إقليم اشاون، وتتدخل الجمعيات المدنية عن طريق الشراكات في الغالب لدعم هده التعاونيات وتعرف اليوم قبيلة ايت سيدال تعاونيات مهمة فيما يتعلق إنتاج زيت الزيتون، عموما فان الفلاحة الجبلية الريفية تعتمد على زراعة شجرية
،( وزراعة القنب) كما أن هده الزراعة تقوم على حساب الغطاء الغابوي، وتعتمد على نظام بوري ضعيف المردودية،هدا بالإضافة إلى نظام توزيع الأراضي، حيث تتم هده الزراعة على ملكيات للأرض محدودة لا تتجاوز الهكتارين في المتوسط،، ومن هده التحديات كلها يتضح الأوضاع التي يعيشها سكان جبال الريف، ويعرف المحيط الغابوي تدهورا عميقا، بسبب انتشار زراعة القنب والاستهلاك اليومي للخشب في التدفئة في الظروف الباردة، وقد عرف هدا التدهور بشدة في مناطق أشاون والحسيمة( فمن 1981 الى 1991، في11 سنة فقط، التدهور الغابوي السنوي بلغ 1550، بينما في الحسيمة بلغت نسبة التدهور1035 هكتار في السنة من 1966الى1986، عن ريمي كروفل، مدكور سابقا)، من جهة أخرى تعرف الجبال بإقليم الناضور عراء واضحا، وقد كانت برامج التشجير محدودة لغاية ومتأخرة، وقد كان لغياب رؤية واضحة للغطاء الغابوي وأهميته في التنمية الجبلية من طرف الحكومات المتعاقبة ،إلى تفاقم الأزمة المعيشية لساكنات الجبال بالريف.( وقد ذكر لي احد المسنين بقبيلتي، وهو لم يتلق أي تعليم، أن الدولة لم تشجر الجبال لمخافتها أن تكون مأوى لحركة مسلحة قد تظهر في الريف، ولا اخفي اليوم أني أجد في هدا التفسير احد جوانب الحقيقية).
وأنا لا أتفاجأ اليوم أن الحكومة متأخرة عن سن أية برامج لاقتصاد جبلي وتنمية جبلية، وقد لاحظت أن لا احد يتحدث عن بناء اقتصاد جبلي حديث ومتطور( كالصناعة الجبلية مثلا*)، وخدمات اجتماعية فعالة وأساسية في الجبال، في مقابل دلك، يظهر أن الحديث مستمر عن جعل الجبال واجهات للاستقطاب السياحي( السياحة الجبلية)، وتعرف جبال الريف من خلو للأنشطة السياحية، ولكن لا بد من طرح سؤال جوهري، هل التنمية الجبلية راهنة بالسياحة الجبلية؟ وهل هي التنمية الإستراتجية الوحيدة الممكنة في جبال الريف المتعددة الإمكانيات؟ وقد يظهر في المستقبل أن هناك اهتمام في تنمية الاستثمار الفندقي بالجبال، لكن للعلم فقط أن هده الجبال متخلفة كل التخلف من حيث البنيات الأساسية لأي تنمية من هدا القبيل، كما يجب أن نعلم من هو المستفيد من هده التنمية ، الذي هو العنصر البشري القاطن للجبال؟، بمعنى هل يمكن لهده السياحة أن تحفظ مقوماتهم الهوياتية الجبلية، وان تنمي دخلهم المعيشي،و يكونون منخرطين في هده العمالة؟ وليس العكس.
من جهة أخرى فان الزراعة الجبلية تحتاج لمقومات جديدة وحديثة، فمساحات واسعة تحتاج إلى استصلاح، وتعرف تدهورا عميقا، وأصبح المعتمدين على الزراعة الجبلية من اشد الفقراء.
فقراء زراعة القنب الهندي وأغنياؤها وعالم استهلاكها.
يعتمد حوالي 800000من الريفيين على زراعة القنب الهندي( ودو ن الوقوف عند بعض الجوانب التاريخية لهده الزراعة)، ولكن أود التنبيه إلى أن المسالة ذات وضع سياسي حقيقي، وتهدد مستقبل السلام الطبيعي في الريف، كما تهدد الاستقرار الاجتماعي والتطور السياسي، ويستغرب الرأي العام الشعبي كيف أن الحكومة لا تفعل شيئا لبديل عن زراعة هده المادة في مقابل شنها لحملات داخلية أو بتنسيق مع جهات أوروبية ضد التجار، إن الأمر معقد، لان الأرقام مهمة، ولكن مستقبلنا غير امن، ومزارعي القنب الهندي، فقراء ومهمشون وأميون ولا يتوفرون على أنظمة للصحة، أمام هدا، هل القنب، وسيلة للتنمية؟ وماهي التنمية البديلة، التي ستحمي سكان الجبال، وتحقق أمنهم التعليمي والصحي ودخلهم للعيش في كرامة؟ إني أود أن أنبه، إلى أن الأمر أكثر من التقنين الذي أضحى يتم الحديث عنه هنا أو هناك، إن التسليم بأمر زراعة القنب في الريف، وهي التي كانت نتيجة لأوضاع معينة، هو تعبير عن خوف وعجز سياسيين، هل لا يمكن أن ندافع عن تنمية جوهرية في الريف، تقوم على بنيات إنتاج اقتصادي مستقر، سننافس به في محيط إقليمي وعالمي، بكل وضوح وشفافية.؟ هل لايمكن أن نحقق نظام حياة في الجبال المعنية بتدخلات عميقة وجوهرية يكون الريفيون المعنيون بها؟ إني أتحدث هنا من زاوية أن الريفيين يجب أن يقرروا المصير في اختياراتهم، ولا اعتقد أن أولائك المزارعين للقنب سيختارون زراعة القنب لو أتيحت لهم اختيارات أخرى أكثر فعالية واستقرار وتحقيقا لتقدمهم الاجتماعي، وليس بالحلول الموجودة اليوم ، عن طريق زراعة بديلة اقل مرد ودية وغير مساهمة في التقدم الاجتماعي، لدا تحدثت سابقا عن الصناعة والفلاحة والسياحة والصحة والتعليم و التشجير...في الجبال.
أرقام حول زراعة القنب:
124الف هكتار من المساحات المزروعة.
47400طن من الحجم الإجمالي لإنتاج القنب.
96600اسرة تزرع القنب.
20900درهم هو متوسط الدخل السنوي للأسرة من القنب.
2536هو متوسط الدخل الفردي من القنب.
* إن جبال جورا الفرنسية، تنتشر فيها صناعة جبلية مهمة، وهو ما يجعلها في وضع أفضل من حيث الدخل الفردي مثلا ونسبة العمالة، من مناطق العالم القروي، كما أن جال الألب الشمالية، التي تنتشر فيها سياحة مهمة، تعتمد على حركة تصنيعية فيما يتعلق بالألبسة الجبلية وأدوات رياضة السكي.
0.57 في المائة من نسبة الدخل المحلي الإجمالي للمغرب في2002
10مليارات يورو هو الحجم السنوي للتجارة الدولية في راتنج القنب.
( اعتمدت في هده الأرقام على الاستقصاء الخاص بالقنب لعام 2003 المنجز من طرف المكتب المعني بالمخدرات والجريمة ووكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لعمالات وأقاليم بشمال المملكة)
Your browser may not support display of this image.
المغرب- الأقاليم الشمالية: عدد الأسر التي زرعت القنب في عام 2003
الخريطة ماخودة من الاستقصاء المذكور أعلاه.
للمستقبل.
اعترف أن هده المداخلة لا تسمح لي بإبداء آرائي المتعددة، واعرف أني قصرت في انجازها لضيق الوقت، و قد وصل لعلمي أن طفلين ماتا اليوم اثر انهيار مدرسة بجماعة ايكسان الجبلية، المدرسة تعود لثكنة عسكرية اسبانية، وهو ما يجعلنا قلقين على أرواحنا وأرواح أبنائنا، من سوء أوضاعنا،وسوء التنمية بالريف، لكن إن كان هناك ما سأختم به هده المداخلة، فانه ما يلي: إن العمل السياسي من اجل الريف هو باب أساسية لنعمل سويا من اجل المستقبل الأفضل للريف ولسكان جبال الريف و سهوله ، بقراه وحواضره.
وشكرا
كريم مصلوح
سلوان في 08 يناير2008
المنسق العام لتأسيس الحركة من اجل الحكم الذاتي للريف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.