عمل مشروع النيو-مخزن المتمثل في أقطاب حزب القصر، الوليد بعملية قيصرية في البلاط الملكي منذ مدة ليست بالقصيرة، على نسج شبكة علاقات عنكبوتية تجمع بين ما هو سياسي، اقتصادي، حقوقي، مدني، رياضي، …. وإعلامي، قصد تشكيل لوبي ريفي مخزني هو نسخة طبق الأصل للأعيان الصحراويين الموالين للرباط في مواجهة البوليزاريو. والهدف منه طبعا (اللوبي الريفي، أو الأعيان الجدد الريفيين) هو جعلهم بمثابة ممثل شعب الريف لدى المخزن دون علم الريفيين أنفسهم. بدأ هذا المشروع في خضم تبعات زلزال 24 فبراير 2004 الذي هز اقليمالحسيمة مخلفا مئات القتلى وآلاف الجرحى، حيث قام البلاط الملكي آنذاك ببناء خيمة بالحسيمة لإيهام الرأي العام بتضامن مغشوش مع الأسر المشردة، ليتمكن من صناعة النواة الأولى لما سيتحول سريعا إلى "الفريق المدني المتعدد التخصصات" الذي أوكلت له مهمة إعمار الإقليم، وأسالت لعابه الأموال الطائلة التي ساعد بها المجتمع الدولي سكان الحسيمة المتضررين آنذاك، ليتحول إلى "فريق مدني متعدد الاختلاسات" كما كانت تصفه هتافات الجماهير الشعبية بتماسينت. الجماعة التي ظلت تقاوم سياسة الاستغلال إلى أن كانت النهاية المعروفة لحركة متابعة آثار الزلزال بتماسينت هذه. بعد هذه العملية التي تُعتبر واحدة من أكبر عمليات النصب والاحتيال على الريفيين من سكان اقليمالحسيمة من طرف مجموعة أشخاص شكلوا النواة الأولى لمشروع المخزن المتمثل في حزب البام، قبل أن يولد هذا الأخير بشكل أعرج في دهاليز القصر الملكي عقب موجة الغضب ضد صناديق الاقتراع عام 2007. قاموا بتشكيل جمعية تحت اسم "أريد" لتعمل على تنظيم مهرجانات موسيقية رقصا على مآسي سكان اقليمالحسيمة، وصبا للمزيد من الملح على جراحهم التي لا زالت لم تندمل بعد. بالموازاة مع ذلك، كان ما سمي تجاوزا بمشروع الإنصاف والمصالحة قد تم طبخه بشكل جيد لمحاولة الإجهاز على تاريخ الريف وطمسه، بقيادة نفس المجموعة المذكورة التي شكلت الفريق المدني المتعدد الاختلاسات. الفريق الذي لم يجد حرجا في القول بأن الأولوية يعطيها للمشاريع الكبرى من قبيل : الميناء، المطار، توسيع الطرقات…. الخ، ولو على حساب المواطنين الذين يقضون لياليهم وأيامهم في العراء. هذا القول جاء جوابا على سؤال طرح بقوة آنذاك، وهو : "بماذا سيفيدني المطار والميناء وأنا بدون مأوى؟" (مع الاعتذار للاستاذ عبد المنعم علاش الذي كانت له الجرأة له لطرح هذا السؤال أمام أعضاء الفريق المذكور)، فكان جواب مسؤولي الفريق المتعدد الاختلاسات آنذاك هو كونهم يعطون الأولوية للمشاريع الكبرى التي ستخلق فرص الشغل، وسيتمكن المتضررون من الاشتغال، وبالتالي سيتمكننون من بناء منازلهم بأنفسهم دون الاعتماد على هذا البرنامج أو ذاك، في استخفاف بمعاناة الريفيين، وضحك على ذقونهم تجاوز كل حدود الحقارة. ولم تكن هذه سوى أولى بدايات مشروع التدجين الذي سيتخذ فيما بعد أبعادا متعددة، والطامة الكبرى أنه سيتم الترويج لهذه المشاريع على أساس أنها بادرة ملكية للمصالحة مع الريف. ترويج تم على نطاق واسع باستعمال ترسانة إعلامية كبيرة جدا، وقوامها الإعلام الرسمي، وفرقة كبيرة من صحف الكوكوت مينوت التي تم تأسييها وطنيا ومحليا لذات الغرض، ليتخذ التدجين المخزني أبعادا أخرى متشابكة فيما بعد. هذة النواة / المجموعة، ستتحول فيما بعد إلى تكتل متشابك المصالح وبأجنحة متعددة بفعل هندسة العقل العقل الأمني والاستخباراتي الفرنسو-مغربي. تكتل أصبح يتداخل فيه ما هو سياسي، بالاقتصادي، بالجمعوي، بالاعلامي، بالرياضي… وهلم جرا. في محاولة لتشكيل أعيان الريف الجدد عن طريق صناعتهم في المختبرات الأمنية والاستخباراتية، ليكونوا بذلك بمثابة السد المنيع لأي انتفاضة شعبية بالريف قد تقلب كل المعادلات المرسومة… بدقة من طرف مشغلي طاحونة المحاكم الصورية، وماسكي زر اشتغال الآلة القمعية، وليكن بالتالي (تكتل نخب المخزن بالريف) قادرا على تنفيذ برامج المربع الأمني، وعلى رأسها التركيع مهما كلف ذلك من ثمن، خاصة وأن المرحلة التي تم فيها تشكيل هذا الفريق اتسمت بحساسيتها البالغة بعد أن اتسعت موجة الغضب ضد تدبير ملف ما بعد الزلزال لتكون معالم انتفاضة تلوح في الأفق، تغلب عليها المخزن بالكثير من العصا والجزرة. في هذا السياق المتسم بتداخل وتشابك الخيوط، ستظهر النواة الأولى للوبي الاقتصادي ليكون دعامة لأي تحرك مخزني بالريف، والمتمثلة (النواة) في شركة "أريف للإسكان" لصاحبها محمد الحموتي، الأمين العام الجهوي لحزب "العصارة والمعصرة" حاليا، والذي هو ليس سوى أحد الأقارب عائليا من رجل الأعمال القذرة لفؤاد عالي الهمة "إلياس العماري"، وأحد الأعضاء السابقين ل "لجان باريس للتغيير الديمقراطي بالمغرب" التي كان يتزعمها رؤوس اليسار السبعيني بالعاصمة الفرنسية بما فيهم "ابراهام السرفاتي". هذا الأخير الذي فضل في آخر أيام حياته التحالف مع البورجوازية الصغيرة المتمثلة في المخزن ، عوض البقاء مع الستالينيين الجدد، كما قال بعظمة لسانه في لقاء ماستريخت الشهير. شركة "أريف للإسكان" هذه التي أريد لها أن تكون إحدى الأذرع الاقتصادية لأخطبوط سياسي، اجتماعي، رياضي… يرمي بأرجله في كل مناحي الحياة العامة بالريف، ورأسه مخشي بين صخور الرحامنة، ومحاط بمختلف أنواع وأشكال الحراس والمساعدين الأمنيين والاقتصاديين والاعلاميين. هذه الفئة الأخيرة التي شكلها رجل الأعمال القذرة من بعض الصحافيين المهددين بالإفلاس وفريق من العياشة الجدد الذين تحولوا من "سراح" إلى صحافيين بين عشية وضحاها، ممولين بأموال الشعب طبعا الذي تتلاعب به المافيات كما تشاء. هذه الشركة العقارية، ستتحول بقدرة المخزن إلى أخطبوط عقاري واقتصادي في حد ذاتها باقليمالحسيمة، لتنقل أنشطتها إلى مدن وجهات أخرى، بعد احتكارها لكل المشاريع العقارية بالحسيمة. الخاصة منها والعامة، حيث التنافس مع هذه الشركة التي هي سلطة في حد ذاتها، قد يؤدي بالمنافس إلى غياهب السجون أو الإفلاس والنفي أحيانا، كيف لا والشركة المذكورة جزء لا يتجزأ من مشروع متكامل تتداخل فيه كل المصالح بالسلطة والأمن، بيد أن عمال اقليمالحسيمة وولاة جهة تازةالحسيمة تاونات، ورئساء المجالس الجماعية … كلهم عناصر في نفس المشروع المخزني السيئ الذكر (من مهيدية إلى بودرا، مرورا بالحافي، السعدي وغيرهم …)، حيث الكل يشتغل وفق خطاطة نفس البرمامج المرسومة خطوطه في المربع الأمني. فبلدية الحسيمة منحت ترخيص السكن لمستوطنات البام العقارية رغم عدم احترام دفتر التحملات (أنظر مقال ريف توداي بعنوان " من سيوقف مستوطنات البام بالحسيمة؟") المنشور يوم فاتح أبريل. والمتحكمين في اللعبة بعالم العقار يهيئون الهكتارات لصالح الشركة المذكورة في أجمل المناطق الحسيمية، وآخرها المنظر الجميل المطل على شاطئ كالابونيطا. قاموا بمحاربة كل حاملي المشاريع الذين لا يسيرون في خطهم السياسي والأمني بالريف، ومنهم صاحب "مشروع الخطابي" على شاطئ إيسري. وعندما جاء الفاعل الاقتصادي والسياسي الريفي من الأراضي المنخفضة "سعيد شعو" بمشاريع للمنطقة لم ترق الشبكة المافيوزية المذكورة، تمت متابعته بملف مفبرك ثقيل جدا كما يعرف الجميع. قاموا بتوسيع شبكتهم الأخطبوطية عبر فاعلين اقتصاديين راكعين لهم في مجالات أخرى، ومنها مجال الطب الخاص، …والذي تشكل مصحة "بادس" لصاحبها "مكي الحنكوري" عمدودها الفقري. هذا الأخير (الحنكوري) . هو في نفس الوقت رئيس غرفة التجارة والصناعة والخدمات بالحسيمة بلون الحزب الملكي، والذي تشير إليه أصابع الاتهام بإفراغ مستشفى الحسيمة من الأطر الطبية لتهيئة مصحته الخاصة. هذا بالإضافة إلى كونه كان قد أعلن عن التكفل بجميع الحالات الاستعجالية التي تعرض من طرف طبيب المستعجلات بالمستشفى الجهوي محمد الخامس، بعد تعرض بعض أجهزة هذا المستشفى لأعطاب تثير أكثر من علامة استفهام. وهذا في نظرنا يدخل في إطار المحاولات المتعددة الأوجه لتركيع أبناء الريف من طرف أخطبوط "العصارة والمعصرة" دون أدنى اعتبار لباقي الجوانب القيمية. بالإضافة إلى العقار والصحة، سيعمل العقل المدبر لبرنامج المخزن بالريف على استقطاب فاعلين آخرين في مجال الصناعات الغذائية من خلال مقاولة "بيبان" للحلويات، باعتبارها أهم وحدة انتاجية باقليمالحسيمة عن طريق استقطاب بعض مالكيها (لبنى أمغار رئيسة للحزب بتطوان، وفريد أمغار عضو المجلس الوطني للتراكتور)، وبين هذا وذاك، سيعمل الشق الاقتصادي للنيو-مخزن المتمثل في الأخطبوط العقاري المذكور بالاستحواذ على عقارات جديدة، وبناء مشاريع بطرق ملتوية كما هو الحال بالنسبة للبنايات المطلة على شاطئ "صباديا" التي يتم من خلالها مص دماء الريفيين، خاصة المقيمين منهم بأوروبا. لا يجب أن ننسى أيضا بأن أقطاب المشروع المخزني المذكور جاءوا ببعض الإسبان إلى الحسيمة لتأسيس شركة عقارية بإسم "إيموبيليوس Imobilius" لتكون بمثابة أرنب السباق لأخطبوط "أريف للإسكان" بهدف الاستحواذ على ما تبقى من أراضي الحسيمة بالخصوص، والريف بصفة عامة. إنه أخطبوط مالي وسياسي بأرجل متعددة ورأس واحد، لا يهدف إلا لتركيع أبناء الريف لاستمرارية عيشهم تحت نيران الديكتاتورية العلوية، لكن هيهات هيهات، فللريف رجاله الذين لا ولن يركعوا مهما كان ما كان. تعليق