أكتب اليوم ليس لأبكي شهداءنا الذين قضوا في الفيضانات التي عرفها الناظور خلال شهر أكتوبر. وليس لأحصي الخسائر المادية، والمنازل التي هدتها السيول وجرفت ما فيها..وليس لأندب قدرنا الذي جعلنا رهائن في أيدي مسؤولين لا يقيمون لمصير الناس أدنى اعتبار.. وأندد واشجب وأعبر عن امتعاضي ورفضي لتقصيرهم بل ومساهمتهم في سقوط كل أولائك الضحايا.. إنما أكتب لأتأسف على هواننا وقعودنا خلال كل هذه السنين التي مضت نتابع كيف يتلاعب هؤلاء المسؤولين في الدولة من سلطات ومجالس ” منتخبة ” بحاضرنا ومآلنا. أكتب لأتأسف عن كوننا لم نحرك ساكنا ولم نقم لمنع هذا الإتلاف والاستنزاف اللذين تتعرض لهما كل مقوماتنا الطبيعية والاقتصادية.. أتأسف لأننا لم نكلف أنفسنا عناء الصدع بالحق في وجه الظلم الذي ينسحب على كل مظاهر حياتنا ونحن ننظر كيف يسيء أهله إلى كل شيء من حولنا. هل كنا في حاجة إلى أن يتدخل المطر بِِوَبْلِهِ حتى ندرك بأن كل شيء في بلدنا طاله و يطاله الغش؟ هل بلغ بنا العجز إلى هذا المدى فنتوارى عن الساحة وننكمش نرجو وننتظر أن يرسل رب البيت طوفانا يعري فضائح وغش الحكام ؟ أما كان بوسعنا أن ننتفض انتفاضة وعي ومسؤولية في الوقت المناسب وبالشكل الذي يبني ولا يهدم وينمي ولا يخرب.. لنجعل حدا لهذا التلاعب الذي عمر ببلدنا أمدا قبل أن يحصل ما بتنا نحصد نتائجه اليوم ؟ هل غابت عنا مظاهر سوء التدبير والارتجال في التخطيط والبرمجة الذي نعيش تجلياته اليوم في أقسى وأفظع صوره ؟ لست في حاجة إلى جرد كل عيوب التدبير والتسيير التي تشوب دائما عمل السلطات الإقليمية والمجالس ” المنتخبة ” بهذه المنطقة لأنها كثيرة لا حصر لها ، ولأنها أيضا بادية لكل مهتم .. بل حتى أطفالنا حينما يمرون بأحد الشوارع يلاحظون كيف أن المجلس البلدي مثلا لم يعبد الطريق ، أو أن مصالحه لم تغلق بالوعات قنوات صرف المياه التي كانت أحد أسباب غرق بعض الضحايا ، أو أن أرصفة المدينة تبدو و كأنها حلبة للعب القفز تنخفض بالمارين فوقها تارة وترتفع أخرى.. بالبداهة يدرك كل مواطن بأن المسؤولين يضيعون المال العام ويبذرونه فيما لا طائل من وراءه ، ويدرك بأن عملهم ليس فيه ما يشير إلى أن هناك أدنى تنسيق وتعاون بين مختلف المصالح المتدخلة في إعداد التراب وتنظيم المجال ، ناهيك عن إمكانية إشراك باقي الفاعلين في العملية من جمعيات ومنظمات وأحزاب .. في الصيف الماضي كانت مدينة الناظور تستعد لزيارة الملك . وفي إحدى المناسبات سمعت من أحد المسؤولين عن إنجاز مشروع ربط الناظور بالسكة الحديدية يقول بأن الأشغال تسير على قدم وساق بالليل والنهار ، وبوتيرة قياسية لتستدرك التأخر الذي طرأ في بعض مراحلها .. وقال مستدركا ” لكن إذا تم تأجيل الزيارة الملكية سنشتغل في ظروف عادية “ وفي مناسبة أخرى قال أحد المقاولين وقد كلف ببعض المشاريع بالمدينة : ” إن الأشغال تسير بسرعة جنونية استعدادا للزيارة الملكية ، ولا أحد يسأل أو يتابع مدى موافقة الأعمال المنجزة للمقاييس والشروط المتفق عليها في دفتر التحملات..” أُنجزت الطرق ، ورُصفت جوانبها ، وأنَبتت عليها الأشجار في غير وقتها بأعجوبة.. ولبست المدينة حلة بهية زادتها ” جمالا ” تلك ” النافورة العجيبة ” التي تتوسط على شكل ” حَرْشَة ” مدخل المدينة .. وقد رأينا عامل الإقليم كيف يقف بنفسه على اختيار شكل وتصميم الهيكل السلكي الذي ستتدفق عبره المياه ليستقر الاختيار في الأخير على أنبوب كبير يتوسط أنابيب أخرى صغيرة يتراقص منها الماء على استحياء ! عَلَتْ أعمدةَ الإنارة أسلاكٌ حديدية تحمل مصابيح تنساب في أشكال هندسية رائعة.. أما الكورنيش المطل على بحيرة ” مارتشيكا ” فهو بدوره بعثت فيه الحياة من جديد خاصة بعد إعادة تصميم الواجهة المقابلة لمقر عمالة الإقليم. عرس صيفي بهيج كان سكان الناظور على موعد معه خلال وبعد الزيارة الملكية . وقد تُوج هذا العرس بتلك الحفلات الساهرة التي كانت تستمر إلى طلوع الفجر يحييها بعض ” الفنانين ” الذين لم نسمع عنهم قط من قبل ، بحناجرهم ” الجهلوقية ” التي لا تَغمض لسماعها الجفون ولا تهدأ لألحانها النفوس.. جاء موعد الزيارة.. حل ملك البلاد بالمدينة ، أقام بعض الأنشطة التي تدخل ضمن مشاريع ” المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ” تناقل الناس أخبار خروجه لوحده وتجواله ببعض أحياء المدينة وشوارعها.. ثم رحل! يحق لي كما يحق لكل مواطن أن يتساءل عن حصيلة ونتائج تلك الزيارة وماذا خلفت ” الأيادي الكريمة ” لأهل المدينة والإقليم ككل من خير ونفع وعطاء وتنمية كما كان يبشر بذلك الصحفي مصطفى العلوي في تعليقه المتلفز الطنان الرنان الذي كان يصاحب أنشطة الملك.. كما يحق لي أن أعرف ما هو الانطباع الذي خلفته تلك الزيارة لدى المسؤولين بالمنطقة ، وعلى رأسهم عامل الإقليم ورئيس المجلس الإقليمي ، ورؤساء المجالس البلدية والقروية ، والمسؤولين في وزارة غلاب ، ووزارة حجيرة ، ومدير الوكالة الحضرية.. هل كان انطباعا يوحي بالرضا عن منجزاتهم وتدبيرهم لملفات المشاريع التي تَعِدُ الأهالي بنقلة نوعية لمنطقتهم تؤهلها لتصبح إحدى أجنحة القطب السياحي المزمع إنشاءه على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط ؟ هل كان انطباعا يُفهم منه بأن أعلى سلطة في البلد قد أقفلت راحلة عن الناظور وقد ملأها الابتهاج والسرور بما تم إنجازه حتى الصيف الماضي من مشاريع ، ووفقا للمقاييس التي تراعي مصلحة المواطنين في الدريوش والعروي وسلوان وبني انصار وازغنغان . أوفي حي بوعرورو وعاريض وشعالا وإشوماي وتيرقاع وتاويمة ..أكثر الأحياء تضررا داخل المدار الحضري للمدينة بالأمطار الأخيرة . وهي أحياء شمل بعضها برامج إعادة التأهيل ضمن المشروع الفُقاعَة ” المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ” ورصدت لها من مال الشعب أغلفة مالية جد مرتفعة ؟ هل تم فتح ملف الوضع الحقوقي بالمنطقة وواقع الحريات العامة والحقوق الجماعة والفردية للمواطنين في الرأي والتعبير والتنظيم..؟ انصراف نفس المسؤولين في مختلف الأوراش بعد الزيارة الملكية إلى متابعة إدارتهم وإشرافهم على انجاز المشاريع التي تقام بالمنطقة ،بنفس الوتيرة وبذات الأسلوب الغارق في العشوائية وإتلاف المال العام. استمرار السلطات في التضييق على الحريات العامة وإصرارها على الانفراد بتدبير الشأن العام بالمنطقة وإقصاء الفاعلين الحقيقيين من دائرة المشاركة. تتابع الأخبار عن هدم منازل الضعفاء بينما يتم غض الطرف عن تجزيئات سكنية بكاملها يقيمها بعض ذوي النفوذ المالي المفاجئ دون مراعاة لأبسط مقاييس السلامة بها وبما حولها والتي سببت في كثير من الضرر إثر التساقطات المطرية. استخفاف المجلس البلدي بحياة المواطنين وسلامة البيئة بإمعانه في ترك الأزبال تتراكم في كل شارع وزقاق بالمدينة. بقاء بعض الوصوليين على رأس إدارة بعض المركبات الرياضية التي أحدثت مؤخرا بالمدينة الشيء الذي جعل الاستفادة منها رهنا بمزاج القائمين عليها .. هذا وغيره من مظاهر الفساد الإداري واستشراء الرشوة والمحسوبية والانفلات الأمني والأخلاقي .. يدل على أن الماسكين بزمام الأمر بالمنطقة قد رُصعت صدورهم بأوسمة ونياشين الرضا والتبريك ! اكتمل لنا الهم إذن من جانبين ، فمن جهة نحن لم نتحرك لنغير ما بنا . والزيارة الملكية لم يَرْشَحْ عنها ما يشير إلى وجود إرادة حقيقية نحو الإصلاح وإعادة النظر فيمن ينصبون لتسيير الشأن العام بالإقليم . فبات مصيرنا معلقا تذروه الرياح وتعصف به تقلبات الجو ، حتى صرنا كالغثاء الذي رأينا سيول الأمطار تحمله في كل جانب وتركمه على أرصفتنا وأبواب منازلنا ، وساحات وحجرات مؤسساتنا التعليمية والإستشفائية ، بل وحتى في قبور موتانا التي لم تنجو من سوء تدبير القوم. بالتأكيد أن زيارة التفقد التي ينظمها الملك إلى المنطقة يتم الترتيب لها على ضوء تقارير ترفع من السلطة الإقليمية تعكس نسب انجاز الاوراش المفتوحة بالمنطقة ، سواء تعلق الأمر بمشروع ربط الناظور بالسكة الحديدية ، أو شق وانجاز طرق جديدة وبناء القناطر وفك العزلة عن بعض القرى.. أفلم يكن حريا بعامل الإقليم أن يُذَيل تلك التقارير بملتمس يطلب فيه تأجيل الزيارة إلى حين إنهاء الأشغال في الآجال المتفق عليها ووفق الشروط والمواصفات المعتبرة في دفاتر التحملات الخاصة بكل مشروع؟ وإلا فكيف يفهم تسريع وتيرة الأشغال بشكل جنوني استباقا لموعد الزيارة دون مراعاة لأدنى شروط الجودة والإتقان وسلامة البيئة وأمن المواطنين وترشيد صرف المال العام؟ على من تقع المسؤولية إذن فيما وقع ؟ ومن يتحمل وزر كل تلك الأرواح التي زهقت وكل الخسائر المادية التي تكبدها الناس إثر الأمطار الأخيرة ؟ أٍرجع بعيدا في أعماق تاريخنا الإسلامي لأتأمل لوحة بليغة في استشعار المسؤولية الملقاة عل عاتق الحاكم تجاه من وَلِيَ أمرهم . إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما قال : ” لو أن بغلة في العراق عثرت ، لسأل الله عمر يوم القيامة لِمَ لمْ تمهد لها الطريق ياعمر .. ” تهمم وإحساس ويقظة أَجْلَت النوم عن عيونه رضوان الله عليه. كان سيدنا عمر بن الخطاب يطيل القعود في مجلسه الذي يباشر فيه شؤون المسلمين فتأخذه غفلة نوم . فيقول له أحد جلسائه ، ألا تعطي نفسك حقها فتنال قليلا من الراحة وتنام ؟ فيرد عمر بن الخطاب قائلا : ” كيف أنام ؟ إن نمت بالنهار ضيعت حقوق الناس ، وإن نمت بالليل ضيعت حظي من الله “ وفي مشهد آخر نجد ه رضي الله عنه يجري مسرعا ، وعثمان بن عفان ينظر إليه ويسأله : ياعمر ماذا بك ؟ فيرد عمر رضي الله عنه : إنها ناقة هربت من بيت مال المسلمين وأنا ألاحقها أراها واقفة هناك. فقال له عثمان بن عفان : ياعمر اذهب لأهلك ومالك وأرسل وراءها أحدا من عمالك يحضرها. فقال له أمير المؤمنين : اذهب أنت ياعثمان لأهلك ومالِك أتُسأل عنها يوم القيامة بدلا مني ؟ من ذلك الركام من تاريخنا أنقل هذين المشهدين ، للبغلة التي قد تعثر هناك في العراق ، والناقة التي شردت وهربت من بيت مال المسلمين فيخشى أمير المِؤمنين عمر بن الخطاب أن يسأل عنهما يوم القيامة. أين الفرق إذن بين واقعنا وأيام حكم عمر بن الخطاب ؟ الفرق الأساسي بلا شك يكمن في ذلك التجرد في خدمة المصلحة العامة ، وفي ذلك التهمم بمآسي الناس وذلك الصدق في مراقبة الله في عباده. هذا هو العنصر الغائب الذي لم نجد له أثرا عند حكامنا اليوم. وهذا عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشدي الخامس ، كان إذا أوْقَدَ شمعة في مجلس الحكم لا يفعل إلا لقضاء مصالح الناس. وإذا انصرف إلى شأنه الخاص ، أو جاءه من يطلب حاجة لا تعني عموم المسلمين ، أوقد شمعته وأطفأ شمعة بيت مال المسلمين مخافة أن يتلفها فيسأل عنها .. شمعة ! وهذا أحد أمناء بيت مال المسلمين في اليمن يكتب إليه يخبره : ” أني قد فقدت من بيت مال المسلمين دينارا ” فكتب إليه عمر بن عبد العزيز : ” إني لا أتهم دينك ولا أمانتك ، ولكن أتهم تضييعك وتفريطك ، وأنا حجيج المسلمين في أموالهم ، ولَأَخَسنهُم ( أقل ما أنت ملزم به ) عليك أن تَحْلِفَ والسلام” أمير المؤمنين يحاسب عامله في اليمن على ضياع دينار! وحكامنا صرفوا وأتلفوا 400 مليار سنتيم في الحملة الدعائية التي نظمت لاحتضان المعرض الدولي بمدينة طنجة. 400 مليار سنتيم في مهب الريح ! لو استثمرت في إعادة تأهيل وتنظيم المجال في المدينة ، لما غرقت بذلك الشكل ولما شلت بها عجلة الاقتصاد وسرح العمال من مصانعهم جراء الأمطار. وعنصر آخر لا ينبغي أن نُسْقطه من ذلك المشهد العُمَري . وهو ما تعكسه لوحة سابقة حينما بويع عمر بن الخطاب أميرا للمؤمنين ، فقام يخطب في الناس قائلا : ” إن رأيتم في اعوجاجا فَقَوموني . فيندب له رجل من عامة المسلمين يقول: لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناك بحد سيوفنا. فما يزيد عمر على أن يقول: الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من يُقَوِمه بحد سيفه “ استشعار ذاتي ومبدئي لجسامة المسؤولية من الحاكم تسنده مراقبة ومحاسبة الشعب. يالتعاستنا ! الحكام اليوم غاب عنهم هذا الاستشعار ، ونحن بدورنا تنكبنا عن مسؤوليتنا في المحاسبة والمساءلة. وكأن ما بنا ومن ولوا أمرنا قدر لا فكاك لنا منه، وبالتالي لا يليق بنا سوى الرضا والقبول! التساقطات المطرية الأخيرة ربما لم تكن عادية ، لكنها على كل حال كانت كافية لتميط اللثام عن حقيقة أوضاعنا. كانت كافية لتسيل كل تلك الأصباغ التي طليت بها واجهات منطقتنا وتعلوها الأوحال. في سبعينيات القرن الماضي ، كانت نفس الأمطار تهطل على منطقتنا وربما أكثر . لكن لم يسبق أن أحدثت كل هذه الخسائر التي نحصيها اليوم . لم تودي بحياة العشرات . لم يقطع تزويد الماء والكهرباء على البيوت . لم تقطع الطرق كما يحدث اليوم. لم تغمر المياه مساكننا ومؤسساتنا التعليمية ، لم تجرف سياراتنا وأشجارنا. إن أحد أوجه وجوانب الفرق بين الأمس واليوم فيما تحدثه الأمطار من كوارث ، أظنه يكمن في شكل وشروط تدخل الدولة في تنظيم المجال وإعداد التراب بالمنطقة. ففي العقود الماضية كان هذا التدخل متواضعا جدا ويكاد يكون شبه منعدم .أو أنه في أحسن الأحوال كان تدخلا جزئيا غير شامل . وبالتالي لم تمتد يد السلطات المعنية إلى تغيير بعض المعالم الطبيعية بالمنطقة ومن ضمنها مسالك الأودية ومجاريها التي تصب في بحر ” مارتشيكا “ واليوم حينما اتجهت الدولة إلى هذه المنطقة بتلك ))المشاريع)) التي تأخرت على العموم، وفتحت كل تلك الاوراش المتداخلة يحكمها هاجس الإسراع في الانجاز . محاولة عبثا إعمار وتأهيل مناطق طالها التهميش والإهمال لأزيد من نصف قرن من الزمان وفي آجال قياسية. لم تحسن التدبير ، وجاء تدخلها بشكل عشوائي ومرتجل ، لم تمهد له بما يكفي من الدراسات الميدانية المعمقة والشاملة تهم كل الجوانب والعناصر المختلفة التي قد تشملها بالسلب أو الإيجاب أية عملية لإعداد المجال. ولم تأخذ بعين الاعتبار اتساع مدن وحواضر المنطقة وارتفاع عدد سكانها إلى ما يزيد عن 730.000 نسمة كأكبر تجمع سكاني بالجهة الشرقية حسب آخر إحصاء للسكان ، وما يستدعي ذلك من مجهودات لتأهيل وتحديث البنيات التحتية بالمنطقة بالشكل الذي يستوعب كل مظاهر التنمية بها سواء المادية أو البشرية. ” العمل بدون تخطيط تخبط وجنون ” سرعان ما يظهر عواره! والنتيجة الحتمية إذن هي أن ما بني على عجل يسقط على عجل! فما العمل إذن ؟ كيف نجنب منطقتنا مثل هذه الكوارث التي أحدثتها بعض قطرات من المطر ، بل أحدثها إهمال المسؤولين واستخفافهم بحياة الناس ؟ كيف نستجمع قوانا ، نبني ما وقع ونصل ما انقطع ؟ كيف ننهض بواقعنا ، ننفض غبار الوحْل ونكنس آثار السيْل؟ كيف نقاوم جيوب التخريب في منطقتنا ونذود على ثرواتها ومقدراتها ؟ كيف نحفظ كرامة المواطن ونضمن حقه في التعبير وإبداء الرأي وفي التنظيم والعمل السياسي والنقابي والجمعوي ؟ أعباء تنوء بها الأكتاف . لا يمكن لطرف واحد مهما أوتي من قوة أن يحملها. كما لا يمكن أن تحملها مجموعة من الأطراف لا يجمعهم مشروع ناضج وواضح المعالم، و مدرك للتحديات التي تنتصب أمامه والاكراهات التي تحيط به. باب واحد يتنهي بنا نحو العزة والكرامة . فمن أراد ان يَلِجه فليطرح عنه كساء الأنانية والسعي لتحقيق المنافع الشخصية. وليلقي عليه رداء التجرد والصبر في خدمة الصالح العام. ودون هذا الباب ، جهد وتعبئة ويقظة واستحضار للمصلحة العليا ، لا يمكن أن ندركه بمبادرات حماسية ظرفية وانفعالية ، مقطوعة ومعزولة عن نبض الشارع .. لا أثر لها ولا قرار !