كشف العفو عن البيدوفيلي الإسباني دانيال مجموعة من الثغرات في منظومة المخزن كمؤسسة سياسية التي تستوجب الوقوف عندها و قراءتها بتأن كبير قصد التوصل إلى حصيلة نهائية لهذا الوقع رغم تشابك احابيل الواقعة و غموضها ، فمن جهة هنالك غموض كبير شاب هوية هذا البيدوفيلي و ماضيه و كيفية إنتقاله للمغرب ليستقر فيها بعد تعدد الروايات المختلفة التي تم تسريبها في وسائل الإعلام ، و هذا لا يهمنا في هذا المقال بقدر ما يهمنا تداعيات هذا العفو و حيثياته الآنية التي وضعت المؤسسة المخزنية أمام محك التنديد الشعبي الصارخ بالداخل المنادي بضرورة الإيقاف العاجل للعب القصر دور الآمر المقدس في الحقل السياسي و من جهة ثانية إمراغ سمعة النظام السياسي في التراب لدى الراي العام الخارجي الذي إقتنع أن المخزن المتسم بالقبضة الفولاذية على كل صغيرة و كبيرة قد بدأت تظهر في شبكته ثغرات تبين مروره بلحظات ضعف أفقدته السيطرة على ملفات حساسة كانت تعتبر في الامس القريب مستحيلة الإنكشاف للرأي العام بإعتبارها تخص الخلايا السرية التي تعالج الأمور داخل حنبات القصر المتسمة بسرية تامة . لا تكمن خطورة العفو عن مجرم يعتبر خطر عمومي على الإنسية جمعاء بعد هتكه لعرض أطفال في زهرة عمرهم و ما يترتب عن ذلك بملازمة عقد بسيكولوجية عند الضحايا ستحعل منهم مصابين بامراض قد تجعلهم يختارون الثأر بالمجتمع بأسره إنتقاما منهم على تذويقهم الامرّين بعد إحساس الحرمان و اللاإنتماء لوطن لم يحميهم في لحظة عجزوا عن حماية أنفسهم بأنفسهم ، بل يتعدى الأمر إلى طرح سؤال عريض مكمنه في من يحكم ؟ و من يعفو؟ و كيف يعفو من لا يحكم ؟ و ما موقع الملكية المختصة بالعفو دستوريا عندما يتم العفو خارج نطاقها و هي " ما فخبارهاش " ؟؟ 1_ السياق السياسي . جاء هذا العفو في سياق سياسي متسم بالضبابية تخللته مجموعة من الاحداث المتسارعة أبرزها إنسحاب الإستقلاليين من حكومة الإستثناء الذي كشف عن عجز هذه الحكومة التي لا حول لها و لا قوة بعد تكبيلها من طرف التماسيح التي أبان هذا الإنسحاب أنها لا تتواجد إلا في مخيلة السذج السياسيين ، فتماسيح الامس التي كان رئيس الحكومة يحملها ما آلت إليه الأوضاع هي نفسها التي يترجاها اليوم للتحالف معه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ماء الوجه هذا يؤكد عجز الحكومة من جهة و صوريتها و من جهة ثانية يبين أن الصناديق لن تكون ابدا لأي إنتقال ديمقراطي في ظل تحكم شبكة مخزنية لا تطالها المحاسبة في القرار السياسي وفق أجندة سياسية فوقية لا تأخذ التوافق الشعبي بعين الإعتبار و لا تعطي أي اهمية لرد فعل الشعب و لا أي مكانة للتشاركية في إستصدار القرار السياسي ، إذ أن تدبير الحكم هنا يعني مرغوب الملكية ومن معها لا رغبة الشعب الذي يفتقد لأي قناة تواصلية بين الحاكم و المحكوم و هذا يجعل اي نقاش حول الديمقراطية هو ضرب من الخيال و غباء سياسي ليس إلا . هنا يتضح جليا أن الشرط الديمقراطي مغيّب بقدرة قادر بعد إستحمار سياسي بين و صارخ نازعه كولسة السياسة و صورية المؤسسات ( البرلمان ، الحكومة، المجتمع المدني ) . و بعد قرار العفو مباشرة توالت ردود الأفعال نوجزها في معارضة شعبية و سخط جماهيري كبير إعتبر العفو إستفزازا للشعب و هتك لكرامته و مساس بمسوغ الامان فالدولة التي لا تحمي شعبها بعيدة كل البعد عن المفهوم السياسي للدولة الذي يقتضي الذود عن كرامة افرادها حتى لو إقتضى الامر تحريك الأسطول العسكري و إعلان الحرب فالفرد في الدولة الديمقراطية قطب مقدس و ليس ورقة سياسية لإرضاء أي طرف أو وسيلة ديبلوماسية لكسب رضى قوة خارجية . و في مقابل الغضب الشعبي تم تسجيل الصمت المدقع للجهات الرسمية التي تجاوزت الصمت إلى إعلان رضاها بقرار العفو و التصفيق له بإعتبار أن العفو الملكي من الطابوهات السياسية التي لا تناقش ، من هذه الأصوات أحزاب كارتونية (الإتحاد الإشتراكي ..) و جمعيات المجتمع المدني المسخرة من الشبكة المخزنية ( ماتقيسش ولدي) ،و اصوات متأسلمة ( التيار السلفي الذي يعتبر واحدا من المرتبطين من المستفيدين من قرارات العفو بعد مغادرة الفيزازي للسجن بعد ثبوت إضطلاعهم بمسؤولية ما حدث في أحداث 16 ماي بالبيضاء ليشملهم العفو بعد صفقة سياسية جعلت منهم أبواقا مهللة للنظام السياسي و هنا يطرح سؤال عريض مفاده متى يعاد هؤلاء المجرمون إلى السجون لقضاء عقوبتهم ما دامت مسطرة العفو غير منضبطة لمعايير الإنصياع للقانون الذي يضع مصلحة المتضرر فوق كل إعتبار ) . 2_ التداعيات . إن تداعيات هذا العفو عديدة و متعددة نوجزها فيما يلي : - إنسلال النظام السياسي من التوحد على مصلحة الشعب و تسبيق المصلحة العليا للشبكات المخزنية على مصلحة المواطن ، إذ ان الدولة تعالت عن كل القيم الكونية التي تحفظ مصلحة الفرد و إستفزت مشاعر شعب باكمله لتؤكد انها تفعل ما تشاء متى شاءت و لو كان ذلك على حساب الشعب الذي تزعم أنها تستمد منه شرعيتها السياسية ، لذلك فما حدث يضع شرعية النظام السياسي امام محك حقيقي ، إذ تسقط الشرعية عندما يتم التطاول على شعب و تحديه بسياسات مخالفة لتطلعاته . - الخروج عن النطاق الديمقراطي بعد التفرد بقرار يعتبر الشعب فيه طرفا متضررا و هذا يضرب تموهمات منادية بإصلاح القضاء عرض الحائط بعد ان ذهب حق الضحايا أدراج الرياح بعد قرار غامض كل يدعي عدم تحمل مسؤوليته و كل يصرخ بأعلى صوته "مافراسوش و ما فخباروش " . -إرتباط العفو بالمؤسسة الملكية يضعها في خانة تحمل كافة المسؤولية في ما وقع ما دام العفو يحمل خاتما مولويا . - بزوع وعي شعبي قادر على الإلتفاف حول تحصين نفسه بنفسه و تجاوز النخبة السياسية الفاسدة اللاهثة وراء تحصيل إمتيازات ضيقة بعد إستخدامها لمصلحة الشعب كمطية سياسية ، و هنا وجب التذكير أن الشبكة المخزنية غالبا ما تضحي بكبش فداء إنتهت صلاحيته السياسية و ذلك ما حدث للحفيظ بنهاشم الذي تمت إقالته بعد تحميله جزء من المسؤولية لكن يبقى الدليل على غلو جماح المخزن هو عدم عقابه في زمن التطبيل بإقران المسؤولية بالمحاسبة ، فالجاني يجب ان يكون وراء الزنزانة و ليس في قاعة مكيفة في مقر سكنه بعد ضمان راتب خيالي و إستغلال املاك الدولة لعقود من الترامي على حوزات الغير و تفويتها لصالحه ، لذلك يزداد بنهاشم إلى لائحة المستفيدين من عفو آخر و هو العفو من المحاسبة على اخطاء اثرت على النسق الإستراتيجي للدولة . - عدم إغفال سيناريو التطاحن بين كبار رؤوس الشبكة المخزنية من مستشاري الملك بعد إقحام إسم صديقه في النازلة فؤاد عالي الهمة المعروف بتحمكمه في الخريطة الامنية و مهندس السياسات و المقاربات الامنية فقد حصل هذا أكثر من مرة بعد ما حيك بحسن اوريد و محمد معتصم من قبل ، لذلك فليس من المستبعد أن يكون الهمة وراء خطة تنقية المحيطين بالقصر المزاحمين له في التقرب للملك . - الإنكباب عن المسؤول هو ربح لوقت مستقطع للمخزن لإعادة ترتيب اوراقه فالمسؤول ظاهر بين ليس عن العفو وحده بل حتى عن إستعمال القوة و القمع في حق متظاهرين نددوا بهذا العفو ، إذ كيف يعقل ان يتم تعنيف من يطالب بحقه في الكرامة اللهم إن كان النظام السياسي يعتبر كرامة الشعب مساسا بوجوده . - كشف العفو عن دانيال عن خلل في تعامل النظام السياسي مع الشعب كركن في التشاركية السياسية بعد إبعاده عن الحقل الرسمي و الإكتفاء بتعميم مزاجية الدولة القائمة على شرعنة القرار الفرداني و مواجهة مناهضيه بزواطة القمع و الزج في السجون لتكريس صوت المخزن الذي لا يناقش ، و كان هذا العفو مسمارا آخر في نعش حكومة القنديل السياسي التي جردها المخزن العتيد من تمظهراتها التي نص عليها دستور فاتح يوليوز2011 ، و بانت بدور الخنوعة بالأمر العالي و المستسلمة لقراراته التي لا تناقش لتبقى لغة التحميس التي إستعملها بنكيران مجرد اداة ترفيه سياسي يستأنس بها المخزن في وقت الإتساع و يستعملها درعا واقيا له في وقت الأزمات . - ظهور التيار السلفي كبيدق مخزني يقوم بالأمر بالمنكر و النهي عن المعروف بعد خروج كبار هذا الجناح بهجمات لاذعة تسفه الاحرار الذين طالبوا بضرورة إعادة الكرامة للشعب و محاسبة المتورطين ، و هذا دليل على كون المخزن نجح في ترويض هؤلاء على السمع و الطاعة لتسخيرهم للتهجم على الخط العلماني المطالب بضرورة علمنة الدولة من جهة لتحصينها من بطش من يدعي الوصاية الربوبية و من جهة ثانية لتمريغ الخط المتأسلم الذي يقود الحكومة كأن النظام السياسي يقول " ها هم من ضحكوا عليكم بإسم الدين أنظروا اين وصل تماهيهم و تعاميهم الخانع بعد ان جعلوا من الدين وسيلة إنتخابية اوصلتهم للحكومة فتنكروا لوعودهم و باعوا الذمم مرضاة لي " . - ثبوت الإعاقة الإعلامية بعد أن إكتفت بلعب دور الصم البكم العمي الذي لم يسلط الضوء على ملف حساس كهذا و إكتفى الإعلام المخزني بتقديم الرؤية المخزنية كوحي منزل غير قابلة للنقاش و التحليل و هذا يظهر للقاصي و الداني الوضع المتأزم الذي تقبع فيه المؤسسة الإعلامية كبوق سفسطي ينمق صورة اطروحة الدولة و يطبل لطرحها و لو كره الكارهون ، ذاك يعني إفتقاده لأية شرعية تمثيلية لمعانقة هموم الشعب بل إكنفى الإعلام أن يكون سيفا سليطا على الحقيقة يعمل جاهدا على إخفائها و طمسها . خلاصة القول أن هذا العفو أبان عن غياب أية رغبة جدية للنظام السياسي القائم في الخطو خطوة لتحقيق إنتقال ديمقراطي بعد جعل كرامة الشعب اداة تقايض للحفاظ على مكتسبات سياسية للوبيات المخزن ، كما اثبت من جهة ثانية ان الدولة تتعامل بمنطق الإستهتار بصوت الشعب و لا تنشغل إلا لمصالحها ، و الشيء الإيجابي الذي يمكن الوقوف عنده هو قدرة الشعب الذي عانى الإستبداد لعقود في لم بضعا من صفوفه و التوحد في اشكال إحتجاجية تجبر المخزن على تغيير إستراتيجياته بالرغم من مجموعة من الإخفاقات التي عرفها الحراك الشعبي من قبل بالمغرب بعد نجاح المخزن في إحتواء هذا الحراك و إخراج الإحتقان من عنق الزجاجة ، و الجدير بالذكر ان العفو عن دانيال لا يمكن النظر إليه كهفوة مخزنية اولى للمخزن بل يجب التساؤل عن كم الهفوات التي قام و الإدراك ان هذا جزء من الكل مما تم غرتكابه في حق هذا الشعب التعيس لسنوات طويلة كرست أحادية نظرة الدولة القائمة على إعلاء من ركع و إستخدام الزرواطة في حق من عصى و أبى الخنوع ، و على الشارع السياسي ان يدرك ايضا ان الورقة المتأسلمة التي تعزف على الوتر الحساس للسواد الأعظم من الناس ، هدفها الاوحد هو الولاء للسلطة و لا شيء غير ذلك و لا نستغرب تصريحاتها الاخيرة المتهجمة على صوت الأحرار فمن خرج من السجن بالعفو لا يمكن ان يندد بالعفو و لا يمكن التعويل على من ثبت إجرامهم في القضاء على الإجرام ، و ما حصل يستدعي ضرورة الإقتناع ان لا حديث عن ديمقراطية مفترضة دون الإنطلاق من دستور ديمقراطي شكلا و مضمونا ، اما الشعارات المرفوعة آنيا من قبيل إصلاح القضاء و تعميم ثقافة حقوق الإنسان فلا هدف لها إلا إمتصاص بعض من الغضب الشعبي . ففي ظل تغييب التشاركية السياسية و تغليب كفة إحقاق مصالح الشبكة المخزنية على مصلحة الشعب و في ظل غياب اي دور لمؤسسات الدولة من حكومة و برلمان و في ظل العفو يتأتى بختم ملكي فالمسؤول الاول عما وقع هو المؤسسة بشكل مباشر أو غير مباشر و ما على المطبلين بالتغيير إلا تغيير سامفونيتهم بعد ان كشفت جميع الاوراق للعيان و ما خفي أعظم .