الأدباء الجدد في وجدة فئتان اثنتان : فئة تعمل على صقل مواهبها وتوسيع آفاقها ، معتمدة على جهودها الذاتية ، فتكثر من القراءة والاطلاع ، وتواصل نهمها المعرفي بدأب وإصرار ؛ ومثقفو هذه الفئة وأدباؤها الذين يعتمدون على جهودهم الذاتية قد حققوا ما يحسب لهم ، ولن نذكر أسماءهم ، فهم معروفون وإن حاول بعضهم تجاهلهم . ولأن مثقفي هذه الفئة وأدباءَها قد حققوا بعض النجاح ، فقد حسدهم من يمثلون الفئة الثانية الذين ينتجون أدبا ضعيفا ولا يعرفو ن أبسط قواعد اللغة . وحاولوا تهميشهم . فقد تم مثلا إقصاؤهم من الأنشطة التي نظمها الفرع كالملتقى الجهوي للإبداع ، والملتقى الشعري الثاني بزايو والنشاط الذي نُظِّم بالاشتراك مع البعثة الفرنسية عندما تمت استضافة كاتبة فرنسية تقيم في كندا ألقت محاضرات وأشرفت على أنشطة . وتُوِّجت تلك الأنشطة بإصدار ” ديوان شعري” مشترك بين تلك الكاتبة وبعض “شعراء” وجدة الذين لا يمثلون المستوى الجيِّد والمشرِّف الذي بلغه الشعر في هذه المدينة ؛ إنه “ديوان مُهَرَّب” كان على الذين أعدوه أن يستفتوا زملاءهم وألا يكونوا أنانيين، ليكون الاختيار مُمَثِّلاً لمستوى شعرنا الحقيقي حتى وإن كان اختيار نصوص ذلك الديوان يتم من شعر السابقين لأن المطلوب تقديم الوجه الشعري المشرق . إنهم يحلمون بتهميش غيرهم ، وفكرة التهميش ، بالإضافة إلى عدم جدواها ، ما هي إلا امتداد لممارسات كانت دائما موجودة لكن لم تمنع الموهوبين الحقيقيين من التألق . إن شعراء هذه الفئة الثانية ، عندما يطمحون إلى تهميش الآخرين أو إقصائهم أو حتى حصارهم ، مخطئون ، لأن حصار الفكر والإبداع غير ممكن ؛ فقد ترفض جريدة نشر ما يكتبه هذا الشاعر أو ذاك القاص، لكنها لن تمنعه من الظهور في منابر أخرى ، وأولئك الذين لا نجد لهم حضورا في منابرنا الثقافية كُثْرٌ لكنهم يطلون علينا من منابر عربية محترمة . فلماذا يُراد نفيهم من دنيا الكتابة والإبداع ؟ لأنهم ، ببساطة، يريدون أن يمارسوا حرية إبداعية بعيدا عن كل تبعية قد تُخِلُّ بشروط الإبداع . إن الإبداع والفكر يتحققان بالاجتهاد وليس بالاعتماد على العكاكيز التي تتآكل وتتلاشى ، وإذا تآكلت سقط من كانوا يعتمدون عليها . وقد يتساءل بعضهم ما المقصود بالعكاكيز ؟ نقول في بداية الجواب عن السؤال : إن العكاكيز كثيرة وبعضها إن لم تكن كلها يسيء إلى الأخلاق التي يجب على المثقف التمسك بها ، ولنعدد الآن بعضها : أولها الحزب الذي تدفع صحافته الثقافية إلى الواجهة من لا موهبة له ، فتنفخه ، لكن النفاخات – بتعبير أحدهم – سريعة الانفجار .نقول هل هذا مع أننا لسنا ضد الانتماء إلى الأحزاب ؛ لكن ما العلاقة بين السياسة والثقافة ؟ إن الثقافة لا تخلو من سياسة ، هذا ما ندركه جيدا لكن المسألة تكمن في السياسة التي تريد تدجين الثقافة . فالمثقفون ، أدباء ومفكرين ، قد يُثْرونَ السياسة بأفكارهم ورؤاهم ، وهذا ما لم يقتنع به بعض سياسيينا المحترمين الذين ينتظرون من المثقف أن يتبعهم لا أن يقدم رؤى وأفكارا قد تثري النظرية السياسية . وإذا كانت أحزابنا لم تستفد مما قدم المرحوم الجابري والعروي ، ويبدو أنها تنكرت للزعيم علال الفاسي، فهل ينتظر منها أن تولي اهتماما بمن هم أقل شهرة وعطاء من هؤلاء الأعلام الكبار؟ في اعتقادنا ينبغي أن يتجرأ بعض باحثينا في حقل علم الاجتماع على رصد العلاقة بين الثقافي والسياسي في حياتنا ، مع العلم أن كل ماهو ثقافي لا يخلو من سياسة وكل ماهو سياسي لا يخلو من ثقافة ، والمرفوض أن تكون السياسة الحزبية عكازا لأدعياء الثقافة والإبداع . هذا عكاز تحدثنا عنه بشيء من الإسهاب لأنه الأخطر وهناك عكاكيز أخرى منها الجمعيات التي يخدم بعض أفرادها البعض الآخر ، يتبادلون الخدمات كأن يكتب بعضهم عما “أبدعه ” البعض رافعا هذا ” الإبداع ” إلى الأوج مع أنه لم يكتب بلغة سليمة . وقد تكون هذه العكاكيز مهرجانات توجه الدعوة فيها للأخلاء والأصدقاء لأنهم ينتمون إلى ” الشلة” ويحرم من حضور تلك الملتقيات مبدعون حقيقيون لهم حضورهم المتميز وإنجازاتهم اللافتة للانتباه شاءت تلك “الشلة” أم أبت . واتحاد كتاب المغرب عكاز آخر ، فقد منح عضويته لأنصاف الموهوبين الذين “استكلبوا” في الساحة إلى درجة محاولة بعضهم تهميش غيرهم أو حصارهم . كما منحت هذه العضوية أيضا لمن راكم “مؤلفات ” مسروقة هي في الأصل بحوث لطلبته حتى أصبح يتندر به ولا يذكر إلا باسم الكونطابل وضابط الحالة المدنية وشيخ الحومة ….لكن العكاكيز سرعان ما تتلاشى أما الإبداع فيبقى . إن العلاقة التي ينبغي أن تربط المثقفين والمبدعين بعضهم ببعض ، على الرغم من اختلاف الرؤى والأفكار ، هي الاحترام المتبادل ، وينبغي أن لا يفسد النقد للود قضية ، وبخاصة إذا كان نقدا موضوعيا ؛ ثم لماذا يسبب النقد كل هذا النفور والتباغض ؟ إن الأدباء الذين ينشرون نتاجهم يشركون الناس في ما نشروا، ولذلك يصير من حقهم إبداء رأيهم في هذا النتاج ؛ أما إذا كان يغضبهم الرأي والنقد ويدفعهم إلى الاحتجاج على المحرر والتوسل إليه ألا ينشر لهذا الإسم أو ذاك أو أن يزيل المادة المنشورة من الموقع وإقامة الدنيا والبحث عن الأحلاف وعقد مجالس النميمة والغيبة في المقاهي التي سئمهم زبائنها و أصحابها لكثرة ثرثرتهم وبخلهم على النادل بدرهم ، والبحث في حقيقة إسم الناقد أهو حقيقي أم مستعار والرجوع –كما فعل أحدهم – إلى أرشيف الطلبة في الجامعة للبحث وإلى البحوث التي أنجزت خلال سنوات للتأكد من أن هذا الإسم قد مر بالجامعة أولا… وغير ذلك مما يدخل في مهام عيون “القايد”… فالأجدر ألا يشركوا الناس في نتاجهم أي ألا ينشروه وبذلك يرتاحون ويريحون. ما مناسبة هذا الحديث ؟ إنها اطلاعي على تعليقات واردة في موقع “السند” على الكتاب الذي أصدره رشيد بلمقدم “تجاعيد الموت والبعث ، قراءات في أشعار علي العلوي” . والذي جمع فيه مقالات كتبت عن شعر علي العلوي . لو أن كُتَّاب تلك التعليقات توجهوا بالنقد الموضوعي لمقالات الكِتاب – وهذا ما يعجزون عنه – لَكنَّا لهم شاكرين ، أما أن يكتبوا شتائم فهذا ما لانريده لأنه ليس من أخلاق الأدباء الحقيقيين. إن علي العلوي – كغيره من الشعراء الجدد المجدين والمتميزين في المنطقة الشرقية كالطيب هلو وميلود لقاح ومحد غرافي ورشيد سوسان …. – يتحرى الإتقان ويعمل بجد ليرقى بمستوى شعره ، فهل من العيب أن تجمع مقالات كتبت عنه في كتاب ؟ إن رشيد بلمقدم وضع بين أيدي القراء والدارسين مادة أدبية جمعها من هنا وهناك وسهَّل الوصول إليها ، أفي هذا عيب يستحق عليه اللوم ؟ أخيرا أقول للأدباء المخطئين : عودوا إلى رشدكم واعتمدوا على أنفسكم واتركوا العكاكيز لتحافظوا على كرامتكم وهيبتكم ورجولتكم ، وحسِّنوا سلوككم ، ولا تقتلوا الآباء ، وكونوا كراما شرفاء .