حتى تكون قراءتنا لهذا الكتاب ممنهجة اعتمدنا كأداة تحليلية له على شبكة تقويمية "لفرنسو رشودو" مع التصرف في بعض وحداتها المسحية حتى تستجيب لأهداف هذه القراءة و لأبعادها التحليلية، كما اقتضى الأمر استعمال طريقة تحليل المحتوى خصوصا التحليل التيماتي كأسلوب منهجي بهدف ضبط التيمات المتكررة و المعبرة بشكل أساسي عن مواقف و اتجاهات صاحب الكتاب حول المعرفة و السلطة و طبيعة العلاقة الجدلية القائمة بينهما كما هي مطروحة في تحليله الانتروبولوجي هذا. الوحدة الأولى في القراءة:معلومات حول الكتاب : الصفحات و المحتويات. يحتوي كتاب " ديل ف ايكلمان" على 298 صفحة، و هو من الحجم المتوسط، ترجم إلى اللغة العربية من طرف الباحث: "محمد أعفيف"، عن دار النشر ملابطا طنجة، سنة 2009 يتضمن كعناوين رئيسية على: 1. تقديم . للباحث محمد الشرقاوي؛ 2. ثم تصدير للمؤلف للطبعة الثانية المترجمة، لسنة 2009. أما تاريخ صدور الطبعة الأولى باللغة الانجليزية فكان سنة 1985. 3. مقدمة. 4. الفصل الأول:السيرة بوصفها وثيقة اجتماعية. 5. الفصل الثاني البدايات. 6. الفصل الثالث: التعليم الأصيل بالمغرب. 7. الفصل الرابع اليوسفية. 8. الفصل الخامس: عالم المثقف القروي. 9. الفصل السادس: السياسة و الدين. 10. الفصل السابع: التحول الكبير: اندثار التعليم الأصيل. بالنسبة للتقديم كتبه الباحث السوسيولوجي المغربي "محمد الشرقاوي" حيث صنف الكتاب ضمن الدراسات الانتروبولوجية الذي تناول من خلاله الكاتب الأمريكي "ايكلمان" السيرة الذاتية لأحد الشخصيات التي تنتمي لمنطقة بزو، و يتعلق الأمر بالقاضي "الحاج عبد الرحمان المنصوري" و هو احد أبناء أعيان المنطقة، و الذي استفاد من امتيازات اقتصادية و ثقافية خولت له متابعة دراسته في مجال التعليم الأصيل على المدى البعيد، و إن كان "محمد الشرقاوي لا يريد اختزال هذه الدراسة في سيرة ذاتية "للحاج عبد الرحمان" و إنما يرى بأن المؤلف حاول الامتداد بها تحليليا لتوضيح عمق السلطة المخزنية التي كانت سائدة آنذاك سواء في بعدها التاريخي و السوسيوثقافي، و في علاقاتها الجيوسياسية مع الغرب خصوصا فرنسا، مشيرا في نفس الوقت بان الخطاطة التحليلية التي قدمها الرجل للمشاكل التي واجهتها الثقافة الكلاسيكية التقليدية المسكونة لمعاهد التعليم الأصيل[ ابن يوسف و القرويين نموذجين] تعتبر كوثيقة تاريخية لاستبصار طبيعة التحولات التي عرفها المغرب في علاقاته البيوحكومية مع الغرب، و مع الثوابت التي تفرضها القيم الإسلامية المنشودة خصوصا في الأوساط القروية مهد انتشار الزوايا [ الزاوية الشرقاوية ببالجعد و التي شكلت موضوع هذا الكتاب]، و التعليم الديني بشكل عام، و يضيف سي "محمد الشرقاوي" بان دراسة "ايكلمان" هي عبارة عن اشراقة فكرية وضاءة تستهدف ضمن مساقها الانتروبولوجي توجيه القارئ للعثور على لوحات فكرية بتعبير "ماكس فير" لفهم الثقافة المتجدرة في الوسط القروي من خلال المسارات التي سلكها "عبد الرحمان المنصوري"[نموذجا] عبر عقود من الزمن عاشها من جهة، كمتعلم و طالب، و من جهة ثانية كقاضي بالمحكمة الشرعية في نهاية مشواره التاريخي الاجتماعي. · كما احتوى الكتاب على تصدير للطبعة الثانية، و مقدمة اتسمت بتحليلها السوسيولوجي لدور المثقف القروي السوسيولوجي[ بتعبير بول باسكون] الممكن و المأمول في المشهد السياسي و الثقافي التي عرفه المجتمع المغربي إبان الحماية الفرنسية، و ما طال هذا المشهد من مسوخات حاولت المس بالهوية الوطنية الإسلامية عبر مقاومة المستعمر للتعليم الأصيل و التعليم الحر اللذان كانت تدافع عنهما الحركة الوطنية آنذاك و "البورجوازية الوطنية" على حد تعبير المؤلف؛ و إن كان ما هو سائد في اعتقاد الكاتب ضمن مسارات هذا التحول، هو انتشار مثقفين تقليديين بلغة "غرامشي"متشبثين بالمعرفة الثابتة الصرفة، و بعيدين كل البعد عن القيام بأدوار طلائعية سياسية واضحة المعالم لمواجهة التحديات التي فرضها النظام التعليمي الفرنسي، و ذلك لأسباب تعود حسب وجهة نظر الرجل، لغياب موقع واضح لهم ضمن التصورات القائمة حول دور المثقفين في المجتمعات المعاصرة[ يمكن العودة في هذا السياق لكتابات عبد الله العروي].و إذا سمحتم سيتم التركيز في هذه القراءة الوصفية و التحليلية على محور التعليم الأصيل بالمغرب كما هو مفسر من طرف الكاتب من خلال الاشتعال على مجموعة من التيمات التي يحاول الكاتب على لسان "عبد الرحمان المنصوري" إبرازها لنا في استقصاءاته لهذا النموذج التعليمي بالمجتمع المغربي في العقود الأولى من القرن الماضي. · التيمة الأولى: الحفظ كاختيار بيداغوجي؛ و هو مكون أساسي تقليدي اعتمد من طرف المشايخ لإكساب العلوم الدينية، اعتمادا بطبيعة الحال على الذاكرة كمؤشر على كفاءة الطالب في تحقيق التعلم المنتظر منه؛ المبررات المعتمدة في هذا الإقرار تعود حسب الكاتب أولا لضرورته و حتميته في حفظ الآيات القرآنية عن ظهر قلب ، ثانيا للمدة الزمنية التي تشترطها مهنة ممارسة التعليم في المساجد و الكتاتيب القروية و المحددة في ست عشرة سنة حسب وجهة نظر المؤلف ، مفندا في نفس الوقت بعض الادعاءات المنتقدة لهذا الاختيار البيداغوجي لكون أصحابها في نظره ليست لديهم فكرة عن تنوع هذه التقاليد و حيويتها في الحياة العلائقية للطلبة، و ستكون لنا عودة لهذه النقطة بعد حين لتوضيحها أكثر.و اعتمادا على نتائج المقابلات التي أجراها مع الشخصية المحورية في الكتاب و استقصاءاته لفحوى المصادر و الوثائق التاريخية المغربية و الأجنبية كما هي معروضة في ببيوغرافية الكتاب سواء المكتوبة باللغة العربية أو اللغة الانجليزية ، كشف الكاتب عن طبيعة التمدرس في الكتاتيب القرآنية المهد الأول للتعليم الديني، حيث يعمد المشايخ على تنمية ملكة الحفظ لدى الطلبة لكتاب الله و قراءته قراءة سليمة و صحيحة[ القراءات السبع]، على اعتبار أن الحفظ كمكون بيداغوجي لم يكن حكرا على الثقافة الإسلامية و إنما عرف تطورا عند الرومان و الإغريق، فهؤلاء قد استعانوا بأساليب مختلفة لتسهيل عملية الحفظ. و مصاحبته بهذه الأساليب في نظر الكاتب يدل على أن المعرفة المنقولة عبره تكون أكثر صفاء و نقاء من المعرفة المنقولة عبر الكتابة، ص 97 ؟. و في التجارب التعليمية الإسلامية خصوصا بالمغرب يشير الكاتب إلى أن أنماط الترتيل و الإيقاع المستغلة بصورة منظمة كانت تستعمل كأدوات مساعدة على الحفظ,ص. 98. · التيمة الثانية الانضباط و الصرامة: و هي سلوكات يفرضها الشيخ على المريدين في إطار العلاقات البين فردانية المؤسسة حتما بينهم، و في هذا الجانب يشير الكاتب على لسان "عبد الرحمان المنصوري" لإباحية ممارسة العقاب البدني عندما يتعذر على احد الطلبة حفظ ما هو مطلوب منه او الإخلال بالعقود المؤسسة بينهما، و شرعنة العقاب حسب الكاتب لها ما يبررها من الناحية الأخلاقية و القيمية، يقول في هذا الصدد نقلا عن "عبد الرحمان المنصوري": "إن بقعة من جسد الطالب يطالها الضرب بالعصا لن تمسها نار جهنم،" ص100.[ لعصا من الجنة لكلاها يتهنا]. و هذا النمط التربوي يحيلنا للوصايا التي قدمها عبد الله بن محمد الجشتيمي لمعلم ولده[ يمكن العثور على الوثيقة في كتاب ايدغار فور: تعلم لتكون] · التيمة الثالثة: الالتزام بالقيم الخلقية التي سنها كتاب الله و سنة رسوله: في هذه النقطة يتطرق الكاتب لبعض النوازل المخلة بالنظام الداخلي للجامع، و التي تبيح للشيخ طرد الطالب من دور العلم تعبيرا عن عدم صلاحيته في تحمل المسؤولية التربوية و الدينية، سردها له "عبد الرحمان المنصوري" في إحدى المقابلات التي أجراها معه، و تخص حالة طالب سوسي كان في نهاية الأربعين من عمره، و لحصوله على المال من أجل تلبية احتياجاته المعيشية و الدراسية كان يلجأ إلى أعمال السحر، و هو أمر يقوم به طلبة آخرون من أهل سوس يقول عبد الرحمان .... فكان يكتب التعاويذ للنساء، و يأتي بانتظام بالبنات و الأطفال إلى غرفته، و عندما فضح أمره شكل الطلبة و فدا و ذهبوا إلى الباشا "الحاج التهامي الكلاوي" مطالبين إياه بطرده من المدرسة، غير أنهم لم ينجحوا في ذلك يقول عبد الرحمان". لسبب رئيسي هو عدم وجود سلطة رسمية تحكم حياة الطلبة. بالمفهوم السوسيولوجي حسب وجهة نظر المؤلف. · التيمة الرابعة: شرح و تفسير المعرفة الثابتة: في هذه التيمة و جب تجنب الشرح الصريح لما يحفظ من نصوص و أحاديث في البداية، تحقيقا لما يسميه الكاتب بالمعرفة الثابتة التي تعد أساس التعليم الإسلامي الهادف، ذلك لأن عملية التفسير و الشرح للمتن القرآنية تتطلب عملية اكتسابها سنوات عديدة من الدراسة المتقدمة في هذا العلم. و هذا ما جعل الفقهاء على حد قول الكاتب يعطون الأسبقية و الأولوية للحفظ، أما الشرح التفسيري للآيات و الأحاديث النبوية فيتم بعد ذلك...أي بعد حفظ القرآن الكريم و أحاديث الرسول صلى الله عليه و سلم. · التيمة الخامسة: التعليم العالي: في هذا المحور يبرز لنا الكاتب نسبة الطلبة المسجلين في التعليم العالي الديني و هي نسبة ضئيلة مقارنة مع يومنا هذا، لإيعاز سببي ارتبط ببروز ظاهرة الانقطاع عن الدراسة بشكل مبكر ، و عدم مواصلتها من طرف الطلبة، على المدى البعيد، و يرجع ذلك إلى الرغبة الذاتية للطلبة خصوصا الذي ينحدرون من ألأوساط القروية الفقيرة في الحصول على الشغل و الدخول للمؤسسات الزوجية؛ أما الباقون المحظوظون ثقافيا و اقتصاديا و هم على رؤوس الأصابع يتابعون دراساتهم بجامع اليوسفية [نسبة لابن يوسف بمراكش] حيث نزل بها عبد الرحمان المنصوري؛ و حاول الكاتب تبيان الصراع التفاعلي الذي كان يعيشه الطلبة القرويين من حيث طبيعة اللباس و سلوكهم غير المتحضر في تمثلات الطلبة المدنيين، إلى جانب تحليقهم لرؤوسهم و التي تعتبر في نظر الإنسان القروي شكلا من أشكال التواضع تجاه مشايخهم مقارنة مع المدنيين الذين كانوا يضعون ما يسمى بالطربوش الفاسي................................... تتلمذ "عبد الرحمان المنصوري" في جامع اليوسفية على يد مشايخ ينتسب اغلبهم للوسط القروي، نذكر على سبيل المثال لا الحصر: الشيخ أبو شعيب الدكالي ،و الشيخ المختار السوسي و الشيخ محمد بن عمر السرغيني، ومولاي أحمد العلمي و غيرهم ، متأثرا بإرشاداتهم النيرة لصبر غور المعرفة الدينية من جهة، و مصاحبا لهم في لقاءات و مناظرات متعددة سواء داخل الجرم الجامعي أو خارجه من جهة ثانية استكمالا لتكوينه الذاتي؛ · التيمة السادسة: الحقول المعرفية للدراسة المقررة: لم يكن جامع ابن يوسف منفتح بشكل كبير على مجموعة من الإصلاحات التي عرفها المجتمع المغربي إبان الاستعمار الفرنسي ، بل كان المشايخ المنتسبين و المترددين على الجامعات متشبثين بشكل قطعي بالمعرفة الثابتة المحصورة في القرآن و السنة مع محاولة بعضهم الانفتاح على بعض المجالات الأدبية و الفنية، و لكن في حدود لا يجب أن تمس المقومات الدينية المتأصلة في الهرم الإسلامي الصحيح، مقارنة مع مشايخ جامعة القرويين الذين ارتأوا في عهد الهيمنة الاستعمارية الفرنسية وجوب إدخال اللغة الفرنسية ضمن مقرراتهم الدراسية، لكن الطريف في الأمر هو أن إقحام هذه اللغة الأجنبية ضمن المنهاج الدراسي المعتمد اتخذ شكل ارجوزات قابلة فقط للحفظ و ليس للتوظيف التواصلي البين فرداني و الجماعي، و يمكن تقديم نموذجا في هذا الإطار: · صباح الخير عندهم بونجور؛ · و إن أردت دوام الحال فقل توجور؛ · السؤال عن الحال عندهم كومان سافا؛ · و الجواب عند الغاية سافا........... هذا التحول في متن القول و الشرح و الانفتاح على حقول معرفية وضعية خصوصا في أواخر القرن التاسع عشرة و بداية القرن العشرين، لم يكن مؤيدا من طرف بعض المشايخ السلفيين التقليديين حسب وجهة نظر الكاتب، بل شابتها مجموعة من الانتقادات اللاذعة في حق المتفتحين و الحداثيين، و نذكر على سبيل المثال "المختار السوسي" الذي اعتبره بعض المتشددين بأنه يحسب نفسه مهديا نسبة إلى "المهدي ابن تومرت" المصلح الديني المعروف، كما استخفه المعارضون بأنه يدرَُّس الطلبة عوضا من الدين شعر الخمر و النساء، ص،152. · التيمة السابعة: الأتراب و أقران الدراسة: يوضح لنا الكاتب على لسان "الحاج عبد الرحمان المنصوري" الدور الذي كانت تلعبه جماعات الأقران و الأتراب في تعزيز التعلمات و تحقيق المكتسبات خارج نطاق الدروس النظامية التي كانوا يتلقونها داخل المساجد و الجوامع التي تعنى بالتعليم العالي الإسلامي. و هي خاصية لم تعد مألوفة ومعاشة في الظروف الراهنة داخل مجتمعنا المغربي، أمام اكتساح العمل الفرداني الضيق الأفق من الناحية البيداغوجية، و انتشار الساعات الإضافية التي باتت تبتز جيوب المواطنين خصوصا المهترئين اقتصاديا و ثقافيا. فمدرسة المواسين التي كانت تحتوي على غرف للسكن بالنسبة للطلبة الوافدين من الوسط القروي و من مدن بعيدة عن مدينة مراكش، كانت بالنسبة للطلبة مجالا نفسيا اجتماعيا للتفاعل و التحرر من ثقافة الصمت، و تبادل الخبرات و خلق حلقات دراسية للمناقشة و إبداء الرأي في كل المقتضيات الفكرية و الدينية التي كانت تعرض عليهم من طرف مشايخ جامع اليوسفية، و ذلك عبر إنشاء حلقات دراسية تكميلية مصغرة غير قارة، خصوصا بعد صلاة المغرب ، بهدف الاطلاع على المستجدات الأدبية و الفكرية التي تنشرها بعض المجلات الأدبية المغربية مثل مجلة "المغرب" و "مجلة السلام". الأساسي في هذه الحجة المدرجة في كتاب "ديل أيكلمان" هو الوقوف على الأبعاد النفسية الاجتماعية لمثل هذه الحلقات الدراسية التكميلية على مستوى إزالة الحواجز المعرفية و السوسيو وجدانية بين الطلبة، و محاولة تدبير الاختلافات المعرفية القائمة افتراضا بينهم نتيجة الفوارق الفردية الموجودة، و ضمان الاكتساب الجمعي للمتن الدينية و الفكرية بشكل تشاركي، و تبادل المعارف و المواقف حيال القضايا و الإشكالات الفكرية المعروضة عليهم و مواكبة التحولات السياسية التي عرفها المجتمع المغربي بعد صدور الظهير البربري؛ و هي خاصية جد ايجابية لتوضيح التنافر المعرفي الحاصل في تمثلات الطلبة، و تجاور بطبيعة الحال ثقافة الصمت التي تفرض على الطلبة أثناء تلقي المحاضرات من طرف المشايخ داخل المساجد و الجامعات المخصصة للدروس النظامية المتمركزة حول المعارف الثابتة. · التيمة الثامنة الهوية الطلابية: لم تكن الدروس المقدمة للطلبة حكرا على المشايخ و الأساتذة آنذاك و إنما كان يعطى لهم هامش التعبير و التنشيط لبعض الحلقات الترفيهية خارج أوقات الدراسة النظامية، و ذلك من اجل تكسير روتين العمل و تفتيق المواهب الموجودة لديهم ، و كان يرمز لهذا النشاط بسلطة الطلبة، و هو معترف به رسميا من طرف سلطة القرار السياسي داخل المجتمع المغربي، باعتبارهم مجموعة ذات هوية خاصة. و ينظم هذا النشاط خلال فصل الربيع، و قبله يعمد الطلبة على تجميع التبرعات من الساكنة و الأعيان، و في هذا المحفل يعمد الطلبة على مبايعة واحد منهم ممن يجدون فيه القدوة و الحنكة و قوة الشخصية للعب و تمثيل دور السلطان و محاكاته في عدد كبير من أمور التدبير و التسيير، و يستغرق هذا النشاط ثلاثة أسابيع تعرف بأيام النزهة[ فريني نموذجا؟؟؟؟؟؟ ]غير أن الخاصية المميزة لهذا النشاط تتمثل في الحضور الفعلي للسلطان أثناء إلقاء الخطبة في آخر يوم من أيام النزهة من طرف سلطان الطلبة، و هو محمل صحبة وزرائه بهدايا رمزية: و فيما يلي نقدم نموذجا من الخطب التي كانت تعرض في مثل هذه المناسبة: · الحمد لله الذي بدأ الأكوان و سوّاها و جعل الأضراس و الأسنان لمضغ المأكولات و قوَّاها، و نشهد انه الله الكائن قبل كل شيء وحده شهادة من قطع ليله و نهاره في طلب الزردة، و نشهد أن سيدنا محمد عبده و رسوله المحبوب الحبيب الذي أتى بشريعة أحلى من الاتاي بالحليب. صلى الله عليه و سلم و على إله الكرام و أصحابه المتبعين أثره في إعطاء الطعام صلاة و سلاما تنال بهما جميع فواكه الأجنة و البساتين من عنب و رمان و توت و تفاح و تين و غير ذلك من الأنواع كتمر و جوز فإن إهمال ذلك لا يجوز ، من يطع لله و رسوله نال من الزردة المأمول ، و من يعص الله و رسوله فلا يؤذن له لمحل الزردة بالدخول....هذا النموذج من الخطب التي كانت تلقى من طرف سلطان الطلبة غالبا ما كان يتخذ صبغة سياسية تتصف بالتهكم و التحقير من السلطة الاستعمارية المقيمة بالمجتمع المغربي، و هو ما حدا بهذه الأخيرة منع هذا النشاط في صفوف الطلبة خوفا من نشوب شغب و انتفاضات في صفوف الطلبة و الجماهير الشعبية على حد قول الكاتب. تخريج عام: يبرز لنا الكاتب من وراء هده الدراسة التي خصصها للسيرة الذاتية لعبد الرحمان المنصوري الأفق المشرق للتعليم الأصيل إبان فترة الاستعمار ، كمد انتفاضي و احتجاجي، تجاه الثقافة الفرنسية المؤدلجة بلغة "لوموسيو"، بما هي لغة استيلابية سعت ضمن مساقها السوسيوثقافي و السياسي إلى تضييق الخناق على اللغة العربية و المتن الإسلامية ذات البعد القيمي من اجل سلب الهوية الوطنية و القومية المتأصلة في البناء النفسي الاجتماعي لمواطن المغربي.و كانت هذه الوضعية في مستواها الاستراتيجي مؤشرا على بروز سياسة التراجع عن مبدأ التعريب لصالح الفرونكوفينية التي ساهمت إلى يومنا هذا في تراجع كفايات اللغة العربية بمختلف تجلياتها المثنية و المعرفية و القيمية و العلمية.