“الشرق شرق والغرب غرب”…لن يلتقيا…هكذا افتتح أحد العلماء محاضرته في حضرة تلامذته، في صباح باكر وفي مدرج غاص عن آخره، طلبة اشرأبت أعناقهم للإستزادة من العلم، من هذا العلم بالتحديد، لأنه علم، كما فهمه النجباء، يستشرف الآتي من الأيام والسنين…. من أباح بالأمس القريب للقوى الغربية أن تدمر العراق؟ وتحت أية مبررات تم هذا الهدم البشع؟ غرب يدمر كل من لا يصطف في صفه…”فمن ليس معنا فهو ضدنا” أوليس هذا كلام زعيم أمريكي يريد الاصطفاف أو القصف…؟ وعلى رأس هذا الغرب أمريكا…، وحضارة بلاد الرافدين، شاهدة على الدمار الشامل .. إنني على يقين تام بأنكم تعلمون لماذا هذا الدمار والخراب؟ وتحت أية ذريعة تم هذا الدمار الشامل؟ قيل وقتها أن صدام يملك أسلحة الدمار الشامل. صدام كان يهدد جيرانه، ولا يتوانى في استفزازهم، ناوش من كل الجهات، لوح بالأسلحة النووية، أعرب عن نيته في استخدام الأسلحة الفتاكة، حاول استدراج بعضهم إلى المعارك المصطنعة،استعرض عضلاته على إخوته الأشقاء/الأشقياء، أراد ضم دولة إلى دولته تحت تبريراته السخيفة التي لا أحد استطاع حملها على محمل الجد، بعد أن عرف- صدام- أنهم أحبوا الكراسي حتى تخشبوا حرك آلته الجهنمية صوب الكويت فضمها ضما، وبالتالي هز المنطقة بخطبه الرعناء…كلام كثير، جله، قيل في حق صدام؛ وغيره قيل عن حكام المنطقة الخليجية…هل، تبين بعد أن دمروا العراق بالكامل، أن صدام لم يكن يملك أسلحة الدمار الشامل، بل لم يكن يملك سوى خطابا جافا يحاول، كل مرة، من خلاله وعبر شفراته، تدمير اليأس الباسط ذراعيه على شعبه المسكين؟ غرب يرعى الديمقراطية التي تخدمه، يغامر من أجلها وحبا في منافعها الجمة…لكن متى، رأى أو أحس، أن هذه الديمقراطية تتنافى ومبادئه، حاد عنها بل عمل على طمسها ومحو آثارها، بله، زحزحتها عن وجهتها بالمرة…، راع الديمقراطية، يريد”لديمقراطيته” أن تنمو وتترعرع وفق تعاليمه السمحة الحسنة، سواء في الشرق أو في الغرب…، يتعهدها بالمآزرة والمراقبة، لا يغفل عنها لحظة واحدة، ولا يتركها في عزلتها قيد أنملة….، لكن حينما قامت الشعوب العربية تنادي بالاستقلال، نعم بالاستقلال عن حكامها الغارقين في التبعية، تبعية عمياء للدول الديمقراطية..، ثاروا ضد “ديمقراطية” مزيفة ومغلفة بالشعارات الطنانة من قبيل: التنمية أولا، الحرية ثانية، …،التعددية ثالثة…، رابعة…أولى يحق للشعوب المقهورة والمضطهدة أن تراجع مبادئ تلكم “الديمقراطية المعلبة” لتكشف، في الحين، زيفها الغارق في التصنيفات والترتيبات: هذه دولة تحترم مبادئ الديمقراطية حسب ما تعارف عليها المجتمع الدول؛ تلك دولة مارقة لا تحترم ولا تطبق الديمقراطية في نظام حكمها؛… ، الغرب نصب نفسه معلما للإنسانية سبل النجاح، وسبل النجاح والتقدم هو سلوك المنهج القويم المتجسد في “الديمقراطية”…هل يحق لنا، بعد هذا الاستطراد، أن نتساءل جميعا، وبصوت عال حتى نزعج حماة الديمقراطية: من كان يرعى حسيني مبارك لعقود من الزمان؟ من عبد له الطريق إلى رئاسة الجمهورية؟ ما موقع المدح والإطراء الذي كان يتلقاه مبارك من الدول الديمقراطية وهو آمن مطمئن على ثروته وأهله؟ من كان يسوق ويوزع انجازاته الوهمية، بالمجان، على كل المحافل الدولية؟ أو لم يكن الغرب بشاهد وعالم عما كان يقوم به مبارك، من اتفاقيات ومعاهدات… ومن صفقات مشبوهة، أضاع على إثرها ملايير الدولارات، دولارات اقتطعت وخصمت من قوت الشعب المصري الغارق في الفقر المدقع؟ تحت أعين راعي “الديمقراطية” كانت الأمور، السرية والعلنية، تجري في مصر، وغيرها من دول المنطقة، تحت عدسة “المراقب العام/حامي الديمقراطية” الذي كان يزن ذبذبات “الديمقراطية” وأصدائها بجميع أنواع الرادارات… من كان يدبر الأمر في ليبيا؟ بعد تعويض ضحايا “لوكي ربي” بكل سخاء، خرج “ألقذافي/ البيد بول” منتصرا، برأ ذمته أمام أهالي الضحايا الأبرياء…استمد “ملك ملوك إفريقيا” قوته ودعمه من الدول الديمقراطية التي كان يمولها بالبترول والدولار، لكن بنفاقه الحاد، كان كلما تلبدت وتبلدت سماء علاقاته مع هذا الغرب، سارع وبهلوسته المعهودة إلى “الطزطزة”، نعم “يطزطز” في وجه الغرب والامبريالية كلما أحس بشيء يزعجه فوق جماهيريته العظمى الاشتراكية..؛ من كان إذن يحمي هذا الطاغوت الذي أرجع عقارب التنمية والتقدم في ليبيا إلى ما قبل التاريخ؟…من مد ابنه بشهادة الدكتوراه؟ أو لم يحصل عليها من أعرق الجامعات؟ حينها مد لقيدوم الجامعة بحفنات من الدولارات كمجاملة لأهل البحث العلمي في الجامعة…أين كانت عيون المخبرين وقت الحدث؟ هل كان حماة الديمقراطية يترنحون بين سنة ونوم؟ بات الغرب يراقب ليبيا، ما بعد وفاة زعيم الزعماء، ويرتب الأوراق والأجندات لتنصيب “السيف” ابن “لمعمر لمعفن بوشفشوفة” البار على رئاسة الجمهورية العظمى… من مد زين العابين بجرعات من “ديمقراطية مسمومة”…؟ وهل كان “ويكي ليكس” مخمورا وقتها ولا قوة له وهو يترنح تحت تأثير الويسكي ليخطف الأحداث ويدونها كشهادات حية “يلعب” بها و”يخرجها” وقت الحاجة؟ الغرب، بعبارة جامعة، يريد مصالحه لا غير، ولا غيرة على المبادئ السمحة للديمقراطية… فلتذهب الديمقراطية إلى الجحيم. لما بان قصد الغرب من كل هذا، جند كل: استراتيجياته، وتكتيكاته، ومكاتب استخباراته، ومعاهده العليا لدراسة كل المناطق، وخاصة دول الخليج العربي، فالبعثات ما شأنها؟ وما شأن كل هذه الترسانات من الوسائل المرئية وغير المرئية المحشودة والمحشورة والمنشورة على كل دول المنطقة…؟ يتساءل الكثير حول ما يقع الآن في سوريا والترتيبات المرتقبة في المنطقة…فالجواب يحتمل الوجوه، والتأويلات تحتمل النقاش الحاد…، هنا صنف حسم المسألة في البداية، ودعا إلى التدخل الفوري للقوى الغربية، وحجتهم في ذلك قطع دابر الخلاف وحقن الدماء…؛ وصنف آخر ذهب أبعد من هذا، ألح على تفكيك الشبكة الإرهابية المتكونة، حسب الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية، من إيران، حزب الله، وحزب البعث الناصري،…هذا المثلث الجاثم على صدور أهل الشام يستدعي تدخلا رادعا لإعادة المنطقة إلى مربعها الآمن، وبالتالي تقليم أظافر طموحات الفرس، واجتثاث فلول “حزب الله” العابث بمصير لبنان “الجريح”…هذا كله، يتطلب تضافر جهود المنطقة برمتها وإعادة تشكيل خارطة تأخذ بعين الاعتبار التواجد الصهيوني الذي يرتب كل يوم شؤون بيته الداخلي، ويسعى إلى زعزعة الاستقرار لدول الجوار، هذا هو المخطط الإسرائيلي منذ أن اقتطع له الغرب دولة فوق أرض فلسطين المغتصبة… ترتيب الأوراق، وفق ما تقتضيه مصلحة الغرب، وليس مصلحة المنطقة، فالمنطقة، تاريخيا كانت مستعمرة من قبل هذا الغرب، الذي أصبح يلقن لغيره مبادئ الديمقراطية، بعد أن تاب توبة نصوحا مما كان يقترفه بالأمس من إبادة جماعية ومسح شامل لدول كانت تصبو إلى الحرية والإنعتاق؛ إن حرص الغرب واهتمامه بالمنطقة أملته ظروف المصلحة والمنفعة، فمن يعتقد غير ذلك فقد أوهم نفسه وهما خطيرا لا دواء له …ويصبح حاله كحال الثعلب مع الديك، حيث قال الشاعر: برز الثعلب يوما *// * في شعار الواعظين ومشى في الأرض يهدي *// * ويسب الماكرين ويقول الحمد لله *//* إليه العالمين ياعباد الله توبوا *// * فهو كهف التائبين واطلبوا الديك يؤذن * // * لصلاة الصبح فينا انه النصح التام الذي قدمه الثعلب لأهل الدوار، حتى يطلبوا دون تريث الديك ليؤذن فيهم، وما إن أذن صاحب الحنجرة الذهبية حتى سارع الثعلب إلى النفر فقال لهم: إن صاحب هذا النفار يوقظ السكان ويحدث الإزعاج… فأذنوا لي سيادتكم بالقضاء عليه، فقالوا بالإجماع أرحنا منه ياأذكى الأذكياء…هكذا كانت النهاية….كما هي النهاية مع زعماء نصبتهم أمريكا عنوة على شعوبها، لكن لما أحست بأنهم لم يقوموا بتنفيذ التعليمات….ها نحن نرى ما يُرتب في الخفاء من سحب للبساط،…،منطقة بالكامل أصبحت سوقا لجميع الأسلحة، مروجون من جميع الأصناف، ميلشيات لا تتقن إلا لغة الدمار…..هذه هي التعاليم السمحة “للديمقراطية” المصونة من قبل هذا الغرب ….غرب يريد تأبيد المنطقة كمحمية له ….لا يريد بديلا غير ما يراه هو…ومتى أزعجته صوت نشاز أمر كما أمر الثعلب قوم الديك ليتخلصوا منه جميعا…إنها، حقا، حكايات الدمار والخراب……..