إعدام صدام حسين صبيحة عيد الأضحى لم يكن تنفيذا لحكم قضائي بل تبليغا لرسالة ،حيث كان من الممكن أن يُعدم بعد حين ما دام الحكم قد صدر ،والحكم قد صدر في حقيقة الأمر قبل ذلك بسنوات وتأكد في اليوم الذي تجرأ و أطلق صواريخ على إسرائيل .مَن أعدم صدام يوم العيد يريد ان يقول أن لا محرمات ولا مقدسات تعلو فوق المقدسات الأمريكية ومقدساتها هي مصالحها،ومَن أعدم صدام يريد أن يعمق العداء بين طوائف الشعب العراقي،ومن أعدم صدام يريد أن يقول بأن أمريكا ما زالت قوية وهي صاحبة القرار في العراق. لم يكن صدام حسين زعيما ملائكيا ولا ديمقراطيا ،كان زعيما بجدارة ولكن حسب الثقافة العربية،زعيما لبلد عربي وفي مرحلة عربية شهدت ثقافة ومتغيرات وأحداث لم يكن يُعرف فيها: الحق من الباطل ،الانجازات من النكسات ،النصر من الهزيمة ،مرحلة تداخل فيها الدين مع السياسة مع الاقتصاد ،الماضي مع الحاضر،الوطني مع القومي مع الدولي،الطائفية مع العرقية مع الديمقراطية ،مرحلة الطموحات الكبيرة والشعارات الكبيرة والقرارات الكبيرة و...الانجازات القليلة .ولأن صدام حسين حكم العراق في زمن المد القومي والمد الاشتراكي وعاصر المد الأصولي و حاول أن يكون زعيما قوميا واشتراكيا ودينيا ،ولأن صدام حسين عاصر الثنائية القطبية وراهن على المعسكر الاشتراكي ،وعاصر المرحلة الضبابية قبل انهيار المعسكر الاشتراكي وحاول اللعب على المتناقضات ،ثم عاصر الأحادية القطبية، فكان أن دفع ثمن المرحلتين السابقتين .لا نريد أن نبيض صفحة صدام حسين بالتهوين من حجم العنف الذي مارسه ضد بعض مكونات شعبه ،الأكراد شعب عريق وكان من حقهم أن تعبروا عن ثقافتهم وكينونتهم وهويتهم ،الشيعة في العراق هم عراقيون كالسنة وكان من حقهم المشاركة بالسلطة بعدالة ،إن لم تكن عدالة صناديق الانتخابات فعدالة العقد الاجتماعي القائم على التراضي والتوافق،والكويت دولة عربية مستقلة ولا يجوز إلغاء وجودها بذريعة الوحدة العربية أو تصحيح خطأ تاريخي فيما كل الجغرافية السياسية للعالم العربي مؤسسة على أخطاء تاريخية .ولكن هل كان الاحتلال الأمريكي للعراق والتدمير الممنهج لهذا البلد،تدمير بنيته التحتية ونسيجه الاجتماعي ووحدته الثقافية وتراثه التاريخي وتغذية الحرب الأهلية ،ثم نشر القواعد العسكرية بالخليج العربي ، ودفع دول المنطقة لتنافس محموم على التسلح الخ ،هل كان كل ذلك عطفا على شعب العراق ودفاعا عنه في مواجهة حاكم طاغية،أو عطفا على شعب الكويت ؟.الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاؤها لم يحتلوا العراق ويفعلوا ما فعلوه للأسباب المشار إليها أعلاه ولكنهم وظفوا هذه الممارسات للنظام العراقي لينفذوا أهدافا ويحافظوا على مصالح إستراتيجية كان صدام حسين يشتغل على ما هو نقيضها ،أستُهدف عراق صدام حسين لأنه كان يسعى لتحقيق أهداف هي أقرب للمستحيل ولكن مجرد المحاولة كانت تزعج الغرب ،فالمحاولة قد تنجح إن لم يكن مع صدام فمع غيره وإن لم تنجح فستبقى حلما يلهم الشعوب العربية،هذا (المستحيل المشروع) إن صح التعبير له بعد أو شق وطني وبعد قومي ،أما الشق الوطني فهو سعي صدام حسين للحفاظ على وحدة العراق في دولة واحدة قوية ومتحضرة ،وهذا المسعى يشبه المستحيل لمن يعرف تاريخ العراق سواء القديم أو تاريخه الحديث منذ الاحتلال البريطاني حتى مجيء صدام للحكم ،وقد نجح صدام ولو بالعنف وإرهاب الدولة من تحقيق هذا الهدف بشكل ما ،مما أزعج جيرانه وخصوصا إيران وأزعج الغرب وعلى رأسه الولاياتالمتحدة .أما البعد الثاني فهو البعد القومي ،حيث سعى صدام لتحقيق حلم كانت تتوق إليه الشعوب العربية وهو الوحدة العربية ونصرة الشعب الفلسطيني ،وعمل صدام من اجل ذلك بطريقته الخاصة والمتفردة،فيما هذان الهدفان لن يكتب لهما النجاح إلا ضمن إستراتيجية عمل عربية مشتركة.سعي صدام حسين لتحقيق هذه الأهداف في زمن الهيمنة الأمريكية ونظام دولي يتسم بالأحادية القطبية ،وجيران غير متعاونين إن لم يكن معارضين ومعادين،كان يجعل منها أهدافا مستحيلة بالرغم من مشروعيتها ،ولكن حتى المحاولة كانت مرفوضة أمريكيا وإسرائيليا لأنها ستذكر العراقيين بأنهم شعب واحد وتذكر العرب بأنهم أمة واحدة ، وكان لا بد لهذه التجربة أن تفشل أو تضرب وحتى يكون ذلك لا بد من ذرائع فكان خطاب حقوق الإنسان وأسلحة الدمار الشامل وتهديد الجيران الخ . انتهى صدام الشخص والرئيس بطريقة تسيء لقاتليه ولكن فيها شموخ وكرامة له ولمن يؤمن بالفكرة (المستحيل المشروع )التي كان يسعى إليها.مَن أعدم صدام بالطريقة والتاريخ المختاران بطريقة مستفزة إنما كان يريد أن يؤجج ويؤبد الخلافات الطائفية،والأمر متروك لشعب العراق ليشق طريقه مستفيدا من أخطاء الماضي وخطايا الحاضر . ____________