أخاف على هذا العالم الأعمى من قلوب صارخة لايسمع صراخها إلا القليل من الناس الذين لا زالت الحياة تتدفق إلى قلوبهم حين يمسون وحين يصبحون .. أخاف على هذا العالم الأصم من قلوب ضارعة ترفع مظلوميتها إلى خالقها في هذه الأيام الاستثنائية مناجية وراجية .. أخاف على هذا العالم الأبكم من قلوب وجلة تحترق غيرة وترتجف لهفة وترتعد خشية وتعتصر ألما وتتحسر على الإنسانية التي تنتهك في هذه المحطة الفاصلة من تاريخها .. أصبحت أخشى عليك يا أمة رسولها خرج من الغار بنور أضاء الوجود وأنار الدروب وعرّف العالم بربه و أغدق الرحمات على العالمين .. أصبحت أخشى عليك يا أمتي أن تهربي من النور الذي خرج من الغار وتلجي ظلمة الغار الى الأبد .. أيها العالم، أما كفتك بحار الدماء التي سالت في حروبك الباردة و الساخنة والخارجية و الداخلية .. اما كفتك أنهار الدموع التي سالت من مقل اليتامى و الثكالى و الضعفاء.. أيها العالم أما كفتك وديان العرق التي سالت من أجساد المضطهدين والمرحّلين و المنفيين و المسجونين .. !؟؟ إن لم تشفق على ظهر السجين الذي تعوّد الجلد فأشفق على يد الجلاد المتدرِّب .. كفانا من الجلادين يا عالم الظلم ، نريد طبيبا يضمد الجراح، وممرضة تمسح الدموع، ومعلما يزرع فينا بذور المحبة و السلام.. أيها العالم اخش ربك واحذر من دعاء مظلوم يخترق الحجب في جوف الليل … أيها العالم، ما ذنب فلسطين سوى أنها أرادت منع الخنزير من تدنيس مسرى الأنبياء..؟ ما ذنب سوريا سوى أنها قالت للظلم ارحل..؟ ما ذنب بورما سوى أن أهلها قالوا: ربنا الله ..؟؟ ما ذنب مصر سوى أن الصهاينة لا يريدونها أن تتغير وتتحرر ..؟ ما ذنب ليبيا سوى أن القذافي استخف قومه لعقود فأطعوه ..؟ ما ذنب الجميع… ؟؟ وما ذنب المغرب بين هذا الركام غير أن عقارب حكومته الخضراء لم تعد ترى صحاريه القاحلة بعدما الفت حياة البساتين مع الأفاعي ..؟؟ أيها العالم، ما ذنبي أنا حتى أرى كل ليلة الموت على شاشات التلفاز يفترس الإنسانية بمنتهى التوحش ..؟ ما ذنبي أنا حتى أرغم على الرحيل من قنواتنا التي لم تحترم حرمة رمضان ولا ذوق الشعب..؟ ما ذنبي أنا حتى احرم من ابسط الحقوق في ظل حكومة قالوا أنها المنقذ من المأزق فإذا بها تسير بنا في مآزق ومضايق لا يعلم منتهاها إلا الله..؟؟(…). أيها العالم، إني لا أخشى عليك أنت بقدر ما أخشى على ما بقي فيك من الإنسانية.. أجل، أخشى على الصورة البشعة التي أخذها عنك جيلنا الصاعد ، هذا الجيل الذي لم يعد يطيق أكثر مما طاقه أجداده و آباءه .. أخاف عليك يا عالمي من قلوب صارخة في النهار ضارعة في الليل، أحس باضطراب شديد في جوفها تنتفض بقوة البركان وتتدفق دعاء يصعد إلى السماء صاروخا، يقول: “رب إني مظلوم، مغلوب، مقهور، مضطر فانتصر”.. {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }(النمل:62).