أجدني مرة أخرى بعد سقوط الشهداء تباعا، مضطرا لتحذير المغاربة مواطنين ومواطنات مناضلين ومناضلات عاطلين وعاطلات من آلة القتل المخزنية العمياء، فلربما لم يصل تحذيري السابق إلى الكثير منهم، فالمخزن لم يكفه سقوط الشهيد العماري الذي لم تجف دماؤه لحد الساعة ولم تطفئ لوعة والديه وأحبائه وجموع المسفويين لا تقرير هيئة الصبار، ولا نتائج التحقيق التي وعد بها الجميع، ولأنه لم يقدم أحد للمحاكمة ولم يعاقب أي شخص فقد استرخص زبانية المخزن دماء المغاربة، فأصبحت تراق في الشوارع كل يوم إما قتلا أو جرحا، فبعد شهداء الناظور وبركان وآسفي ها هو "الوطن ينجب في الحسيمة أخا"اسمه الحساني على يد بلطجية المخزن الذين يتحرشون بالمسيرات والوقفات في كل مناسبة وعند أول فرصة، ولأنه من المتوقع جدا أن يزداد سعار الآلة المخزنية بمناسبة الانتخابات، وقد بدأت تلوح لها في الأفق النتيجة الكارثة بعد امتناع نصف الكتلة الناخبة عن التسجيل في اللوائح. وحيث إنه من المحتمل سقوط شهداء جدد، فالاعتقالات الواسعة في صفوف المقاطعين مستمرة بشراسة، والتضييق مستمر والتعنيف مستمر وأساليب الترهيب والقمع لم تحقق نتائجها المرجوة ولم تفت من عزائم المناضلين في كافة المدن المغربية. فلهذا أنشر هذا التحذير:النزول إلى الشارع، مقاطعة الانتخابات، المشاركة في مسيرات 20فبراير ليوم الأحد، الوفاء لتضحيات هذا الشعب، تحقيق التغيير، إسقاط الفساد، إسقاط الاستبداد ممنوع على كل من لا يعتبر نفسه مشروع شهيد، ممنوع على كل من لم تراوده الرغبة في الشهادة لإعلاء كلمة الله وراية الوطن. وإلى إشعار آخر يبقى السؤال الذي ينبغي أن يطرح الآن، هل كان سقوط الشهيد كمال العماري رحمه الله في ساحة العزة والكرامة والحرية بآسفي أو سقوط غيره من المناضلين في مدن أخرى مستبعدا أو غير متوقع؟ للأسف لا، فبالنظر إلى الهمجية والوحشية والحقد الذي تم بها تفريق وقفات ومسيرات حركة 20 فبراير في كل مدن المغرب، وبالنظر إلى طرق القمع الممنهجة التي لم تفرق بين الأطفال والنساء والشباب المسالمين العزل، وبالنظر إلى حشود القوات العمومية غير المسبوقة في كل تظاهرة -الأطباء الأساتذة الأئمة العدول المعاقون – وكل تلك الحملات الإعلامية و"التحركات الشعبية" المفبركة المشبوهة، كل ذلك عزز الإحساس لدى كل المتابعين على نية مبيتة في القتل، وأعطى الانطباع بأن هناك قرارا سياسيا محسوما اتخذ لقمع المظاهرات والمحتجين بأي وجه كان، ولو اقتضى الأمر استعمال الذخيرة الحية -كما وقع في سجن الزاكي بسلا- وليس فقط الهراوات فشعار أنظمة الاستبداد العربي المفرد الأوحد المتفق عليه "نحكمكم أو نقتلكم". ففي آسفي وقبل أن يسقط كمال العماري شهيدا متأثرا بجراحه بأيام، تواترت الروايات والشهادات ومقاطع الفيديو من المناضلين والمواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي، متحدثة عن تجاوزات صارخة لرجال الأمن، وأجمعت على أن رجال البوليس بعد أن يختطفوا الناس ويعذبوهم في "المطار"، ويشبعوهم إهانة وإذلالا يقومون بتجريدهم من ملابسهم وأحذيتهم ويسلبونهم الأموال والهواتف النقالة، ثم يقومون بإلقائهم في أماكن نائية بعيدة مليئة بالعقارب والحيات، لا يفرقون في ذلك بين الذكور والإناث، فهل تحركت السلطات الأمنية والنيابة العامة حينئذ لفتح التحقيق ومباشرة التحريات؟ للأسف لا وألف لا، لأن النظام اختار التصعيد، وتوالي الاحتجاجات كشف أن المغرب ليس استثناء وكل ذلك اللين والمرونة اللذان أبداهما عند بداية الاحتجاج هما مناورة لامتصاص الغضب واجتناب الاصطدام، لكن التيارات الاستئصالية المسيطرة بعد تلقيها لضمانات من جهات غربية - لوبيات يهودية فرنسية وأمريكية وجهات عربية خليجية- وفرت لها غطاء سياسيا ودعما ماليا وتعمية إعلامية*انتصر خيار القمع الدموي الذي لا يؤمن بالحوار أو التفاوض، وقد قوى هذا الخيار تحالف وتواطؤ الهيئات الحزبية والنقابية والسلفية التقليدية ومؤسسات الإسلام الرسمي مع النظام. ونجحوا جميعا في تشكيل جبهة موحدة ضد حركة 20 فبراير -التي لم تغير سقف مطالبها كما يروج- للحفاظ على مصالحهم وامتيازاتهم، فكل المرتبطين مصيريا وُسريا بالمؤسسة المخزنية متيقنين من غرقهم إن هي غرقت، فليس من صالحهم أي خلخلة في بنية النظام، وخوفا من أن تفقد الجهات الحاكمة السيطرة على الشارع مع استمرار وتيرة الاحتجاج وارتفاعها أعطي الضوء الأخضر للمؤسسة الأمنية للتصعيد لعدة أسباب لعل أهمها :أولا فرملة وتيرة الاحتجاجات، ثانيا الإيحاء بأن الدولة تسيطر وتتحكم في الأوضاع وثالثا تخويف الشعب وإرهابه. ولأننا متنا في جلودنا من الخوف و"حصل لنا الرعب" كما يقول المصريون فإننا نصرخ: احذروا أيها المغاربة، فالنظام سيقتلكم إن أنتم طالبتم بحقوقكم في التعليم والصحة والشغل والسكن اللائق والكرامة والحرية، إن أنتم قلتم لا للفساد والاستبداد والرشوة ونهب المال العام، إن أنتم طالبتم بالديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية وحياة سياسية حقيقية، سيقتلكم إن قلتم لا في الشارع أو في بيوتكم أو حتى في أنفسكم سيقتلكم، هذه هي الرسالة لا يهم أن تكونوا مسالمين ولا عزلا ولا حضاريين، سأقتلكم وسيوقع أطبائي شهادة وفاتكم أجمعين، وسأعلن في قنواتي أن "وباء الحرية" أصابكم وصرتم معدين، لذا وجب الحجر والنحر، وسأمشي في جنائزكم وأدعوا لكم مع الداعين، أو "ادخلوا مساكنكم" وسأمنحكم دستورا على المقاس، وحكومة يرأسها عباس، وأحزابا لا يثق فيها الناس، وانتخابات إن قاطعتموها كلكم فلا باس. هذه رسالة المخزن للناس، ورسالتنا نحن أبناء الشعب أن كل قطرة دم هي شرارة نار تحرقكم، وأن كل صفعة أو ركلة أو لطمة هي ضربة معول تدك معاقلكم، وحينئذ لن تحميكم لا أمريكا ولا فرنسا، فلستم أعز عليهم ولا أهم من بن علي أو حسني مبارك أو القذافي فمصيركم "كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منكم إني أخاف الله رب العالمين" غدا سيتبرؤون منكم ويحترمون إرادة الشعب، سيجمدون أرصدتكم ويتابعونكم في محاكم العدل الدولية كالجرذان، وأكثرهم وفاء لكم وإخلاصا سينعيكم في جملة واحدة " لقد فقدنا حليفا مخلصا" وتعزيته لكم حينئذ إدانة بالخيانة. فهل من معتبر؟ [email protected]