قالت مؤسسة الازهر، أكبر مرجع ديني في مصر إنها تناصر مناصرة تامة إرادة الشعوب العربية المنتصرة في تونس ومصر وليبيا والمحتدمة في سوريا واليمن، وقوى التجديد والإصلاح، مدينة في ذات الوقت ما أسماها الازهر الات "القمع الوحشية" التي تُحاول إطفاء جذوة إرادة الشعوب العربية. وطالب الازهر في بيان له توصلت "الرهان" بنسخة منه المجتمع العربي والإسلامي أن يتّخذ مبادرات حاسمة وفعّالة لتأمين نجاح بأقلِّ قَدْرٍ من الخسائر، تأكيدًا لحقِّ الشُعوب المطلق في اختيار الحُكّام، وواجبِها في تقويمهم مَنعًا للطُّغيان والفساد والاستغلال، فشرعيّةُ أيّة سُلطةٍ مرهونةٌ بإرادة الشّعب، وحقّ المعارضة الوطنيّة السّلمية مكفولٌ في التّشريع الإسلامي في وجوب رفع الضّرَر، فضلاً عن كونه من صميم حقوق الإنسان في المواثيق الدّولية جميعًا.على الحكام أن يبادرو إلى تحقيق الإصلاح السياسي والاجتماعي والدستوري طَوْعًا، والبَدْء في خَطَوات التّحوُّل الدِّيموقراطي، فصَحْوَةُ الشّعوب المضطهدة قادمة لا محالةَ، وليس بوسع حاكمٍ الآنَ أن يحجبَ عن شعبه شمس الحريّة، ومِن العار أن تظلَّ المنطقة العربية وبعض الدول الإسلامية في دائرة التّخلُّف والقَهْر والطُّغيان. وهذا نص البيان كما توصلنا به: الأزهر الشريف - مكتب شيخ الأزهر بيان الأزهر و المثقفين لمناصرة الحراك العربي __________ انطلاقًا من إدراك كبار علماء الأزهر، ومجموعة المثقفين المشاركين لهم، لمتطلبات المرحلة التاريخية المفصلية، التي تمر بها شعوب الأمة العربية في نضالها المشروع للحرية والعدالة والديموقراطية، واستئناف مسيرتها الحضارية؛ واستلهاماً لروح التحرر في الإسلام، والمتطلبات الفقهية لمشروعية السلطة، ودورها في الإصلاح وتحقيق المقاصد والمصالح العليا للأمة، واتساقاً مع مواقف الأزهر الشريف، وقادة الفكر في مصر والوطن العربي، في دعم حركات التحرر من المستعمر الغاشم والمستبد الظالم، وإيماناً من الجميع بضرورة يقظة الأمّة للأخذ بأسباب النّهضة والتّقدُّم، وتجاوز العَثَرات التاريخية، وإرساء حقوق المواطنين في العدالة الاجتماعية، على أساسٍ راسخٍ من مبادئ الشريعة وأصولها، بما تتضمَّنه من حِفظ العقل والدِّين والنّفس والعِرْضِ والمال. وسَدِّ الطريق أمام السُّلطة الجائرة التي تحرم المجتمع العربي والإسلامي من دخول عصر التّألُّق الحضاري، والتقدم المعرفي، والإسهام في تحقيق الرخاء الاقتصادي والنّهضة الشاملة – انطلاقًا من كل ذلك: فإنّ المجموعة التي أصدرت وثيقة الأزهر ومثّلت مختلف ألوان الطيف الفكري في المجتمع المصري، قد أدارت عِدَّة حوارات بنّاءة، حول ما حققته الثورات العربية مِن تفاعُل خصبٍ، وتجاوب حميم بين مختلف المشارب والتيارات، وتوافَقَت على جُملة المبادئ المستمدة من الفكر الإسلامي، والطموحات المستقبلية للشعوب العربية، وانتهت برعاية الأزهر الشريف إلى إعلان ضرورة احترام المواثيق التالية : أولاً : تعتمدُ شرعية السُّلطة الحاكمة من الوجهة الدينية والدستورية على رضا الشُّعوب، واختيارها الحرّ، من خلال اقتراع عَلَنِيٍّ يَتمُّ في نزاهة وشفافية ديموقراطية، باعتباره البديل العصري المنظِّم لما سبقت به تقاليد البَيْعَة الإسلامية الرّشيدة، وطبقًا لتطوُّر نُظُم الحكْم وإجراءاته في الدّولة الحديثة والمعاصرة، وما استقرَّ عليه العُرف الدستوري من توزيع السُّلُطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والفصل الحاسم بينها، ومن ضبط وسائل الرّقابة والمساءلة والمحاسبة، بحيث تكون الأمّة هي مصدر السُّلطات جميعًا، وهي مانحة الشرعية وسالبتها عند الضرورة. وقد دَرَجَ كثيرٌ من الحكّام على تعزيز سلطتهم المطلقة مُتشبِّثينَ بسُوء الفهم للآية القرآنية الكريمة: " أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ "{4/59} متجاهلين سِيَاقَها الشّرطي المتمثِّل في قوله تعالى قبل ذلك فى الآية التي تسبق هذه الآية مباشرة: " إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ " {4/58} ممّا يجعل الإخلال بشروط أمانة الحكْم وعَدَم إقامة العدل فيه مُسَوِّغًا شرعيًّا لمطالبة الشعوب للحكام بإقامة العدل، ومقاومتها للظلم والاستبداد، ومن قال من فقهائنا بوجوب الصبر على المتغلب المستبد من الحكام حرصًا على سلامة الأمة من الفوضى والهرج والمرج – فقد أجاز في الوقت نفسه عزل المستبد الظالم إذا تحققت القدرة على ذلك وانتفى احتمال الضرر والاضرار بسلامة الأمة ومجتمعاتها . ثانيا: عندما يرتفع صوت المعارضة الوطنية الشعبية والاحتجاج السِّلميّ، الذي هو حقٌّ أصيلٌ للشُعوب لتقويم الحكّام وترشيدهم، ثم لا يستجيب الحكّام لنداء شعوبهم، ولا يُبادرونَ بالإصلاحات المطلوبة، بل يُمْعِنونَ في تجاهل المطالب الوطنية المشروعة التى تنادى بالحرية والعدالة والإنصاف، فإن هؤلاء المعارضين الوطنين لا يُعَدُّون من قَبيل البُغاة أبَدًا، وإنّما البُغاة هم الّذين تحدَّدت أوصافُهم فِقهيًا بامتلاك الشَّوكة والانعزال عن الأمَّة، ورَفع الأسلحة في مواجهة مخالفيهم، والإفساد في الأرض بالقُوّة، أمّا الحركات الوطنية السِّلميّة المعارضة، فهي من صميم حقوق الإنسان في الإسلام التي أكّدتها سائر المواثيق الدّوليّة، بل هي واجب المواطنين لإصلاح مجتمعهم وتقويم حُكّامهم، والاستجابة لها واجبٌ على الحكّام وأهل السُّلطة، دونَ مُراوغةٍ أو عنادٍ. ثالثا: تُعَدُّ مواجهة أيّ احتجاج وطني سِلميّ بالقوّة والعُنفِ المسلَّح، وإراقة دماء المواطنين المسالمين، نقضًا لميثاق الحكْم بين الأمّة وحكّامها، ويُسقِطُ شرعيّةَ السُّلطة، ويهدر حقَّها في الاستمرار بالتَّراضِي، فإذا تمادتِ السُّلطةُ في طُغيانها، واستهانت بإراقة دِماء المواطنينَ الأبرياء، حِفاظًا على بقائها غير المشروع – على الرغم من إرادة شعوبها - أصبحت السلطة مدانة بجرائم تُلَوِّثُ صفحاتها، وتقتضي القصاص من مُرتكبيها، بل تُوجبُ عَزْلَ الحاكم وأتباعه ومحاسبتهم، وتغيير النِّظام بأكمله، مهما زعموا من حِرصهم على الاستقرار، أو مواجهتهم للفِتَنِ والمؤامرات، فانتهاكُ حرمة الدَّم المعصوم هو الخطّ الفاصل بين شرعية الحكم وسقوطه في الإثم والعدوان. وعلى الجيوش المنظّمة – في أوطاننا كلِّها - في هذه الأحوال أن تلتزم بواجباتها الدّستورية في حماية الأوطان من الخارج، ولا تتحوّل إلى أدواتٍ للقمع وإرهاب المواطنين وسفك دمائهم؛ فإنه" مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا "{5/32}. رابعا: يَتعيَّنُ على قوى الثورة والتّجديد والإصلاح أن تبتعد كليًا عن كل ما يؤدى إلى إراقة الدماء، وعن الاستقواء بالقوى الخارجية أيًا كان مصدرها، ومهما كانت الذرائع والتعلات التي تتدخل بها في شؤون دولهم وأوطانهم وإلا كانوا بغاة خارجين على أمتهم وعلى شرعية دولهم. ووجب على السلطة حينئذ أن تردهم إلى وحدة الصف الوطني الذي هو أول الفرائض وأوجب الواجبات . وعلى قوى الثورة والتجديد أن تتّحدَ في سبيل تحقيق حُلمِها بالعدل والحريّة، وأن تتفادى النزاعات الطائفية أو العرقية أو المذهبية أو الدينية، حِفاظًا على نسيجها الوطني، واحترامًا لحقوق المواطنة، وحَشدًا لجميع الطّاقات من أجل تحوُّل ديموقراطيٍّ يتمُّ لصالح الجميع، في إطار من التّوافُق والانسجام الوطني، يهدف لبناء المستقبل على أساسٍ من المساواة والعدل، وبحيث لا تتحوَّلُ الثّورة إلى مغانم طائفية أو مذهبية، أو إثارة للحساسيات الدّينية، بل يتعيّن على الثوار والمجددِّين والمصلِحِين الحفاظ على مؤسسات دولتهم، وعدم إهدار ثرواتها، أو التّفريط لصالح المتربِّصينَ، وتفادي الوقوع في شرك الخلافات والمنافسات، والاستقواء بالقوى الطامعة في أوطانهم أو استنزاف خيراتها. . خامسا: بناءً على هذه المبادئ الإسلامية والدستورية، المعبِّرَة عن جوهر الوَعْيِ الحضاريّ؛ فإن علماء الأزهر وقادة الفكر والثقافة يُعلنونَ مناصرتهم التّامة لإرادة الشعوب العربية المنتصرة في تونس ومصر وليبيا، والمحتدمة في سوريا واليمن، وقوى التّجديد والإصلاح في غيرها، ويدينون آلات القمع الوحشية التي تُحاول إطفاء جذوتها، ويَهيبونَ بالمجتمع العربي والإسلامي أن يتّخذ مبادرات حاسمة وفعّالة لتأمين نجاحها بأقلِّ قَدْرٍ من الخسائر، تأكيدًا لحقِّ الشُعوب المطلق في اختيار الحُكّام، وواجبِها في تقويمهم مَنعًا للطُّغيان والفساد والاستغلال، فشرعيّةُ أيّة سُلطةٍ مرهونةٌ بإرادة الشّعب، وحقّ المعارضة الوطنيّة السّلمية مكفولٌ في التّشريع الإسلامي في وجوب رفع الضّرَر، فضلاً عن كونه من صميم حقوق الإنسان في المواثيق الدّولية جميعًا. سادسا: يُناشدُ علماء الأزهر والمثقّفون المشاركون لهم النّظم العربيّة والإسلاميّة الحاكمة يناشدونهم الحرص على المبادرة إلى تحقيق الإصلاح السياسي والاجتماعي والدستوري طَوْعًا، والبَدْء في خَطَوات التّحوُّل الدِّيموقراطي، فصَحْوَةُ الشّعوب المضطهدة قادمة لا محالةَ، وليس بوسع حاكمٍ الآنَ أن يحجبَ عن شعبه شمس الحريّة، ومِن العار أن تظلَّ المنطقة العربية وبعض الدول الإسلامية في دائرة التّخلُّف والقَهْر والطُّغيان، وأن يُنسَبَ ذلك ظُلمًا إلى الإسلام وثقافته البريئتين من هذا البُهتان، كما يتعيَّن على هذه الدُّوَل أن تشرع على الفَوْر في الأخذ بأسباب النّهضة والتّقدُّم في العلم والحرية والإنتاج المعرفي، واستثمار طاقاتها البشريّة وثرواتها الطبيعية خِدمةً لمواطنيها، وتحقيقًا لسعادة البشرية كلِّها. هذا، ولا يحسبنّ أحدٌ من رعاة الاستبداد والطغيان أنه بمنجاةٍ مِن مصير الظالمين، أو أن بوُسْعِهِ تضليل الشعوب، فعصرُ الاتصالات المفتوحة والانفجار المعرفي، وسيادة المبادئ الدينية والحضارية النَّيِّرَةِ، ونماذج التّضحية والنِّضال المشهودة عيانًا في دنيا العرب، كلُّ ذلك جعل من صّحوَة الناس شعلة مُتوهِّجَة، ومن الحرية راية مرفوعة، ومن أمَلَ الشّعوب المقهورة في الغد الكريم باعثًا يحدوها للنِّضال المستميت حتى النّصر. وليكف الجاهلون بالدِّين، والمشوِّهون لتعاليم الإسلام، والدّاعون لتأييد الطغيان والظلم والاستبداد عن هذا العبث الذي لا طائل وراءه. "وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ "{12/21}- اللهم إنا نسألك رحمة تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها شملنا، وتردُّ بها الفتن عنا يا ربَّ العالمين. مشيخة الأزهر في : 3 من ذي الحجة سنة1432ه الموافق : 30 من أكتوبر سنة 2011 م شيخ الأزهر أحمد محمد الطيب المصدر: http://waag-azhar.org/news_archive1.aspx?id=442 http://www.raissouni.org/?info=3234